الذكرى 70
لمعركة الجرف
المنطقة الاولى التاريخية
25-24-23-22 سبتمبر 1955
معركة الجرف هي مشهد تاريخي من مشاهد المعارك الحربية الكبيرة في تاريخ الثورة الجزائرية، كتب عن هذه المعركة الجنرال بوفر قائد الفرقة الثانية للمشاة واصفا هذا المشهد بقوله: تجابه قواتنا أعنف عمليات هجومية تصدت لها عمليات التمشيط... ضد الأوراس النمامشة... تمثلت في قلعة الجرف... جبل قاحل مجدب... والمرابطون به أشداء كالصخور لا تتفتت .
يقع جبل الجرف على بعد 100 كلم إلى الجنوب الغربي من مدينة تبسة مقر الولاية، وعلى بعد 110كلم جنوب شرقي مدينة خنشلة وغربي بئر العاتر ب200كلم . يحده من الشمال الشريعة وجبل قساس ومن الجنوب الشرقي قرين ومن الشرق يحده جبل العنق، جبل غيفوف، على امتداد الطريق الوطني رقم10 الرابط بين تبسة والشريعة
تحويل مركز قيادة المنطقة الاولى (الولاية الاولى) من القلعة بخنشلة إلى الناحية الشرقية من تبسة:
إثر القاء القبض على البطل مصطفى بن بولعيد وهو في طريقه الى تونس، ظهرت فكرة تحويل مركز القيادة إلى تبسة بعدما اتفقت القيادة المتمثلة في بشير شيحاني نائب قائد المنطقة الأولى مصطفى بن بولعيد وعباس لغرور وعاجل عجول على تغيير مقر الإدارة، وبالضبط في وادي هلال
وكان لانتقال القيادة إلى الجبهة الشرقية من الاوراس تبسة هو تقريب القيادة الثوية من المجاهدين في هذه النواحي ودراسة كيفية تنويع الخطط الحربية وتعبئة الجماهير... والعمل على نصب الكمائن وتنفيذ العمليات قصد توجيه عساكر العدو من خلال هذه العمليات خارج المدن، لإضعافه من جهة وتخفيف الضغط على منطقة الشمال القسنطيني بعد هجومات 20 أوت1955 من جهة اخرى، وهذه من أهم الأسباب التي جعلت قوات العدو تلاحظ حركة المجاهدين بجبال اللمامشة الشيء الذي دفعها لإعداد العدة والعتاد للقضاء على مراكز المجاهدين في هذه الجبال تزامنا مع الاجتماعات التي عقدت قبيل معركة الجرف.
الاسباب والظروف:
لم تكن معركة الجرف نتيجة الصدفة ولا نتيجة كشف العدو للمجاهدين كما ورد ذكره، إنما كان مخططا لها بحكمة وتأني، لتحقيق جملة من الأهداف، لقد قامت هذه المعركة بعد عشرة أشهر فقط من اندلاع الثورة، ولم تكسب صدا دوليا بعد، بسبب التعتيم الاستعماري أمام المنظمات الدولية، كما عانت الثورة من شك الكثير من البلدان الشقيقة من إمكانية نجاحها واستمرارها، بعد أن تأكدت فرنسا أن الضربات الموجعة التي تلقتها أول نوفمبر 1954 ليست مجرد عصيان عابر هو أكبر من ذلك بكثير، وفي غياب مصطفى بن بولعيد، تعرضت المنطقة الأولى لحصار خانق ولمسح عسكري شامل، قام القائد بشير شيحاني نائب مصطفى بن بولعيد بإعداد خطة مضادة وتوزيعها على كافة القادة ومجموعات وفروع جيش التحرير الوطني اشتملت على المستوى العسكري التكتيكي مما أدى إلى الاصطدام بوقوع معركة أم الكماكم في23 جويلية 1955 بقيادة بشير شيحاني. ولقنت عساكر فرنسا درسا لن ينس حين عجزت القوات الفرنسية في القضاء على المجاهدين مما جعلها للانتقام واسترجاع هيبتها، خاصة هجومات 20 أوت 1955 بالشمال القسنطيني.
وبعد عقد عدة لقاءات برئاسة شيحاني بشير حضرها المناضلون وعموم الشعب وأعيان العروش، بغرض تقريب الثورة من المواطنين والتعريف بأهدافها لنفي دعاية العدو المغرضة والحرب النفسية من أن المجاهدين ليسوا فلاقة وقطاع طرق فكان لقاء رأس الطرفة ناتجة هذه الاجتماعات في يوم 20 سبتمبر 1955، وتشاء الصدفة أن يكون آخر اجتماع يترأسه شيحاني، وقد حضر هذا الاجتماع معظم قادة المنطقة الأولى: بشير شيحاني، عباس لغرور، عجول، عمار بن بولعيد، شريط، سيدي حني، الوردي قتال، ساعي فرحي، محمد عجرود وغيرهم ومن أعيان تبسة، الشريعة، قنتيس، بابار، زوي، تبردقة، بئر العاتر... وخطب البطل شيحاني في الحضور ومما ورد فيه: "أشهدي علينا يا جبال يا كهوف وأشهد يا شعب أننا مجاهدون في سبيل االله وفي سبيل الاستقلال وليست لنا أهداف أخرى ". كما قال:"... ولا شك أن من بينكم من سيسارع بالتبليغ عنا... ولهؤلاء نقول بلغوا فرنسا بأمانة عن حقيقة المجاهدين" . وختم شيحاني الاجتماع بقول:"إذا أردتم أن تتأكدوا من نجاح الثورة فإن ذلك مجسد أمامكم، قيادة عليا بدمها ولحمها توضح لكم معالم الطريق محروسة بـ300 مجاهد، أما من يريد أن يتحداها فله أن يذهب لتوه ليحز العدو بما شاهد وبما سمع، وللثورة رأي فيه، ولمن أراد أن يؤدي واجبه نحوها فذلك شرف له ولها والأيام بيننا" . ثم طلب من الجميع الانصراف ومغادرة المكان على جناح السرعة لتفادي أي طارئ لأن كل المعلومات التي كانت ترد إليه تباعا تتحدث عن تقدم حشود من القوات الفرنسية، فأخذت كل مجموعة تنسحب إلى الجبهة الموجهين إليها، كما انطلق المسؤولون على الخيل إلى جنوب وادي هلال أين يوجد مركز جيش التحرير الوطني بالمكان المسمى مسحالة .
وقبل انطلاق المسؤولين تلقى شيحاني رسالة من باشاغا خنشلة بوعلام بن شنوف يؤكد خبر عزم قوات العدو على القيام بعملية تمشيط لجبال النمامشة ، فقرر بشير شيحاني الاعتصام بالجرف.
في 21 سبمتبر 1955 اعطيت الاوامر بالتمركز بالمواقع المناسبة وتقسيم انحاء القلعة إلى قطاعات ومواقع دفاعية تتناسب مع الأفواج المشكلة من حوالي300 مجاهد مسلح، استعدادا للمعركة.
تعداد القوة الاستعمارية بالمنطقة الاولى:
حتى شهر جويلية 1955 قدرتعداد الجيش الاستعماري بـ: 4فيالق وطابور مغربي بأريس، 6 فيالق وطابور مغربي بخنشلة، فيلق واحد وطابور مغربي وكتيبة صحراوية بجنوب بسكرة، 3 طوابير مغربية وكتيبتان متنقلتان من اللفيف الأجنبي منتشرة بتبسة، و2 فيلقان و06 سرايا بباتنة، وهي مجهزة بالمدرعات والمجنزرات والطائرات المقنبلة والهيليكوبتر.
بداية المعركة:
تقدمت حشود قوات العدو المعززة بالآليات الحربية الخفيفة والثقيلة محمية بسلاح الطيران نحو المنطقة للقضاء على المجاهدين المرابطين بقلعة الجرف، ومع فجر يوم 22 سبمتبر 1955 سمعت أصوات محركات الآليات الحربية تملأ محيط الجرف استعدادا للتحرك، وعند بزوغ الشمس أفادت مختلف نقاط المراقبة بأنها تشاهد الطلائع الأولى لقوات العدو الراجلة والراكبة تتقدم على محاور كثيرة وفي حدود الساعة الثامنة صباحا، حلق طيران الاستطلاع في سماء قلعة الجرف ولما ايقن بوجود بعض المدنيين ألقى قنابل دخانية إشارية تحدد النقاط المستهدفة باشرت مدفعية العدو في القصف، وبدأت المواشي تتطاير مع شظايا القنابل، وبعد ساعة من القصف شرعت الطائرات بالقنبلة، وفي حدود الساعة العاشرة بدأت المعركة فعليا على الأرض بين دبابات العدو والمجاهدين المتمركزين على أطراف القلعة من الجبهة الشمالية والجبهة الجنوبية والجبهة الشرقية . وكان العدو قد بدأ قصف مراكز المجاهدين الدفاعية بسلاح المدفعية ثم أعقب هذا القصف تقدم سلاح المشاة من اللفيف الأجنبي تتقدمهم الدبابات، غير ان جهل قوات العدو بطبيعة بالأرض تسبب في هزيمتها مبكرا خلال اليوم الأول للمعركة، وقد حاول المجاهدون ايجاد منافذ للخروج من الميدان دون جدوى فتهيؤا وجهزوا أنفسهم لإتمام المعركة بحلول اليوم الثاني .
اليوم الثاني 23 سبتمبر 1955:
غيرت قيادة الجيش الاستعماري الأسلوب المتبع في اليوم الأول، بالاستعانة بالقصف المدفعي بعيد المدى، ثم تبعه بقصف قصير المدى بالهاون لحماية وحداته المتقدمة إلى مواقع المجاهدين ومقر القيادة بصفة خاصة، وباقتراب قوات العدو من المواقع أمطروا بالنيران الكثيفة تسببت في خسائر فادحة في الأرواح والعتاد فتراجعت إلى الخلف فاسحة الميدان لقنبلة الطائرات وقصف الدبابات، واستمر القتال على أشده بين الطرفين إلى أن أظلم الليل، وتمكن بواسل جيش التحرير الوطني من غنم الأسلحة والذخيرة الحربية.
وفشل المجاهدون في اليوم الثاني إيجاد منفذ للخروج نتيجة السيطرة المحكمة التي فرضتها قوات العدو على كل المنافذ مستخدمة الشاحنات والمدرعات مما نبأ بالاستعداد ليوم آخر من القتال.
اليوم الثالث 24 سبتمبر 1955:
إذا كان العدو فشل في اليومين الأولين من المعركة في القضاء على المجاهدين سبب صمودهم وثباتهم وحسن إرادتهم للمعركة، فقد أثر ذلك على رجاله تأثيرا كبيرا حمله على الزج بكامل قواته من كل الجهات، وذلك منذ بزوغ المدى والواوين، وهكذا فقد نشبت المعركة ضاربة بين الطرفين إلى ما قبل منتصف النهار، وفشل سلاح الهندسة العسكرية في فتح ثغرة في الكهف المحصن لكن صلابة الصخور حالت دون ذلك كما غطت عمليات القصف مساحة كبيرة تقدر بحوالي أربعين كيلوا مترا مربعا.
قصف سلاح الطيران المشكل من أثني عشرة طائرة ركزت قصفها على الجبهة الجنوبية من جبل الجرف وجبل العنق ووادي مسحالة، واستطاع المجاهدون في هذا اليوم رغم الحصار الخانق الذي فرض عليهم أن يلحقوا خسائر معتبرة بالعدو حيث أسقطوا ثلاث طائرات اثنتان قتالية وواحدة استطلاعية، دبابتين، وثلاث مزنجرات، وغنم كميات من الأسلحة والذخيرة وبحلول الليل عاد كل إلى موقعه.
اليوم الرابع 25 سبتمبر 1955:
استعد المجاهدون ليلا بإعادة التمركز والانتشار مع وضع خطة احتياطا لتوقعات جديدة من قبل العدو، وفي الصباح حاولت قوات العدو التقدم تحت حماية المدفعية والهاون على الجبهات الثلاث، اصطدم بتكتيك جديد، فوقعت في فخ ادى الى ارتباك صفوف العدو، واستلزمهم الموقف الاستعانة مرة أخرى بسلاح الطيران وتوسيع القصف إلى حليق الذيب ومسحالة ووادي هلال وأم الكماكم وجبل اليطنة بالقرب من وادي هلال، كما شهدت قوافل البغال محملة بالسلاح والذخيرة بالقرب من مركز رأس العش، وقررت قيادة الثورة في الجرف أن ترسل ثلاث مجموعات من المجاهدين المرابطين في الزرقاء للقيام بهجوم ليلي على منطقة تجمعات العدو المتواجدة في شرق مركز رأس العش.
نفذت الخطة في مساء اليوم الرابع، وأعيد توزيع المجاهدين بالليل استعدادا لمعركة اليوم الخامس، كما أرسلت القيادة دوريات فدائية لكشف قوات العدو في مراكز تجمعاتها على الجهات المحيطة بالجرف، حيث تم الكشف عن استقدام قوات أخرى من باتنة وتلا غمة وسطيف وبريكة وبوسعادة وبسكرة متمركزة على طول الخط الفاصل بين جبال الأوراس وجبال اللمامشة لفصل غرب الأوراس عن شرقه بقطع الاتصال بين وحدات المجاهدين المتواجدين في قلعة الجرف وبين المجاهدين المتواجدين في الخلف للنجدة كما استعمل العدو في هذا اليوم الغازات الممنوعة الدولية غازات سامة، وقد اتخذ المجاهدون إجراءات لإبطال مفعول هذه الغازات تمثلت في تبليل العمامات والمناديل بالماء ووضعها على الوجه لتفادي تأثير غازات النابالم.
يروي المجاهد الوردي قتال في مذكراته أنَ المجاهدين تمكنوا من اختراق الطوق الأول من الجبهة الجنوبية والقضاء على جميع العساكر الفرنسيين، وبعد قطع مسافة 400 م صادفت وحدات المجاهدين جماعة من جنود العدو محملين بالمئونة والعتاد لتموين القوات الفرنسية المتقدمة فتمكن المجاهدون من القضاء عليها ومواصلة التقدم، وبعد قطع مسافة 1 كلم فوجئ المجاهدون بطوق جديد يحاصرهم وتم الاشتباك مع جنوده فتمكن المجاهدون من هزمهم ومواصلة الطريق نحو الجنوب باتجاه جبل مسحالة والجديدة التي كانت تحت وطأة الاستعمار مما اضطر المجاهدون إلى الدخول في اشتباكات متقطعة طيلة 4 أيام أخر،
وفي هذه الأثناء كان القائد شيحاني بشير يتواجد بكهف جبل الجرف مع مجموعة من رفاقه خوفا من مقتله بعد أنَ اقترح القائد شيحانی البقاء رفقة كل من عباس لغرور وعاجل عجول في حين ينسحب البقية، لكن هذين الأخيرين لم يوافقاه الرأي في اقتراحه، كما أبدى بشير ورتال استيائه من قرار البقاء في الجرف، وعلى ضوء هذا تم حسم القرار بالخروج ورسم خطة تقضي بتقدم عاجل عجول الجيش لفتح الطريق باستعمال الأسلحة الآلية ويتبعه سيدي حني بالأسلحة الخفيفة، وعند الساعة التاسعة ليلا يغادر عباس.
وبوصلهم ضواحي جبل الجديدة انتهت أحداث معركة الجرف الكبرى التي خاضها حولي 300 جندي حسب شهادات صانعي أحداثها المسَجلة، مقابل 40 ألف من العساكر الفرنسية من سلاح المشاة والمدفعية والطيران.
-نتائج المعركة وانعكاساتها على مسار الثورة التحريرية:
خسائر الجيش الاستعماري:
- أكثر من 700 جندي قتيل والكثير من الجرحى والأسرى.
- إسقاط 8طائرات واصابة بعضها.
- تدمير 10 دبابات
- تدمير 03عربات منجزة
- 60 شاحنة بين مدمرة ومعطلة
- اصابة 3 مصفحات وقتل 18 بغلا.
خسائر جيش التحرير الوطني:
- استشهد 170 مجاهدا و100 مدني
- 21 جريح
- 40 أسير
غنائم جيش التحرير الوطني:
- 150 قطعة سلاح منها 07 من نوع ماص 49 و07 من نوع ماص 63، وكمية من القنابل اليدوية،
- 2 مدفعيتين من عيار 60
-20 بغلا محمل بالذخائر الحربية
-01 جهاز ارسال واستقبال
انعكاسات المعركة على مسار الثورة التحريرية:
شكلت معركة الجرف منعطفا حاسما ومصيريا في تاريخ الثورة التحريرية، فكان لهذه المعركة صدى واسع في الداخل والخارج فقد تم تسجيل القضية الجزائرية في جدول أعمال الدورة العاشرة للجمعية العامة الأمم المتحدة في 30 سبتمبر 1955 وتسبب ذلك في انسحاب الوفد الفرنسي بقيادة أنطوان بيني احتجاجا على تسجيل القضية الجزائرية باعتبارها قضية داخلية تخص فرنسا وحدها، وتأكد للعالم أن جيش التحرير الوطني يشكل قوة عسكرية حقيقية، وبذلك كسبت القضية الجزائرية تعاطف و تأييد حركة التضامن الآفروآسيوي، واعتبرت القضية مند الوهلة الأولى أنها تصفية استعمار.وساهمت نتائج المعركة في فتح الباب الواسع لدى الشباب للالتحاق بصفوف الثورة لاسترجاع السيادة الوطنية، ومهد ذلك لمرحلة جديدة في مواجهة الاستعمار والرد على اتهامه أن المجاهدون قطاع طرق.
واثر هذه الهزيمة النكراء باشر الاستعمار الفرنسي في مضاعفة تعداده 3مرات خلال سنة واحدة من 80 الف نهاية سنة 1954 الى 190 الف في نهاية سنة 1955 .
قائد المعركة البشير شيحاني
لمعركة الجرف
المنطقة الاولى التاريخية
25-24-23-22 سبتمبر 1955
معركة الجرف هي مشهد تاريخي من مشاهد المعارك الحربية الكبيرة في تاريخ الثورة الجزائرية، كتب عن هذه المعركة الجنرال بوفر قائد الفرقة الثانية للمشاة واصفا هذا المشهد بقوله: تجابه قواتنا أعنف عمليات هجومية تصدت لها عمليات التمشيط... ضد الأوراس النمامشة... تمثلت في قلعة الجرف... جبل قاحل مجدب... والمرابطون به أشداء كالصخور لا تتفتت .
يقع جبل الجرف على بعد 100 كلم إلى الجنوب الغربي من مدينة تبسة مقر الولاية، وعلى بعد 110كلم جنوب شرقي مدينة خنشلة وغربي بئر العاتر ب200كلم . يحده من الشمال الشريعة وجبل قساس ومن الجنوب الشرقي قرين ومن الشرق يحده جبل العنق، جبل غيفوف، على امتداد الطريق الوطني رقم10 الرابط بين تبسة والشريعة
تحويل مركز قيادة المنطقة الاولى (الولاية الاولى) من القلعة بخنشلة إلى الناحية الشرقية من تبسة:
إثر القاء القبض على البطل مصطفى بن بولعيد وهو في طريقه الى تونس، ظهرت فكرة تحويل مركز القيادة إلى تبسة بعدما اتفقت القيادة المتمثلة في بشير شيحاني نائب قائد المنطقة الأولى مصطفى بن بولعيد وعباس لغرور وعاجل عجول على تغيير مقر الإدارة، وبالضبط في وادي هلال
وكان لانتقال القيادة إلى الجبهة الشرقية من الاوراس تبسة هو تقريب القيادة الثوية من المجاهدين في هذه النواحي ودراسة كيفية تنويع الخطط الحربية وتعبئة الجماهير... والعمل على نصب الكمائن وتنفيذ العمليات قصد توجيه عساكر العدو من خلال هذه العمليات خارج المدن، لإضعافه من جهة وتخفيف الضغط على منطقة الشمال القسنطيني بعد هجومات 20 أوت1955 من جهة اخرى، وهذه من أهم الأسباب التي جعلت قوات العدو تلاحظ حركة المجاهدين بجبال اللمامشة الشيء الذي دفعها لإعداد العدة والعتاد للقضاء على مراكز المجاهدين في هذه الجبال تزامنا مع الاجتماعات التي عقدت قبيل معركة الجرف.
الاسباب والظروف:
لم تكن معركة الجرف نتيجة الصدفة ولا نتيجة كشف العدو للمجاهدين كما ورد ذكره، إنما كان مخططا لها بحكمة وتأني، لتحقيق جملة من الأهداف، لقد قامت هذه المعركة بعد عشرة أشهر فقط من اندلاع الثورة، ولم تكسب صدا دوليا بعد، بسبب التعتيم الاستعماري أمام المنظمات الدولية، كما عانت الثورة من شك الكثير من البلدان الشقيقة من إمكانية نجاحها واستمرارها، بعد أن تأكدت فرنسا أن الضربات الموجعة التي تلقتها أول نوفمبر 1954 ليست مجرد عصيان عابر هو أكبر من ذلك بكثير، وفي غياب مصطفى بن بولعيد، تعرضت المنطقة الأولى لحصار خانق ولمسح عسكري شامل، قام القائد بشير شيحاني نائب مصطفى بن بولعيد بإعداد خطة مضادة وتوزيعها على كافة القادة ومجموعات وفروع جيش التحرير الوطني اشتملت على المستوى العسكري التكتيكي مما أدى إلى الاصطدام بوقوع معركة أم الكماكم في23 جويلية 1955 بقيادة بشير شيحاني. ولقنت عساكر فرنسا درسا لن ينس حين عجزت القوات الفرنسية في القضاء على المجاهدين مما جعلها للانتقام واسترجاع هيبتها، خاصة هجومات 20 أوت 1955 بالشمال القسنطيني.
وبعد عقد عدة لقاءات برئاسة شيحاني بشير حضرها المناضلون وعموم الشعب وأعيان العروش، بغرض تقريب الثورة من المواطنين والتعريف بأهدافها لنفي دعاية العدو المغرضة والحرب النفسية من أن المجاهدين ليسوا فلاقة وقطاع طرق فكان لقاء رأس الطرفة ناتجة هذه الاجتماعات في يوم 20 سبتمبر 1955، وتشاء الصدفة أن يكون آخر اجتماع يترأسه شيحاني، وقد حضر هذا الاجتماع معظم قادة المنطقة الأولى: بشير شيحاني، عباس لغرور، عجول، عمار بن بولعيد، شريط، سيدي حني، الوردي قتال، ساعي فرحي، محمد عجرود وغيرهم ومن أعيان تبسة، الشريعة، قنتيس، بابار، زوي، تبردقة، بئر العاتر... وخطب البطل شيحاني في الحضور ومما ورد فيه: "أشهدي علينا يا جبال يا كهوف وأشهد يا شعب أننا مجاهدون في سبيل االله وفي سبيل الاستقلال وليست لنا أهداف أخرى ". كما قال:"... ولا شك أن من بينكم من سيسارع بالتبليغ عنا... ولهؤلاء نقول بلغوا فرنسا بأمانة عن حقيقة المجاهدين" . وختم شيحاني الاجتماع بقول:"إذا أردتم أن تتأكدوا من نجاح الثورة فإن ذلك مجسد أمامكم، قيادة عليا بدمها ولحمها توضح لكم معالم الطريق محروسة بـ300 مجاهد، أما من يريد أن يتحداها فله أن يذهب لتوه ليحز العدو بما شاهد وبما سمع، وللثورة رأي فيه، ولمن أراد أن يؤدي واجبه نحوها فذلك شرف له ولها والأيام بيننا" . ثم طلب من الجميع الانصراف ومغادرة المكان على جناح السرعة لتفادي أي طارئ لأن كل المعلومات التي كانت ترد إليه تباعا تتحدث عن تقدم حشود من القوات الفرنسية، فأخذت كل مجموعة تنسحب إلى الجبهة الموجهين إليها، كما انطلق المسؤولون على الخيل إلى جنوب وادي هلال أين يوجد مركز جيش التحرير الوطني بالمكان المسمى مسحالة .
وقبل انطلاق المسؤولين تلقى شيحاني رسالة من باشاغا خنشلة بوعلام بن شنوف يؤكد خبر عزم قوات العدو على القيام بعملية تمشيط لجبال النمامشة ، فقرر بشير شيحاني الاعتصام بالجرف.
في 21 سبمتبر 1955 اعطيت الاوامر بالتمركز بالمواقع المناسبة وتقسيم انحاء القلعة إلى قطاعات ومواقع دفاعية تتناسب مع الأفواج المشكلة من حوالي300 مجاهد مسلح، استعدادا للمعركة.
تعداد القوة الاستعمارية بالمنطقة الاولى:
حتى شهر جويلية 1955 قدرتعداد الجيش الاستعماري بـ: 4فيالق وطابور مغربي بأريس، 6 فيالق وطابور مغربي بخنشلة، فيلق واحد وطابور مغربي وكتيبة صحراوية بجنوب بسكرة، 3 طوابير مغربية وكتيبتان متنقلتان من اللفيف الأجنبي منتشرة بتبسة، و2 فيلقان و06 سرايا بباتنة، وهي مجهزة بالمدرعات والمجنزرات والطائرات المقنبلة والهيليكوبتر.
بداية المعركة:
تقدمت حشود قوات العدو المعززة بالآليات الحربية الخفيفة والثقيلة محمية بسلاح الطيران نحو المنطقة للقضاء على المجاهدين المرابطين بقلعة الجرف، ومع فجر يوم 22 سبمتبر 1955 سمعت أصوات محركات الآليات الحربية تملأ محيط الجرف استعدادا للتحرك، وعند بزوغ الشمس أفادت مختلف نقاط المراقبة بأنها تشاهد الطلائع الأولى لقوات العدو الراجلة والراكبة تتقدم على محاور كثيرة وفي حدود الساعة الثامنة صباحا، حلق طيران الاستطلاع في سماء قلعة الجرف ولما ايقن بوجود بعض المدنيين ألقى قنابل دخانية إشارية تحدد النقاط المستهدفة باشرت مدفعية العدو في القصف، وبدأت المواشي تتطاير مع شظايا القنابل، وبعد ساعة من القصف شرعت الطائرات بالقنبلة، وفي حدود الساعة العاشرة بدأت المعركة فعليا على الأرض بين دبابات العدو والمجاهدين المتمركزين على أطراف القلعة من الجبهة الشمالية والجبهة الجنوبية والجبهة الشرقية . وكان العدو قد بدأ قصف مراكز المجاهدين الدفاعية بسلاح المدفعية ثم أعقب هذا القصف تقدم سلاح المشاة من اللفيف الأجنبي تتقدمهم الدبابات، غير ان جهل قوات العدو بطبيعة بالأرض تسبب في هزيمتها مبكرا خلال اليوم الأول للمعركة، وقد حاول المجاهدون ايجاد منافذ للخروج من الميدان دون جدوى فتهيؤا وجهزوا أنفسهم لإتمام المعركة بحلول اليوم الثاني .
اليوم الثاني 23 سبتمبر 1955:
غيرت قيادة الجيش الاستعماري الأسلوب المتبع في اليوم الأول، بالاستعانة بالقصف المدفعي بعيد المدى، ثم تبعه بقصف قصير المدى بالهاون لحماية وحداته المتقدمة إلى مواقع المجاهدين ومقر القيادة بصفة خاصة، وباقتراب قوات العدو من المواقع أمطروا بالنيران الكثيفة تسببت في خسائر فادحة في الأرواح والعتاد فتراجعت إلى الخلف فاسحة الميدان لقنبلة الطائرات وقصف الدبابات، واستمر القتال على أشده بين الطرفين إلى أن أظلم الليل، وتمكن بواسل جيش التحرير الوطني من غنم الأسلحة والذخيرة الحربية.
وفشل المجاهدون في اليوم الثاني إيجاد منفذ للخروج نتيجة السيطرة المحكمة التي فرضتها قوات العدو على كل المنافذ مستخدمة الشاحنات والمدرعات مما نبأ بالاستعداد ليوم آخر من القتال.
اليوم الثالث 24 سبتمبر 1955:
إذا كان العدو فشل في اليومين الأولين من المعركة في القضاء على المجاهدين سبب صمودهم وثباتهم وحسن إرادتهم للمعركة، فقد أثر ذلك على رجاله تأثيرا كبيرا حمله على الزج بكامل قواته من كل الجهات، وذلك منذ بزوغ المدى والواوين، وهكذا فقد نشبت المعركة ضاربة بين الطرفين إلى ما قبل منتصف النهار، وفشل سلاح الهندسة العسكرية في فتح ثغرة في الكهف المحصن لكن صلابة الصخور حالت دون ذلك كما غطت عمليات القصف مساحة كبيرة تقدر بحوالي أربعين كيلوا مترا مربعا.
قصف سلاح الطيران المشكل من أثني عشرة طائرة ركزت قصفها على الجبهة الجنوبية من جبل الجرف وجبل العنق ووادي مسحالة، واستطاع المجاهدون في هذا اليوم رغم الحصار الخانق الذي فرض عليهم أن يلحقوا خسائر معتبرة بالعدو حيث أسقطوا ثلاث طائرات اثنتان قتالية وواحدة استطلاعية، دبابتين، وثلاث مزنجرات، وغنم كميات من الأسلحة والذخيرة وبحلول الليل عاد كل إلى موقعه.
اليوم الرابع 25 سبتمبر 1955:
استعد المجاهدون ليلا بإعادة التمركز والانتشار مع وضع خطة احتياطا لتوقعات جديدة من قبل العدو، وفي الصباح حاولت قوات العدو التقدم تحت حماية المدفعية والهاون على الجبهات الثلاث، اصطدم بتكتيك جديد، فوقعت في فخ ادى الى ارتباك صفوف العدو، واستلزمهم الموقف الاستعانة مرة أخرى بسلاح الطيران وتوسيع القصف إلى حليق الذيب ومسحالة ووادي هلال وأم الكماكم وجبل اليطنة بالقرب من وادي هلال، كما شهدت قوافل البغال محملة بالسلاح والذخيرة بالقرب من مركز رأس العش، وقررت قيادة الثورة في الجرف أن ترسل ثلاث مجموعات من المجاهدين المرابطين في الزرقاء للقيام بهجوم ليلي على منطقة تجمعات العدو المتواجدة في شرق مركز رأس العش.
نفذت الخطة في مساء اليوم الرابع، وأعيد توزيع المجاهدين بالليل استعدادا لمعركة اليوم الخامس، كما أرسلت القيادة دوريات فدائية لكشف قوات العدو في مراكز تجمعاتها على الجهات المحيطة بالجرف، حيث تم الكشف عن استقدام قوات أخرى من باتنة وتلا غمة وسطيف وبريكة وبوسعادة وبسكرة متمركزة على طول الخط الفاصل بين جبال الأوراس وجبال اللمامشة لفصل غرب الأوراس عن شرقه بقطع الاتصال بين وحدات المجاهدين المتواجدين في قلعة الجرف وبين المجاهدين المتواجدين في الخلف للنجدة كما استعمل العدو في هذا اليوم الغازات الممنوعة الدولية غازات سامة، وقد اتخذ المجاهدون إجراءات لإبطال مفعول هذه الغازات تمثلت في تبليل العمامات والمناديل بالماء ووضعها على الوجه لتفادي تأثير غازات النابالم.
يروي المجاهد الوردي قتال في مذكراته أنَ المجاهدين تمكنوا من اختراق الطوق الأول من الجبهة الجنوبية والقضاء على جميع العساكر الفرنسيين، وبعد قطع مسافة 400 م صادفت وحدات المجاهدين جماعة من جنود العدو محملين بالمئونة والعتاد لتموين القوات الفرنسية المتقدمة فتمكن المجاهدون من القضاء عليها ومواصلة التقدم، وبعد قطع مسافة 1 كلم فوجئ المجاهدون بطوق جديد يحاصرهم وتم الاشتباك مع جنوده فتمكن المجاهدون من هزمهم ومواصلة الطريق نحو الجنوب باتجاه جبل مسحالة والجديدة التي كانت تحت وطأة الاستعمار مما اضطر المجاهدون إلى الدخول في اشتباكات متقطعة طيلة 4 أيام أخر،
وفي هذه الأثناء كان القائد شيحاني بشير يتواجد بكهف جبل الجرف مع مجموعة من رفاقه خوفا من مقتله بعد أنَ اقترح القائد شيحانی البقاء رفقة كل من عباس لغرور وعاجل عجول في حين ينسحب البقية، لكن هذين الأخيرين لم يوافقاه الرأي في اقتراحه، كما أبدى بشير ورتال استيائه من قرار البقاء في الجرف، وعلى ضوء هذا تم حسم القرار بالخروج ورسم خطة تقضي بتقدم عاجل عجول الجيش لفتح الطريق باستعمال الأسلحة الآلية ويتبعه سيدي حني بالأسلحة الخفيفة، وعند الساعة التاسعة ليلا يغادر عباس.
وبوصلهم ضواحي جبل الجديدة انتهت أحداث معركة الجرف الكبرى التي خاضها حولي 300 جندي حسب شهادات صانعي أحداثها المسَجلة، مقابل 40 ألف من العساكر الفرنسية من سلاح المشاة والمدفعية والطيران.
-نتائج المعركة وانعكاساتها على مسار الثورة التحريرية:
خسائر الجيش الاستعماري:
- أكثر من 700 جندي قتيل والكثير من الجرحى والأسرى.
- إسقاط 8طائرات واصابة بعضها.
- تدمير 10 دبابات
- تدمير 03عربات منجزة
- 60 شاحنة بين مدمرة ومعطلة
- اصابة 3 مصفحات وقتل 18 بغلا.
خسائر جيش التحرير الوطني:
- استشهد 170 مجاهدا و100 مدني
- 21 جريح
- 40 أسير
غنائم جيش التحرير الوطني:
- 150 قطعة سلاح منها 07 من نوع ماص 49 و07 من نوع ماص 63، وكمية من القنابل اليدوية،
- 2 مدفعيتين من عيار 60
-20 بغلا محمل بالذخائر الحربية
-01 جهاز ارسال واستقبال
انعكاسات المعركة على مسار الثورة التحريرية:
شكلت معركة الجرف منعطفا حاسما ومصيريا في تاريخ الثورة التحريرية، فكان لهذه المعركة صدى واسع في الداخل والخارج فقد تم تسجيل القضية الجزائرية في جدول أعمال الدورة العاشرة للجمعية العامة الأمم المتحدة في 30 سبتمبر 1955 وتسبب ذلك في انسحاب الوفد الفرنسي بقيادة أنطوان بيني احتجاجا على تسجيل القضية الجزائرية باعتبارها قضية داخلية تخص فرنسا وحدها، وتأكد للعالم أن جيش التحرير الوطني يشكل قوة عسكرية حقيقية، وبذلك كسبت القضية الجزائرية تعاطف و تأييد حركة التضامن الآفروآسيوي، واعتبرت القضية مند الوهلة الأولى أنها تصفية استعمار.وساهمت نتائج المعركة في فتح الباب الواسع لدى الشباب للالتحاق بصفوف الثورة لاسترجاع السيادة الوطنية، ومهد ذلك لمرحلة جديدة في مواجهة الاستعمار والرد على اتهامه أن المجاهدون قطاع طرق.
واثر هذه الهزيمة النكراء باشر الاستعمار الفرنسي في مضاعفة تعداده 3مرات خلال سنة واحدة من 80 الف نهاية سنة 1954 الى 190 الف في نهاية سنة 1955 .
قائد المعركة البشير شيحاني