متلازمة الجحود المزمن

الشرق

عضو جديد
إنضم
7 فبراير 2025
المشاركات
143
التفاعل
216 42 0
الدولة
Egypt
في عالم معقد تتشابك فيه الخيوط وتتصادم فيه المصالح، قد تظن أن الاستثمار والعمل الخيري هما الجسر الذي يربط القلوب ويقرب المسافات. لكنك سرعان ما تصطدم بعقلية لا ترى في النوايا إلا مؤامرات، ولا في الأفعال إلا تهديدًا لمصالحها أو كبريائها. تستثمر في بلادهم، فيصرخون بأنك تستولي على أوطانهم. تتجه إلى الغرب أو الشرق، فيتهمونك بدفع الجزية، ويستنكرون أنك لم توجه استثماراتك نحوهم. وإن اخترت دولة على خلاف معهم، وصفوك بداعم العدو، وإذا كانت وجهتك دولة جارة، انطلقت اتهامات محاصرتهم وتطويقهم.


ولا يتوقف الأمر عند حدود السياسة والجغرافيا، فحتى إذا عدت إلى أرضك واستثمرت في وطنك، يهاجمونك بلا هوادة، ويبتكرون روايات تنسب الفضل لأنفسهم أو تقلل من شأن ما أنجزته. وإذا منحتهم دعمًا أو مساعدة مجانية، تعاملوا معها كحق مكتسب لا كعطاء كريم. وحين تبني مشاريع خيرية، رأوها إهانة لتاريخهم وجرحًا لكبريائهم، وكأنك حين تمد يد الخير، تطعن فيهم. دعمك لهم في الماضي مجحود، وفي الحاضر منكور، وفي المستقبل مرفوض، وكأنما قطعوا على أنفسهم عهدًا بأن يفسروا كل فعل على أسوأ وجه ممكن.


إنها ليست مسألة دولة بعينها أو شعب محدد، بل هي نمط فكري مريض، عقلية الجحود المزمن التي تتغذى على سوء الظن، وتعيش على وهم المؤامرة، وترفض أن ترى في العطاء إلا مطمعًا أو محاولة للسيطرة. في مثل هذا المناخ، العطاء لا يُثمر، لأن الأرض التي لا تعرف الامتنان تُحيل بذور الخير إلى شوك، وترد الماء حجرًا إلى صاحبه. والذكاء في التعامل معها لا يكون بمحاولة إرضائها، لأن رضاها غاية لا تدرك، بل بوضع حدود واضحة لما يُمنح، وإدراك أن بعض العقول لا تُقنعها الحقائق، بل تُشبعها الحكايات التي تصنعها عنك.

فماذا يريدون إذن؟
 
عودة
أعلى