هوليوود تحلم بفرعون ، ومصر تفرعن محمد رمضان.

طويق (!)

عضو
إنضم
24 مارس 2013
المشاركات
2,872
التفاعل
6,179 49 0
الدولة
Saudi Arabia
في بلد يمكن أن تنتج ملاحم ثلاثية كونية عن كل حجر فيها ، وتصيغ سلسلة درامية من كل أثر بها ، يرفض الفكر السينمائي المصري هذا الإرث الهائل ، بحجة : أن السوق تريد "تريند وسوشيال ميديا" ، ولا تريد الثقافة أو الوعي. هذه هي العقلية السينمائية في مصر، فالأرض المصرية ، التي تقف على أعظم أرث إنساني خام من القصص الهائلة ، يقول عنها المنتج المصري: دي مابي تكسبش حاجة!!.
في هوليود ، لو وجدوا سفينة شراعية قديمة ، غارقة في خليج المكسيك ، لصنعوا منها قصة خرافية خيالية ، في منتهى الروعة والحبكة، ولكان غرقها مستوحى عن معركة ملحمية بين القراصنة الأمريكان الأوائل ، وغزاة فضائيون للأرض في تلك الفترة ، تحكي مجد القراصنة اللصوص ، وتحولهم من الإجرام إلى البطولة ، أما في مصر ، فالأفضل أن نحول المصري الأصيل ، من البطولة والأصالة للبلطجة والعربدة ، فعذر عبده "البلطجي" ، أنه وكما يقول :"أتعلمت إني لو ما خدتش حقي بإيدي محدش هيدهولي" ، فهل هذه هو السيناريو المتأمل للروح والثقافة المصرية؟!.
في المقابل ، رامبوا (1982) ، جندي تمرد في بلدة أمريكية ، لكنه في الفيلم ، قدم على أنه ضحية منظومة صنعت آلة قتل منه ، وعندما رجع محطما من الحرب ، حكمت عليه من منظره المحطم ، فنبذته ورفضته ، وبعد كل مقاومته لهذا الظلم القاسي ، سلم نفسه للحكومة ، فيما عبده "البلطجي" ، يعتاش من الإتاوة والقتل ، ورغم اجرامه ، يصور في الفيلم ، أنه محبوب في الحي ، وضحية مجتمع لا يعيش فيه إلا القوي ، فالقوة من الإتاوة والقتل ، هو ما يمكن أن يأتي له بـ"حقه"!!.
مرت على مصر حضارات الدنيا قاطبة ، من الفراعنة إلى العثمانيين ، كل أرثهم مر على ترابها ، فيه ملايين القصص الملحمية والتراجيدية المهولة ، فأين هذا الإرث في السينما؟! ، المشكلة ليست في المال ، ولا الإمكانيات ، ولا ندرة الإرث الثقافي ، المشكلة في العقلية الفنية ، التي لا تؤرث في الفن إلا رائحة "البنجو الفني"، و"الترند" ، لذا فـ"الترند" البلطجي "الألماني" ، رامبوا عزبة قابيل ، مطلوباً في السوق ، فالسوق يحب الخفية!!.
قدمت هوليوود "المومياء" ، "آلهة مصر" ، "ستار جيت" ، "أرض الفراعنة" ، "الملك العقرب" ...إلخ ، بأفلام خيالية ، لا تمت للحقيقة بصلة ، لكنها أعطت مصر بعداً ثقافيا أسطورياً جميلا ، كأسطورة ألف ليلة وليلة في سطوع مدينة بغداد ، وهو مجرد كتاب ، ومع ذلك ، لم تستطع السينما المصرية أن تلامس جزءاً بسيطاً من هذه الأسطورة الفذة ، والعذر عندهم ، يوزع بين ضعف التمويل ، أو ضعف الاستقبال ، ولم يتطرق أحد إلى مسألة الضعف الفني أبداً ، فالتصوير في مصر بدائي ، وفيه فقر قصصي مثير للحيرة، وفوق هذا ، فيه تشويه للحقائق ، هذا وهم على تراب أرض الحقيقة!!، لذا ، قد لا نستغرب ، عندما تنتج السينما المصرية ، فرعوناً يتكلم بلهجة "أهل المطرية" مثلا ، وحقيقة ، أنا مستعد أن أشاهده مع الفشار ، وأضحك ملئ فيّ ، ولكن الأكثر اثارة للسخرية ، أو إن شئت ، الأكثر فشاراً وتسلية ، عندما يخرج علينا حسن الرداد في صورة "الجني" ، لم لا؟!، فقد تكون أضافة فكرية للكوميديا الثيولوجية !!.
ماعلينا ، من لا يعرف صيغة التسليم في الصلاة، في مشهد تاريخي إسلامي ، فيسلم ، ويقول :"السلام عليكم ورحمه الله وبركاته"، كيف له أن يصيغ قصصاً عالمية وملحمية ، تحيي وتشيد بتراث وعظمة مصر؟! ، والمشكلة ، لا المخرج ولا الطاقم الفني أو الممثلين ، عرفوا بهذا الخطأ البسيط.

ياسادة ، مجرد كتاب ، هز أوروبا ، واثار حماسة فتيات وفتيان أوروبا لقرون ، هذا الكتاب ، ألف ليلة وليلة ، أضاف على بغداد بعداً شاعرياً خيالياً في منتهى الجمال عندهم ، جعل الكل هناك يطمح لزيارة بغداد ، وجعل كتّابا اخرين ، يضيفون عليه قصصاً جميلة لا تقل إبداعية عن سلفها ، مثل سندباد ، وعلي بابا ، جعلت بغداد مورداً للحدث والإبداع والخيال.
وأما مصر ، والتي في باطنها مخزون هائل من القصص الواقعية ، فلا تصدر إلا الألماني ، و "عبده البلطجي" ، و "قول ورايا يابن الجزمة ، أنا بلطجي تحت التمرين"!!.
القصة موجودة ياعالم ، ولكن الفكر مفقود ، أما "الترند" ، فهو بلا شك مضبوط!!.​
 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى