لا خاب من استشار

طويق (!)

عضو
إنضم
24 مارس 2013
المشاركات
2,870
التفاعل
6,173 49 0
الدولة
Saudi Arabia

ما قبل الموضوع.....
كنا مجموعة من الشباب في استراحة ، نتناقش ، نتجادل ، نلهو ، ..إلخ من أمور الراحة المرجوة من هذه الاستراحة ، طرأ لي أمر ، أحببت أن استشير عمدتنا في تلك الاستراحة ، فأرسلت له رسالة بما أودُّ قوله له ، فأنتظرك يوم ، فأخر ، لم يجب ، فكتبت هذه الموضوع ، أسخر فيه من مغزى ومعنى الاستشارة ، وكنتُ أنوي أرسلها له ، ولكني عرفت لاحقاً أنه مشغول جداً ، ولم يشاهد حتى في الاستراحة من مدة ، فحفظتها عندي ولم ارسلها له ، لعلمي أنه فعلا مشغول ، وبعد ، قلت أنشرها هنا ، لعل أحد يستفيد منها ، ولا يقع مثلي فيها:


لا خاب من استشار​

هناك إشكال عندي في تحرير هذا المثل: هل الأصح 'لا خاب' أم 'ما خاب'؟، المهم أن تلك اللفظة التعيسة "خاب"، موجودة في النص ، وهذا هو المهم ، فوجودها فيه يعني ، أنه في حالات ، وقبل الاستشارة ، يكون هذا الـ "خاب" ، ملازم لك ، بين الجلد واللحم ، يثقل قدماك ، وفي أحوال ، قد يسبق "الخاب" خطاك ، فينتظرك عند مفترق الطريق ، ليرشدك للهاوية ، وفي الحالتين ، إما أن يكون "الخاب" مقيدا بك ، أو تكون أنت مقيد به، ولا أدري ايهما أخيب لك من الأخر؟ ، ولكي لا ننغمس في كل ما خاب و لا طاب ، لنرجع لأصل موضوعنا ، وهو الاستشارة.

في التراث ، كمال الحكمة في الرأي أخذه من أهله ، فيعطونك المشورة ساعة طلبها ، ومن قصدته لا بد أنه يعرف ، أنك لم تقصده إلا لأنه رأس القوم وحكيمهم ، لذا كانوا قديماً ، هؤلاء الكبار ، يعرفون أن لكل قَدَرٍ قَدَرٌ ، فيفتحون أبوابهم للصغير قبل الكبير ، ولا يعطونهم الحكمة إلا مغلفة باللحمة والسمنة ، فلم يكتفوا بأنه عيب في حقهم قفل الأبواب لمن لجأ إليهم ساعة طلب مشورة ، بل زادوا في ذلك واشبعوهم وادسموهم ، وفي حالات ، تجدهم يقدمونها لك دون طلب ، فتخرج من محيطهم ، وكأن وجهك مبلل برشة مطر بارد في يوم حار قائظ ، فيالله ما أجود هؤلاء الأجداد وأطيبهم.

اليوم تغيرت الأمور ، فبدل الأبواب المشرعة ، أصبح الحكماء المستشارون لا يقدمون الاستشارة إلا بموعد مسبق ، وحتى وإن فعلت وحجزت ودفعت ، فقد وقد ، لا يرد عليك ، فليس كل أحد تُشرع له الأبواب ، ولكن الملفت في الأمر ، أن هنالك أمر مازال على قيمه وأصله مقيم ، فالوحيد الذي لم يتغير ، هو ذلك الخائب الذي استشار، ولم يدرك أن الزمن تغير ، وأن أصل الخيبة كلها في محاولة الاستشارة ، وأن الحكمة القديمة ، أصبحت الآن: "خاب من استشار" ، ولكن الجميل في الأمر ، إن الإشكال عندي في "لا" ، و "ما" ، لم يعد موجوداً ، فالحمد لله على الأقل أنني خلصت من هذا الإشكال.​
 
عودة
أعلى