عندما انتصرت الدعاية على الواقع
بعد انهيار مملكة يوغوسلافيا سياسيًا في أوائل أبريل 1941، كانت ألمانيا النازية تستعد لاجتياحها ضمن خطط غزو البلقان قبل التوجه شرقًا نحو الاتحاد السوفيتي.
وبينما كانت فرق “الفيرماخت” تجتاح البلاد من الشمال والغرب، وقعت حادثة صغيرة ولكنها استُغلت لأقصى حد دعائي: مدينة صربية كاملة استسلمت لجنديين فقط!
في 6 أبريل 1941، بدأ الغزو الألماني ليوغوسلافيا دون إعلان حرب. خلال أيام قليلة، انهار الجيش اليوغوسلافي تمامًا تحت ضربات القوات الألمانية المدعومة بالطيران والمشاة الآلية، وكان الانسحاب السريع هو التكتيك الوحيد المتبقي للجيش الملكي.
كانت المقاومة اليوغوسلافية قصيرة حيث استسلمت البلاد في 11 يومًا فقط، ووقع أكثر من 300,000 أسير، بينما كان عدد قتلى الألمان نحو 200 فقط في الانتصار السريع.تُظهر هذه الصورة جنودًا يوغوسلافيين يتم توقيفهم بعد توقيع الهدنة مع ألمانيا النازية.
المصدر: History of War / All About History
وفي خضم هذه الفوضى… حدث ما يشبه النكتة التاريخيةلقطة تبرز الجيش اليوغسلافي هو يتهاوى أمام تقدم الفيرماخت في مشهد يؤكد سرعة الانهيار.
في إحدى البلدات الصغيرة قرب مدينة سيرمسكا ميتروفيتشا (Sremska Mitrovica) في شمال صربيا، كان ضابطا استخبارات ألمانيان يُعتقد أن أحدهما كان نقيبًا من وحدة الاستطلاع في مهمة لجمع المعلومات حول مدى الانسحاب اليوغوسلافي.
دخلا بسيارة “أوبل” عسكرية صغيرة إلى البلدة دون علم أن القوات اليوغوسلافية قد انسحبت بالفعل منها قبل ساعات. عند وصولهما، فوجئا أن الشوارع خالية من الجنود وأن المدنيين يراقبونهما بدهشة.
وحتى الأهالي، خوفًا من القصف أو الانتقام، ظنوا أن المدينة قد سقطت، فتوجّه عمدة البلدة إليهما وقدم الراية البيضاء ومفاتيح المدينة رسميًا.
ما إن تم تسلُّم مفاتيح المدينة، حتى أرسل الضابطان رسالة عاجلة عبر الراديو تستدعي التعزيزات، وفي غضون ساعات، دخلت القوات الألمانية رسميًا إلى المدينة، ورفع علم الرايخ الثالث على المباني الحكومية.تشير هذه الصورة إلى دخول القوات الألمانية المدن والقرى بدون معارضة، في ظل الانهيار السريع للمقاومة.
لكن هنا يأتي الجزء الأهم:
الدعاية النازية ضخّمت الحادثة على الفور، ونشرت الصحف في اليوم التالي عنوانًا شهيرًا:
واستخدم هتلر نفسه القصة لاحقًا في خطاب أمام ضباطه، كرمز لـ”التفوق المعنوي والعسكري للجندي الألماني”.“مدينـة صربيـة تستسـلم لاثنين من جنود الفيرماخت فقط!”
ما وراء القصة
رغم الطرافة، فإن الحادثة لم تكن غزوًا فعليًا بقدر ما كانت سوء تفاهم واستغلال إعلامي:
- الجيش اليوغوسلافي كان قد انسحب من المدينة مسبقًا.
- الضابطان لم يخططا لاحتلال أي شيء، بل فوجئا باستسلام رمزي.
- لم تُطلق طلقة واحدة، ولم تكن هناك مقاومة.
المصادر:
- William L. Shirer, The Rise and Fall of the Third Reich, Chapter 16 – The Balkan Campaigns.
- Bundesarchiv (الأرشيف الاتحادي الألماني) – أرشيف الصحف النازية لعام 1941.
- BBC Archive – Documentary: Balkan Blitzkrieg (2011).
- David Irving, Hitler’s War, Chapter on Yugoslavia Campaign.
- مؤلفات الحرب الدعائية:
- Psychological Warfare in WWII, by Daniel Lerner.
- German Military Propaganda in WWII, edited by Sönke Neitzel.