الفتح المبين / إعداد: د. أحمد مُحمَّد زين المنّاوي

Nabil

طاقم الإدارة
مـراقــب عـــام
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
27,006
التفاعل
22,827 401 0
الفتح المبين

إعداد: الدكتور أحمد مُحمَّد زين المنّاوي​


بعد الفتح يكون فخر القادة وعلوّهم.. وفي مواقف النصر يكون غرورهم وشموخهم..
أما مُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- فقد سار في موكبِ النصر يوم الفتح، مطأطئًا رأسهُ، حتى تعذر على الناسِ رؤية وجهه الأزهر، مرددًا بينه وبينَ نفسه ابتهالات الشُّكرِ المبلّلة بالدموع، في حياء وتواضع لربّه العلي الكبير، حتى وصل الكعبة.
من تواضعه أنه حرم نفسه رؤية النصرِ الذي أفنى في سبيلهِ حياتَه!
قال لأعدائه بعدما تمكّن منهم: (يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم
قالوا: خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم.. قال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)!
أكثر من عشرين عامًا قضاها مشركو مكة في معاداته وحربه وحرب دعوته..
وما تركوا من وسيلة ولا حيلة إلا جربوها، ولا طريقًا إلا سلكوه ليصدوا الناس عن دعوته..
وكم تفنّنوا في تعذيب أتباعه، والنيل منهم، والتضييق عليهم..
ومع هذا كلّه يدخل مكة ومعه عشرة آلاف مقاتل مطأطئًا رأسهُ متواضعًا خاشعًا لله!
فهل عرف التاريخ كله مثيلًا لهذا الموقف النبيل في العفو والصفح؟!
نتأمّل في هذا المشد ملامح من هذا الفتح المبين، ولكن بلغة الأرقام..
سوف نقف الآن مع كلمة واحدة فقط من كلمات القرآن.. إنها كلمة { النَّصْر }.
فتأمّل أوّل وثاني آية في القرآن..

{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} [الفاتحة]

أحرف كلمة { النَّصْر } تكرّرت في كل آية من الآيتين 10 مرّات!
العدد 10 وارتباطه بالنصر يتأكّد من أوّل آيتين في القرآن!
ومن هنا يرتبط النصر بالعدد 10 على امتداد القرآن كلّه!

تأمل الآيات الثلاث التالية..

{ وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10)} [الرحمن]
{ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10)} [النبأ]
{ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10)} [الضحى]

رقم كل آية من هذه الآيات الثلاث هو 10
تكرّرت أحرف كلمة { النَّصْر } في كل آية من هذه الآيات الثلاث 10 مرّات!
مجموع كلمات هذه الآيات الثلاث يساوي 10
مجموع حروف هذه الآيات الثلاث يساوي 50 حرفًا، أي 10 × 5
مجموع الحروف المنقوطة في هذه الآيات الثلاث يساوي 10
مجموع الحروف غير المنقوطة في هذه الآيات الثلاث يساوي 40 حرفًا، أي 10 × 4
وهكذا يرتبط النصر بنظم رقمي محكم أساسه العدد 10

تأمّل على سبيل المثال أرقام هذه الآيات فجميعها من مضاعفات العدد 10، وجميعها تتحدّث عن النصر:

{ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوْتَ وَجُنُوْدِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250)} [البقرة]
{ إِنْ يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُم مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)} [آل عمران]
{ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَينِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِيْنَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)} [التوبة]
{الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)} [الحج]
{ ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوْقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)} [الحج]
{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوْذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10)} [العنكبوت]
{ قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30)} [العنكبوت]
{ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُروْرٍ (20)} [الملك]

وإذا تأمّلت عدد كلمات العديد من الآيات التي تتحدّث عن النصر تجدها من مضاعفات العدد 10
وعلى سبيل المثال، فإن عدد كلمات كل من الآيات التالية 10 كلمات وجميعها تتحدّث عن النصر:

{ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)} [آل عمران]
{ وَالَّذِينَ تَدْعُوْنَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيْعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197)} [الأعراف]
{ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)} [الحج]
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)} [مُحمَّد]

تأمّل هذه الآية من سورة الحجر..

{ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)}

تكرّرت أحرف لفظ { النَّصْر } الخمسة في هذه الآية 10 مرّات!
عدد حروف هذه الآية 20 حرفًا، ويساوي 10 + 10
رقم الآية نفسها هو 40، ويساوي 20 + 20
سورة الحجر التي وردت فيها هذه الآية هي السورة رقم 100 من نهاية المصحف!

تأمّل هذه الآية من سورة الذاريات..

{ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20)}

تكرّرت أحرف لفظ { النَّصْر } الخمسة في هذه الآية 10 مرّات!
عدد حروف هذه الآية 20 حرفًا، ويساوي 10 + 10
رقم الآية نفسها هو 20، ويساوي 10 + 10
وسورة الذاريات عدد آياتها 60 آية، وعدد كلماتها 360 كلمة، ويساوي 60 × 6

تأمّل أوّل آية في القرآن يتكرّر فيها لفظ { نَصْر }..

{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)} [البقرة]

الآية رقمها 214، وهذا العدد = 114 + 100
لاحظ كيف تختتم هذه الآية بقوله تعالى: { نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ }..
تكرّرت أحرف قوله تعالى : { نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } 100 مرة
العدد 100 يتأكّد ارتباطه بالنصر، ويساوي 10 × 10

تأمّل هذه الآية..

{ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110)} [المائدة]

الآية رقمها 110 وأحرف كلمة (النصر) تكرّرت في هذه الآية 110 مرّات!
سورة المائدة التي وردت فيها هذه الآية هي السورة رقم 110 من نهاية المصحف!
وفي جميع الأحوال فإن العدد 110 نفسه، يساوي 10 × 10 + 10
سورة النصر هي السورة رقم 110 من بداية المصحف!

تأمّل هذه الآية من سورة الأنفال..

{ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوْبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ10 إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)} [الأنفال]

الآية رقمها 10 وكلمة النصر ترتيبها رقم 10 بين كلمات الآية!
إذا تأمّلت الكلمات التي جاءت بعد النصر في الآية تجدها 8 كلمات، وترتيب سورة الأنفال رقم 8

والآن نتأمّل هاتين الآيتين من سورة الأنفال نفسها..

{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)} [الأنفال]

هاتان الآيتان تتحدّثان عن الغلبة بمعنى النصر..
الآيتان من سورة الأنفال السورة رقم 8 في ترتيب المصحف..
وقد تضمنت الآيتان 8 أعداد جميعها من مضاعفات العدد 10 وهي على النحو الآتي..
{ عِشْرُونَ - مِئَتَيْنِ - مِئَةٌ - أَلْفًا - مِئَةٌ - مِئَتَيْنِ - أَلْفٌ - أَلْفَيْنِ }
مجموع هذه الأعداد الثمانية 4620، وهذا العدد = 110 × 42
تأمّل هذين العددين .. 110 و 42

انتقل إلى آية النصر في سورة يوسف..

{ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)}

رقم الآية هو 110
ومن بداية هذه الآية حتى نهاية السورة 42 كلمة!
مجموع النقاط على الحروف من بداية الآية حتى نهاية السورة 100 نقطة، ويساوي 10 × 10

كلمة { نَصْرُنَا } هي الكلمة رقم 10 من بداية الآية ومن نهايتها أيضًا!

رقم هذه الآية 110 وسورة النصر هي السورة رقم 110 في ترتيب المصحف!! فتأمّل..

{ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُوْنَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)}

من نهاية سورة النصر حتى نهاية المصحف هناك 20 آية، وهذا العدد = 10 + 10
من بداية سورة النصر حتى نهاية المصحف هناك 100 كلمة، وهذا العدد = 10 × 10
من بداية المصحف حتى سورة النصر ورد اسم اللَّه 2700 مرّة، وهذا العدد = 10 × 10 × 27
عدد حروف سورة النصر 80 حرفًا، وهذا العدد = 10 × 8
آخر سورة نزلت من القرآن الكريم هي سورة النصر!
ولذلك إذا أحصيت عدد الآيات من بدايتها حتى نهاية المصحف تجدها 23 آية بعدد أعوام الوحي!

ميزان النصر..
لماذا جاء عدد كلمات سورة النصر 19 كلمة وليس 20 كلمة؟!
إن سورة النصر تدور في فلك كلمة واحدة فقط، وهذه الكلمة هي المعنية بالنصر، ولذلك يجب أن تأخذ هذه الكلمة الترتيب رقم 10 من بداية السورة، ورقم 10 من نهايتها!
ولا يمكن أن يكون ذلك إلا إذا كان عدد كلمات السورة 19، وليس 20، فتأمّل:
1751442247043.png


ومعلوم أن النصر هو لدين اللَّه، ولذلك جاءت كلمة { دِيْنِ } في موضع الكلمة رقم 10 من الاتجاهين!


الآن اكتملت الصورة، ويمكننا أن نرى لوحة قرآنية رائعة، فتأمّل:

1751442223488.png


علاقة سورة يوسف بسورة النصر.. لماذا ارتبطت سورة يوسف بسورة النصر؟
الإجابة عن هذا السؤال تتكوّن من شقين:
الأول يتعلق بالمعنى والمضمون والثاني يتعلق بالبناء الإحصائي للسورتين.
سورة يوسف هي أكثر سورة في القرآن الكريم تصوِّر مشاهد انتصار الحق على الباطل.
وأن العبرة التي يخرج بها كل من يقرأ سورة يوسف هي انتصار الحق على الباطل، والعدل على الجور، والخير على الشر، مهما طال الزمان!
وإذا تأمّلت قصة يوسف كاملة تجدها جاءت تسلية لقلب المصطفى -صلى الله عليه وسلّم- ولتثبيت فؤاده، لأن سورة يوسف مكيَّة، وفي هذه السورة رسالة واضحة للمشركين في مكَّة، وهي أن اللَّه الذي نجّى يوسف -عليه السلام- من كيد إخوته وغيابة الجب والسجن والعبودية والرّق والفتن، ومكَّنه بعد ذلك من الأرض يتبوأ منها حيث يشاء، قادر على أن ينجّي نبيه مُحمَّدًا -صلى الله عليه وسلّم- من كيد المشركين، وقادر على ردّه إلى موطنه مكَّة ظاهرًا ظافرًا منتصرًا.
ومرّت الأيام والشهور والسنون، وبعد أكثر من عشرة أعوام وفي المدينة المنورة، تنزل آخر سورة على النبي -صلى الله عليه وسلّم- وهي سورة النصر، ويتحقق بذلك المغزى الذي نزلت من أجله سورة يوسف! ولذلك لا يمكن بأي حال أن تفهم سورة النصر فهمًا عميقًا ما لم تفهم سورة يوسف ومغزاها، والعكس صحيح!
ولكن لا تزال هناك حلقة مفقودة بين سورتي يوسف والنصر، وبالحصول على هذه الحلقة يكتمل المشهد القرآني! تُرى ما هي هذه الحلقة المفقودة وكيف نحصل عليها؟!
هناك أكثر من طريق، وسوف أدلَّك على أقرب هذه الطرق!
افتح المصحف، وتأمّل آخر خمس سور فيه!
فستجد هذه السور تبدأ بسورة النصر نفسها وتنتهي بسورة الناس!
مجموع ترتيب سور القرآن من سورة النصر حتى نهاية المصحف هو 560
هذا العدد 560 هو مجموع كلمات سورة الفتح!
السورة التي تتحدّث عن فتح مكَّة! وهو أعظم انتصار في تاريخ المسلمين.
ولذلك افتتحت السورة بهذه الآيات العظيمة:

{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيْمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيْزًا (3)

تأمّل كيف جاءت الآية الأولى مقتضبة جدًّا لأنها تحمل البشرى لعامة المسلمين بأمر طالما انتظروه!
وجاءت الآية التالية لها تحمل البشرى للنبي -صلى الله عليه وسلّم- بأن اللَّه قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر! وكلنا يعلم بأن اللَّه يغفر لمن يشاء ما مضى وما تقدّم من ذنوبه، إلا أنه عزّ وجلّ لم يغفر لأحد من خلقه ما تقدّم من ذنبه وما تأخَّر إلا النبي -صلى الله عليه وسلّم-. ولا يفهم أحد الآية على ظاهرها { لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } ويتوهَّم بأن النبي -صلى الله عليه وسلّم- له ذنوب، بل هو المعصوم على الجملة من الصغائر وغيرها، ولا يلزم من مغفرة اللَّه تعالى له وقوع الذنب منه -صلى الله عليه وسلّم- ابتداءً، ويفسّر ذلك قوله تعالى { وَمَا تَأَخَّرَ }، أي بمعنى أنه حتى لو وقع منه لوقع مغفورًا له، وكأن اللَّه عزّ وجلّ يقول له: أفعل ما شئت يا مُحمَّد فإنه مغفور لك، وهذا فيه تشريف عظيم للنبي -صلى الله عليه وسلّم- لم ينله أحد غيره. وجاء هذا التشريف بعد أن علم اللَّه عزّ وجلّ من نبيه -صلى الله عليه وسلّم- ما علم، وهو الذي في جميع أموره على الطاعة والبر والاستقامة التي لم ينلها بشر سواه، لا من الأوّلين ولا من الآخرين، وهو -صلى الله عليه وسلّم- أطوع خلق اللَّه تعالى وأشدّهم تعظيمًا لأوامره ونواهيه، وهو بذلك أكمل البشر على الإطلاق، وسيدهم في الدنيا والآخرة.

مطلع سورة الفتح من جديد..
سورة الفتح يأتي ترتيبها في المصحف بعد سورة مُحمَّد مباشرة وتفتتح بهذه الآية..

{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)}

تأمّل كيف تختتم الآية الأولى { فَتْحًا مُبِينًا }..
مجموع الترتيب الهجائي لأحرف قوله تعالى { فَتْحًا مُبِينًا } = 110
لاحظ كيف عدنا إلى العدد 110 من جديد!
ولم تعرف العرب الترتيب الهجائي للحروف إلا بعد عقود من انقضاء الوحي!

سورة الفتح من جديد..
نعود إلى الآيات الثلاث الأولى من سورة الفتح..
الآية الأولى وهي آية الفتح جاءت من 19 حرفًا!
وجاءت الآية الثالثة وهي آية النصر من 19 حرفًا!
وسورة النصر جاءت من 19 كلمة!
وآية النصر في سورة يوسف جاءت من 19 كلمة!
والآية الأولى من سورة النصر جاءت من 19 حرفًا..
وهكذا تتبلور علاقة رقمية رائعة بين السور الثلاث!

وفي هذا رسالة بليغة لكل المعترضين على الحديث عن النسيج الرقمي القرآني!
فهل ربط أي من المفسّرين الأولين والآخرين بين سور يوسف والنصر والفتح؟!
لماذا غاب عنهم هذا الرباط الوثيق الذي كشفت عنه الأرقام ولم تكشف عنه الألفاظ؟!

انتصار يوسف..
القضية الأساسية التي نناقشها من خلال هذه المشاهد هي ارتباط موضوع النصر في القرآن بالعدد 10
فتأمّل إذًا أين انتهت قصة يوسف، وأين اكتملت جميع مشاهد الانتصار بالنسبة إلى يوسف:

{ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيْلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيْ إِنَّ رَبِّي لَطِيْفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيْمُ الْحَكِيْمُ (100)} [يوسف]

رقم الآية هو العدد 100، وهذا العدد = 10 × 10
مجموع النقاط على حروف هذه الآية نفسها 100 نقطة، ويساوي 10 × 10
هذه الآية تحمل تأويل رؤيا يوسف وهو يؤولها بنفسه في 37 كلمة تبدأ بعد قوله { يَا أَبَتِ } حتى نهاية الآية!
تأمّل سيدنا يوسف في مستهل تأويله لرؤياه وهو يقول: { يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ }!
هذا يدفعنا للعودة إلى بداية السورة للوقوف على هذه الرؤيا التي يتحدَّث عنها، ويعنيها يوسف هنا.
إن رؤيا سيدنا يوسف جاءت بعد كلمة { رَأَيْتُ } مباشرة:
{ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ }.
لقد جاءت رؤيا يوسف في 37 حرفًا، وجاء تأويلها في 37 كلمة!
وفي جميع الحالات، فإن العدد 37 أوّليّ، ترتيبه في قائمة الأعداد الأوّليّة رقم 12
12 هو ترتيب سورة يوسف نفسها في المصحف!
بدأت قصة يوسف برؤيا وانتهت بتحقيق تلك الرؤيا، ولكن بعد 40 عامًا! والله أعلم
وفي هذا رسالة إلى كل الذين تأخرت أحلامهم.. لا تقنطوا من رحمة اللَّه!
المريض سيُشفى.. الحزين سيفرح.. الغائب سيعود.. الميت سيُرحم.
أحسنوا الظن بربكم، فإن ربّ يوسف هو ربكم!

البياني والرقمي..
إن المنظومة الإحصائيّة القرآنيّة تقدِّم لنا حقيقة في غاية الأهميّة، وهي أن أي سورتين أو آيتين، أو أكثر، تربطهما علاقة في المعنى والمضمون، تربطهما في الوقت نفسه علاقة رقمية أيضًا، وبقدر قوة الارتباط البياني تكون قوة الارتباط الرقمي. ومثال على ذلك فقد رأينا جانبًا من الارتباط الوثيق بين سورتي يوسف والنصر.
بل إذا ذهبت أبعد من ذلك وتأمّلت :
عدد آيات سورة يوسف 111 آية،
وعدد آيات سورة النصر 3 آيات
ومجموع آيات السورتين يساوي 114، وهذا هو عدد سور القرآن الكريم!
وإذا تأمّلت مجموع كلمات السورتين تجده 1814 كلمة، ومجموع آياتهما 114 آية، والفرق بين العددين 1700 أي 10 × 10 × 17
قبل أن نسدل الستار على هذا المشهد نؤكد أن ارتباط موضوع النصر في القرآن الكريم بالعدد 10 لا يتوقَّف عند هذا الحد، بل إنك إذا تأمّلت عدد حروف العديد من آيات النصر تجدها مرتبطة بالعدد 10، وعدد النقاط على الحروف وعلامات التشكيل في آيات النصر ترتبط جميعها بالعدد 10 بشكل لافت للنظر! بل إذا تتبّعت تكرار حرف الراء وهو الحرف رقم 10 في قائمة الحروف الهجائية تجده يأخذ وضعًا خاصًّا وموقعًا مميزًا في الآيات التي تتحدّث عن النصر، ولا ننسى أنه الحرف الأخير في كلمة { النَّصْر } نفسها!
فنسأل اللّه عزّ وجلّ لنا ولكم النصر في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد.
--------------------------------------------------------------------
المصدر:
مصحف المدينة المنوّرة برواية حفص عن عاصم (وكلماته بحسب قواعد الإملاء الحديثة).

بتصرف بسيط عن موقع طريق القرآن​
 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى