شهدت الحرب العالمية الثانية ظهور عدد من الجنود والمقاتلين الذين تجاوزوا كل المعايير العسكرية المعتادة، ليس فقط بسبب عدد القتلى الذين تسببوا بهم، بل بسبب تأثيرهم النفسي والتكتيكي على المعارك والجنود من حولهم.
في هذا المنشور، نعرض أبرز هذه الشخصيات التي أصبحت جزءًا من التراث العسكري العالمي.
هايا سمو هايا (Simo Häyhä)
وُلد هايا سمو هايا عام 1905 في قرية روسا في فنلندا، حيث عمل مزارعًا قبل أن ينضم إلى الجيش الفنلندي في الثلاثينيات.

خلال الحرب الشتوية (1939-1940) بين فنلندا والاتحاد السوفيتي، لمع اسمه كأحد أعظم القناصة في التاريخ، رفض استخدام المنظار على بندقيته لتفادي انعكاس الضوء وكشف موقعه، معتمدًا على بندقية “مورينو” بكاتم صوت وعيار 7.62 ملم، وخلال حوالي 100 يوم، قتل أكثر من 500 جندي سوفيتي رغم الظروف المناخية القاسية ودرجات الحرارة المتجمدة، وتمكن بفضل قدرته الفائقة على التمويه والتخفي تحت الثلوج من نيل لقب “الموت الأبيض”.
في إحدى المعارك أُصيب إصابة بالغة في وجهه نتيجة انفجار قذيفة لكنه نجا وتعافى، وعاش حتى عام 2002، كان شخصًا منعزلًا بطبعه، يعشق الطبيعة والعزلة، وهو ما ساعده في إتقان التمويه والاختفاء.
بعد الحرب، عاش حياة بسيطة كصياد ومزارع، وتزوج وأنجب عدة أطفال، وقد كُرّم في بلده بعدة أوسمة وتماثيل وطنية، منها وسام الصليب الأبيض الفنلندي ووسام كروس أوف مايرتال.

وكتب هايا سيرته الذاتية التي تعد مرجعًا لفنون القنص في بيئات الحرب القاسية.
إريش هارتمان (Erich Hartmann)
وُلد عام 1922 في ألمانيا والتحق بسلاح الجو عام 1940، ليصبح أنجح طيار مقاتل في تاريخ الحروب الجوية بعد أن أسقط 352 طائرة معادية خلال الحرب العالمية الثانية.
(تُظهر الصورة هارتمان في شبابه أثناء خدمته بوحدة JG 52، قبل أشهر قليلة من تحقيقه عدد انتصاراته التاريخية.)

اشتهر هارتمان بتكتيكاته الدقيقة وباستخدامه طائرة “مسكيتو” سريعة المناورة، كما نال لقب “الشيطان الأسود” بسبب طلاء طائرته المميز. رغم تعرضه للإسقاط عدة مرات، نجا من الموت دومًا، ما زاد من شهرته بين رفاقه وأعدائه.
(في هذه الصورة يظهر هارتمان يقف أمام طائرة “مسكيتو” التي طارها ضمن وحدة JG 52، مرتديًا زيه الرسمي، في ذروة نشاطه الجوي خلال الحرب العالمية الثانية.)

بعد انتهاء الحرب، سُجن في الاتحاد السوفيتي عشر سنوات بتهم تتعلق بالحرب، ثم أُفرج عنه عام 1955، ثم عاد إلى ألمانيا الغربية حيث خدم كمدرب رفيع في سلاح الجو، وحصل على وسام الفارس الصليبي الحديدي مع أوراق البلوط والسيوف، وهو من أرفع الأوسمة الألمانية.
(هارتمان في الخمسينات، عقب اعتقاله من السوفييت وعودته إلى ألمانيا الغربية، حيث أصبح مستشارًا وطبيب طيار في سلاح الجو.)

كان هارتمان متزوجًا وله طفلان، وقد واجه اضطرابات نفسية بعد فترة الأسر لكنه كرّس حياته لتدريب الطيارين الجدد، وكتب سيرته الذاتية التي تُعتبر من أبرز المراجع في تاريخ الطيران العسكري.
غيرهارد باركهورن (Gerhard Barkhorn)
ولد عام 1919 وخدم في سلاح الجو الألماني خلال الحرب العالمية الثانية، حيث شارك في معارك كثيرة على الجبهة الشرقية وأسقط 301 طائرة، ما يجعله ثاني أعظم طيار مقاتل بعد هارتمان.

كان يتمتع بانضباط كبير وشجاعة واضحة، وعرف بقربه من هارتمان كرفيق دائم له.
حصل على وسام الفارس الصليبي الحديدي مع أوراق البلوط والسيوف والنخب، واستمر في خدمته العسكرية بعد الحرب ضمن سلاح الجو الألماني الغربي.

كتب مذكراته التي وثّق فيها تجربته في القتال، وكان رجلًا متدينًا ومحبًا لعائلته، عاش حياة هادئة بعد الحرب وتفرغ لعائلته.
أودي مورفي (Audie Murphy)
ولد عام 1925 في تكساس، وكان من أشهر الجنود الأمريكيين في الحرب العالمية الثانية وأكثرهم تكريمًا.

التحق بالجيش عام 1942، وبرز بشجاعته الكبيرة في عدة معارك أوروبية، حيث صدّ هجومًا ألمانيًا وحده وهو مصاب، ما أكسبه وسام نجمة الشرف، إضافة إلى 32 وسامًا آخر، منها ميدالية الكونغرس الذهبية.
بعد الحرب، تحوّل إلى نجم سينمائي، وشارك في أكثر من 40 فيلمًا وكتب سيرته الذاتية التي ألهمت الكثيرين، وُلد في عائلة فقيرة وكان أصغر عشرة أطفال، عانى من اضطرابات ما بعد الصدمة، لكنه أصبح ناشطًا في دعم الجنود القدامى، وتوفي في حادث طائرة عام 1971.
أوتو سكورتسيني (Otto Skorzeny)
وُلد عام 1908 في فيينا، وكان ضابطًا بارزًا في قوات SS النازية ومتخصصًا في العمليات الخاصة.
(صورة رسمية لأوتو سكورتسيني بزيه العسكري، تُظهره في مرحلة مبكرة من مسيرته العسكرية.)

اشتهر بقيادة عملية إنقاذ موسوليني من الأسر في جبال إيطاليا عام 1943، وهي من أبرز العمليات الناجحة في الحرب.
عُرف بلقب “الرجل الأخطر في أوروبا” ونفّذ عمليات تمويه وتخريب خلف خطوط العدو، ونال وسام الفارس الصليبي الحديدي، لكنه بعد الحرب فرّ إلى عدة دول وعاش حياة غامضة، وكتب مذكراته مدافعًا عن أفعاله ولم يتزوج رسميًا، وتوفي عام 1975 بعد حياة مليئة بالإثارة والجدل.
كورت كنيسبل (Kurt Knispel)
وُلد عام 1921 في النمسا، وكان قائد دبابة ألمانية شهيرًا ضمن قوات البانزر، دمر 168 دبابة معادية، ليُسجل رقمًا قياسيًا بين سائقي الدبابات في الحرب العالمية الثانية.
(كنيسبل يظهر مبتسماً من برج دبابة Tiger II التُقطت على الأرجح في نهاية 1944 أو بداية 1945 أثناء قيادته للواء المدرعات الثقيل 503.)
كان شجاعًا ومتمرسًا ومتواضعًا، لكنه لم يُمنح شهرة كافية أثناء الحرب بسبب السياسات العسكرية النازية.
عاش حياة بسيطة ومنعزلة، ولم يتزوج، وقُتل في 1945 خلال المعارك، لكنه أصبح لاحقًا رمزًا لسائقي الدبابات، وتم تكريمه بأسماء شوارع ونُصُب في ألمانيا.
- يُنقل في عدة روايات شبه أسطورية، غير رسمية، أن كنيسبل أو أحد أفراد طاقمه تمكنوا من إسقاط طائرة سوفيتية باستخدام مدفع دبابتهم من طراز Tiger II، على الأرجح عبر إصابة دقيقة أو ضربة حظ عند اقتراب الطائرة كثيرًا من الأرض أثناء الهجوم.
- في روايات أخرى، يُذكر أن أوتو كاريوس (Otto Carius)، وهو أيضًا من أبرز سائقي الدبابات الألمان، أصاب طائرة خلال محاولة هبوط أو هجوم منخفض، لكنه لم يُسقطها بالمعنى الكامل.
أوتو كاريوس هو أحد أعظم قادة الدبابات في التاريخ الألماني خلال الحرب العالمية الثانية، وُلد عام 1922، والتحق بالجيش في سن مبكرة، ليصبح لاحقًا قائد دبابة تايغر في وحدات البانزر، يُنسب له تدمير أكثر من 150 دبابة معادية، بالإضافة إلى مركبات مدرعة ومواقع محصنة، مما جعله واحدًا من أكثر الجنود فعالية على الأرض.
(لقطة رسمية لكاريوس أثناء الحرب، يُظهر فيها ملامح حازمة وثابتة، بزي Panzer الرسمي ووسام صليب الفارس. صورة تعكس مدى التزامه ودقته كضابط دبابات.)

كاريوس لم يكن مجرد جندي بارع بل كان أيضًا مثقفًا، حيث كتب مذكراته بعد الحرب بعنوان “النمور في الوحل” (Tigers in the Mud)، وفيها روى تفاصيل دقيقة عن المعارك التي خاضها، وكشف عن الجانب الإنساني للجندي الألماني وسط الفوضى والدمار.
رغم إصاباته المتكررة، ظل كاريوس يقاتل حتى اللحظات الأخيرة من الحرب، واشتهر بأسلوبه القتالي الجريء، وبتكتيكاته التي سمحت له بالتصدي لأعداد هائلة من العدو في ظروف شبه مستحيلة. بعد الحرب، أصبح صيدليًا، وكرّس حياته للسلام، منحته القيادة الألمانية وسام الصليب الحديدي من الدرجة الأولى مع أوراق البلوط، أحد أعلى الأوسمة العسكرية النازية.
ظل كاريوس حتى وفاته في 2015 رمزًا لفئة من الجنود الذين جمعوا بين المهارة العسكرية والرؤية الشخصية المتعمقة، وهو اليوم يُذكر كأحد أبرز رموز فن الحرب المدرعة في القرن العشرين.
فاسيلي زايتسيف (Vasily Zaitsev)
وُلد عام 1915 في روسيا، وكان أحد أبرز القناصة السوفييت خلال معركة ستالينغراد الشهيرة (1942-1943)، حيث قتل أكثر من 200 جندي ألماني.
(زايتسيف واقف بوضع استعراضي مع بندقيته، تُظهر عدّاته المكملة بعد تبنيه رسميًا كقناص خلال معركة ستالينغراد.)

تفنن في اصطياد كبار الضباط مما كسر الروح المعنوية للعدو، وأسّس وحدة قناصة خاصة وقاد دورات تدريبية، وحصل على لقب بطل الاتحاد السوفيتي ووسامي لينين والراية الحمراء.
أثناء تنفيذ تكتيك “إخفاء وكمين” مع رفيقه نقولاي كوليكوف، تظهر الصورة كيف كان ينسق مع زملائه لتسجيل الأهداف بسهولة.

بعد الحرب، عاش كمدرب للقنص وكتب مذكراته التي تحولت إلى أفلام وأعمال أدبية، وتزوج وعاش حياة هادئة حتى وفاته.
ليودميلا بافليتشينكو (Lyudmila Pavlichenko)
ولدت عام 1916 في أوكرانيا، وكانت واحدة من أعظم القناصات في التاريخ، حيث قتلت أكثر من 309 جنود ألمان.
(لحظة ميدانية لزعيمية بافليتشينكو ببندقيتها أثناء القتال، تعكس حضورها البارز في معارك أوديسا وسيفاستوبول.)

أصبحت رمزًا للمقاومة النسائية وشاركت في جولات دعائية بالولايات المتحدة وكندا لتعزيز الروح المعنوية.
نالت أوسمة عليا منها بطل الاتحاد السوفيتي ووسام لينين، وعاشت بعد الحرب حياة هادئة وتزوجت حتى وفاتها عام 1974.
سابورو ساكاي (Saburo Sakai)
ولد عام 1916 في اليابان، وكان طيارًا بارعًا في سلاح الجو الإمبراطوري، وحقق 64 انتصارًا جويًا رغم فقدانه البصر في عينه اليمنى إثر إصابة في المعركة.
(سابورو ساكاي داخل قمرة قيادة طائرتهMitsubishi A5M عام 1939، بلقطة مأخوذة في مطار هانكو بالصين، قبل بداية الحرب العالمية الثانية تعكس الحماسة التي كان يحملها في بدايات مشواره الجوي.)

كان شجاعًا وصاحب مهارات مذهلة، وبعد الحرب كرّس حياته للمصالحة ونشر السلام، خاصة مع الدول التي حارب ضدها.
حصل على عدة أوسمة منها وسام الشجاعة والدرع الذهبي للطيران، وتزوج وأنجب، وتوفي عام 2000 بعد حياة حافلة بالتغيير والتأمل.
مصادر المعلومات:
- Simo Häyhä
- “Simo Häyhä: The White Death” – Biography: Historical and Celebrity Profiles
- “The White Death: The Story of Simo Häyhä, the Deadliest Sniper in History” by Don C. Smith
- Erich Hartmann
- “Erich Hartmann: The Blond Knight of Germany” by Raymond F. Toliver and Trevor J. Constable
- “The German Aces Speak” by Robert Forsyth
- Gerhard Barkhorn
- “Gerhard Barkhorn: The Second Greatest Fighter Ace of All Time” – Military History Quarterly
- “Luftwaffe Fighter Aces” – Osprey Publishing
- Audie Murphy
- “To Hell and Back” by Audie Murphy (Autobiography)
- U.S. Army Center of Military History
- Otto Skorzeny
- “Skorzeny: The Most Dangerous Man in Europe” by Charles Whiting
- Military Archives, Bundesarchiv Germany
- Kurt Knispel
- “Kurt Knispel: The Deadliest Tank Gunner of World War II” – Tank Encyclopedia
- “Panzer Aces” by Franz Kurowski
- Otto Carius
- Carius, Otto. Tigers in the Mud: The Combat Career of German Panzer Commander Otto Carius.
- Mitcham, Samuel W. Panzer Aces: German Tank Commanders in World War II.
- Kurowski, Franz. Panzer Aces.
- Vasily Zaitsev
- “Enemy at the Gates: The Battle for Stalingrad” by William Craig
- Soviet Military Archives
- Lyudmila Pavlichenko
- “Lady Death: The Memoirs of a Soviet Sniper” by Lyudmila Pavlichenko
- Smithsonian Magazine: Women in War
- Saburo Sakai
- “Samurai! The Memoirs of Admiral Isoroku Yamamoto”
- “Winged Samurai: Saburo Sakai and the Zero Fighter Pilots” by Henry Sakaida