إن تقييم شهاب-3 مقارنة بنظائره يبين أنه ورغم تقدمه زمنًا، تبقى دراسته ذات قيمة كبيرة للباحثين في الدراسات العسكرية والإستراتيجية، فمن خلاله يمكن فهم مسار تطوير برنامج الصواريخ الإيراني وطرائق تفكير قياداته في توظيف التكنولوجيا لتحقيق الردع.
عائلة صواريخ شهاب-3 الإيرانية التي فاجأت إسرائيل بقدراتها.
يعدُّ صاروخ شهاب-3 (Shahab-3) الإيراني واحدًا من أبرز الصواريخ الباليستية متوسطة المدى في الترسانة الصاروخية الإيرانية، إذ منح البلاد قدرة على ضرب أهداف إقليمية بعيدة نسبيًا (مثل العمق الإسرائيلي)، مما جعله ركيزة أساسية في استراتيجية الردع الإيرانية. دخل هذا الصاروخ الخدمة العملياتية عام 2003، ويُعتبر أول نجاح لطهران في امتلاك وتطوير صاروخ باليستي متوسط المدى يهدد أهدافًا تتجاوز حدودها المباشرة. وقد وصفته وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية في تقييم عام 2019 بأنه "دعامة رئيسية لقوة الصواريخ الإيرانية متوسطة المدى"، مما يعكس مكانته المحورية ضمن برنامج التسلح الإستراتيجي الإيراني.
الخلفية التاريخية
نشأ برنامج الصواريخ الإيراني بشكل واضح بعد الحرب العراقية الإيرانية (1980–1988) التي تعرضت فيها المدن الإيرانية لقصف صاروخي عراقي مكثّف. هذا الواقع، إضافة إلى انقطاع التعاون العسكري مع الغرب بعد الثورة، دفع إيران إلى البحث عن بدائل لتعزيز قدراتها الصاروخية. في هذا السياق، برز تعاون وثيق مع كوريا الشمالية منذ أوائل التسعينيات، حيث حصلت طهران في منتصف التسعينيات على صاروخ باليستي من طراز نودونغ-1 الكوري الشمالي وأنشأت البنية التحتية اللازمة لتجميع نسخة محلية منه حملت اسم "شهاب-3". تشير التقارير إلى أن إيران بدأت تطوير شهاب-3 بهدف امتلاك صاروخ بعيد المدى قادر على ضرب أهداف في إسرائيل وغرب السعودية، أي تحقيق قدرة ردع تصل إلى خصوم إقليميين أبعد مدىً مما تتيحه صواريخها السابقة.
على الرغم من هذا التعاون، زعمت الجهات الرسمية الإيرانية في حينه أن مشروع شهاب-3 محليّ بالكامل؛ غير أنّ التشابه الكبير بين شهاب-3 والصاروخ نودونغ في الشكل والقدرات، إلى جانب سجلات نقل التكنولوجيا الصاروخية بين بيونغ يانغ وطهران، تظهر بوضوح دور كوريا الشمالية الأساسي في نقل التكنولوجيا
مرّت عملية تطوير شهاب-3 بعدة مراحل رئيسية. بدأت كوريا الشمالية اختباراتها لصاروخ نودونغ قرابة عام 1990، وفي عام 1993 أبرمت إيران اتفاقًا مع بيونغ يانغ للحصول على عدد من هذه الصواريخ أو تقنيات تصنيعها. أُجري أول اختبار طيران إيراني لشهاب-3 في يوليو 1998 ضمن سلسلة من التجارب بين 1998 و2003. واجهت التجربة الأولى مشاكل أدت لانفجار الصاروخ قبل بلوغ الهدف، لكن تجارب لاحقة في عامي 2000 و2002 حققت نجاحات مهمة. بحلول يوليو 2003 أعلنت طهران الصاروخ عمليًا في الخدمة بعد اختبار ناجح قطع فيه مسافة تزيد عن 1300 كم. وهكذا دخل شهاب-3 مرحلة الإنتاج العسكري؛ حيث تشير بعض التقديرات إلى أن الإنتاج التسلسلي بدأ بواقع 12 إلى 15 صاروخًا سنويًا منذ أواخر التسعينيات. وقد ظلّت قوات الحرس الثوري الإيراني (وليس الجيش النظامي) الجهة المشغلة لهذه الصواريخ كسائر منظومات الصواريخ الإستراتيجية الإيرانية.
الخصائص الفنية
يمثل شهاب-3 فئة الصواريخ الباليستية متوسطة المدى (MRBM) وهو صاروخ أحادي المرحلة يعمل بالوقود السائل ومتحرك يمكن إطلاقه من منصة منصوبة على مركبة نقل (TEL)، مع إمكانية إطلاقه أيضًا من منصات ثابتة (مثل الصوامع المحصّنة) وفق بعض التقارير. فيما يلي عرض لأهم الخصائص التقنية للصاروخ شهاب-3 بمختلف نسخه:
المدى وقدرات الدفع: يبلغ مدى شهاب-3 الأساسي حوالي 1300 كم في نسخته التشغيلية الأولى، مع تباين في المدى يتراوح بين نحو 800 كم كحد أدنى و1300 كم وفق حمولة الرأس الحربي. ظهرت لاحقًا نسخ مطورة (شهاب-3A وشهاب-3B) بمديات محسّنة قد تصل إلى 1500–2000 كم عند تقليل الحمولة أو تحسين المحركات. يستخدم الصاروخ محركًا يعمل بالوقود السائل (مثل الكيروسين مع مؤكسد من نوع IRFNA)، بمرحلة واحدة ذات احتراق دفع يمنحه سرعة قصوى تقدر بحوالي ماخ 7 (أي ~2.4 كم/ثانية على ارتفاع 30-10 كم) في مرحلة الانطلاق النهائية. يعتمد الصاروخ على آلية الرأس المنفصل عند العودة للغلاف الجوي، إذ ينفصل الرأس الحربي عن جسم الصاروخ خلال المسار الباليستي النهائي، وهي تقنية مهمة تقلل من بصمة الهدف وتحسّن الاستقرار خلال مرحلة العودة.
الحمولة والرأس الحربي: يستطيع شهاب-3 حمل رأس حربي واحد يزن ما بين ~760 إلى 1200 كجم حسب النسخة. عادةً ما تكون الحمولة في النسخ المبكرة ~1000 كجم لرأس حربي تقليدي شديد الانفجار. أعلن أيضًا عن إمكانية تجهيزه برؤوس غير تقليدية؛ حيث يُعتقد أن التصميم قابل لحمل رأس نووي بدائي أو رأس كيميائي أو حتى رؤوس عنقودية انشطارية متعددة صغيرة (في نسخ مطوّرة). على سبيل المثال، أشارت بعض المصادر إلى تطوير نماذج تحمل ما يصل إلى خمس رؤوس عنقودية صغيرة (~280 كجم لكل منها) قادرة على إصابة أهداف متعددة، لكن يبقى ذلك في إطار التطوير غير المؤكد. تجدر الإشارة إلى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) أفادت بأن إيران بحثت في أوائل العقد 2000 تقنيات تفجير خاصة لشهاب-3 بهدف جعله قادرًا على حمل رأس نووي بشكل موثوق، ما يعكس قابلية التصميم من ناحية الحمولة لإيصال أسلحة دمار شامل رغم عدم امتلاك إيران أي رأس نووي فعلي حتى الآن.
نظام التوجيه والدقة: يعتمد الصاروخ في أساسه على نظام توجيه بالقصور الذاتي (INS) مشابه لما استُخدم في صواريخ سكود السوفيتية. تبلغ دقة الإصابة (نصف قطر الخطأ CEP) في النسخ الأولى حوالي 2500 متر، أي أن الصاروخ ينحرف عن هدفه بمتوسط يصل إلى كيلومترات قليلة. هذه الدقة المحدودة تعني فعاليته ضد أهداف واسعة (كالمراكز الحضرية) أكثر منها ضد أهداف نقطوية صغيرة. إلا أن إيران عملت على تحسين أنظمة التوجيه في النسخ اللاحقة: فتم تزويد بعض نماذج شهاب-3 بتقنيات توجيه مستوردة (مثل منصات قصور ذاتي محوسبة من الصين) ما رفع دقة الإصابة بدرجة ملموسة. كما ظهرت النسخة شهاب-3B المزودة برأس حربي جديد ذي تصميم انسيابي ثلاثي المخروط (يعرف بـ"تصميم الرضّاعة") يسمح بزيادة القدرة على المناورة في مرحلة العودة وتحسين نسبة الرفع إلى الكبح، الأمر الذي يزيد من الدقة النهائية للإصابة. هذه التحسينات خفّضت وزن الرأس الحربي من حوالي 1000 كجم إلى ~700 كجم في شهاب-3B، ويفترض أنها حسّنت دائرة الخطأ إلى بضع مئات من الأمتار أو أقل في النسخ الأكثر تطورًا (مثل الصاروخ عماد Emad الذي أدخل توجيهًا نهائيًا وتحكمًا أفضل).
منصات الإطلاق والتحريك: صُمم شهاب-3 ليكون متحركًا على طرق برية بواسطة مركبات ناقلة-ناصبة (TEL)، مما يتيح مرونة في الإخفاء والانتشار الميداني تفوق الصواريخ المثبتة في قواعد ثابتة. يبلغ طول الصاروخ حوالي 16.5 متر وقطره بين 1.25-1.38 م، وكتلة الإطلاق قرابة 17.4 طن، ما يتطلب منصة شاحنات ثقيلة معدلة لحمله ونصبه عموديًا للإطلاق. يُشار أيضًا إلى إمكانية إطلاقه من منصات إسمنتية محصّنة تحت الأرض (صوامع) ضمن مواقع محددة، وفق ما لمح إليه بعض المسؤولين الإيرانيين وإن لم يُتحقق منه علنًا. يستخدم الوقود السائل (مثل UDMH أو الكيروسين مع مؤكسدات حامضية) يعني ضرورة تزويد الصاروخ بالوقود قبل الإطلاق بوقت معين؛ وقد سُجلت حوادث خلال التجارب نتيجة التعقيدات المرتبطة بعملية التزوّد بالوقود، منها حريق في منصة الإطلاق أثناء تزويد صاروخ شهاب-3 بالوقود في اختبار عام 2002. لهذا فإن جاهزية شهاب-3 للإطلاق الفوري أقل مقارنة بالصواريخ الحديثة العاملة بالوقود الصلب (التي لا تتطلب تجهيزًا وقوديًا مطولًا)، ما يجعل منصاته عرضة نسبيًا للهجوم الوقائي أثناء مرحلة التجهيز إذا كُشف موقعها. ورغم ذلك، فإن إعتماده على منصة متحركة يتيح نقله وتخبئته في مواقع مختلفة للتخفيف من خطر الاستهداف المسبق.
النماذج المطورة والاشتقاقات: طرحت إيران على مدى العقدين الماضيين عدة نسخ مشتقة من شهاب-3 بهدف تعزيز الأداء. من أبرزها صاروخ قدر-1 (غادر) الذي عُرض منذ 2004 بمدى ممتد إلى نحو 1600 كم مع تحسينات في الحمولة والتوجيه، وكذلك صاروخ عماد الذي كُشف عنه في 2015 بمدى حوالي 1700-2000 كم وتقنيات توجيه مرحلي أكثر تطورًا لتحقيق إصابة أكثر دقة. هذه الصواريخ تعتبر تطورًا لجيل شهاب-3 وتحمل الكثير من مكوناته مع تعديلات في الهيكل والأنظمة لتحقيق مدى أبعد ودقة أعلى. إلى جانب ذلك، عملت إيران على مشروع مختلف نوعيًا هو الصاروخ سجيل الذي يستخدم وقودًا صلبًا ومديين يراوحان 2000-2500 كم، والذي يُعتقد بأنه سيشكل العمود الفقري المستقبلي بديلاً عن شهاب-3 نظرًا لسرعة تجهيزه وصعوبة اعتراضه. ومع دخول منظومات أحدث للخدمة، بدأ ينظر إلى صواريخ شهاب-3 الأساسية على أنها باتت قديمة نسبيًا ويتم إحلالها تدريجيًا بإصدارات مطوّرة ضمن عائلة شهاب (كغادر وعماد)، حيث صرّحت مصادر أمريكية بأن شهاب-3 "أقل دقة عمومًا" من صواريخ أحدث كالفاتح-110 ذات المدى الأقصر ولكن التوجيه الدقيق.
التحليل الاستراتيجي
أثر شهاب-3 على معادلات الردع الإقليمية
مثل دخول شهاب-3 الخدمة نقطة تحول في ميزان القدرات الإستراتيجية بالشرق الأوسط. فبامتلاكه مدى يضع كامل أراضي إسرائيل وأجزاء كبيرة من مناطق الخليج ضمن نطاق الاستهداف الإيراني، أضافت إيران بُعدًا جديدًا لمعادلة الردع الإقليمي. سابقًا، كانت قوة الصواريخ الإيرانية مقتصرة على صواريخ قصيرة المدى (سكود وشهاب-1 و2 بمدى بضع مئات من الكيلومترات) ما يحدّ التهديد لأهداف في دول الجوار المباشر. أما مع شهاب-3، فأصبحت عواصم ومراكز حيوية على مسافة أبعد (مثل تل أبيب والرياض وربما جنوب شرق أوروبا في النسخ الأبعد مدى) ضمن مدى الصواريخ الإيرانية. هذا التطور عزز مفهوم الردع بالمثل لدى إيران؛ أي القدرة على تهديد العمق الاستراتيجي للخصوم في حال تعرض إيران لهجوم. بالتالي، أسهم شهاب-3 في خلق توازن ردع جديد إلى حد ما بين إيران وإسرائيل خاصة، حيث يدرك كل طرف أن الآخر يمتلك قدرة إيصال ضربة إلى عمقه الإستراتيجي. وقد صرّح مسؤولون إيرانيون مرارًا بأن قدراتهم الصاروخية هي عنصر ردع دفاعي في مواجهة التهديدات، وهو ما تعززه ترسانة صواريخ متنامية متنوعة المدى تستطيع ضرب قواعد عسكرية ومدن لدول معادية في حال العدوان على إيران.
إلى جانب الردع الثنائي بين دول، كان لانتشار صواريخ شهاب-3 أثره على سباق التسلح الإقليمي. فدول الخليج العربي وإسرائيل بدأت تعزيز دفاعاتها الجوية والصاروخية تحسبًا لهذا الخطر الجديد. وشهدت المنطقة نشر منظومات اعتراض صاروخي متطورة: فعلى سبيل المثال، قامت إسرائيل بتطوير ونشر منظومة سهم-2 وسهم-3 (آرو) المصممة لاعتراض الصواريخ الباليستية خارج الغلاف الجوي أو على أطرافه، إلى جانب أنظمة القبة الحديدية ومقلاع داود للمديات الأقصر. كما عمقت الولايات المتحدة تعاونها مع دول الخليج لنشر بطاريات باتريوت وTHAAD المضادة للصواريخ تحسبًا لأي مواجهة صاروخية مع إيران. من جهة أخرى، ردع شهاب-3 الخصوم الإقليميين عن اتخاذ خطوات هجومية مباشرة ضد إيران، نظرًا لإدراكهم قدرة طهران على الرد الفوري بوابل من الصواريخ نحو أهداف حساسة. هذا الردع المتبادل أسهم في منع انزلاق الأزمات إلى مواجهات شاملة، وإن ظل التوتر قائمًا في حروب الظل والوكالة.
موقف إسرائيل والولايات المتحدة
أثار تطوير إيران لصواريخ متوسطة المدى كالشهاب-3 قلقًا شديدًا لدى إسرائيل والولايات المتحدة على حد سواء. إسرائيل، التي تعتبر نفسها مستهدفة رئيسية بهذه الصواريخ، نظرت إلى شهاب-3 كتهديد وجودي محتمل خاصة إذا ما تمكنت إيران مستقبلًا من تسليحه برؤوس غير تقليدية. لذلك تبنّت إسرائيل استراتيجية مزدوجة للتعامل مع الخطر: أولاً بناء قدرة دفاعية متعددة الطبقات ضد الصواريخ (منها منظومات Arrow وDavid’s Sling وIron Dome) لاعتراض أي صاروخ باليستي يأتي من مسافات مختلفة. وثانيًا تبني عقيدة الضربة الوقائية عند الضرورة؛ إذ لم تستبعد إسرائيل توجيه ضربات استباقية لمنشآت الصواريخ الإيرانية إذا ما شعرت بتهديد داهم. وقد نُفذت بالفعل عمليات ضمن هذا التوجه، أبرزها الغارة الجوية في أكتوبر 2024 التي استهدفت قواعد صاروخية للحرس الثوري في عمق سوريا والعراق يعتقد أنها تحوي منصات شهاب وغيرها، في رسالة واضحة لحرمان طهران من تموضع صاروخي متقدم يهدد إسرائيل. كما واصلت إسرائيل تطوير ترسانتها الصاروخية الهجومية (مثل صواريخ يريحو الباليستية بعيدة المدى) لضمان احتفاظها بتفوق ردعي نوعي.
بالنسبة إلى الولايات المتحدة، مثّل شهاب-3 مصدر قلق لكونه قادرًا على ضرب حلفائها وقواعدها في الشرق الأوسط. فالقوات والقواعد الأمريكية المنتشرة في الخليج (في قطر والبحرين والكويت وغيرها) أصبحت ضمن نطاق الصواريخ الإيرانية. كذلك رأت واشنطن في برنامج شهاب-3 مؤشرًا على سعي إيران لبناء قدرة توصيل سلاح نووي على المدى المتوسط، ما زاد المخاوف من زعزعة استقرار المنطقة. وقد دفعت هذه الهواجس الولايات المتحدة إلى عدة خطوات: منها تشديد العقوبات على الجهات الإيرانية المرتبطة ببرنامج الصواريخ، وتسليط ملفات إيران الصاروخية في المحافل الدولية باعتبارها خرقًا لقرارات الأمم المتحدة التي تطالبها بوقف أنشطة تطوير الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية. كما عززت واشنطن وجود منظومات دفاع صاروخي في المنطقة، بل وطرحت سابقًا مشروع درع صاروخي أوسع نطاقًا (في أوروبا الشرقية) مبررة ذلك بتهديد الصواريخ الإيرانية متوسطة المدى. وعلى الصعيد الاستراتيجي، تبنت الولايات المتحدة سياسة الردع الموسع لطمأنة حلفائها (خاصة إسرائيل ودول الخليج) بأنها ستتصدى لأي استخدام إيراني لهذه الصواريخ في حال نشوب صراع، مما يعني ضمنيًا التهديد بالرد على مصادر إطلاق شهاب-3 إن استُخدم ضد مصالح أمريكا أو حلفائها.
تداعيات نشر شهاب-3 على الأمن الإقليمي
كان لامتلاك إيران صواريخ شهاب-3 ونشرها أثرٌ بالغ على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط. فمن جهة، عزز ذلك مكانة إيران كقوة إقليمية قادرة على فرض كلفة عالية على أي اعتداء عليها، وساهم في بسط نفوذها الردعي ليشمل خصومًا بعيدين نسبيًا. لكن من جهة أخرى، أدخل المنطقة في سباق تسلّح صاروخي ودفاعي يحتمل أن يؤجج التوترات. على سبيل المثال، دفع التهديد الصاروخي الإيراني المملكة العربية السعودية إلى شراء صواريخ باليستية صينية (مثل DF-3 بعيدة المدى في الثمانينات ثم DF-21 متوسطة المدى في 2007) لتعزيز قدراتها مقابل إيران. ورغم أن الصواريخ السعودية معدلة لحمل رؤوس تقليدية فقط، إلا أن انتشار هذه الترسانات يزيد من عوامل عدم الاستقرار إذا ما احتدمت المواجهات. كذلك شرعت دول الخليج في اقتناء منظومات دفاع جوي حديثة (مثل باتريوت باك-3 وثاد) بتحفيز ودعم أمريكي مباشر، مما أدخل تكنولوجيا عسكرية متقدمة للمنطقة ولكن مع احتمال إثارة رد فعل من جانب إيران التي قد تسعى لتطوير وسائل اختراق هذه الدفاعات.
على الصعيد الإقليمي الأوسع، أدى وجود شهاب-3 في يد إيران إلى شعور دول مجاورة أخرى بالقلق من احتمالية سقوط بعض تلك الصواريخ بالخطأ على أراضيها في حال اندلاع نزاع واسع. وبرزت مخاوف من الانتشار الأفقي للتقنية الباليستية، أي احتمال نقل إيران تكنولوجيا صواريخ متوسطة المدى لحلفائها من الجماعات المسلحة. ورغم أن مدى 1300+ كم يجعل نشر شهاب-3 عبر وكلاء إقليميين أمرًا غير عملي حاليًا (نظرًا لحجمه وتعقيد تشغيله)، إلا أن إيران قامت بتزويد حلفائها كـحزب الله والحوثيين بصواريخ أقصر مدى مطوّرة محليًا (فتح-110 وزلزال وغيرها) لضرب عمق الخصوم الإقليميين. هذا التكتيك عزز قدرات تلك الجماعات على تهديد إسرائيل والسعودية، وجعل أي مواجهة مباشرة مع إيران محفوفة بخطر جبهة صاروخية متعددة المصادر. وعليه، زاد نشر شهاب-3 وما تلاه من صواريخ بعيدة المدى في ترسانة إيران من تعقيد المشهد الأمني الإقليمي، حيث أصبحت حسابات الحرب والسلام تشمل سيناريوهات الضربة الصاروخية والضربة المضادة وأهمية الدفاعات الباليستية، فضلاً عن مخاطر سوء التقدير الذي قد يؤدي إلى تصعيد غير مقصود.
التقييم الفني للصاروخ شهاب-3
ركزت التقييمات الفنية لشهاب-3 على جوانب الأداء والعملانية مقارنة بغيره من الصواريخ في فئته. فيما يلي تحليل لأبرز نقاط القوة والضعف الفنية للصاروخ ودوره العملياتي:
دقة الإصابة والتوجيه: كما أُشير أعلاه، دقة شهاب-3 الأصلية منخفضة نسبيًا (CEP نحو 2.5 كم)، مما يجعله ملائمًا لاستهداف مدن أو قواعد واسعة النطاق أكثر من الأهداف الصغيرة المحصنة. هذه الدقة المحدودة كانت نقطة ضعف واضحة، خاصة عند استخدام الرأس الحربي التقليدي؛ فكلما زاد الانحراف قلّ التأثير العسكري ما لم يكن الهدف كبيرًا. سعت إيران لمعالجة هذا القصور عبر تحسين أنظمة التوجيه في النسخ المطورة. ويُحسب لها تحقيق تقدم في هذا الجانب من خلال الاستفادة من التقنيات الصينية وتعديل تصميم الرأس الحربي (كما في شهاب-3B وعماد)، مما قلّص دائرة الخطأ المحتمل بشكل ملحوظ. ومع ذلك، تبقى دقة شهاب-3 عمومًا أدنى من بعض الصواريخ الحديثة لدى دول أخرى؛ فوفق تقييمات أمريكية، لا يزال شهاب-3 أقل دقة من الصاروخ الإيراني فاتح-110 قصير المدى الموجه عالي الدقة، فضلًا عن كونه أقل دقة بكثير من الترسانة الإسرائيلية (التي تشمل صواريخ جوالة وصواريخ باليستية موجهة بتقنيات متطورة).
المدى والقدرة التدميرية: يوفر مدى ~1300 كم لشهاب-3 ميزة استراتيجية مهمة لوضع أهداف بعيدة ضمن نطاق الضرب، وهو مدى يفوق بكثير صواريخ سكود المعدلة (شهاب-1 وشهاب-2) التي امتلكتها إيران سابقًا. بهذه القدرة يتفوق شهاب-3 على العديد من المنظومات الإقليمية القصيرة المدى، ويضاهي صواريخ مماثلة لدى دول الجوار (مثل صاروخ غوري-1 الباكستاني الذي يصل مداه ~1300 كم أيضًا والمستند تقنيًا إلى نودونغ الكوري نفسه). كما يفوق مدى شهاب-3 ما لدى سوريا مثلًا (حيث أقصى مدى لصواريخ سكود-D السورية ~700 كم). وإضافة للمدى، فإن حمولة الرأس الحربي (~1 طن تقليدي) تمنحه قوة تدميرية كبيرة إذا أصاب هدفه، وهذه الحمولة تعادل أو تزيد على نظيرات في الفئة؛ فمثلًا صاروخ Jericho-II الإسرائيلي (دخل الخدمة أواخر الثمانينات) مداه نحو 1500 كم بحمولة تقدر بـ500-1000 كجم، ما يضع شهاب-3 في نطاق مماثل من حيث القدرة التدميرية النظريّة. بالتالي، من ناحية نقاط القوة يمتلك شهاب-3 مدى مؤثر وحمولة قتالية تمكنانه من إلحاق أضرار جسيمة بالأهداف الكبيرة كالمدن أو القواعد العسكرية الكبرى عند استخدام رؤوس تقليدية أو غير تقليدية.
الجاهزية التشغيلية وسرعة الإطلاق: كون شهاب-3 يعمل بالوقود السائل ويحتاج للتزوّد بالوقود قبل الإطلاق يشكّل تحديًا عمليًا مقارنة بالصواريخ ذات الوقود الصلب الجاهزة للإطلاق الفوري. تشير التجارب إلى أن تحضير منصة شهاب-3 للإطلاق (نصب الصاروخ عموديًا وتزويده بالوقود وضبط منصات التوجيه) يستغرق وقتًا ملموسًا قد يصل إلى ساعات معدودة. وقد أدى هذا الزمن التحضيري في إحدى الاختبارات عام 2002 إلى فشل التجربة بعد اشتعال وقود الصاروخ قبل الإطلاق. هذا يبرز نقطة ضعف عملياتية للصاروخ، حيث يكون عرضة للكشف والاستهداف أثناء نافذة التجهيز. بالمقابل، الصواريخ الصلبة الوقود مثل سجيل الإيراني أو بعض صواريخ الخصوم (DF-21 الصيني مثلًا لدى السعودية، وجيريكو-3 الإسرائيلي الحديثة) تتميز بقدرة الإطلاق السريع خلال دقائق من الأمر بسبب تخزين الوقود داخلها مسبقًا. وبالتالي، في سيناريو مواجهة، قد تستطيع المنظومات الصلبة تنفيذ ضربات مباغتة أكثر من شهاب-3. ومع ذلك، يحتفظ شهاب-3 بميزة التنقل والإخفاء كما أسلفنا؛ فإمكانية تحريكه على شاحنات وإطلاقه من مواقع متغيرة تمنحه مرونة تكتيكية، خلافًا للصواريخ الثابتة أو الثقيلة جدًا التي يصعب تغيير أماكنها. هذه المرونة تقلل من احتمالية تدميره على الأرض بشكل كامل، خاصة إذا ما اعتمد الإيرانيون أسلوب "إطلاق عدد وافر من الصواريخ في رشقات" لتشتيت جهود الدفاع الاعتراضي للعدو. بالفعل، العقيدة الإيرانية الصاروخية تميل نحو الإطلاق الكثيف المتزامن لتحقيق التشبع وتجاوز الدفاعات، ما يعني أن وجود عدد كافٍ من صواريخ شهاب-3 منصوبة في ميادين مختلفة قد يضمن وصول بعضٍ منها إلى أهدافه رغم محاولات الاعتراض.
مقارنة بالصواريخ المماثلة: عند مقارنة شهاب-3 بصواريخ متوسطة المدى من نفس الجيل، نجده مماثلًا في أصل التقنية لأسراب صواريخ كوريا الشمالية وباكستان خلال التسعينيات (نودونغ وغوري)، وبالتالي يمتلك قدرات متقاربة من حيث المدى والحمولة والدقة في نسخته الأساسية. أما مقارنةً بمنظومات أحدث، فالصاروخ الإيراني يتخلف تكنولوجيًا في بعض الجوانب: فمثلاً الصاروخ الهندي أغني-III (حوالي 3000 كم مدى) أو الباكستاني شاهين-2 (1500 كم مدى) كلاهما يعمل بالوقود الصلب ويوفر دقة أعلى ووقت تحضير أقصر بكثير، ما يجعلهما أكثر موثوقية عسكريًا. وعلى المستوى الإقليمي، برز لدى إسرائيل صاروخ Jericho III العابر للقارات (مدى يتجاوز 4000 كم) ذي وقود صلب أيضًا، ما يضع إسرائيل في مرتبة متقدمة تكنولوجيًا بأشواط عن شهاب-3 من حيث المدى ومرونة الإطلاق. كما أن صواريخ كروز بعيدة المدى (سواء لدى إسرائيل أو إيران) توفر خيارًا آخر أكثر دقة في إصابة الأهداف مقارنة بالمسار الباليستي التقليدي لشهاب-3. لكل ذلك، يُنظر إلى شهاب-3 كبداية مهمة لإيران في مضمار الصواريخ متوسطة المدى، لكنه ليس الأكثر تطورًا ضمن فئته عالميًا أو حتى إقليميًا مع دخول منافسين أكثر حداثة الخدمة. وقد أصبحت هذه الحقيقة جلية مع إعلان إيران نفسه أن صواريخ شهاب-3 القديمة سيتم استبدالها تدريجيًا بالجيل الجديد (غادر، عماد، سجيل) في إطار تطوير قوتها الصاروخية. ومع ذلك، يبقى شهاب-3 حتى يومنا هذا ورقة قوة استراتيجية في يد إيران، خاصة في ظل عدم امتلاك بعض خصومها الإقليميين قدرات صاروخية مماثلة من حيث المدى أو العدد.
الخاتمة
في الختام، يظهر صاروخ شهاب-3 الإيراني بوصفه عنصرًا جوهريًا في تطور قدرات إيران الصاروخية الإستراتيجية خلال العقود الأخيرة. فقد شكّل امتلاكه نقطة انتقال من صواريخ قصيرة المدى محدودة التأثير إلى صواريخ متوسطة المدى تمنح إيران عمقًا ردعيًا يصل إلى خصوم أكثر بعدًا كإسرائيل والقواعد الأميركية في المنطقة. تناول المقال الخلفية التاريخية التي أبرزت دور التعاون الخارجي (خاصة الكوري الشمالي) والدوافع الدفاعية الإيرانية النابعة من تجربة الحرب مع العراق في الدفع نحو تطوير هذا السلاح. كما استعرضنا الخصائص التقنية لشهاب-3 التي أظهرت مزيجًا من نقاط القوة، مثل المدى والحمولة الكبيرة وإمكانية المناورة عبر المنصات المتحركة، ونقاط الضعف المتمثلة في دقة محدودة وزمن تجهيز طويل نتيجة الاعتماد على الوقود السائل. وعلى الصعيد الإستراتيجي، رأينا كيف أثّر وجود شهاب-3 على حسابات الردع الإقليمي، دافعًا الخصوم إلى تعزيز دفاعاتهم وربما كابحًا إياهم عن المجازفة بمواجهة مباشرة مع إيران تجنبًا لضربات انتقامية صاروخية.
إن تقييم شهاب-3 مقارنة بنظائره يبين أنه ورغم تقدمه زمنًا، فإنه لم يواكب تمامًا التطور التقني لأجيال الصواريخ الأحدث، مما جعل إيران نفسها تصنفه الآن كمنظومة قديمة نسبيًا تستوجب التحديث أو الاستبدال. مع ذلك، تبقى دراسة شهاب-3 ذات قيمة كبيرة للباحثين في الدراسات العسكرية والإستراتيجية، فمن خلاله يمكن فهم مسار تطوير برنامج الصواريخ الإيراني وطرائق تفكير قياداته في توظيف التكنولوجيا لتحقيق الردع. توصي هذه الدراسة بمواصلة متابعة تطور النسخ المطورة لعائلة شهاب (مثل غادر وعماد) وكذلك برنامج الصواريخ الصلبة الإيراني (سجيل وما بعده)، لما لذلك من تأثير مباشر على توازنات القوى ومستقبل سباق التسلح في الشرق الأوسط. كما توصي بتحليل إجراءات الحدّ من انتشار تكنولوجيا الصواريخ الباليستية وفاعليتها، نظرًا لأن انتشار صواريخ بقدرات شهاب-3 لدى أطراف غير منضبطة قد يشكل تهديدًا جسيمًا للأمن الإقليمي والدولي. وفي المحصلة، أثبت شهاب-3 أهمية امتلاك الدول النامية لتقنيات صاروخية متطورة كوسيلة لتحقيق توازن ردعي، لكنه أيضًا مثال حيّ على التحديات التقنية واللوجستية والسياسية التي تواجه برامج التسلح الصاروخي في العالم النامي، وهي قضايا تستدعي بحثًا مستمرًا ومعمقًا في المستقبل.
marsadnews.net
عائلة صواريخ شهاب-3 الإيرانية التي فاجأت إسرائيل بقدراتها.
يعدُّ صاروخ شهاب-3 (Shahab-3) الإيراني واحدًا من أبرز الصواريخ الباليستية متوسطة المدى في الترسانة الصاروخية الإيرانية، إذ منح البلاد قدرة على ضرب أهداف إقليمية بعيدة نسبيًا (مثل العمق الإسرائيلي)، مما جعله ركيزة أساسية في استراتيجية الردع الإيرانية. دخل هذا الصاروخ الخدمة العملياتية عام 2003، ويُعتبر أول نجاح لطهران في امتلاك وتطوير صاروخ باليستي متوسط المدى يهدد أهدافًا تتجاوز حدودها المباشرة. وقد وصفته وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية في تقييم عام 2019 بأنه "دعامة رئيسية لقوة الصواريخ الإيرانية متوسطة المدى"، مما يعكس مكانته المحورية ضمن برنامج التسلح الإستراتيجي الإيراني.
الخلفية التاريخية
نشأ برنامج الصواريخ الإيراني بشكل واضح بعد الحرب العراقية الإيرانية (1980–1988) التي تعرضت فيها المدن الإيرانية لقصف صاروخي عراقي مكثّف. هذا الواقع، إضافة إلى انقطاع التعاون العسكري مع الغرب بعد الثورة، دفع إيران إلى البحث عن بدائل لتعزيز قدراتها الصاروخية. في هذا السياق، برز تعاون وثيق مع كوريا الشمالية منذ أوائل التسعينيات، حيث حصلت طهران في منتصف التسعينيات على صاروخ باليستي من طراز نودونغ-1 الكوري الشمالي وأنشأت البنية التحتية اللازمة لتجميع نسخة محلية منه حملت اسم "شهاب-3". تشير التقارير إلى أن إيران بدأت تطوير شهاب-3 بهدف امتلاك صاروخ بعيد المدى قادر على ضرب أهداف في إسرائيل وغرب السعودية، أي تحقيق قدرة ردع تصل إلى خصوم إقليميين أبعد مدىً مما تتيحه صواريخها السابقة.
على الرغم من هذا التعاون، زعمت الجهات الرسمية الإيرانية في حينه أن مشروع شهاب-3 محليّ بالكامل؛ غير أنّ التشابه الكبير بين شهاب-3 والصاروخ نودونغ في الشكل والقدرات، إلى جانب سجلات نقل التكنولوجيا الصاروخية بين بيونغ يانغ وطهران، تظهر بوضوح دور كوريا الشمالية الأساسي في نقل التكنولوجيا
مرّت عملية تطوير شهاب-3 بعدة مراحل رئيسية. بدأت كوريا الشمالية اختباراتها لصاروخ نودونغ قرابة عام 1990، وفي عام 1993 أبرمت إيران اتفاقًا مع بيونغ يانغ للحصول على عدد من هذه الصواريخ أو تقنيات تصنيعها. أُجري أول اختبار طيران إيراني لشهاب-3 في يوليو 1998 ضمن سلسلة من التجارب بين 1998 و2003. واجهت التجربة الأولى مشاكل أدت لانفجار الصاروخ قبل بلوغ الهدف، لكن تجارب لاحقة في عامي 2000 و2002 حققت نجاحات مهمة. بحلول يوليو 2003 أعلنت طهران الصاروخ عمليًا في الخدمة بعد اختبار ناجح قطع فيه مسافة تزيد عن 1300 كم. وهكذا دخل شهاب-3 مرحلة الإنتاج العسكري؛ حيث تشير بعض التقديرات إلى أن الإنتاج التسلسلي بدأ بواقع 12 إلى 15 صاروخًا سنويًا منذ أواخر التسعينيات. وقد ظلّت قوات الحرس الثوري الإيراني (وليس الجيش النظامي) الجهة المشغلة لهذه الصواريخ كسائر منظومات الصواريخ الإستراتيجية الإيرانية.
الخصائص الفنية
يمثل شهاب-3 فئة الصواريخ الباليستية متوسطة المدى (MRBM) وهو صاروخ أحادي المرحلة يعمل بالوقود السائل ومتحرك يمكن إطلاقه من منصة منصوبة على مركبة نقل (TEL)، مع إمكانية إطلاقه أيضًا من منصات ثابتة (مثل الصوامع المحصّنة) وفق بعض التقارير. فيما يلي عرض لأهم الخصائص التقنية للصاروخ شهاب-3 بمختلف نسخه:
المدى وقدرات الدفع: يبلغ مدى شهاب-3 الأساسي حوالي 1300 كم في نسخته التشغيلية الأولى، مع تباين في المدى يتراوح بين نحو 800 كم كحد أدنى و1300 كم وفق حمولة الرأس الحربي. ظهرت لاحقًا نسخ مطورة (شهاب-3A وشهاب-3B) بمديات محسّنة قد تصل إلى 1500–2000 كم عند تقليل الحمولة أو تحسين المحركات. يستخدم الصاروخ محركًا يعمل بالوقود السائل (مثل الكيروسين مع مؤكسد من نوع IRFNA)، بمرحلة واحدة ذات احتراق دفع يمنحه سرعة قصوى تقدر بحوالي ماخ 7 (أي ~2.4 كم/ثانية على ارتفاع 30-10 كم) في مرحلة الانطلاق النهائية. يعتمد الصاروخ على آلية الرأس المنفصل عند العودة للغلاف الجوي، إذ ينفصل الرأس الحربي عن جسم الصاروخ خلال المسار الباليستي النهائي، وهي تقنية مهمة تقلل من بصمة الهدف وتحسّن الاستقرار خلال مرحلة العودة.
الحمولة والرأس الحربي: يستطيع شهاب-3 حمل رأس حربي واحد يزن ما بين ~760 إلى 1200 كجم حسب النسخة. عادةً ما تكون الحمولة في النسخ المبكرة ~1000 كجم لرأس حربي تقليدي شديد الانفجار. أعلن أيضًا عن إمكانية تجهيزه برؤوس غير تقليدية؛ حيث يُعتقد أن التصميم قابل لحمل رأس نووي بدائي أو رأس كيميائي أو حتى رؤوس عنقودية انشطارية متعددة صغيرة (في نسخ مطوّرة). على سبيل المثال، أشارت بعض المصادر إلى تطوير نماذج تحمل ما يصل إلى خمس رؤوس عنقودية صغيرة (~280 كجم لكل منها) قادرة على إصابة أهداف متعددة، لكن يبقى ذلك في إطار التطوير غير المؤكد. تجدر الإشارة إلى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) أفادت بأن إيران بحثت في أوائل العقد 2000 تقنيات تفجير خاصة لشهاب-3 بهدف جعله قادرًا على حمل رأس نووي بشكل موثوق، ما يعكس قابلية التصميم من ناحية الحمولة لإيصال أسلحة دمار شامل رغم عدم امتلاك إيران أي رأس نووي فعلي حتى الآن.
نظام التوجيه والدقة: يعتمد الصاروخ في أساسه على نظام توجيه بالقصور الذاتي (INS) مشابه لما استُخدم في صواريخ سكود السوفيتية. تبلغ دقة الإصابة (نصف قطر الخطأ CEP) في النسخ الأولى حوالي 2500 متر، أي أن الصاروخ ينحرف عن هدفه بمتوسط يصل إلى كيلومترات قليلة. هذه الدقة المحدودة تعني فعاليته ضد أهداف واسعة (كالمراكز الحضرية) أكثر منها ضد أهداف نقطوية صغيرة. إلا أن إيران عملت على تحسين أنظمة التوجيه في النسخ اللاحقة: فتم تزويد بعض نماذج شهاب-3 بتقنيات توجيه مستوردة (مثل منصات قصور ذاتي محوسبة من الصين) ما رفع دقة الإصابة بدرجة ملموسة. كما ظهرت النسخة شهاب-3B المزودة برأس حربي جديد ذي تصميم انسيابي ثلاثي المخروط (يعرف بـ"تصميم الرضّاعة") يسمح بزيادة القدرة على المناورة في مرحلة العودة وتحسين نسبة الرفع إلى الكبح، الأمر الذي يزيد من الدقة النهائية للإصابة. هذه التحسينات خفّضت وزن الرأس الحربي من حوالي 1000 كجم إلى ~700 كجم في شهاب-3B، ويفترض أنها حسّنت دائرة الخطأ إلى بضع مئات من الأمتار أو أقل في النسخ الأكثر تطورًا (مثل الصاروخ عماد Emad الذي أدخل توجيهًا نهائيًا وتحكمًا أفضل).
منصات الإطلاق والتحريك: صُمم شهاب-3 ليكون متحركًا على طرق برية بواسطة مركبات ناقلة-ناصبة (TEL)، مما يتيح مرونة في الإخفاء والانتشار الميداني تفوق الصواريخ المثبتة في قواعد ثابتة. يبلغ طول الصاروخ حوالي 16.5 متر وقطره بين 1.25-1.38 م، وكتلة الإطلاق قرابة 17.4 طن، ما يتطلب منصة شاحنات ثقيلة معدلة لحمله ونصبه عموديًا للإطلاق. يُشار أيضًا إلى إمكانية إطلاقه من منصات إسمنتية محصّنة تحت الأرض (صوامع) ضمن مواقع محددة، وفق ما لمح إليه بعض المسؤولين الإيرانيين وإن لم يُتحقق منه علنًا. يستخدم الوقود السائل (مثل UDMH أو الكيروسين مع مؤكسدات حامضية) يعني ضرورة تزويد الصاروخ بالوقود قبل الإطلاق بوقت معين؛ وقد سُجلت حوادث خلال التجارب نتيجة التعقيدات المرتبطة بعملية التزوّد بالوقود، منها حريق في منصة الإطلاق أثناء تزويد صاروخ شهاب-3 بالوقود في اختبار عام 2002. لهذا فإن جاهزية شهاب-3 للإطلاق الفوري أقل مقارنة بالصواريخ الحديثة العاملة بالوقود الصلب (التي لا تتطلب تجهيزًا وقوديًا مطولًا)، ما يجعل منصاته عرضة نسبيًا للهجوم الوقائي أثناء مرحلة التجهيز إذا كُشف موقعها. ورغم ذلك، فإن إعتماده على منصة متحركة يتيح نقله وتخبئته في مواقع مختلفة للتخفيف من خطر الاستهداف المسبق.
النماذج المطورة والاشتقاقات: طرحت إيران على مدى العقدين الماضيين عدة نسخ مشتقة من شهاب-3 بهدف تعزيز الأداء. من أبرزها صاروخ قدر-1 (غادر) الذي عُرض منذ 2004 بمدى ممتد إلى نحو 1600 كم مع تحسينات في الحمولة والتوجيه، وكذلك صاروخ عماد الذي كُشف عنه في 2015 بمدى حوالي 1700-2000 كم وتقنيات توجيه مرحلي أكثر تطورًا لتحقيق إصابة أكثر دقة. هذه الصواريخ تعتبر تطورًا لجيل شهاب-3 وتحمل الكثير من مكوناته مع تعديلات في الهيكل والأنظمة لتحقيق مدى أبعد ودقة أعلى. إلى جانب ذلك، عملت إيران على مشروع مختلف نوعيًا هو الصاروخ سجيل الذي يستخدم وقودًا صلبًا ومديين يراوحان 2000-2500 كم، والذي يُعتقد بأنه سيشكل العمود الفقري المستقبلي بديلاً عن شهاب-3 نظرًا لسرعة تجهيزه وصعوبة اعتراضه. ومع دخول منظومات أحدث للخدمة، بدأ ينظر إلى صواريخ شهاب-3 الأساسية على أنها باتت قديمة نسبيًا ويتم إحلالها تدريجيًا بإصدارات مطوّرة ضمن عائلة شهاب (كغادر وعماد)، حيث صرّحت مصادر أمريكية بأن شهاب-3 "أقل دقة عمومًا" من صواريخ أحدث كالفاتح-110 ذات المدى الأقصر ولكن التوجيه الدقيق.
التحليل الاستراتيجي
أثر شهاب-3 على معادلات الردع الإقليمية
مثل دخول شهاب-3 الخدمة نقطة تحول في ميزان القدرات الإستراتيجية بالشرق الأوسط. فبامتلاكه مدى يضع كامل أراضي إسرائيل وأجزاء كبيرة من مناطق الخليج ضمن نطاق الاستهداف الإيراني، أضافت إيران بُعدًا جديدًا لمعادلة الردع الإقليمي. سابقًا، كانت قوة الصواريخ الإيرانية مقتصرة على صواريخ قصيرة المدى (سكود وشهاب-1 و2 بمدى بضع مئات من الكيلومترات) ما يحدّ التهديد لأهداف في دول الجوار المباشر. أما مع شهاب-3، فأصبحت عواصم ومراكز حيوية على مسافة أبعد (مثل تل أبيب والرياض وربما جنوب شرق أوروبا في النسخ الأبعد مدى) ضمن مدى الصواريخ الإيرانية. هذا التطور عزز مفهوم الردع بالمثل لدى إيران؛ أي القدرة على تهديد العمق الاستراتيجي للخصوم في حال تعرض إيران لهجوم. بالتالي، أسهم شهاب-3 في خلق توازن ردع جديد إلى حد ما بين إيران وإسرائيل خاصة، حيث يدرك كل طرف أن الآخر يمتلك قدرة إيصال ضربة إلى عمقه الإستراتيجي. وقد صرّح مسؤولون إيرانيون مرارًا بأن قدراتهم الصاروخية هي عنصر ردع دفاعي في مواجهة التهديدات، وهو ما تعززه ترسانة صواريخ متنامية متنوعة المدى تستطيع ضرب قواعد عسكرية ومدن لدول معادية في حال العدوان على إيران.
إلى جانب الردع الثنائي بين دول، كان لانتشار صواريخ شهاب-3 أثره على سباق التسلح الإقليمي. فدول الخليج العربي وإسرائيل بدأت تعزيز دفاعاتها الجوية والصاروخية تحسبًا لهذا الخطر الجديد. وشهدت المنطقة نشر منظومات اعتراض صاروخي متطورة: فعلى سبيل المثال، قامت إسرائيل بتطوير ونشر منظومة سهم-2 وسهم-3 (آرو) المصممة لاعتراض الصواريخ الباليستية خارج الغلاف الجوي أو على أطرافه، إلى جانب أنظمة القبة الحديدية ومقلاع داود للمديات الأقصر. كما عمقت الولايات المتحدة تعاونها مع دول الخليج لنشر بطاريات باتريوت وTHAAD المضادة للصواريخ تحسبًا لأي مواجهة صاروخية مع إيران. من جهة أخرى، ردع شهاب-3 الخصوم الإقليميين عن اتخاذ خطوات هجومية مباشرة ضد إيران، نظرًا لإدراكهم قدرة طهران على الرد الفوري بوابل من الصواريخ نحو أهداف حساسة. هذا الردع المتبادل أسهم في منع انزلاق الأزمات إلى مواجهات شاملة، وإن ظل التوتر قائمًا في حروب الظل والوكالة.
موقف إسرائيل والولايات المتحدة
أثار تطوير إيران لصواريخ متوسطة المدى كالشهاب-3 قلقًا شديدًا لدى إسرائيل والولايات المتحدة على حد سواء. إسرائيل، التي تعتبر نفسها مستهدفة رئيسية بهذه الصواريخ، نظرت إلى شهاب-3 كتهديد وجودي محتمل خاصة إذا ما تمكنت إيران مستقبلًا من تسليحه برؤوس غير تقليدية. لذلك تبنّت إسرائيل استراتيجية مزدوجة للتعامل مع الخطر: أولاً بناء قدرة دفاعية متعددة الطبقات ضد الصواريخ (منها منظومات Arrow وDavid’s Sling وIron Dome) لاعتراض أي صاروخ باليستي يأتي من مسافات مختلفة. وثانيًا تبني عقيدة الضربة الوقائية عند الضرورة؛ إذ لم تستبعد إسرائيل توجيه ضربات استباقية لمنشآت الصواريخ الإيرانية إذا ما شعرت بتهديد داهم. وقد نُفذت بالفعل عمليات ضمن هذا التوجه، أبرزها الغارة الجوية في أكتوبر 2024 التي استهدفت قواعد صاروخية للحرس الثوري في عمق سوريا والعراق يعتقد أنها تحوي منصات شهاب وغيرها، في رسالة واضحة لحرمان طهران من تموضع صاروخي متقدم يهدد إسرائيل. كما واصلت إسرائيل تطوير ترسانتها الصاروخية الهجومية (مثل صواريخ يريحو الباليستية بعيدة المدى) لضمان احتفاظها بتفوق ردعي نوعي.
بالنسبة إلى الولايات المتحدة، مثّل شهاب-3 مصدر قلق لكونه قادرًا على ضرب حلفائها وقواعدها في الشرق الأوسط. فالقوات والقواعد الأمريكية المنتشرة في الخليج (في قطر والبحرين والكويت وغيرها) أصبحت ضمن نطاق الصواريخ الإيرانية. كذلك رأت واشنطن في برنامج شهاب-3 مؤشرًا على سعي إيران لبناء قدرة توصيل سلاح نووي على المدى المتوسط، ما زاد المخاوف من زعزعة استقرار المنطقة. وقد دفعت هذه الهواجس الولايات المتحدة إلى عدة خطوات: منها تشديد العقوبات على الجهات الإيرانية المرتبطة ببرنامج الصواريخ، وتسليط ملفات إيران الصاروخية في المحافل الدولية باعتبارها خرقًا لقرارات الأمم المتحدة التي تطالبها بوقف أنشطة تطوير الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية. كما عززت واشنطن وجود منظومات دفاع صاروخي في المنطقة، بل وطرحت سابقًا مشروع درع صاروخي أوسع نطاقًا (في أوروبا الشرقية) مبررة ذلك بتهديد الصواريخ الإيرانية متوسطة المدى. وعلى الصعيد الاستراتيجي، تبنت الولايات المتحدة سياسة الردع الموسع لطمأنة حلفائها (خاصة إسرائيل ودول الخليج) بأنها ستتصدى لأي استخدام إيراني لهذه الصواريخ في حال نشوب صراع، مما يعني ضمنيًا التهديد بالرد على مصادر إطلاق شهاب-3 إن استُخدم ضد مصالح أمريكا أو حلفائها.
تداعيات نشر شهاب-3 على الأمن الإقليمي
كان لامتلاك إيران صواريخ شهاب-3 ونشرها أثرٌ بالغ على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط. فمن جهة، عزز ذلك مكانة إيران كقوة إقليمية قادرة على فرض كلفة عالية على أي اعتداء عليها، وساهم في بسط نفوذها الردعي ليشمل خصومًا بعيدين نسبيًا. لكن من جهة أخرى، أدخل المنطقة في سباق تسلّح صاروخي ودفاعي يحتمل أن يؤجج التوترات. على سبيل المثال، دفع التهديد الصاروخي الإيراني المملكة العربية السعودية إلى شراء صواريخ باليستية صينية (مثل DF-3 بعيدة المدى في الثمانينات ثم DF-21 متوسطة المدى في 2007) لتعزيز قدراتها مقابل إيران. ورغم أن الصواريخ السعودية معدلة لحمل رؤوس تقليدية فقط، إلا أن انتشار هذه الترسانات يزيد من عوامل عدم الاستقرار إذا ما احتدمت المواجهات. كذلك شرعت دول الخليج في اقتناء منظومات دفاع جوي حديثة (مثل باتريوت باك-3 وثاد) بتحفيز ودعم أمريكي مباشر، مما أدخل تكنولوجيا عسكرية متقدمة للمنطقة ولكن مع احتمال إثارة رد فعل من جانب إيران التي قد تسعى لتطوير وسائل اختراق هذه الدفاعات.
على الصعيد الإقليمي الأوسع، أدى وجود شهاب-3 في يد إيران إلى شعور دول مجاورة أخرى بالقلق من احتمالية سقوط بعض تلك الصواريخ بالخطأ على أراضيها في حال اندلاع نزاع واسع. وبرزت مخاوف من الانتشار الأفقي للتقنية الباليستية، أي احتمال نقل إيران تكنولوجيا صواريخ متوسطة المدى لحلفائها من الجماعات المسلحة. ورغم أن مدى 1300+ كم يجعل نشر شهاب-3 عبر وكلاء إقليميين أمرًا غير عملي حاليًا (نظرًا لحجمه وتعقيد تشغيله)، إلا أن إيران قامت بتزويد حلفائها كـحزب الله والحوثيين بصواريخ أقصر مدى مطوّرة محليًا (فتح-110 وزلزال وغيرها) لضرب عمق الخصوم الإقليميين. هذا التكتيك عزز قدرات تلك الجماعات على تهديد إسرائيل والسعودية، وجعل أي مواجهة مباشرة مع إيران محفوفة بخطر جبهة صاروخية متعددة المصادر. وعليه، زاد نشر شهاب-3 وما تلاه من صواريخ بعيدة المدى في ترسانة إيران من تعقيد المشهد الأمني الإقليمي، حيث أصبحت حسابات الحرب والسلام تشمل سيناريوهات الضربة الصاروخية والضربة المضادة وأهمية الدفاعات الباليستية، فضلاً عن مخاطر سوء التقدير الذي قد يؤدي إلى تصعيد غير مقصود.
التقييم الفني للصاروخ شهاب-3
ركزت التقييمات الفنية لشهاب-3 على جوانب الأداء والعملانية مقارنة بغيره من الصواريخ في فئته. فيما يلي تحليل لأبرز نقاط القوة والضعف الفنية للصاروخ ودوره العملياتي:
دقة الإصابة والتوجيه: كما أُشير أعلاه، دقة شهاب-3 الأصلية منخفضة نسبيًا (CEP نحو 2.5 كم)، مما يجعله ملائمًا لاستهداف مدن أو قواعد واسعة النطاق أكثر من الأهداف الصغيرة المحصنة. هذه الدقة المحدودة كانت نقطة ضعف واضحة، خاصة عند استخدام الرأس الحربي التقليدي؛ فكلما زاد الانحراف قلّ التأثير العسكري ما لم يكن الهدف كبيرًا. سعت إيران لمعالجة هذا القصور عبر تحسين أنظمة التوجيه في النسخ المطورة. ويُحسب لها تحقيق تقدم في هذا الجانب من خلال الاستفادة من التقنيات الصينية وتعديل تصميم الرأس الحربي (كما في شهاب-3B وعماد)، مما قلّص دائرة الخطأ المحتمل بشكل ملحوظ. ومع ذلك، تبقى دقة شهاب-3 عمومًا أدنى من بعض الصواريخ الحديثة لدى دول أخرى؛ فوفق تقييمات أمريكية، لا يزال شهاب-3 أقل دقة من الصاروخ الإيراني فاتح-110 قصير المدى الموجه عالي الدقة، فضلًا عن كونه أقل دقة بكثير من الترسانة الإسرائيلية (التي تشمل صواريخ جوالة وصواريخ باليستية موجهة بتقنيات متطورة).
المدى والقدرة التدميرية: يوفر مدى ~1300 كم لشهاب-3 ميزة استراتيجية مهمة لوضع أهداف بعيدة ضمن نطاق الضرب، وهو مدى يفوق بكثير صواريخ سكود المعدلة (شهاب-1 وشهاب-2) التي امتلكتها إيران سابقًا. بهذه القدرة يتفوق شهاب-3 على العديد من المنظومات الإقليمية القصيرة المدى، ويضاهي صواريخ مماثلة لدى دول الجوار (مثل صاروخ غوري-1 الباكستاني الذي يصل مداه ~1300 كم أيضًا والمستند تقنيًا إلى نودونغ الكوري نفسه). كما يفوق مدى شهاب-3 ما لدى سوريا مثلًا (حيث أقصى مدى لصواريخ سكود-D السورية ~700 كم). وإضافة للمدى، فإن حمولة الرأس الحربي (~1 طن تقليدي) تمنحه قوة تدميرية كبيرة إذا أصاب هدفه، وهذه الحمولة تعادل أو تزيد على نظيرات في الفئة؛ فمثلًا صاروخ Jericho-II الإسرائيلي (دخل الخدمة أواخر الثمانينات) مداه نحو 1500 كم بحمولة تقدر بـ500-1000 كجم، ما يضع شهاب-3 في نطاق مماثل من حيث القدرة التدميرية النظريّة. بالتالي، من ناحية نقاط القوة يمتلك شهاب-3 مدى مؤثر وحمولة قتالية تمكنانه من إلحاق أضرار جسيمة بالأهداف الكبيرة كالمدن أو القواعد العسكرية الكبرى عند استخدام رؤوس تقليدية أو غير تقليدية.
الجاهزية التشغيلية وسرعة الإطلاق: كون شهاب-3 يعمل بالوقود السائل ويحتاج للتزوّد بالوقود قبل الإطلاق يشكّل تحديًا عمليًا مقارنة بالصواريخ ذات الوقود الصلب الجاهزة للإطلاق الفوري. تشير التجارب إلى أن تحضير منصة شهاب-3 للإطلاق (نصب الصاروخ عموديًا وتزويده بالوقود وضبط منصات التوجيه) يستغرق وقتًا ملموسًا قد يصل إلى ساعات معدودة. وقد أدى هذا الزمن التحضيري في إحدى الاختبارات عام 2002 إلى فشل التجربة بعد اشتعال وقود الصاروخ قبل الإطلاق. هذا يبرز نقطة ضعف عملياتية للصاروخ، حيث يكون عرضة للكشف والاستهداف أثناء نافذة التجهيز. بالمقابل، الصواريخ الصلبة الوقود مثل سجيل الإيراني أو بعض صواريخ الخصوم (DF-21 الصيني مثلًا لدى السعودية، وجيريكو-3 الإسرائيلي الحديثة) تتميز بقدرة الإطلاق السريع خلال دقائق من الأمر بسبب تخزين الوقود داخلها مسبقًا. وبالتالي، في سيناريو مواجهة، قد تستطيع المنظومات الصلبة تنفيذ ضربات مباغتة أكثر من شهاب-3. ومع ذلك، يحتفظ شهاب-3 بميزة التنقل والإخفاء كما أسلفنا؛ فإمكانية تحريكه على شاحنات وإطلاقه من مواقع متغيرة تمنحه مرونة تكتيكية، خلافًا للصواريخ الثابتة أو الثقيلة جدًا التي يصعب تغيير أماكنها. هذه المرونة تقلل من احتمالية تدميره على الأرض بشكل كامل، خاصة إذا ما اعتمد الإيرانيون أسلوب "إطلاق عدد وافر من الصواريخ في رشقات" لتشتيت جهود الدفاع الاعتراضي للعدو. بالفعل، العقيدة الإيرانية الصاروخية تميل نحو الإطلاق الكثيف المتزامن لتحقيق التشبع وتجاوز الدفاعات، ما يعني أن وجود عدد كافٍ من صواريخ شهاب-3 منصوبة في ميادين مختلفة قد يضمن وصول بعضٍ منها إلى أهدافه رغم محاولات الاعتراض.
مقارنة بالصواريخ المماثلة: عند مقارنة شهاب-3 بصواريخ متوسطة المدى من نفس الجيل، نجده مماثلًا في أصل التقنية لأسراب صواريخ كوريا الشمالية وباكستان خلال التسعينيات (نودونغ وغوري)، وبالتالي يمتلك قدرات متقاربة من حيث المدى والحمولة والدقة في نسخته الأساسية. أما مقارنةً بمنظومات أحدث، فالصاروخ الإيراني يتخلف تكنولوجيًا في بعض الجوانب: فمثلاً الصاروخ الهندي أغني-III (حوالي 3000 كم مدى) أو الباكستاني شاهين-2 (1500 كم مدى) كلاهما يعمل بالوقود الصلب ويوفر دقة أعلى ووقت تحضير أقصر بكثير، ما يجعلهما أكثر موثوقية عسكريًا. وعلى المستوى الإقليمي، برز لدى إسرائيل صاروخ Jericho III العابر للقارات (مدى يتجاوز 4000 كم) ذي وقود صلب أيضًا، ما يضع إسرائيل في مرتبة متقدمة تكنولوجيًا بأشواط عن شهاب-3 من حيث المدى ومرونة الإطلاق. كما أن صواريخ كروز بعيدة المدى (سواء لدى إسرائيل أو إيران) توفر خيارًا آخر أكثر دقة في إصابة الأهداف مقارنة بالمسار الباليستي التقليدي لشهاب-3. لكل ذلك، يُنظر إلى شهاب-3 كبداية مهمة لإيران في مضمار الصواريخ متوسطة المدى، لكنه ليس الأكثر تطورًا ضمن فئته عالميًا أو حتى إقليميًا مع دخول منافسين أكثر حداثة الخدمة. وقد أصبحت هذه الحقيقة جلية مع إعلان إيران نفسه أن صواريخ شهاب-3 القديمة سيتم استبدالها تدريجيًا بالجيل الجديد (غادر، عماد، سجيل) في إطار تطوير قوتها الصاروخية. ومع ذلك، يبقى شهاب-3 حتى يومنا هذا ورقة قوة استراتيجية في يد إيران، خاصة في ظل عدم امتلاك بعض خصومها الإقليميين قدرات صاروخية مماثلة من حيث المدى أو العدد.
الخاتمة
في الختام، يظهر صاروخ شهاب-3 الإيراني بوصفه عنصرًا جوهريًا في تطور قدرات إيران الصاروخية الإستراتيجية خلال العقود الأخيرة. فقد شكّل امتلاكه نقطة انتقال من صواريخ قصيرة المدى محدودة التأثير إلى صواريخ متوسطة المدى تمنح إيران عمقًا ردعيًا يصل إلى خصوم أكثر بعدًا كإسرائيل والقواعد الأميركية في المنطقة. تناول المقال الخلفية التاريخية التي أبرزت دور التعاون الخارجي (خاصة الكوري الشمالي) والدوافع الدفاعية الإيرانية النابعة من تجربة الحرب مع العراق في الدفع نحو تطوير هذا السلاح. كما استعرضنا الخصائص التقنية لشهاب-3 التي أظهرت مزيجًا من نقاط القوة، مثل المدى والحمولة الكبيرة وإمكانية المناورة عبر المنصات المتحركة، ونقاط الضعف المتمثلة في دقة محدودة وزمن تجهيز طويل نتيجة الاعتماد على الوقود السائل. وعلى الصعيد الإستراتيجي، رأينا كيف أثّر وجود شهاب-3 على حسابات الردع الإقليمي، دافعًا الخصوم إلى تعزيز دفاعاتهم وربما كابحًا إياهم عن المجازفة بمواجهة مباشرة مع إيران تجنبًا لضربات انتقامية صاروخية.
إن تقييم شهاب-3 مقارنة بنظائره يبين أنه ورغم تقدمه زمنًا، فإنه لم يواكب تمامًا التطور التقني لأجيال الصواريخ الأحدث، مما جعل إيران نفسها تصنفه الآن كمنظومة قديمة نسبيًا تستوجب التحديث أو الاستبدال. مع ذلك، تبقى دراسة شهاب-3 ذات قيمة كبيرة للباحثين في الدراسات العسكرية والإستراتيجية، فمن خلاله يمكن فهم مسار تطوير برنامج الصواريخ الإيراني وطرائق تفكير قياداته في توظيف التكنولوجيا لتحقيق الردع. توصي هذه الدراسة بمواصلة متابعة تطور النسخ المطورة لعائلة شهاب (مثل غادر وعماد) وكذلك برنامج الصواريخ الصلبة الإيراني (سجيل وما بعده)، لما لذلك من تأثير مباشر على توازنات القوى ومستقبل سباق التسلح في الشرق الأوسط. كما توصي بتحليل إجراءات الحدّ من انتشار تكنولوجيا الصواريخ الباليستية وفاعليتها، نظرًا لأن انتشار صواريخ بقدرات شهاب-3 لدى أطراف غير منضبطة قد يشكل تهديدًا جسيمًا للأمن الإقليمي والدولي. وفي المحصلة، أثبت شهاب-3 أهمية امتلاك الدول النامية لتقنيات صاروخية متطورة كوسيلة لتحقيق توازن ردعي، لكنه أيضًا مثال حيّ على التحديات التقنية واللوجستية والسياسية التي تواجه برامج التسلح الصاروخي في العالم النامي، وهي قضايا تستدعي بحثًا مستمرًا ومعمقًا في المستقبل.

عائلة صواريخ شهاب-3 الإيرانية التي فاجأت إسرائيل بقدراتها. - المرصد News
منصة إعلامية رائدة تغطي أخبار لبنان والشرق الأوسط والدراسات الاستراتيجية والشؤون العسكرية
