ما حقيقة تريليونات الدولارات في صفقات ترامب مع دول الخليج؟
خبراء: الالتزامات المالية الخليجية لترامب مبالغ فيها
الرياض/الدوحة 16 مايو أيار (رويترز) - يختتم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جولته في الخليج اليوم الجمعة بعد أن ضمن، حسبما يقول البيت الأبيض، أكثر من تريليوني دولار للاقتصاد الأمريكي في إجمالي الصفقات.
ولم تتضح طريقة حساب هذا الرقم. واستنادا إلى إحصاء أجرته وكالة رويترز لجميع الصفقات المحددة التي تم الإعلان عنها، فالقيمة الإجمالية تزيد عن 700 مليار دولار. لكن المبالغة في حجم الصفقات ليست بالأمر الغريب في أي زيارة هامة وخاصة إذا كانت زيارة رئيس أمريكي لطالما تباهى بأنه خبير في إبرام الصفقات.
وتضمنت الرحلة طلبيات كبيرة لطائرات بوينج، وصفقات لشراء معدات دفاعية أمريكية، واتفاقيات تتعلق بالبيانات والتكنولوجيا وعقود أخرى.
لكن خبراء ماليين ودبلوماسيين يقولون إن الأرقام الرئيسية شابتها المبالغة من الطرفين رغبة في إظهار مدى التعاون بينهما.
ويظهر تحليل أجرته وكالة رويترز أن اتفاقيات الشركات التي تصل قيمتها إلى 549 مليار دولار أثناء جولة ترامب في الخليج كان كثير منها مجرد مذكرات تفاهم غير ملزمة.
وتشير حسابات رويترز إلى أن المبيعات الدفاعية في الصفقات مع السعودية وقطر رفعت الحصيلة الإجمالية إلى 730 مليار دولار.
ولم تتمكن رويترز من التحقق بشكل مستقل من التوقيع على صفقات أخرى لم يعلن عنها.
وقال جاستن ألكسندر، مدير مركز خليج إيكونوميكس الاستشاري "المبالغ تعرضت للتضخيم، والإنفاق المحتمل يحتسب على أنه فعلي، ومعظم الصفقات المحورية... كانت ستحدث بغض النظر عمن في البيت الأبيض".
وتشير بيانات لمعهد دول الخليج العربي أن ترامب قال فترة ولايته الأولى إن السعودية وافقت على صفقات بقيمة 450 مليار دولار مع الولايات المتحدة، لكن التدفقات التجارية والاستثمارية الفعلية بلغت أقل من 300 مليار دولار بين عامي 2017 و2020.
* "كبير صانعي الصفقات"
قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض آنا كيلي لرويترز، ردا على سؤال حول هذه الأرقام، "الرئيس ترامب هو كبير صانعي الصفقات، وهذه الاتفاقات الاقتصادية التي تبلغ قيمتها تريليونات الدولارات هي أخبار رائعة للشركات والعمال الأمريكيين. الرئيس يفي بسرعة بوعوده بجعل أمريكا قوية وثرية مرة أخرى".
ولم يقدم مسؤول قطري اتصلت به رويترز تفاصيل شاملة حول التزام الدوحة تجاه واشنطن، ولم يرد بعد مسؤولون سعوديون وإماراتيون على طلبات الحصول على تفاصيل.
ومذكرات التفاهم أقل من حيث الصفة الرسمية من العقود ولا تتحول دائما إلى معاملات نقدية.
وأعلنت شركة أرامكو السعودية، على سبيل المثال، أنها وقعت 34 صفقة مع شركات أمريكية تصل قيمتها إلى 90 مليار دولار في مجال البنية التحتية للذكاء الاصطناعي ومجالات أخرى. لكن معظم هذه الارتباطات كانت مذكرات تفاهم غير ملزمة ودون قيمة ملحقة بها.
وكان قد أُعلن قبل شهور عن اتفاق أرامكو على شراء 1.2 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا لمدة 20 عاما من شركة نكست ديكيد، لكن هذا الاتفاق أُدرج في حصيلة صفقات يوم الأربعاء.
وقال البيت الأبيض إن الاتفاقات التي تم توقيعها مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني "ستنتج تبادلا اقتصاديا بقيمة 1.2 تريليون دولار على الأقل"، وشملت الاتفاقات صفقة طائرات بقيمة 96 مليار دولار للخطوط الجوية القطرية. لكنها لم تقدم تفصيلا شاملا.
وقال مسؤول قطري إن صندوق الثروة السيادي القطري (جهاز قطر للاستثمار) قدم "تعهدا اقتصاديا" باستثمار 500 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي على مدى السنوات العشر المقبلة، لكن ذلك لم يتضمن أي شيء ملموس حتى الآن.
وقال فراس مقصد، المدير الإداري في شركة أوراسيا جروب الاستشارية "إذا كان لنا في الماضي عبرة، فإن الصفقات الموعودة التي ليس لها عائد حقيقي على الاستثمار ستوضع على الرف في نهاية المطاف بعد أن تحقق الغرض السياسي منها".
ووقعت واشنطن صفقة أسلحة بقيمة 142 مليار دولار مع السعودية تشمل مشتريات من أكثر من 12 شركة أمريكية، ووقعت أيضا ما قال ترامب إنه صفقة دفاعية بقيمة 42 مليار دولار مع قطر.
وتباهي ترامب أثناء زيارته للسعودية، في فترة ولايته الأولى، بالإعلان عن مبيعات أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار تقريبا.
لكن مثل هذه الصفقات تمتد على مدى سنوات طويلة ويصعب تتبعها عن كثب. وحتى عام 2018 لم تبدأ سوى صفقات بقيمة 14.5 مليار دولار فقط، وشرع الكونجرس في مناقشة الصفقات في ضوء مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
* ماذا يكمن وراء الأرقام؟
على الرغم من غموض الالتزامات والجداول الزمنية، عززت الأخبار بعض الأسهم في الأسواق.
وقال دويتشه بنك إن ارتفاع سهم إنفيديا 4.16 بالمئة يوم الأربعاء يرجع الفضل فيه إلى مذكرة التفاهم التي أعلنت عنها شركة النفط الحكومية السعودية العملاقة أرامكو.
وأبرمت صفقات جديدة مهمة للشركات الأمريكية.
وبلغت قيمة طلبية الخطوط الجوية القطرية لشراء 160 طائرة بوينج مزودة بمحركات جنرال إلكتريك إيروسبيس 96 مليار دولار. وستنفق شركة الاتحاد للطيران في أبوظبي 14.5 مليار دولار لشراء 28 طائرة بوينج بمحركات جنرال إلكتريك.
وأغلقت أسهم بوينج على ارتفاع بنسبة 0.64 بالمئة يوم الأربعاء بعد الكشف عن الصفقة في الدوحة.
لكن بعض المكاسب الحقيقية من جولة ترامب تكمن وراء الأرقام الأولية.
وأهم شيء هو أن دول الخليج الثلاث ضمنت دعم الولايات المتحدة لملفات تعتبرها أساسية.
وتقترب السعودية من تحقيق طموحها الذي يراودها منذ فترة طويلة في تطوير صناعة الطاقة النووية المدنية، وهو أمر فصله ترامب عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، في ما يعد مكسبا كبيرا للمملكة.
ووقعت الإمارات على اتفاق إطار عمل يضعها على طريق للحصول على أشباه الموصلات المتقدمة التي تريدها من أجل تحقيق الطموح الذي طالما روادها بالريادة في الذكاء الاصطناعي.
وحصلت قطر على تأكيدات من ترامب بأن الولايات المتحدة ستحميها إذا تعرضت للهجوم.
ويقول حسن الحسن، الباحث البارز في سياسات الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية "أعتقد أن هناك عائدا رمزيا على نطاق أوسع هنا".
وأضاف "بينما مر كثيرون من شركاء الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين بأشهر قليلة من التوتر الشديد في علاقاتهم مع الولايات المتحدة، محاولين التعامل مع سياسات ترامب الاقتصادية ونهجه المثير للجدل في الحرب الروسية الأوكرانية، ها هي ذي دول الخليج تبرم صفقات تجارية ومشتريات أسلحة غير مسبوقة وترتقي بعلاقاتها الثنائية إلى مستوى أعلى".