لا أريد الخروج عن موضوع، ولكن فقط لأجل التفاعل مع افكارك الغنية. نظرية الردع النووي تظل صحيحة حتى الآن، لكنها لن تبقى كذلك إلى الأبد، وذلك لسبب بسيط: حاجة الإنسان المستمرة للسيطرة على الموارد والتوسع، أي حاجته إلى الحروب.القوة النووية تعني لا مزيد من الحروب الكبرى، فقط اشتباكات محدودة. فقط انظر إلى الهند وباكستان: خاضتا ثلاث حروب كبرى خلال ثلاثين سنة من 1947 إلى 1971. ومنذ أول تجربة نووية للهند عام 1974، وأول تجربة نووية لباكستان عام 1984، لم تحدث أي حرب كبرى بينهما، فقط اشتباكات لأيام ثم يعود الطرفان إلى ديارهما. هل تعتقد أن باكستان كانت ستنجو من كل تلك الفترات من الحروب مثل العراق، ليبيا، اليمن، سوريا، حروب الخليج، ثم غزوات العشرينات المجنونة؟ لا، كانت باكستان دُمّرت منذ زمن بعيد لو لم تكن دولة قوية. لماذا لم تواجه إسرائيل باكستان مباشرة؟ من ليبيا إلى إيران، ارتكبت إسرائيل شيئًا ضد كل دولة مسلمة ما عدا خليج تقريبًا، باستثناء باكستان . هذا هو تأثير السلاح النووي.
ما دامت أسلحة الدمار الشامل محصورة في أيدي دول معدودة، فإن نظرية الردع ستصمد. لكن مع توسع دائرة امتلاك هذا السلاح وسهولة الوصول إليه، ستصبح هذه النظرية على المحك، لأنها تتعارض مع الطبيعة البشرية التي تميل إلى الصراع والسيطرة.
الغرب يدرك ذلك جيدًا، ولهذا فهو يعتمد استراتيجية ذكية: قد تملك السلاح، لكن استخدامك له يظل مجرد احتمال. دور الغرب اليوم هو أن يجعلك، رغم امتلاكك السلاح، غير قادر على استخدامه في اللحظة المناسبة، ثم لاحقًا، لا تستطيع استخدامه إطلاقًا.
قاهر الغرب هو رجل يملك القوة ولا يتحدث كثيرًا، بل يفعل. وهذه الفئة من الرجال أصبحت نادرة، إن لم نقل منقرضة، لأن المناهج الدراسية باتت موجهة مسبقًا لإنتاج نوعية محددة من "الرجال": رجل يتفاوض، يتواصل، يعقد صفقات، يعود إلى منزله وينام، ثم يُقصف، أو تندلع ضده حركة شغب، أو يُلفق له ملف فساد، أو تُحرك ضده حركة انفصالية... إلخ.
قاهر الغرب الحقيقي هو من يملك القوة والقرار، ومن يستحيل خداعه بالكلام أو مباغتته على حين غرة ، وهو تقريبا غير موجود اليوم.