منقول من كتاب Arabs at war للكاتب كينيث بولاك.
بعد حرب يونيو 1967، كثفت الجماعات الفدائية الفلسطينية نشاطاتها ضد إسرائيل انطلاقًا من قواعد في الأردن ولبنان وسوريا (بدرجة أقل). تحمل الملك حسين في البداية العمليات الفلسطينية بسبب الدعم الشعبي الواسع الذي حظيت به بين السكان. لكن مع تصاعد الانتقامات الإسرائيلية الشديدة كرد على الهجمات الفلسطينية، وبدء الفلسطينيين في إظهار قوتهم داخل الأردن نفسه—حيث تصرفوا كدولة داخل دولة—بدأ الملك حسين يشعر بقلق متزايد.
بحلول صيف 1970، أصبح الوضع لا يطاق بالنسبة للأردن. دعت الجماعات الفلسطينية اليسارية علنًا إلى الإطاحة بالملك حسين، بينما كانت الفصائل الأكثر اعتدالًا في منظمة التحرير الفلسطينية، بقيادة ياسر عرفات، غير قادرة أو غير راغبة في كبح جماح المتطرفين من إخوانهم. أظهرت عدة محاولات اغتيال ضد الملك في أوائل 1970 جدية التهديد. كانت القشة التي قصمت ظهر البعير في سبتمبر 1970، عندما قامت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهي فصيل متطرف في منظمة التحرير، بخطف أربع طائرات غربية، وهبطت بثلاث منها في مهبط ناءٍ في الأردن (يُعرف بـ"ميدان داوسون")، وفجرتها في النهاية بعد إطلاق سراح الركاب. هذا الفعل كان تحديََا للأردن والملك الحسين الذي رآه تهديدََا غير مقبول لسلطة الدولة.
في 16 سبتمبر 1970، أعلن الملك حسين الأحكام العرفية وأمر الجيش الأردني بالتحرك ضد الجماعات الفدائية الفلسطينية لاستعادة السيطرة على المملكة. نشر الجيش الأردني حوالي 50,000 جندي—أي ما يقرب من قوته الكاملة—ضد ما يُقدر بـ30,000 إلى 40,000 مقاتل فلسطيني. كان لدى الأردنيين نحو 300 دبابة (معظمها من طراز سنتوريون البريطانية وبعضها من طراز M48 باتون الأمريكية)، بينما لم يمتلك الفلسطينيون أي مدرعات لكنهم كانوا مزودين بأسلحة مضادة للدبابات خفيفة، بما في ذلك قاذفات آر بي جي-7. اندلعت الاشتباكات في جميع أنحاء البلاد، وكانت أعنف المواجهات في عمان وإربد والزرقاء ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين.
اعتمد الجيش الأردني بشكل كبير على قوته النارية المتفوقة، مستخدمًا المدفعية والدبابات لقصف مواقع الفلسطينيين. على الرغم من قتال الفلسطينيين بشراسة—خاصة في المناطق الحضرية المكتظة ومخيمات اللاجئين—إلا أن افتقارهم إلى الأسلحة الثقيلة وعدم قدرتهم على التنسيق بفعالية بين الجماعات المتباينة جعلهم في وضع سيئ للغاية أمام النيران الأردنية. بحلول 18 سبتمبر، كان الأردنيون قد حسموا الأمور لصالحهم في عمان وكانوا يدفعون الفلسطينيين للتراجع تدريجيًا في أماكن أخرى.
التدخل السوري
تصاعدت الأمور بشكل كبير في 18 سبتمبر، عندما عبرت القوات البرية السورية الحدود الشمالية للأردن لدعم الفلسطينيين. لم يكن التدخل السوري فعلاً عفويًا، بل نتيجة ديناميكيات سياسية داخلية في دمشق. في ذلك الوقت، كانت سوريا تُحكم من نظام بعثي منقسم بين جناحين متنافسين: الجناح "المدني" بقيادة صلاح جديد، الحاكم الفعلي، والجناح "العسكري" بقيادة وزير الدفاع حافظ الأسد. رأى جديد في تلك الأحداث فرصة لتعزيز أوراق اعتماده أمام نظرائه البعثيين.
أُمر الجيش السوري بالتدخل، على أمل إنقاذ الفلسطينيين وإسقاط الملك حسين.
تألفت القوة السورية التي دخلت الأردن من لواءين معززين من الفرقة الخامسة للمشاة—حوالي 200-250 دبابة من طراز تي-55، بالإضافة إلى مشاة ومدفعية داعمة—إلى جانب تشكيل بحجم لواء من جيش التحرير الفلسطيني، وهي وحدة فلسطينية برعاية سورية. في المجموع، شارك حوالي 10,000-12,000 جندي سوري ومن جيش التحرير الفلسطيني، بدعم من نحو 300 مركبة مدرعة. تقدم السوريون نحو إربد، التي أعلنها الفلسطينيون "مدينة محررة"، واشتبكوا مع عناصر من اللواء الأردني المدرع الأربعين.
في البداية، شكل التدخل السوري تهديدًا جديًا للأردنيين. كان اللواء الأربعين المدرع، المزود بدبابات سنتوريون، يضم حوالي 100 دبابة فقط وكان يفوقه العدو بنسبة 3 إلى 1 تقريبًا. علاوة على ذلك، كان جزء كبير من الجيش الأردني مشغولاً بقتال الفلسطينيين في عمان ومناطق أخرى، مما ترك الجبهة الشمالية ضعيفة الدفاع. في 19-20 سبتمبر، حقق السوريون تقدمًا، جيث دفعوا اللواء الأربعين للتراجع وأوقعوا به خسائر كبيرة.
لكن الهجوم السوري توقف تقريبًا عندما رفض حافظ الأسد الذي كان يسيطر على سلاح الجو السوري، تخصيص طائرات للعملية، على الأرجح لأنه عارض مغامرة جديد المتهورة ورأى فيها فرصة لتقويض منافسه. بدون دعم جوي، أصبحت القوات البرية السورية عرضة للهجمات الأردنية المضادة. في 21 سبتمبر، بدأ سلاح الجو الأردني—الذي يتكون من حوالي عشرين طائرة مقاتلة-قاذفة من طراز هوكر هانتر—بقصف أرتال الدبابات السورية، مما أوقع خسائر فادحة. في الوقت نفسه، شن اللواء الأربعين، المدعوم بعناصر من الفرقة الثانية للمشاة التي هرعت شمالًا من عمان، هجومًا مضادًا حاسمًا وتمكن من دفع القوات السورية وأوقع بها خسائر كبيرة للغاية.
أوقف مزيج الضربات الجوية والمقاومة البرية تقدم السوريين بحلول 22 سبتمبر. خسر السوريون حوالي 60-80 دبابة (نحو ثلث قوتهم) بسبب العمليات الجوية والبرية الأردنية، إلى جانب مئات القتلى والجرح (جوالي 600). مع انهيار زخمهم وتحت ضغط دولي متزايد—خاصة من الولايات المتحدة، التي نشرت قوات بحرية في شرق البحر المتوسط وأشارت إلى دعمها للملك حسين—بدأ السوريون في الانسحاب. بحلول 24 سبتمبر، كانت آخر الوحدات السورية قد عادت عبر الحدود.
مع تحييد التهديد السوري، استأنف الجيش الأردني حملته ضد المنظمات الفلسطينية. بحلول 27 سبتمبر، انتهت أعنف المعارك، مع سيطرة الأردنيين الكاملة على عمان ومعظم المناطق الرئيسية الأخرى. استمرت الاشتباكات المتقطعة حتى عام 1971، وتوجت بهجوم أردني نهائي في يوليو طرد المقاتلين المتبقين من منظمة التحرير خارج المملكة، حيث فر العديد منهم إلى لبنان عبر سوريا.
لا تزال أرقام الضحايا في أيلول الأسود محل نزاع. زعمت مصادر أردنية مقتل 2,000-3,000 فلسطيني، بينما تراوحت تقديرات منظمة التحرير بين 20,000—وهو رقم مبالغ فيه على الأرجح لأغراض الدعاية. يشير تقدير أكثر منطقية إلى 3,000-5,000 وفاة إجمالية، بما في ذلك مقاتلون فلسطينيون ومدنيون عالقون في مرمى النيران، مع خسائر أردنية ربما بلغت 500-1,000 جندي. خسر السوريون حوالي 600-800 فرد في تدخلهم القصير.
أظهرت القوات المسلحة الأردنية فعالية كبيرة خلال أيلول الأسود. على الرغم من تمددها الشديد ومواجهتها تهديدات داخلية وخارجية، استخدمت مدرعاتها ومدفعيتها بحسم ضد المنظمات الفلسطينية ونظمت دفاعًا موثوقًا ضد الغزو السوري. لعب سلاح الجو الأردني، رغم صغره، دورًا حاسمًا في إضعاف التقدم السوري. ومع ذلك، أدى افتقار الفلسطينيين إلى الوحدة والأسلحة الثقيلة إلى هزيمتهم بشكل سريع، بينما عانى التدخل السوري من سوء التنسيق ورفض الأسد تخصيص القوات الجوية—وهو انعكاس للانقسامات الداخلية في سوريا أكثر من كونه دليلاً على براعة الأردن العسكرية وحدها.
بالنسبة لسوريا، عزز الفشل في التدخل الخلاف بين جديد والأسد. بعد شهرين، في نوفمبر 1970، نفذ الأسد انقلابًا، أطاح بجديد وتولى السيطرة الكاملة على البلاد. بالنسبة للأردن، عزز أيلول الأسود حكم الملك حسين لكن على حساب إبعاد جزء كبير من سكانه الفلسطينيين وتعقيد دور الأردن في الصراع العربي-الإسرائيلي.
الأداء العسكري الأردني في عمان
1-طبيعة القتال الحضري:
يصف بولاك العمليات في عمان بأنها حرب حضرية معقدة. كانت الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، قد أقامت مواقع قوية في مخيمات اللاجئين مثل مخيم الوحدات ومخيم الحسين، بالإضافة إلى أحياء أخرى في العاصمة. هذه المواقع كانت محمية بأسلحة خفيفة ومتوسطة، بما في ذلك قذائف الهاون والأسلحة المضادة للدبابات.
استخدم الجيش الأردني تكتيكات تقليدية للقتال الحضري، مثل عزل المناطق المتمردة عن بعضها البعض لمنع تنسيق الفدائيين، ثم التقدم التدريجي باستخدام المشاة المدعومة بالدبابات من طراز "سنتوريون".
2-التنسيق بين الوحدات:
يشير بولاك إلى أن الجيش الأردني أظهر قدرة جيدة على التنسيق بين وحداته المختلفة. على سبيل المثال، تم استخدام القوات المدرعة لاختراق الدفاعات الفلسطينية، بينما قامت المشاة بتطهير المناطق منزلًا بمنزل. هذا التنسيق كان نتيجة تدريب مكثف تلقاه الجيش منذ العهد البريطاني.
لعب سلاح المدفعية دورًا مساندًا، حيث استهدفت المدافع الأردنية مواقع الفدائيين بدقة لتقليل المقاومة قبل تقدم القوات البرية.
3-دور القيادة:
يبرز بولاك دور الملك حسين كقائد أعلى للقوات المسلحة. في مواجهة التمرد الفلسطيني، أصدر حسين أوامر حاسمة باستخدام القوة الكاملة لاستعادة السيطرة على عمان، متجاوزًا الضغوط الدولية التي كانت تدعو إلى ضبط النفس. هذا القرار عزز من سرعة الحسم.
رغم ذلك، تمكن الجيش من التغلب على هذه التحديات من خلال قطع خطوط الاتصال والإمداد بين معاقل الفدائيين.
على المستوى العملياتي، كان المشير حابس المجالي، القائد العام للجيش، مسؤولاً عن تخطيط وتنفيذ العمليات في عمان، وأظهر كفاءة في إدارة الموارد المحدودة تحت ضغط القتال المستمر.
4-التضاريس والدعم الشعبي:
يلاحظ بولاك أن التضاريس الجبلية لعمان، مع شوارعها الضيقة وأحيائها المكتظة، شكلت تحديًا للقوات الأردنية، خاصة عند استخدام الدبابات. كما أن بعض السكان المحليين قدموا دعمًا للفدائيين، مما جعل العمليات أكثر تعقيدًا بسبب المعلومات التي كانت تتسرب إلى الفصائل.
5-الضغط المتزامن:
أثناء القتال في عمان، كان على الجيش الأردني تخصيص قوات لمواجهة الغزو السوري في الشمال. يذكر بولاك أن هذا الضغط المزدوج كاد يرهق الجيش، لكنه تمكن من إدارة الموقف بفضل خطوط الإمداد القصيرة داخل الأردن مقارنة بالقوات السورية التي عملت بعيدًا عن قواعدها.
الملاحظات على أداء الجيش الأردني في تصديه للهجوم السوري:
1-الاستجابة السريعة والتنظيم: تمكنت القوات الأردنية من إعادة تنظيم صفوفها بسرعة بعد الاشتباكات مع الفدائيين الفلسطينيين لمواجهة القوات السورية التي توغلت في شمال الأردن، حيث وصلت إلى مدينة الرمثا. الجيش الأردني، رغم أنه كان أقل عدداً وعدة في بعض الجوانب، استفاد من خطوط الإمداد الداخلية القصيرة ومعرفة التضاريس المحلية.
2-التفوق التكتيكي: يسلط الكتاب الضوء على كفاءة القوات الأردنية في استخدام الدبابات والمدفعية بشكل فعال لصد التقدم السوري. على الرغم من أن السوريين كانوا يمتلكون دبابات حديثة (مثل T-55)، إلا أن الأردنيين، باستخدام دباباتهم من طراز Centurion وM48 Patton، تمكنوا من إيقاف الزخم السوري عبر تكتيكات دفاعية محكمة.
3-دور سلاح الجو: يذكر بولاك أن سلاح الجو الأردني لعب دوراً حاسماً في ردع السوريين، حيث نفذ غارات جوية دقيقة استهدفت القوات المدرعة السورية، مما أجبرها على التراجع. هذا الدعم الجوي كان عاملاً مهماً في تغيير مسار المعركة.
النتائج: يرى الكاتب أن الأداء الأردني في هذا الصراع كان من أبرز نقاط قوته العسكرية خلال تلك الفترة. على الرغم من الضغوط الداخلية والخارجية، نجح الجيش الأردني في استعادة السيطرة وإجبار القوات السورية على الانسحاب، مما عزز هيبة المؤسسة العسكرية الأردنية.
يعتبر الكاتب أن الأداء العسكري الأردني في هذه المواجهة كان استثنائياً نسبياً مقارنة ببعض الجيوش العربية الأخرى في فترات مماثلة، مشيراً إلى أن التدريب الجيد والقيادة المركزية القوية تحت إشراف الملك حسين والقادة العسكريين مثل حابس المجالي ساهما في هذا النجاح.
تقييم بولاك التفصيلي
1-الفعالية التكتيكية:
يُقيّم بولاك الجيش الأردني كواحد من الجيوش العربية القليلة التي أظهرت كفاءة تكتيكية حقيقية في هذا الصراع. على عكس العديد من الجيوش العربية الأخرى التي عانت من سوء التنسيق وضعف القيادة، كان الأداء الأردني متميزًا في استخدام الموارد المتاحة بفعالية.
يعزو بولاك ذلك إلى التدريب البريطاني الذي ركز على الانضباط والمرونة، بالإضافة إلى الروح المعنوية العالية للجنود الأردنيين الذين كانوا يدافعون عن أرضهم.
2-القيود الاستراتيجية:
ينتقد بولاك الاعتماد المحدود على المخابرات العسكرية. على سبيل المثال، كان الجيش الأردني بطيئًا نسبيًا في اكتشاف التحركات السورية الأولية، مما أعطى السوريين ميزة مؤقتة. لكن هذا العيب تم تعويضه بسرعة الاستجابة لاحقًا.
كما يشير إلى أن الجيش كان يعاني من نقص في الأعداد مقارنة بالتهديدات المحتملة، لكنه عوض ذلك بالجودة على الكم.
المقارنة مع جيوش أخرى:
مقارنة بالجيش السوري، الذي عانى من انقسامات داخلية (خاصة رفض حافظ الأسد إشراك سلاح الجو)، كان الأداء الأردني متفوقًا بشكل واضح. يرى بولاك أن هذا الصراع كشف عن الفجوة بين الجيش الأردني المنظم والجيوش العربية الأخرى التي غالبًا ما افتقرت إلى التماسك.
الخلاصة
في تقييمه النهائي، يعتبر بولاك أن الأداء العسكري الأردني في أحداث أيلول عام 1970 كان نموذجًا للفعالية العسكرية في سياق محدودية الموارد. الجيش لم يواجه فقط تمردًا داخليًا قويًا، بل نجح أيضًا في صد تهديد خارجي في وقت واحد، مما يجعل هذا الصراع واحدًا من أبرز نجاحات الجيش الأردني في تاريخه الحديث.
بعد حرب يونيو 1967، كثفت الجماعات الفدائية الفلسطينية نشاطاتها ضد إسرائيل انطلاقًا من قواعد في الأردن ولبنان وسوريا (بدرجة أقل). تحمل الملك حسين في البداية العمليات الفلسطينية بسبب الدعم الشعبي الواسع الذي حظيت به بين السكان. لكن مع تصاعد الانتقامات الإسرائيلية الشديدة كرد على الهجمات الفلسطينية، وبدء الفلسطينيين في إظهار قوتهم داخل الأردن نفسه—حيث تصرفوا كدولة داخل دولة—بدأ الملك حسين يشعر بقلق متزايد.
بحلول صيف 1970، أصبح الوضع لا يطاق بالنسبة للأردن. دعت الجماعات الفلسطينية اليسارية علنًا إلى الإطاحة بالملك حسين، بينما كانت الفصائل الأكثر اعتدالًا في منظمة التحرير الفلسطينية، بقيادة ياسر عرفات، غير قادرة أو غير راغبة في كبح جماح المتطرفين من إخوانهم. أظهرت عدة محاولات اغتيال ضد الملك في أوائل 1970 جدية التهديد. كانت القشة التي قصمت ظهر البعير في سبتمبر 1970، عندما قامت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهي فصيل متطرف في منظمة التحرير، بخطف أربع طائرات غربية، وهبطت بثلاث منها في مهبط ناءٍ في الأردن (يُعرف بـ"ميدان داوسون")، وفجرتها في النهاية بعد إطلاق سراح الركاب. هذا الفعل كان تحديََا للأردن والملك الحسين الذي رآه تهديدََا غير مقبول لسلطة الدولة.
في 16 سبتمبر 1970، أعلن الملك حسين الأحكام العرفية وأمر الجيش الأردني بالتحرك ضد الجماعات الفدائية الفلسطينية لاستعادة السيطرة على المملكة. نشر الجيش الأردني حوالي 50,000 جندي—أي ما يقرب من قوته الكاملة—ضد ما يُقدر بـ30,000 إلى 40,000 مقاتل فلسطيني. كان لدى الأردنيين نحو 300 دبابة (معظمها من طراز سنتوريون البريطانية وبعضها من طراز M48 باتون الأمريكية)، بينما لم يمتلك الفلسطينيون أي مدرعات لكنهم كانوا مزودين بأسلحة مضادة للدبابات خفيفة، بما في ذلك قاذفات آر بي جي-7. اندلعت الاشتباكات في جميع أنحاء البلاد، وكانت أعنف المواجهات في عمان وإربد والزرقاء ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين.
اعتمد الجيش الأردني بشكل كبير على قوته النارية المتفوقة، مستخدمًا المدفعية والدبابات لقصف مواقع الفلسطينيين. على الرغم من قتال الفلسطينيين بشراسة—خاصة في المناطق الحضرية المكتظة ومخيمات اللاجئين—إلا أن افتقارهم إلى الأسلحة الثقيلة وعدم قدرتهم على التنسيق بفعالية بين الجماعات المتباينة جعلهم في وضع سيئ للغاية أمام النيران الأردنية. بحلول 18 سبتمبر، كان الأردنيون قد حسموا الأمور لصالحهم في عمان وكانوا يدفعون الفلسطينيين للتراجع تدريجيًا في أماكن أخرى.
التدخل السوري
تصاعدت الأمور بشكل كبير في 18 سبتمبر، عندما عبرت القوات البرية السورية الحدود الشمالية للأردن لدعم الفلسطينيين. لم يكن التدخل السوري فعلاً عفويًا، بل نتيجة ديناميكيات سياسية داخلية في دمشق. في ذلك الوقت، كانت سوريا تُحكم من نظام بعثي منقسم بين جناحين متنافسين: الجناح "المدني" بقيادة صلاح جديد، الحاكم الفعلي، والجناح "العسكري" بقيادة وزير الدفاع حافظ الأسد. رأى جديد في تلك الأحداث فرصة لتعزيز أوراق اعتماده أمام نظرائه البعثيين.
أُمر الجيش السوري بالتدخل، على أمل إنقاذ الفلسطينيين وإسقاط الملك حسين.
تألفت القوة السورية التي دخلت الأردن من لواءين معززين من الفرقة الخامسة للمشاة—حوالي 200-250 دبابة من طراز تي-55، بالإضافة إلى مشاة ومدفعية داعمة—إلى جانب تشكيل بحجم لواء من جيش التحرير الفلسطيني، وهي وحدة فلسطينية برعاية سورية. في المجموع، شارك حوالي 10,000-12,000 جندي سوري ومن جيش التحرير الفلسطيني، بدعم من نحو 300 مركبة مدرعة. تقدم السوريون نحو إربد، التي أعلنها الفلسطينيون "مدينة محررة"، واشتبكوا مع عناصر من اللواء الأردني المدرع الأربعين.
في البداية، شكل التدخل السوري تهديدًا جديًا للأردنيين. كان اللواء الأربعين المدرع، المزود بدبابات سنتوريون، يضم حوالي 100 دبابة فقط وكان يفوقه العدو بنسبة 3 إلى 1 تقريبًا. علاوة على ذلك، كان جزء كبير من الجيش الأردني مشغولاً بقتال الفلسطينيين في عمان ومناطق أخرى، مما ترك الجبهة الشمالية ضعيفة الدفاع. في 19-20 سبتمبر، حقق السوريون تقدمًا، جيث دفعوا اللواء الأربعين للتراجع وأوقعوا به خسائر كبيرة.
لكن الهجوم السوري توقف تقريبًا عندما رفض حافظ الأسد الذي كان يسيطر على سلاح الجو السوري، تخصيص طائرات للعملية، على الأرجح لأنه عارض مغامرة جديد المتهورة ورأى فيها فرصة لتقويض منافسه. بدون دعم جوي، أصبحت القوات البرية السورية عرضة للهجمات الأردنية المضادة. في 21 سبتمبر، بدأ سلاح الجو الأردني—الذي يتكون من حوالي عشرين طائرة مقاتلة-قاذفة من طراز هوكر هانتر—بقصف أرتال الدبابات السورية، مما أوقع خسائر فادحة. في الوقت نفسه، شن اللواء الأربعين، المدعوم بعناصر من الفرقة الثانية للمشاة التي هرعت شمالًا من عمان، هجومًا مضادًا حاسمًا وتمكن من دفع القوات السورية وأوقع بها خسائر كبيرة للغاية.
أوقف مزيج الضربات الجوية والمقاومة البرية تقدم السوريين بحلول 22 سبتمبر. خسر السوريون حوالي 60-80 دبابة (نحو ثلث قوتهم) بسبب العمليات الجوية والبرية الأردنية، إلى جانب مئات القتلى والجرح (جوالي 600). مع انهيار زخمهم وتحت ضغط دولي متزايد—خاصة من الولايات المتحدة، التي نشرت قوات بحرية في شرق البحر المتوسط وأشارت إلى دعمها للملك حسين—بدأ السوريون في الانسحاب. بحلول 24 سبتمبر، كانت آخر الوحدات السورية قد عادت عبر الحدود.
مع تحييد التهديد السوري، استأنف الجيش الأردني حملته ضد المنظمات الفلسطينية. بحلول 27 سبتمبر، انتهت أعنف المعارك، مع سيطرة الأردنيين الكاملة على عمان ومعظم المناطق الرئيسية الأخرى. استمرت الاشتباكات المتقطعة حتى عام 1971، وتوجت بهجوم أردني نهائي في يوليو طرد المقاتلين المتبقين من منظمة التحرير خارج المملكة، حيث فر العديد منهم إلى لبنان عبر سوريا.
لا تزال أرقام الضحايا في أيلول الأسود محل نزاع. زعمت مصادر أردنية مقتل 2,000-3,000 فلسطيني، بينما تراوحت تقديرات منظمة التحرير بين 20,000—وهو رقم مبالغ فيه على الأرجح لأغراض الدعاية. يشير تقدير أكثر منطقية إلى 3,000-5,000 وفاة إجمالية، بما في ذلك مقاتلون فلسطينيون ومدنيون عالقون في مرمى النيران، مع خسائر أردنية ربما بلغت 500-1,000 جندي. خسر السوريون حوالي 600-800 فرد في تدخلهم القصير.
أظهرت القوات المسلحة الأردنية فعالية كبيرة خلال أيلول الأسود. على الرغم من تمددها الشديد ومواجهتها تهديدات داخلية وخارجية، استخدمت مدرعاتها ومدفعيتها بحسم ضد المنظمات الفلسطينية ونظمت دفاعًا موثوقًا ضد الغزو السوري. لعب سلاح الجو الأردني، رغم صغره، دورًا حاسمًا في إضعاف التقدم السوري. ومع ذلك، أدى افتقار الفلسطينيين إلى الوحدة والأسلحة الثقيلة إلى هزيمتهم بشكل سريع، بينما عانى التدخل السوري من سوء التنسيق ورفض الأسد تخصيص القوات الجوية—وهو انعكاس للانقسامات الداخلية في سوريا أكثر من كونه دليلاً على براعة الأردن العسكرية وحدها.
بالنسبة لسوريا، عزز الفشل في التدخل الخلاف بين جديد والأسد. بعد شهرين، في نوفمبر 1970، نفذ الأسد انقلابًا، أطاح بجديد وتولى السيطرة الكاملة على البلاد. بالنسبة للأردن، عزز أيلول الأسود حكم الملك حسين لكن على حساب إبعاد جزء كبير من سكانه الفلسطينيين وتعقيد دور الأردن في الصراع العربي-الإسرائيلي.
الأداء العسكري الأردني في عمان
1-طبيعة القتال الحضري:
يصف بولاك العمليات في عمان بأنها حرب حضرية معقدة. كانت الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، قد أقامت مواقع قوية في مخيمات اللاجئين مثل مخيم الوحدات ومخيم الحسين، بالإضافة إلى أحياء أخرى في العاصمة. هذه المواقع كانت محمية بأسلحة خفيفة ومتوسطة، بما في ذلك قذائف الهاون والأسلحة المضادة للدبابات.
استخدم الجيش الأردني تكتيكات تقليدية للقتال الحضري، مثل عزل المناطق المتمردة عن بعضها البعض لمنع تنسيق الفدائيين، ثم التقدم التدريجي باستخدام المشاة المدعومة بالدبابات من طراز "سنتوريون".
2-التنسيق بين الوحدات:
يشير بولاك إلى أن الجيش الأردني أظهر قدرة جيدة على التنسيق بين وحداته المختلفة. على سبيل المثال، تم استخدام القوات المدرعة لاختراق الدفاعات الفلسطينية، بينما قامت المشاة بتطهير المناطق منزلًا بمنزل. هذا التنسيق كان نتيجة تدريب مكثف تلقاه الجيش منذ العهد البريطاني.
لعب سلاح المدفعية دورًا مساندًا، حيث استهدفت المدافع الأردنية مواقع الفدائيين بدقة لتقليل المقاومة قبل تقدم القوات البرية.
3-دور القيادة:
يبرز بولاك دور الملك حسين كقائد أعلى للقوات المسلحة. في مواجهة التمرد الفلسطيني، أصدر حسين أوامر حاسمة باستخدام القوة الكاملة لاستعادة السيطرة على عمان، متجاوزًا الضغوط الدولية التي كانت تدعو إلى ضبط النفس. هذا القرار عزز من سرعة الحسم.
رغم ذلك، تمكن الجيش من التغلب على هذه التحديات من خلال قطع خطوط الاتصال والإمداد بين معاقل الفدائيين.
على المستوى العملياتي، كان المشير حابس المجالي، القائد العام للجيش، مسؤولاً عن تخطيط وتنفيذ العمليات في عمان، وأظهر كفاءة في إدارة الموارد المحدودة تحت ضغط القتال المستمر.
4-التضاريس والدعم الشعبي:
يلاحظ بولاك أن التضاريس الجبلية لعمان، مع شوارعها الضيقة وأحيائها المكتظة، شكلت تحديًا للقوات الأردنية، خاصة عند استخدام الدبابات. كما أن بعض السكان المحليين قدموا دعمًا للفدائيين، مما جعل العمليات أكثر تعقيدًا بسبب المعلومات التي كانت تتسرب إلى الفصائل.
5-الضغط المتزامن:
أثناء القتال في عمان، كان على الجيش الأردني تخصيص قوات لمواجهة الغزو السوري في الشمال. يذكر بولاك أن هذا الضغط المزدوج كاد يرهق الجيش، لكنه تمكن من إدارة الموقف بفضل خطوط الإمداد القصيرة داخل الأردن مقارنة بالقوات السورية التي عملت بعيدًا عن قواعدها.
الملاحظات على أداء الجيش الأردني في تصديه للهجوم السوري:
1-الاستجابة السريعة والتنظيم: تمكنت القوات الأردنية من إعادة تنظيم صفوفها بسرعة بعد الاشتباكات مع الفدائيين الفلسطينيين لمواجهة القوات السورية التي توغلت في شمال الأردن، حيث وصلت إلى مدينة الرمثا. الجيش الأردني، رغم أنه كان أقل عدداً وعدة في بعض الجوانب، استفاد من خطوط الإمداد الداخلية القصيرة ومعرفة التضاريس المحلية.
2-التفوق التكتيكي: يسلط الكتاب الضوء على كفاءة القوات الأردنية في استخدام الدبابات والمدفعية بشكل فعال لصد التقدم السوري. على الرغم من أن السوريين كانوا يمتلكون دبابات حديثة (مثل T-55)، إلا أن الأردنيين، باستخدام دباباتهم من طراز Centurion وM48 Patton، تمكنوا من إيقاف الزخم السوري عبر تكتيكات دفاعية محكمة.
3-دور سلاح الجو: يذكر بولاك أن سلاح الجو الأردني لعب دوراً حاسماً في ردع السوريين، حيث نفذ غارات جوية دقيقة استهدفت القوات المدرعة السورية، مما أجبرها على التراجع. هذا الدعم الجوي كان عاملاً مهماً في تغيير مسار المعركة.
النتائج: يرى الكاتب أن الأداء الأردني في هذا الصراع كان من أبرز نقاط قوته العسكرية خلال تلك الفترة. على الرغم من الضغوط الداخلية والخارجية، نجح الجيش الأردني في استعادة السيطرة وإجبار القوات السورية على الانسحاب، مما عزز هيبة المؤسسة العسكرية الأردنية.
يعتبر الكاتب أن الأداء العسكري الأردني في هذه المواجهة كان استثنائياً نسبياً مقارنة ببعض الجيوش العربية الأخرى في فترات مماثلة، مشيراً إلى أن التدريب الجيد والقيادة المركزية القوية تحت إشراف الملك حسين والقادة العسكريين مثل حابس المجالي ساهما في هذا النجاح.
تقييم بولاك التفصيلي
1-الفعالية التكتيكية:
يُقيّم بولاك الجيش الأردني كواحد من الجيوش العربية القليلة التي أظهرت كفاءة تكتيكية حقيقية في هذا الصراع. على عكس العديد من الجيوش العربية الأخرى التي عانت من سوء التنسيق وضعف القيادة، كان الأداء الأردني متميزًا في استخدام الموارد المتاحة بفعالية.
يعزو بولاك ذلك إلى التدريب البريطاني الذي ركز على الانضباط والمرونة، بالإضافة إلى الروح المعنوية العالية للجنود الأردنيين الذين كانوا يدافعون عن أرضهم.
2-القيود الاستراتيجية:
ينتقد بولاك الاعتماد المحدود على المخابرات العسكرية. على سبيل المثال، كان الجيش الأردني بطيئًا نسبيًا في اكتشاف التحركات السورية الأولية، مما أعطى السوريين ميزة مؤقتة. لكن هذا العيب تم تعويضه بسرعة الاستجابة لاحقًا.
كما يشير إلى أن الجيش كان يعاني من نقص في الأعداد مقارنة بالتهديدات المحتملة، لكنه عوض ذلك بالجودة على الكم.
المقارنة مع جيوش أخرى:
مقارنة بالجيش السوري، الذي عانى من انقسامات داخلية (خاصة رفض حافظ الأسد إشراك سلاح الجو)، كان الأداء الأردني متفوقًا بشكل واضح. يرى بولاك أن هذا الصراع كشف عن الفجوة بين الجيش الأردني المنظم والجيوش العربية الأخرى التي غالبًا ما افتقرت إلى التماسك.
الخلاصة
في تقييمه النهائي، يعتبر بولاك أن الأداء العسكري الأردني في أحداث أيلول عام 1970 كان نموذجًا للفعالية العسكرية في سياق محدودية الموارد. الجيش لم يواجه فقط تمردًا داخليًا قويًا، بل نجح أيضًا في صد تهديد خارجي في وقت واحد، مما يجعل هذا الصراع واحدًا من أبرز نجاحات الجيش الأردني في تاريخه الحديث.