نور الدين ونصر منتصف رمضان عام 559 هـ / أ. د. علي بن محمد عودة الغامدي

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
24,665
التفاعل
20,633 372 0
نور الدين ونصر منتصف رمضان عام 559 هجري

كتبه. أ د / علي بن محمد عودة الغامدي


أكبر وأضخم نصر حققه نور الدين محمود زنكي في رمضان سنة 559 هجرية ضد الحلف الصليبي الرومي الأرمني فلولا هذا النصر الذي قدره الله تعالى على يد نور الدين لما قامت الجبهة الاسلامية المتحدة ولما تم القضاء على الدولة العبيدية وذيولها في مصر والشام. وهذا النصر العظيم وقع في منتصف رمضان 559 في معركة حارم التي حدثت في وقت عصيب, ففي ذلك العام تدخل نور الدين في مصر بعد ان استخار الله شهراً . فقد حدث النزاع بين شاور وضرغام داخل الدولة العبيدية على السلطة وهرب شاور بعد هزيمته الى نور الدين في الشام وطلب مساعدته لاسترداد السلطة
ولكن نور الدين خشي ان تقع مصر بيد الصليبيين خصوصا وانهم يسيطرون على فلسطين كلها ويفصلونه عنها وهم الاقرب اليها منه واطماعهم في احتلالها مشهورة منذ وقت مبكر، وقد وعد شاور نور الدين ان يعطيه ثلث خراج مصر اذا ساعده وان يمنح عساكره ممتلكات وإقطاعات في مصر ولكن نور الدين تردد وظل يقدم رجلا ويؤخر اخرى. وازاء هذا اللبس لجأ نورالدين الى ربه ومكث يقرأ القران ويستخير ربه شهراً كاملاً كما تقول المصادر. فعقد الله له العزم واتخذ القرار بالتدخل في مصر. واختار نور الدين خيرة عساكره وارسلها الى مصر بقيادة قائده الكردي المحنك اسد الدين شيركوه الذي كان معه في تلك الحملة ابن اخيه الشاب صلاح الدين .
وصل جيش نور الدين الى مصر وساعد شاور في القضاء على ضرغام
ولما سيطر شاور على مصر تنكر لعهده لنور الدين وطلب من اسد الدين شيركوه مغادرة مصر , ورفض شيركوه الانسحاب وطالب شاور بتنفيذ وعده لنور الدين واستولى اسد الدين شيركوه على بلبيس شمال شرق القاهرة كي يضغط على شاور لتنفيذ وعوده .
وهنا لم يتورع شاور عن الخيانة فارسل يستنجد بملك مملكة القدس الصليبي عموري الاول ضد جيش نور الدين فجاء عموري وحاصر شيركوه وجيشه في بلبيس.
واستشعر نور الدين الخطر على جيشه المحصور في بلبيس فبدأ يضغط على الصليبيين في الشام وارسل يستنجد بالحكام المسلمين في الموصل وحصن كيفا وغيرها.
وكان يحكم حصن كيفا في اعالي نهر دجلة فخر الدين قرا أرسلان الارتقي الذي قال لما قرأ رسالة نور الدين قولاً يعتبر شهادة بالتقوى والعبادة لنور الدين قال : - لقد تحشف نور الدين من كثرة الصوم والصلاة فاصبح يرمي بنفسه في المعارك دون خوف.
واخبر اصحابه انه لن ينجد نور الدين وسيبقي في بلاده بعيداً.
وفي صبيحة اليوم التالي سمع اصحابه مناديه ينادي بالخروج للجهاد مع نور الدين فجاءوا اليه وقالو : ماعدا مما بدا ، تركناك على حال بالأمس نرى الان ضدها.
فقال ان نور الدين استعمل معي طريقا إن لم انجده خرجت البلاد من يدي فقد ارسل الى العلماء والعُبّاد يحثهم على الدعوة للجهاد فاصبحوا يدعون عليّ وتلقى نور الدين النجدات من هذا الامير ومن الموصل ومن ديار بكر وغيرها من مناطق الجزيرة الواقعة بين نهري دجلة والفرات .
اما الصليبيون فتحالفوا مع الروم والارمن وشكلوا جيشا نصرانيا متحدا يزيد عن 30 ألف مقاتل وكان من أشهر قادة التحالف النصراني الامراء بوهمند الثالث أمير انطاكية, وريموند الثالث أمير طرابلس , والدوك قسطنطين كولومان قائد الروم في جنوب جبال طوروس وجوسلين الثالث أمير تل باشر ,وثوروس الارمني أمير الأرمن في قيليقة وغيرهم.
وتمكن نور الدين بفضل الخطة الرائعة التي وضعها من تطويق الجيوش النصرانية عند حارم في منتصف رمضان سنة 559 هجرية وانزل بها هزيمة ساحقة ماحقة وكان عدد قتلى النصارى يزيد عن 10 ألاف قتيل ووقع من بقي حياً في اسر المسلمين بما فيهم اميري أنطاكية وطرابلس وقائد الروم وجوسلين الثالث .
ولم ينج الا القليل من الفارين ومنهم الامير ثوروس الارمني الذي فر الى جبال قيليقة وغنم المسلمون بقيادة نور الدين كل ما كان مع العدو من اسلحة ومؤن واستغل نور الدين النصر على الفور وسار بقواته الى الجولان واسترد عاصمتها بانياس في اواخر رمضان سنة 559 هجرية وتعتبر بانياس مفتاح القدس.
ولما سمع عموري ملك بيت المقدس بهزيمة قومه امام نور الدين اتصل بشيركوه داخل بلبيس واتفق معه على فك الحصار عنه على ان ينسحب الجانبان عن مصر وعاد عموري الى الشام لترميم ما اصاب الصليبيين من دمار وافتداء الاسرى الذين وقعوا في اسر نور الدين. اما مصر فسوف يفوز بها نور الدين بعد 4 سنوات ولم يطلق نور الدين الامراء الصليبيين وحلفائهم الا مقابل فدية ضخمة بلغت 600 ألف دينار ذهب. وكان نور الدين قد أبطل الضرائب التي تبلغ مليون درهم وكان ذلك الإلغاء للضرائب قبل معركة حارم بسنوات وذلك خوفا من الله وورعا.
وقد عوض الله جلا علا عبده نور الدين محمود بأضعاف تلك المكوس التي ألغاها بهذا المبلغ الكبير الذي غنمه من الصليبيين واستغله على أحسن وجه، فقد بنى به عشرات المدارس في بلاد الشام لتعليم النشء العقيدة الصحيحة والقضاء على العقائد الباطنية التي عمت بلاد الشام زمن العبيديين، وعيّن المدرسين في تلك المدارس على المذاهب السنية الأربعة: الشافعية والحنبلية والمالكية والحنفية. وهذا النصر الذي حققه نور الدين في رمضان هو أكبر انتصاراته على الإطلاق.​

 
عودة
أعلى