طالما كانت منطقة شرق المتوسط محور تجاذبٍ جيوسياسي إقليمي ودولي بين كبرى دول العالم، ليس فقط من منظور سياسي فحسب، ولكن من منطلق اقتصادي. يعكس هذا التجاذب في حقيقته صراع المصالح القائم حول من يستحوذ على النفوذ ويسيطر على الموارد الطبيعية للعقود المقبلة، وبالأخص احتياطيات الغاز الطبيعي الهائلة.
علاوة على ذلك، يشهد التاريخ على عمق وقوة العلاقات التاريخية التي تربط مصر وقبرص، واعتزامهما الاستمرار في مسيرة العمل المشترك لتعزيز الشراكة القائمة. إن التعاون بين مصر وقبرص يمثل نموذجًا ناجحًا للشراكة الإقليمية في مجال الغاز الطبيعي؛ حيث تمتلك مصر بنية تحتية متميزة تشمل محطات إسالة الغاز وشبكات النقل، والتي يمكن من خلالها تحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين والاستفادة المثلى من موارد الغاز المكتشفة.
وعليه، عولت الدولة المصرية على علاقاتها المتنامية والمتطورة مع قبرص في إطار آلية للتعاون الثنائي، في إزالة أي عقبات تواجه الإسراع في خطوات تنفيذ مشروع خط الأنابيب الذي سيربط حقل (أفروديت) القبرصي بمحطات الإسالة المصرية تمهيدًا للتصدير للأسواق الأوروبية. حيث تعزيز التعاون بين مصر وقبرص في إنشاء ممر موثوق للطاقة من شرق البحر المتوسط إلى أوروبا لنقل الغاز الطبيعي والطاقة الخضراء، بالإضافة إلى بحث سبل تعزيز التعاون لاستغلال اكتشافات الغاز الطبيعي في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص.
تأسيسًا على ما سبق، نجد أن مصر قامت بخطوات جادة لتطوير قطاع الغاز الطبيعي، حيث استثمرت في حقول غازية متعددة مثل ظهر ونورس وأتول، بالإضافة إلى العديد من الخطوات الاستباقية في غرب البحر المتوسط بتكثيف عمليات البحث والاستكشاف في جزء حيوي ومهم من البحر المتوسط (منطقة بكر وواعدة) وبهدف استطلاع إمكانات المنطقة من احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي والنفط الخام. كما عززت مصر التعاون مع شركاء دوليين مثل الولايات المتحدة، هذا التوجه يعكس حرص مصر على تأمين أمنها الطاقي وتعزيز دورها كلاعب رئيسي في سوق الطاقة الإقليمية، حيث تتعاون مع دول أخرى في المنطقة مثل إسرائيل وقبرص واليونان لتطوير مشاريع مشتركة في مجال الطاقة وبالأخص الغاز الطبيعي (كافة أنشطة الصناعة المختلفة).
أجرى مركز الاستطلاع الجيولوجي الأمريكي في مارس 2010، تقييمًا لموارد النفط الخام والغاز الطبيعي غير المُكتشفة والمُمكن استخراجها تقنيًا لمنطقتي دلتا النيل المجاورة لمصر التي يُتوقع أن تحتوي على أكبر مخزون غير مُكتشف، وحوض الشام في شرق المتوسط أو ما يُعرف بـLevant Basin Province الذي يشمل المناطق البحرية المواجهة لقطاع غزة والأراضي الفلسطينية المُحتلة من إسرائيل ولبنان وسوريا وقبرص وتبلغ حوالي 83 ألف كيلومتر مربع، اتبع التقييم منهجية مبنية على المعلومات الجيولوجية والتجارية المتوفرة حول الآبار، وحقول الإنتاج، الموزعة في المنطقة، وحُددت ثلاثة أنظمة بترولية و8 وحدات تقييم مختلفة. حيث قدرت دراسة 2010 بأن منطقة حوض شرق المتوسّط تحتوي على حوالي 1.7 مليار برميل من النفط الخام وحوالي 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.
وفي يوليو 2021، أصدر المركز نفسه تقييمًا جديدًا للمنطقة، وفقًا للمتغيرات الجديدة، بالإضافة إلى ما تم اكتشافه خلال السنوات الماضية؛ حيث قُدرت الاحتياطيات الجديدة بحوالي 879 مليون برميل من النفط الخام و286 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي. وبالنظر إلى الاختلافات في التقديرات بين الدراستين، نجد أن التقييم الثاني في عام 2021، شمل منطقة أكبر من تلك المشمولة في تقييم عام 2010، بحيث أضيفت 3 مناطق جيولوجية جديدة مقابلة لمصر، وتم إزالة كل المكامن المكتشفة في السنوات الأخيرة من خانة الاحتياطيات المحتملة، كما هو موضح في الشكل التالي.
هنا تجدر الإشارة إلى أن احتياطات الغاز الطبيعي من حوض شرق المتوسط تُقدر بحوالي 5.1% من إجمالي الاحتياطيات العالمية، وحوالي 0.15% من الاحتياطيات العالمية من النفط الخام وهي نسبة ضئيلة، إلا أن الظروف الجيوسياسية الراهنة وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى الحرب على غزة، جعلت منطقة شرق المتوسط ذات أهمية كبرى وبالأخص إلى دول الاتحاد الأوروبي الباحثين عن مصادر غاز بديلة عن الغاز الروسي.
أمام ما تقدم، على الرغم من التزايد المضطرد في عدد حقول الغاز الطبيعي التي تم اكتشافها في منطقة شرق البحر المتوسط، فإن التركيز بشكل أساسي على الحقول الأربعة الكبرى من حيث الاحتياطيات المتوقعة، والتي يأتي في مقدمتها حقل تمارا الذي اكتشفته إسرائيل عام 2009 باحتياطي محتمل بلغ حوالي 280 بليون متر مكعب، وأيضًا حقل ليفياثان باحتياطي يصل إلى حوالي 620 بليون متر مكعب، والذي اكتشفته إسرائيل أيضًا في عام 2010، علاوةً على حقل أفروديت الذي اكتشفته قبرص عام 2011 باحتياطي محتمل يعادل حوالي 128 بليون متر مكعب، وأخيرًا حقل ظهر الذي يُعد أحدث اكتشافات شركة إيني الإيطالية في منطقة امتياز شروق بالمنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر في أغسطس من عام 2015 باحتياطي محتمل وفقًا للبيانات المعلنة بما يُقارب حوالي 850 بليون متر مكعب، كما هو موضح في الشكل التالي.
إستكمالًا لما سبق، فإن عمليات إنتاج الغاز الطبيعي في قبرص فيها تنطوي على خاصيتين متضادتين؛ الأولى: تتمثل في بطء عملية تطوير وتنمية حقل غاز أفروديت المكتشف سابقًا، أما الثانية: فهي تسريع الخطوات القبرصية لإمكانية طرح رخصة تنقيب ثالثة. بالإضافة إلى تصدير الغاز القبرصي لمصر لمواجهة تحديات زيادة استهلاكها المحلي، وإمداد منشآت تسييل الغاز في إدكو، وإعادة تصديره مرة أخرى إلى دول الاتحاد الأوروبي.
من الخيارات المتاحة أمام نقل الغاز عبر البحر المتوسط، وفقًا لجغرافيا قبرص، إما عن طريق السفن (الغاز الطبيعي المسال) أو عبر خط أنابيب تحت سطح البحر، ويتطلب كلا الحلين نفقات رأسمالية كبيرة (حل يتطلب تعاون بين دول منطقة شرق المتوسط). علاوة على ذلك، فإن معظم اكتشافات قبرص تقع على عمق كبير تحت الماء، ومنتشرة جغرافيًا على نطاق واسع وتتميز بجيولوجية معقدة؛ هذه العوامل تزيد من تكلفة تطويرها، لكن يبقى الجانب السياسي هو العائق الأكبر.
وحقل أفروديت القبرصي يحتوي على ما يقدر بحوالي 3.6 تريليونات قدم مكعب من الغاز الطبيعي، ويقع في منطقة بلوك 12، على بعد نحو 170 كم قبالة شاطئ ليماسول بدولة قبرص، التي تخطط لإرسال الغاز الطبيعي المستخرج من حقل أفروديت إلى مصر خلال الفترة من 2027 إلى 2028، كما هو موضح في الشكل التالي.
وعليه، إن ربط حوالي مليار قدم مكعب من الغاز يوميًا (إنتاج متوقع) من حقل أفروديت على الشبكة القومية للغاز الطبيعي بمصر، سوف يُسهم في تطوير احتياطيات الغاز الطبيعي في قبرص باستخدام البنية التحتية الحالية في مصر، ونقل الغاز من المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص إلى مصر؛ لتسييله وتصديره إلى الأسواق العالمية، ويحول فقر البنية التحتية دون تحقيق حلم قبرص بالتحول إلى مركز للطاقة في شرق المتوسط؛ مما يدفعها إلى الاعتماد على مصر في تصدير الغاز المكتشف في حقولها البحرية إلى أوروبا. حيث إن ربط خط الأنابيب البحري بالمياه العميقة من حقل (أفروديت) القبرصي بتسهيلات حقل (ظهر) البحرية بدلًا من ربطه مباشرة بالشبكة القومية للغازات، يوفر أكثر من حوالي 40% من تكلفة إنشاء خط الأنابيب البحري.
هنا تجدر الإشارة إلى أن مصر تُعد الدولة الوحيدة التي تمتلك محطات إسالة في شرق المتوسط؛ إذ تعد محطات إسالة الغاز في دمياط وإدكو من أهم الركائز الرئيسية في التسهيلات والبنية التحتية التي تمتلكها مصر لتجارة وتداول الغاز الطبيعي، وتفوق قدراتهما الإنتاجية 12 مليون طن سنويًا، وبالنظر إلى قرب المسافة بين قبرص ومصر، قد تستفيد الأولى من قدرات الإسالة في مصر، كونها الوحيدة في منطقة شرق المتوسط. حيث يحول فقر البنية التحتية دون تحقيق حلم قبرص نحو إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي، وهو الأمر الذي يدفعها إلى الاعتماد على مصر في تصدير الغاز المكتشف في حقولها البحرية إلى دول الاتحاد الأوروبي. كما هو موضح في الشكل التالي.
أمام ما تقدم، فإن الخيار المفضل لقبرص (أفروديت) هو نقل الغاز من الحقل عبر خط أنابيب تحت البحر إلى منشآت شل في غرب الدلتا البحرية العميقة غير المستغلة قبالة سواحل مصر؛ حيث سيتم معالجته، ومن شأن هذا الخيار أن يوفر على الشركاء تكاليف بناء منشأة جديدة مخصصة للمعالجة والإنتاج في قبرص؛ مما يقلل بشكل كبير من تكاليف التطوير. وسيتم بعد ذلك نقل الغاز المعالج إلى مصنع إدكو للغاز الطبيعي المسال في مصر؛ لتسييله وتصديره أو استخدامه محليًا لتلبية الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي في مصر.
إجمالًا لما سبق، تُشكل شراكة مصر مع قبرص محورًا مهمًا لتحقيق تكامل اقتصادي بين البلدين في مجال الطاقة وبالأخص الغاز الطبيعي، وبوابة استراتيجية لاستثمار المقومات المتاحة من موارد غازية وبُنية تحتية متميزة، وصولًا لتحقيق المنافع المشتركة، وتعظيم استغلال تلك المقومات. حيث تستهدف مصر تعظيم الاستغلال الاقتصادي لبنيتها التحتية في مجال الغاز الطبيعي من خطوط ومجمعات استقبال الغاز الطبيعي وإسالته وتصديره على ساحل البحر المتوسط، واستثمار طاقتها الاستيعابية الكبيرة.
بشكل عام، تهدف الأنابيب عادةً إلى ربط الحقول المُكتشفة في البحر بالسواحل المواجهة لتأمين عملية نقل الغاز للاستعمال الداخلي، وبالتالي تأمين الأمن الطاقوي والاكتفاء الذاتي، كما وربط هذه الآبار والحقول بالدول المُحيطة بهدف تصدير الغاز إلى الأسواق العالمية.
يُعد التعاون بين مصر وقبرص في مجال الغاز الطبيعي من أبرز الأمثلة على الشراكات الاستراتيجية التي تستهدف تعزيز الأمن الطاقي وتنمية الموارد الطبيعية في البحر المتوسط. هذا التعاون ليس فقط نتيجة للاحتياطيات الكبيرة من الغاز الطبيعي المكتشفة في المنطقة، بل هو جزء من رؤية أوسع تهدف إلى تحقيق الاستفادة القصوى من الموارد الطبيعية للطاقة في شرق البحر المتوسط وتحقيق التنمية المستدامة.
علاوة على ذلك، ستشهد الفترة المقبلة تعزيز عمليات البحث والاستكشاف في مجالي النفط والغاز الطبيعي وذلك لما تمتلكه مصر من احتياطيات مؤكدة وضخمة، بالإضافة إلى جذب العديد من الشركات العالمية، ويوضح الشكل التالي تطور احتياطيات مصر المؤكدة من الغاز الطبيعي.
أمام ما تقدم، إن التعاون بين مصر وقبرص في مجال الغاز الطبيعي يمثل نموذجًا يحتذى به للشراكات الاستراتيجية بين الدول، وهو يعد خطوة مهمة نحو تحقيق الأمن الطاقي والاستدامة البيئية في منطقة البحر المتوسط والعالم. فالتكامل بين القدرات المصرية في مجالات التنقيب والإنتاج، والقدرات القبرصية التي توفر احتياطيات واعدة من الغاز الطبيعي، يفتح أُفقًا واسعًا من الفرص لكلا البلدين لتحقيق فوائد اقتصادية كبيرة، فضلًا عن تعزيز الاستقرار في سوق الطاقة العالمية.
لقد أصبح الغاز الطبيعي أحد العوامل الأساسية في تحولات أسواق الطاقة العالمية، بما له من دور محوري في تحقيق أهداف الاستدامة والحد من الانبعاثات الكربونية. وتُعد هذه الشراكة بين مصر وقبرص مثالًا حيًا على كيفية تعزيز التعاون الإقليمي في مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية، من خلال استغلال الموارد الطبيعية بشكل مسئول وفعّال. من خلال تطوير المشروعات المشتركة، مثل خطوط الأنابيب البحرية والمحطات اللوجستية، يمكن للبلدين تحقيق التكامل في أسواق الغاز وتوسيع شبكة التصدير إلى أسواق أوروبا وآسيا.
علاوة على ذلك، يفتح هذا التعاون الباب لفرص ضخمة في قطاعات أخرى مثل التكنولوجيا، والابتكار في عمليات التنقيب، وتحقيق التحول في صناعة الطاقة من خلال دمج الغاز الطبيعي مع مشاريع الطاقة المتجددة. إن التعاون بين البلدين يمكن أن يسهم في تطوير الحلول المستدامة والمُسهمة في تنويع مصادر الطاقة؛ مما يسهم في تحقيق رؤيتهما الوطنية طويلة المدى، سواء كانت رؤية مصر 2030 أو رؤية قبرص المستقبلية في المجال الطاقي.
ورغم التحديات السياسية والاقتصادية التي قد تطرأ على هذا التعاون، مثل النزاعات الإقليمية أو قضايا التمويل، فإن الفرص التي توفرها هذه الشراكة كبيرة للغاية. من خلال الاستثمار المشترك والتطوير المستدام للبنية التحتية في قطاع الغاز، يمكن لمصر وقبرص تحقيق أهدافهما في تحسين إمدادات الطاقة وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام. وفي الوقت نفسه، يسهم ذلك في تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي في منطقة البحر المتوسط، ويجعل من التعاون بين البلدين نموذجًا يعكس القدرة على العمل التكاملي من أجل تحقيق الأهداف المشتركة.
مجمل القول، تحولت مسألة الطاقة إلى نقطة ارتكاز استراتيجية في علاقات دول منطقة شرق المتوسط بعضها ببعض، حيث تتطلب عملية الاستفادة المثلى من موارد الغاز الطبيعي في شرق المتوسط قدرًا من التعاون بين كافة دول المنطقة. وهو ما يمكن أن يتحقق بصورة تدريجية من خلال كل كتلة على حدة. وعليه، يُعد التعاون بين مصر وقبرص في مجال الغاز الطبيعي خطوة استراتيجية نحو مستقبل أكثر استدامة في قطاع الطاقة، ويعكس التزام البلدين بتطوير العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي في مواجهة التحديات الطاقية العالمية. وبذلك، سيظل هذا التعاون مصدر إلهام لبقية دول المنطقة التي تسعى لتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة في عالم يتجه نحو تحول طاقي شامل.
وفي الأخير، إن التعاون مع قبرص في صناعة الغاز الطبيعي سوف يُسهم بشكل كبير في تعزيز أمن الطاقة في مصر؛ مما يُساعد في تعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة.
ecss.com.eg
علاوة على ذلك، يشهد التاريخ على عمق وقوة العلاقات التاريخية التي تربط مصر وقبرص، واعتزامهما الاستمرار في مسيرة العمل المشترك لتعزيز الشراكة القائمة. إن التعاون بين مصر وقبرص يمثل نموذجًا ناجحًا للشراكة الإقليمية في مجال الغاز الطبيعي؛ حيث تمتلك مصر بنية تحتية متميزة تشمل محطات إسالة الغاز وشبكات النقل، والتي يمكن من خلالها تحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين والاستفادة المثلى من موارد الغاز المكتشفة.
مدخل:
فتحت اكتشافات الغاز الطبيعي المتلاحقة والضخمة في منطقة شرق البحر المتوسط، بالإضافة إلى زيادة الطلب على الغاز الطبيعي في دول المنطقة محورًا جديدًا لضرورة البحث عن صيغ تعاونية للاستفادة من تلك الاحتياطيات الهائلة، ليس فقط في عمليات استكشاف وتنمية الحقول المكتشفة، وإنما في عمليات التصدير وتسويق الإنتاج. وهو ما سيُسهم بشكل كبير في حل أزمات الطاقة من جانب، وتحسين الأوضاع الاقتصادية المتردية لبعض دولها التي تُعاني من تراجع واضح في مفهوم أمن الطاقة، لما يمكن أن يدره من دخل من شأنه معالجة أزمات الطاقة المتفاقمة في العديد من دول منطقة شرق المتوسط، بالإضافة إلى التعاون التكاملي بين دول منطقة شرق المتوسط.وعليه، عولت الدولة المصرية على علاقاتها المتنامية والمتطورة مع قبرص في إطار آلية للتعاون الثنائي، في إزالة أي عقبات تواجه الإسراع في خطوات تنفيذ مشروع خط الأنابيب الذي سيربط حقل (أفروديت) القبرصي بمحطات الإسالة المصرية تمهيدًا للتصدير للأسواق الأوروبية. حيث تعزيز التعاون بين مصر وقبرص في إنشاء ممر موثوق للطاقة من شرق البحر المتوسط إلى أوروبا لنقل الغاز الطبيعي والطاقة الخضراء، بالإضافة إلى بحث سبل تعزيز التعاون لاستغلال اكتشافات الغاز الطبيعي في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص.
تأسيسًا على ما سبق، نجد أن مصر قامت بخطوات جادة لتطوير قطاع الغاز الطبيعي، حيث استثمرت في حقول غازية متعددة مثل ظهر ونورس وأتول، بالإضافة إلى العديد من الخطوات الاستباقية في غرب البحر المتوسط بتكثيف عمليات البحث والاستكشاف في جزء حيوي ومهم من البحر المتوسط (منطقة بكر وواعدة) وبهدف استطلاع إمكانات المنطقة من احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي والنفط الخام. كما عززت مصر التعاون مع شركاء دوليين مثل الولايات المتحدة، هذا التوجه يعكس حرص مصر على تأمين أمنها الطاقي وتعزيز دورها كلاعب رئيسي في سوق الطاقة الإقليمية، حيث تتعاون مع دول أخرى في المنطقة مثل إسرائيل وقبرص واليونان لتطوير مشاريع مشتركة في مجال الطاقة وبالأخص الغاز الطبيعي (كافة أنشطة الصناعة المختلفة).
ثروات منطقة شرق المتوسط:
بشكل عام، لا توجد أرقام ومعطيات دقيقة عن الثروة النفطية والغازية في منطقة شرق المتوسط، فكل التقديرات الحالية تبقى في دائرة الاحتمالات الواعدة، على الرغم من ذلك، تشير التقديرات الأولية المُتاحة إلى أن مجمل المكامن غير المُكتشفة قد توازي ضعف ما تم اكتشافه في منطقة شرق المتوسط حتى يومنا هذا (بالأخص الغاز الطبيعي).أجرى مركز الاستطلاع الجيولوجي الأمريكي في مارس 2010، تقييمًا لموارد النفط الخام والغاز الطبيعي غير المُكتشفة والمُمكن استخراجها تقنيًا لمنطقتي دلتا النيل المجاورة لمصر التي يُتوقع أن تحتوي على أكبر مخزون غير مُكتشف، وحوض الشام في شرق المتوسط أو ما يُعرف بـLevant Basin Province الذي يشمل المناطق البحرية المواجهة لقطاع غزة والأراضي الفلسطينية المُحتلة من إسرائيل ولبنان وسوريا وقبرص وتبلغ حوالي 83 ألف كيلومتر مربع، اتبع التقييم منهجية مبنية على المعلومات الجيولوجية والتجارية المتوفرة حول الآبار، وحقول الإنتاج، الموزعة في المنطقة، وحُددت ثلاثة أنظمة بترولية و8 وحدات تقييم مختلفة. حيث قدرت دراسة 2010 بأن منطقة حوض شرق المتوسّط تحتوي على حوالي 1.7 مليار برميل من النفط الخام وحوالي 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.
وفي يوليو 2021، أصدر المركز نفسه تقييمًا جديدًا للمنطقة، وفقًا للمتغيرات الجديدة، بالإضافة إلى ما تم اكتشافه خلال السنوات الماضية؛ حيث قُدرت الاحتياطيات الجديدة بحوالي 879 مليون برميل من النفط الخام و286 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي. وبالنظر إلى الاختلافات في التقديرات بين الدراستين، نجد أن التقييم الثاني في عام 2021، شمل منطقة أكبر من تلك المشمولة في تقييم عام 2010، بحيث أضيفت 3 مناطق جيولوجية جديدة مقابلة لمصر، وتم إزالة كل المكامن المكتشفة في السنوات الأخيرة من خانة الاحتياطيات المحتملة، كما هو موضح في الشكل التالي.
هنا تجدر الإشارة إلى أن احتياطات الغاز الطبيعي من حوض شرق المتوسط تُقدر بحوالي 5.1% من إجمالي الاحتياطيات العالمية، وحوالي 0.15% من الاحتياطيات العالمية من النفط الخام وهي نسبة ضئيلة، إلا أن الظروف الجيوسياسية الراهنة وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى الحرب على غزة، جعلت منطقة شرق المتوسط ذات أهمية كبرى وبالأخص إلى دول الاتحاد الأوروبي الباحثين عن مصادر غاز بديلة عن الغاز الروسي.
أمام ما تقدم، على الرغم من التزايد المضطرد في عدد حقول الغاز الطبيعي التي تم اكتشافها في منطقة شرق البحر المتوسط، فإن التركيز بشكل أساسي على الحقول الأربعة الكبرى من حيث الاحتياطيات المتوقعة، والتي يأتي في مقدمتها حقل تمارا الذي اكتشفته إسرائيل عام 2009 باحتياطي محتمل بلغ حوالي 280 بليون متر مكعب، وأيضًا حقل ليفياثان باحتياطي يصل إلى حوالي 620 بليون متر مكعب، والذي اكتشفته إسرائيل أيضًا في عام 2010، علاوةً على حقل أفروديت الذي اكتشفته قبرص عام 2011 باحتياطي محتمل يعادل حوالي 128 بليون متر مكعب، وأخيرًا حقل ظهر الذي يُعد أحدث اكتشافات شركة إيني الإيطالية في منطقة امتياز شروق بالمنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر في أغسطس من عام 2015 باحتياطي محتمل وفقًا للبيانات المعلنة بما يُقارب حوالي 850 بليون متر مكعب، كما هو موضح في الشكل التالي.
مكانة قبرص في صناعة الغاز الطبيعي:
مع إعلان اكتشاف حقل أفروديت في مياهها الإقليمية عام 2011 طوت قبرص صفحة من تاريخها وبدأت أخرى جديدة ظهرت فيها عقدة مركزية في شئون شرق المتوسط وغرب أوروبا، حيث مر حوالي 13 عامًا منذ اكتشاف أول وأكبر حقل غاز بحري في قبرص، أفروديت، وتلا ذلك أربع نتائج أخرى بين عامي 2018 و2022، توصلت إليها بعض أكبر شركات الطاقة في العالم، ومن ضمن تلك الاكتشافات التجارية (كاليبسو) عام 2018، في البلوك رقم 8؛ حيث قُدرت الاحتياطيات المحتملة من الغاز الطبيعي بحوالي 8 تريليونات قدم مكعب والكشف التجاري (جلاوكوس-1) في البلوك رقم 10 باحتياطيات محتملة تُقدر بحوالي 5-8 تريليونات قدم مكعب من الغاز الطبيعي وذلك في عام 2019. ومع ذلك، لم تنتج قبرص ولم تستهلك أي غاز طبيعي حتى الآن؛ حيث تخطط قبرص لتغيير ذلك ودمج الغاز في مزيج الطاقة الذي يهيمن عليه النفط الخام، سيساعد استخدام الغاز الطبيعي قبرص على تقليل فاتورة واردات الطاقة بشكل كبير وبصمتها الكربونية ومواءمة استراتيجية الطاقة الخاصة بها بشكل أفضل مع لوائح الاتحاد الأوروبي، كما هو موضح في الشكل التالي.إستكمالًا لما سبق، فإن عمليات إنتاج الغاز الطبيعي في قبرص فيها تنطوي على خاصيتين متضادتين؛ الأولى: تتمثل في بطء عملية تطوير وتنمية حقل غاز أفروديت المكتشف سابقًا، أما الثانية: فهي تسريع الخطوات القبرصية لإمكانية طرح رخصة تنقيب ثالثة. بالإضافة إلى تصدير الغاز القبرصي لمصر لمواجهة تحديات زيادة استهلاكها المحلي، وإمداد منشآت تسييل الغاز في إدكو، وإعادة تصديره مرة أخرى إلى دول الاتحاد الأوروبي.
من الخيارات المتاحة أمام نقل الغاز عبر البحر المتوسط، وفقًا لجغرافيا قبرص، إما عن طريق السفن (الغاز الطبيعي المسال) أو عبر خط أنابيب تحت سطح البحر، ويتطلب كلا الحلين نفقات رأسمالية كبيرة (حل يتطلب تعاون بين دول منطقة شرق المتوسط). علاوة على ذلك، فإن معظم اكتشافات قبرص تقع على عمق كبير تحت الماء، ومنتشرة جغرافيًا على نطاق واسع وتتميز بجيولوجية معقدة؛ هذه العوامل تزيد من تكلفة تطويرها، لكن يبقى الجانب السياسي هو العائق الأكبر.
الدور المصري في نمو صناعة الغاز القبرصي:
إجمالًا لما سبق، تدرس مصر بالتعاون مع قبرص إنشاء خط أنابيب بحري بطول يبلغ حوالي 90 كيلو مترًا، وذلك لربط حقل أفروديت بتسهيلات الإنتاج البحرية لحقل ظهر بالمياه الإقليمية المصرية، لضخ الغاز القبرصي بالشبكة القومية للغازات، وفقًا للبيانات المعلنة. حيث تسعى مصر لاستغلال السعة المتاحة بتسهيلات حقل ظهر من خط أنابيب ومحطة معالجة الغاز البرية، وذلك بعد الانخفاض الطبيعي لإنتاج الحقل لنحو 1.6 مليار قدم مكعب غاز يوميًا مقارنة بنحو 3.2 مليارات قدم في عام 2020.وحقل أفروديت القبرصي يحتوي على ما يقدر بحوالي 3.6 تريليونات قدم مكعب من الغاز الطبيعي، ويقع في منطقة بلوك 12، على بعد نحو 170 كم قبالة شاطئ ليماسول بدولة قبرص، التي تخطط لإرسال الغاز الطبيعي المستخرج من حقل أفروديت إلى مصر خلال الفترة من 2027 إلى 2028، كما هو موضح في الشكل التالي.
وعليه، إن ربط حوالي مليار قدم مكعب من الغاز يوميًا (إنتاج متوقع) من حقل أفروديت على الشبكة القومية للغاز الطبيعي بمصر، سوف يُسهم في تطوير احتياطيات الغاز الطبيعي في قبرص باستخدام البنية التحتية الحالية في مصر، ونقل الغاز من المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص إلى مصر؛ لتسييله وتصديره إلى الأسواق العالمية، ويحول فقر البنية التحتية دون تحقيق حلم قبرص بالتحول إلى مركز للطاقة في شرق المتوسط؛ مما يدفعها إلى الاعتماد على مصر في تصدير الغاز المكتشف في حقولها البحرية إلى أوروبا. حيث إن ربط خط الأنابيب البحري بالمياه العميقة من حقل (أفروديت) القبرصي بتسهيلات حقل (ظهر) البحرية بدلًا من ربطه مباشرة بالشبكة القومية للغازات، يوفر أكثر من حوالي 40% من تكلفة إنشاء خط الأنابيب البحري.
هنا تجدر الإشارة إلى أن مصر تُعد الدولة الوحيدة التي تمتلك محطات إسالة في شرق المتوسط؛ إذ تعد محطات إسالة الغاز في دمياط وإدكو من أهم الركائز الرئيسية في التسهيلات والبنية التحتية التي تمتلكها مصر لتجارة وتداول الغاز الطبيعي، وتفوق قدراتهما الإنتاجية 12 مليون طن سنويًا، وبالنظر إلى قرب المسافة بين قبرص ومصر، قد تستفيد الأولى من قدرات الإسالة في مصر، كونها الوحيدة في منطقة شرق المتوسط. حيث يحول فقر البنية التحتية دون تحقيق حلم قبرص نحو إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي، وهو الأمر الذي يدفعها إلى الاعتماد على مصر في تصدير الغاز المكتشف في حقولها البحرية إلى دول الاتحاد الأوروبي. كما هو موضح في الشكل التالي.
أمام ما تقدم، فإن الخيار المفضل لقبرص (أفروديت) هو نقل الغاز من الحقل عبر خط أنابيب تحت البحر إلى منشآت شل في غرب الدلتا البحرية العميقة غير المستغلة قبالة سواحل مصر؛ حيث سيتم معالجته، ومن شأن هذا الخيار أن يوفر على الشركاء تكاليف بناء منشأة جديدة مخصصة للمعالجة والإنتاج في قبرص؛ مما يقلل بشكل كبير من تكاليف التطوير. وسيتم بعد ذلك نقل الغاز المعالج إلى مصنع إدكو للغاز الطبيعي المسال في مصر؛ لتسييله وتصديره أو استخدامه محليًا لتلبية الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي في مصر.
إجمالًا لما سبق، تُشكل شراكة مصر مع قبرص محورًا مهمًا لتحقيق تكامل اقتصادي بين البلدين في مجال الطاقة وبالأخص الغاز الطبيعي، وبوابة استراتيجية لاستثمار المقومات المتاحة من موارد غازية وبُنية تحتية متميزة، وصولًا لتحقيق المنافع المشتركة، وتعظيم استغلال تلك المقومات. حيث تستهدف مصر تعظيم الاستغلال الاقتصادي لبنيتها التحتية في مجال الغاز الطبيعي من خطوط ومجمعات استقبال الغاز الطبيعي وإسالته وتصديره على ساحل البحر المتوسط، واستثمار طاقتها الاستيعابية الكبيرة.
بشكل عام، تهدف الأنابيب عادةً إلى ربط الحقول المُكتشفة في البحر بالسواحل المواجهة لتأمين عملية نقل الغاز للاستعمال الداخلي، وبالتالي تأمين الأمن الطاقوي والاكتفاء الذاتي، كما وربط هذه الآبار والحقول بالدول المُحيطة بهدف تصدير الغاز إلى الأسواق العالمية.
يُعد التعاون بين مصر وقبرص في مجال الغاز الطبيعي من أبرز الأمثلة على الشراكات الاستراتيجية التي تستهدف تعزيز الأمن الطاقي وتنمية الموارد الطبيعية في البحر المتوسط. هذا التعاون ليس فقط نتيجة للاحتياطيات الكبيرة من الغاز الطبيعي المكتشفة في المنطقة، بل هو جزء من رؤية أوسع تهدف إلى تحقيق الاستفادة القصوى من الموارد الطبيعية للطاقة في شرق البحر المتوسط وتحقيق التنمية المستدامة.
أوجه التعاون المصري-القبرصي في مجال الطاقة:
- التعاون في الاستكشاف والإنتاج:
- تطوير البنية التحتية للطاقة:
- الفوائد الاقتصادية للطرفين:
- تعزيز الأمن الطاقي والتنمية المستدامة:
علاوة على ذلك، ستشهد الفترة المقبلة تعزيز عمليات البحث والاستكشاف في مجالي النفط والغاز الطبيعي وذلك لما تمتلكه مصر من احتياطيات مؤكدة وضخمة، بالإضافة إلى جذب العديد من الشركات العالمية، ويوضح الشكل التالي تطور احتياطيات مصر المؤكدة من الغاز الطبيعي.
التحديات والفرص المستقبلية لمصر وقبرص في مجال الغاز الطبيعي:
استنتاجًا مما سبق وتأكيدًا لتلك الأهمية لمصادر الطاقة في منطقة شرق المتوسط، فإن تداعيات التنافس على هذه المصادر هو ما أدخلها في أولويات حسابات الدول بهدف أن تفرض هيمنتها على مصادر الطاقة تحت ذرائع عديدة؛ لذلك أصبحت مصادر الطاقة محورًا مهمًا للوضع السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط، وتشير التقديرات إلى أن هناك إجماعًا على أن مصادر الطاقة في المنطقة قادرة على تحقيق الاكتفاء لدى الأطراف المتنافسة، ولكن هناك العديد من التحديات والتي من ضمنها:- التوترات الجيوسياسية في منطقة شرق البحر المتوسط:
- تحديات البنية التحتية للطاقة:
- الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة:
- التحديات الاقتصادية والمالية:
الفرص المستقبلية:
- زيادة الإنتاج المشترك والتصدير إلى أوروبا
- تعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة:
- تحقيق الاستدامة الطاقية:
- استكشاف فرص جديدة في أسواق جديدة:
- تعزيز الابتكار في قطاع الغاز الطبيعي:
أمام ما تقدم، إن التعاون بين مصر وقبرص في مجال الغاز الطبيعي يمثل نموذجًا يحتذى به للشراكات الاستراتيجية بين الدول، وهو يعد خطوة مهمة نحو تحقيق الأمن الطاقي والاستدامة البيئية في منطقة البحر المتوسط والعالم. فالتكامل بين القدرات المصرية في مجالات التنقيب والإنتاج، والقدرات القبرصية التي توفر احتياطيات واعدة من الغاز الطبيعي، يفتح أُفقًا واسعًا من الفرص لكلا البلدين لتحقيق فوائد اقتصادية كبيرة، فضلًا عن تعزيز الاستقرار في سوق الطاقة العالمية.
لقد أصبح الغاز الطبيعي أحد العوامل الأساسية في تحولات أسواق الطاقة العالمية، بما له من دور محوري في تحقيق أهداف الاستدامة والحد من الانبعاثات الكربونية. وتُعد هذه الشراكة بين مصر وقبرص مثالًا حيًا على كيفية تعزيز التعاون الإقليمي في مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية، من خلال استغلال الموارد الطبيعية بشكل مسئول وفعّال. من خلال تطوير المشروعات المشتركة، مثل خطوط الأنابيب البحرية والمحطات اللوجستية، يمكن للبلدين تحقيق التكامل في أسواق الغاز وتوسيع شبكة التصدير إلى أسواق أوروبا وآسيا.
علاوة على ذلك، يفتح هذا التعاون الباب لفرص ضخمة في قطاعات أخرى مثل التكنولوجيا، والابتكار في عمليات التنقيب، وتحقيق التحول في صناعة الطاقة من خلال دمج الغاز الطبيعي مع مشاريع الطاقة المتجددة. إن التعاون بين البلدين يمكن أن يسهم في تطوير الحلول المستدامة والمُسهمة في تنويع مصادر الطاقة؛ مما يسهم في تحقيق رؤيتهما الوطنية طويلة المدى، سواء كانت رؤية مصر 2030 أو رؤية قبرص المستقبلية في المجال الطاقي.
ورغم التحديات السياسية والاقتصادية التي قد تطرأ على هذا التعاون، مثل النزاعات الإقليمية أو قضايا التمويل، فإن الفرص التي توفرها هذه الشراكة كبيرة للغاية. من خلال الاستثمار المشترك والتطوير المستدام للبنية التحتية في قطاع الغاز، يمكن لمصر وقبرص تحقيق أهدافهما في تحسين إمدادات الطاقة وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام. وفي الوقت نفسه، يسهم ذلك في تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي في منطقة البحر المتوسط، ويجعل من التعاون بين البلدين نموذجًا يعكس القدرة على العمل التكاملي من أجل تحقيق الأهداف المشتركة.
مجمل القول، تحولت مسألة الطاقة إلى نقطة ارتكاز استراتيجية في علاقات دول منطقة شرق المتوسط بعضها ببعض، حيث تتطلب عملية الاستفادة المثلى من موارد الغاز الطبيعي في شرق المتوسط قدرًا من التعاون بين كافة دول المنطقة. وهو ما يمكن أن يتحقق بصورة تدريجية من خلال كل كتلة على حدة. وعليه، يُعد التعاون بين مصر وقبرص في مجال الغاز الطبيعي خطوة استراتيجية نحو مستقبل أكثر استدامة في قطاع الطاقة، ويعكس التزام البلدين بتطوير العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي في مواجهة التحديات الطاقية العالمية. وبذلك، سيظل هذا التعاون مصدر إلهام لبقية دول المنطقة التي تسعى لتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة في عالم يتجه نحو تحول طاقي شامل.
وفي الأخير، إن التعاون مع قبرص في صناعة الغاز الطبيعي سوف يُسهم بشكل كبير في تعزيز أمن الطاقة في مصر؛ مما يُساعد في تعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة.

شراكة استراتيجية:تعاون مصر وقبرص في مجال الغاز الطبيعي - المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
طالما كانت منطقة شرق المتوسط محور تجاذبٍ جيوسياسي إقليمي ودولي بين كبرى دول العالم، ليس فقط من منظور سياسي فحسب، ولكن من منطلق اقتصادي. يعكس هذا التجاذب في حقيقته صراع المصالح القائم حول من يستحوذ على النفوذ ويسيطر على الموارد الطبيعية للعقود المقبلة، وبالأخص احتياطيات الغاز الطبيعي...
