انخفاض غير مسبوق لمستوى الخصوبة في العالم العربي

ديجاڤو

عضو
إنضم
13 نوفمبر 2021
المشاركات
869
التفاعل
1,745 15 2
الدولة
Egypt
يسلط هذا المقال الضوء على موضوع تم الترويج له سنين وسنين وانه من أهم أسباب ضعف الدول النامية أترككم مع هذه التحفة
الفرق بين معدلات النمو لسنة 1962 و2022

الفرق بين معدلات النمو لسنة 1962 و2022

هناك خرافتان شائعتان حول الديموغرافيا في العالم العربي لم يتمكن الزمن حتى الآن من تجاوزهما. الأولى خرافة تنتشر بين العوام في المقاهي وصفحات “اضغط على F1”، ومفادها أن عدد الإناث يفوق بكثير عدد الذكور، والدليل على ذلك: “انظر إلى الشارع، إنهن في كل مكان”. وهذا بالطبع غير صحيح، إذ إن النسب بين الجنسين متساوية.

أما الخرافة الثانية، فهي أكثر انتشارًا بين “النخب” (إذا جاز لنا وصفهم بذلك)، وتتمثل في الاعتقاد بأن الأسر العربية تنجب أعدادًا كبيرة من الأطفال. هذه الفكرة، رغم أنها كانت صحيحة في الماضي، إلا أنها حاليًا مجرد فكرة متحجرة لم يتم تحديثها منذ أكثر من 40 عامًا على الأقل. الحقيقة أن معدل الخصوبة في معظم الدول العربية اليوم بعيد جدًا عن أوهام الثمانية أو العشرة أطفال التي ما زالت تسيطر على أدمغة النخب البرجوازية. فمعدل الخصوبة في أغلب الدول العربية يتراوح بين 2 و3 أطفال لكل امرأة، مع وجود دول يقل فيها هذا المعدل أو يرتفع قليلًا.

فعلى سبيل المثال، مصر، التي تعد أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، ويجري فيها جدل لا يتوقف حول خفض الخصوبة وكأنه حل سحري للمشاكل الاقتصادية، تشهد حاليًا معدل خصوبة يبلغ 2,54 طفل لكل امرأة. في الجزائر، المعدل 2.65، وفي العراق 2,9، بينما في سوريا 2.7، والسعودية 2.8. أما بعض الدول العربية، فقد انخفضت معدلات الخصوبة فيها إلى ما دون معدل الإحلال العالمي (2.3 طفل لكل امرأة، أو 2.1 في الدول المتقدمة)، ما يعني أنها دخلت رسميًا مرحلة الشيخوخة. على سبيل المثال: تونس 1.82، لبنان 1.7، والمغرب 1.95.

قد يتساءل البعض: لماذا إذًا تستمر زيادة السكان حتى في الدول ذات معدل الخصوبة المنخفض عن معدل الإحلال؟

الإجابة تكمن في أن معدل الخصوبة ليس العامل الوحيد المؤثر في زيادة عدد السكان. يجب أخذ عامل آخر في الاعتبار، وهو ارتفاع متوسط الأعمار، الذي شهدت الدول العربية ارتفاعًا ملحوظًا فيه. على سبيل المثال، اليابان تراجع معدل الخصوبة فيها إلى ما دون معدل الإحلال عام 1974، لكن عدد سكانها لم يبدأ في الانخفاض إلا عام 2011. أي أن الأمر استغرق 37 عامًا حتى انعكس هذا التراجع في الخصوبة على عدد السكان، رغم أن معدل الخصوبة في اليابان اليوم منخفض جدًا (1.2).

كثير من الناس، وخاصةً السياسيين المتذاكين، يعتقدون أن الدولة قادرة على التحكم بكل شيء، وهندسة المجتمع كيفما تشاء ومتى تشاء. لكن هذا ليس دقيقًا دائمًا، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتحكم في معدلات الإنجاب. قد تتمكن دولة من أن تفرض على السكان خفض الإنجاب من خلال سياسات قد تصل حد التغريم والسجن، لكنها لا تستطيع إجبار الناس على الإنجاب. الصين مثال واضح على ذلك، إذ فرضت سياسة الطفل الواحد، التي كانت واحدة من أكثر السياسات فشلًا في تاريخها، رغم أن معدلات الإنجاب في الصين كانت أصلاً تتجه للتراجع بشكل كبير قبل تطبيق هذه السياسة. انتهى الأمر حاليًا بالحكومة الصينية إلى أن تتوسل المواطنين للإنجاب، لكن دون جدوى. هذا الفشل تشهده جميع الدول التي تحاول رفع معدلات الخصوبة، حتى مع تقديم كل أشكال الحوافز والامتيازات.

في المقابل، تجد من هم في دول فقيرة يعتقدون أنه باستطاعتهم التحكم بالإنجاب وكأنه حنفية مياه يمكنهم فتحها وغلقها متى شاؤوا، فيخفضوا الإنجاب متى شاؤوا ثم يوقفونه عند المستوى الذي يشاؤون، وبدل أن يفكروا في التراجع شبه الحتمي للإنجاب، والكوارث الاجتماعية والاقتصادية والجيوسياسية الناجمة عنه، تجدهم يهولون من الأمر ويعصرون بقايا أدمغتهم ليجدوا طريقة لتخفيض الخصوبة التي هي أصلًا في تراجع مستمر حتى دون تدخل مباشر من أحد، كل ذلك بدعوى حجج اقتصادية يمكننا أن نجد مثلها أو أسوأ منها في حالة دخول البلاد مرحلة الشيخوخة وما يترتب على ذلك في دول لا تملك الموارد المالية والتكنولوجية والعسكرية لتغطية العجز الشبابي القادم لا محالة.

في الواقع، إن كانت الدول المتقدمة والغنية تعاني من تبعات انخفاض الخصوبة، فهي ستكون أشد بكثير على الدول الفقيرة التي لا تملك سوى الخصوبة العالية ليكون لها فرصة للمنافسة اقتصاديًا وجيوسياسيًا، خاصةً إذا عرفت كيف تستعملها في عالم بحاجة للإنجاب. يمكن تشبيه ذلك بالعائلات الريفية، التي ترى في الأطفال رأس مالها الأساسي وضمانها الوحيد للمستقبل. رغم صعوبة إعالة عدد كبير من الأطفال، فإن غيابهم يجعل الأمور أكثر صعوبة، حيث تعتمد هذه العائلات على الأطفال كيد عاملة وللدفاع عن مصالحها وأرضها.
 
عودة
أعلى