2025.. العام الفاصل في تاريخ الجمهورية الإسلامية

Think Tanks

عضو
إنضم
2 يناير 2024
المشاركات
1,892
التفاعل
3,194 52 4
الدولة
Egypt
العام-الفاصل-في-تاريخ-الجمهورية-الإسلامية-970x695.jpg


في بداية عام 2024، بدا أن إيران في أوج قوتها؛ حيث تقترب أكثر فأكثر من عتبة الأسلحة النووية، ويهاجم وكلاؤها إسرائيل على جبهات متعددة، ويعطل أتباعها الحوثيون حركة التجارة في البحر الأحمر، لكن سرعان ما تحول هذا المشهد تحولًا جذريًّا؛ فعلى الصعيد المحلي، مثلت وفاة رئيس البلاد السابق إبراهيم رئيسي صدمة للنظام الإيراني في ظل الأزمات الداخلية التي تعصف بطهران، وتولى خلفه مسعود بزشكيان، وفي يوم تنصيبه اغتيل إسماعيل هنية في إيران، وهو ما فتح الباب أمام الهجمات المتبادلة بين إيران وإسرائيل.

ولم يكن الصعيد الإقليمي والدولي أفضل لإيران بعد أن خسرت حلفاءها الذين استثمرت في علاقاتها بهم عقودًا؛ فقد اغتيل حسن نصر الله، وتفكك حزب الله اللبناني على إثره، وضعفت حركة حماس بعد اغتيال معظم قاداتها، واختتم العام بالإطاحة ببشار الأسد وسقوط النظام البعثي، الحليف الأكبر لطهران، كل هذا اجتمع ليخلق بيئة صعبة جدًّا أمام الجمهورية الإسلامية، ويجعل عام 2025 عامًا محوريًّا يتسم بالتحديات الداخلية والخارجية التي تتضح أبرز ملامحها فيما يلي:

أولًا- الإشكالات الداخلية

في مواجهة الضيق الاقتصادي المتزايد مع انزلاق العملة الإيرانية إلى مستويات متدنية جديدة، وأزمة الطاقة التي أشعلت الاحتجاجات، وخسارة القوة الإقليمية في لبنان وسوريا، أصبح لدى النظام الإيراني خيارات محدودة؛ ما جعل عملية المراجعة الإستراتيجية الإيرانية تكتسب زخمًا كبيرًا في هذا العام ارتباطًا بإستراتيجية الدفاع الإيرانية، والقدرة على إدارة محور المقاومة، فخلال عام 2024، اضطر المرشد الأعلى إلى تجاوز كثير من الخطوط الحمراء التي كانت بمنزلة ركائز لنظام الدفاع في البلاد لأكثر من أربعة عقود، فاضطر خامنئي في أبريل (نيسان) الماضي، ثم مرة أخرى في أكتوبر (تشرين الأول)، إلى الموافقة على المطالب الملحة برد إيران عسكريًّا على الهجمات التي شنتها إسرائيل ضد قنصلية طهران في دمشق، ثم بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران، وحسن نصر الله في بيروت .

بالتوازي مع هذا، لا يزال النظام السياسي الإيراني يعاني استقطابًا داخليًّا، حيث تسود المواجهة بين مختلف الأطراف، وقد امتد الصراع التقليدي بين المحافظين والإصلاحيين إلى مجموعات أيديولوجية فردية؛ وهو ما أدى إلى انقسامها داخليًّا، وخاصة فيما يتصل بالقضايا الإستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية؛ ومن ثم أصبح استقرار النظام المؤسسي في البلاد مهددًا بالتغيير الجذري الذي فرضته عملية دوران الأجيال في قمة المؤسسة، فالنظام لا يزال يهيمن عليه نخبة صغيرة من الجيل الأول، ومع مستجدات الساحة الإقليمية والدولية عادت التكهنات بشأن إمكانية تغيير الحكومة في طهران.

ثانيًا- مستقبل البرنامج النووي

دفع قرار دونالد ترمب في عام 2018 الانسحاب من الاتفاق النووي الذي أبرم في عهد أوباما، طهران إلى تسريع برنامجها النووي، بحيث أصبحت الآن على أعتاب دولة نووية رسميًّا؛ ومن ثم وضع هذا التقدم النووي الرئيس الأمريكي المنتخب أمام قرار حاسم يتعين عليه اتخاذه في الأشهر الأولى من توليه منصبه؛ إما محاولة تحييد هذا التهديد من خلال المفاوضات والضغوط، وإما الأمر بتوجيه ضربة عسكرية، خاصة في ظل مطالبات مستشاري بايدن في الأسابيع الأخيرة بضرب المواقع النووية الإيرانية؛ استغلالًا لضعف إيران ووكلائها بسبب حربهم مع إسرائيل، غير أن استعداد طهران للتفاوض مع الولايات المتحدة، الذي كشفت عنه التصريحات الرسمية للمسؤولين الإيرانيين، يجعل من المرجح أن يسعى ترمب إلى استئناف التفاوض للتوصل إلى اتفاق نووي جديد قبل التفكير في عمل عسكري ضد طهران.

ثالثًا- مصير محور المقاومة

خلال عام 2024، شهد محور المقاومة الإيراني تراجعًا كبيرًا في نفوذه بعد انهيار حزب الله اللبناني إثر اغتيال حسن نصر الله، وتفكك حركة حماس بعد اغتيال معظم قاداتها، وعلى رأسهم إسماعيل هنية، ويحيى السنوار، وضعف الفصائل الشيعية في سوريا، مثل فاطميون، وزينبيون، وفصائل المقاومة في بلاد الحرمين، خاصة بعد سقوط الأسد، وهشاشة قوات الحشد الشعبي في العراق بعد الضغوط الممارسة عليهم من الحكومة العراقية والقوات الأمريكية؛ ما لا يجعل أمام إيران سوى جماعة الحوثي، حليفها القوي الأخير.

وعلى مدار العام الماضي، أطلقت الجماعة المدعومة من إيران طائرات بدون طيار وصواريخ تجاه إسرائيل على نحو متكرر، بلغ عددها أكثر من مئة هجمة وفق تقرير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، بالإضافة إلى الهجمات على السفن الإسرائيلية والأمريكية في البحر الأحمر؛ وهو ما جعل إسرائيل تدرس حاليًا شن هجوم موسع على اليمن للقضاء على جماعة الحوثي؛ لذا من المحتمل في ظل ضعف الجمهورية الإسلامية، وانهيار جبهات محور المقاومة، أن يكون أحد العناصر في المحادثات المستقبلية بين إيران والولايات المتحدة هو توقف طهران عن إمداد الحوثيين بالأسلحة المتقدمة كمناورة أخيرة للنظام الإيراني.

رابعًا- سوريا ما بعد الأسد

مدت حكومة البعث السورية يد الصداقة لإيران منذ بداية انتصار الثورة الإسلامية، وجمعهما العداء المشترك لإسرائيل، وإلى حد ما للولايات المتحدة، إلى أن وصل البلدان إلى مستوى التحالف الإستراتيجي، وكانت سوريا هي الطريق الرئيس للمساعدات الإيرانية لحزب الله في لبنان، لكن بسقوط حكم بشار الأسد وحزب البعث في سوريا بعد أكثر من نصف قرن، وفقدان الجمهورية الإسلامية حليفًا قديمًا ومهمًّا جدًّا في العالم العربي، ثمة بعض التكهنات بأن إيران قد تعيد بناء نفوذها في سوريا، وفي هذا السياق يبرز أحد الخيارات المتاحة لطهران في الاعتماد على أكراد سوريا، حيث يبدو أن لديهم أيضًا علاقات سرية مع إيران؛ فقد سعى الأكراد ذات يوم إلى إقامة علاقات مع الحكومة البعثية في سوريا وروسيا، والآن ليس لديهم أي فرصة أخرى سوى إيران، ولكن من الواضح أن قرب الأكراد السوريين من إيران عبر العراق ستكون له عواقب وخيمة عليهم؛ لأن التحالف الوثيق مع إيران يعني التضحية بالحليف التاريخي لهم في المنطقة، المتمثل في الولايات المتحدة وإسرائيل.

قد يتمثل الخيار الآخر أمام إيران في التعامل مع الحكام الجدد في دمشق من خلال جماعات الإخوان المسلمين في لبنان وليبيا ودول أخرى، وبطبيعة الحال، لن تنسى تلك الجماعات تحالف إيران مع حكومة البعث السورية، ومشاركة إيران ضد المعارضة السورية، ولكن ربما تأمل إيران أن تتطور علاقاتها مع بعض الحركات إلى توجه معادٍ للولايات المتحدة وإسرائيل، وهو من شأنه أن يوفر لطهران القدرة على استعادة نفوذها تدريجيًّا في المنطقة، غير أن هذا الاحتمال ضعيف جدًّا؛ ارتباطًا بأن احتمالات اتخاذ الحركات الحاكمة في سوريا إجراءات معادية لإيران ومعادية لمحور المقاومة أكبر كثيرًا من احتمالات عدائها للدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، خاصة في ظل توجه إيران المتشدد إثر قادة سوريا الجدد، الذين يجب الإطاحة بهم، كما عبر المرشد الأعلى الإيراني في خطبته الأخيرة.

خامسًا- التعامل مع القوى الإقليمية والدولية

وبينما تسعى إيران إلى استعادة علاقاتها مع مصر، والتوجه نحو القارة الإفريقية، خاصة دول القرن الإفريقي؛ لتعويض خسارتها في المنطقة، وتوثيق علاقتها مع قطر والعراق، وتتنافس مع تركيا على ثروات دول آسيا الوسطى والقوقاز، فإن موقفها أكثر تعقيدًا مع القوى الدولية، خاصة مع عودة ترمب إلى البيت الأبيض؛ ما يعني مزيدًا من المصاعب للجمهورية الإسلامية؛ إذ إن الرئيس المنتخب أصبح أكثر استعدادًا لمواجهة إيران؛ نظرًا إلى نتائج الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، التي نجحت في تحييد محور المقاومة التابع لطهران، حيث أحدثت هذه المواجهة العسكرية والسياسية خللًا في النموذج الدفاعي الإيراني، الذي كان يعتمد تقليديًّا على الردع من جانب الحلفاء الإقليميين، والحاجة إلى إبعاد الصراعات عن الحدود الإيرانية، وكانت النتيجة نقاشًا داخليًّا حادًا من أجل تغيير العقيدة الدفاعية لمواجهة تلك المستجدات.

ومن زاوية أخرى، لعل أهم أهداف ترمب في ولايته الجديدة الوفاء بوعده بإنهاء الحرب في أوكرانيا، وهو ما يعني أن إيران سوف تفقد نفوذها لدى حليفتها الرئيسة روسيا، وهي شراكة أخرى ساعدتها على فرض قوتها على الساحة العالمية، فإذا توصل ترمب وبوتين إلى اتفاق بشأن أوكرانيا، واستعادت روسيا علاقاتها المتضررة مع الغرب، ومع الولايات المتحدة على وجه الخصوص، فإن هذا يجعل موسكو تتخلى تدريجيًّا عن دعمها الوثيق لطهران بعد أن اعتمدت عليها في أكثر من 8 آلاف طائرة بدون طيار من طراز شاهد الإيراني في حربها على أوكرانيا، خاصة بعد سقوط نظام الأسد الذي كان يربط بين موسكو وطهران، والآن ما يربط بين إيران وروسيا حقًا هو التوتر الواسع الذي تعيشه كلتا الدولتين مع الغرب والولايات المتحدة.

الخاتمة​

في ظل تضاؤل نفوذ إيران، والاضطرابات الداخلية، وحلفائها المتضررين في مختلف أنحاء المنطقة، يبدو أن عام 2025 سيكون عامًا حاسمًا لطهران، فهناك مجهولان جليان يهددان قدرة بزشكيان على العودة إلى ركائز ولايته الانتخابية، التي ركزت على إنعاش اقتصاد البلاد من خلال استئناف الحوار الدولي بشأن البرنامج النووي الإيراني، وتخفيف العقوبات المؤثرة على البلاد، أولهما هو وصول إدارة ترمب إلى البيت الأبيض، وهو ما ستستقبله إيران بمشاعر وتوقعات معقدة ومتشابكة، وفي حين لا تبدي المكونات السياسية المحافظة أي أمل في إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد مع الولايات المتحدة، فإن القوى الإصلاحية لديها طموح للوصول إلى صيغة ترضي الجمهورية الإسلامية، وتقيها غضب ترمب، أما المجهول الثاني فيتعلق بقدرة القوى المحافظة المتشددة على إفشال أي مبادرة من جانب الحكومة الإيرانية من أجل الحفاظ على التقدم الذي حققه البرنامج النووي في الأشهر الأخيرة؛ ما قد يجعل عسكرة البرنامج أمرًا لا مفر منه.

 
عودة
أعلى