كى لاننساهم "مأساة صبرا وشاتيلا"..

إنضم
26 سبتمبر 2007
المشاركات
2,743
التفاعل
3,152 13 8
الدولة
Egypt
بسم الله الرحمن الرحيم
.........................
أعدت خطة اقتحام مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين حول بيروت منذ اليوم الأول لغزو لبنان عام 1982 ، وذلك بهدف تطهير مناطق بيروت من الفلسطينين(المسلمين).

قبل غروب شمس يوم الخميس 16/9/1982 بدأت عملية اقتحام المخيمين، واستمرت المجزرة التي نفذتها مليشيا الكتائب اللبنانية المسيحية وبغطاء صهيونى حوالي 36 ساعة، كان جيش الاحتلال خلالها يحاصر المخيمين ويمنع الدخول إليهما أو الخروج منهما، كما أطلق جنود الاحتلال القنابل المضيئة ليلا لتسهيل مهمة الميليشيات المسيحية، وقدم الجنود الصهاينة مساعدات لوجستية أخرى لمقاتلي المليشيا المارونية الصليبية أثناء المذبحة.

بدأ تسرب المعلومات عن المجزرة بعد هروب عدد من الأطفال والنساء إلى مستشفى غزة في مخيم شاتيلا حيث أبلغوا الأطباء بالخبر، بينما وصلت أنباء المذبحة إلى بعض الصحفيين الأجانب صباح الجمعة 17/9/1982 ، وقد استمرت المذبحة حتى ظهر السبت 18/9/1982 ..3297 رجلا وطفلا وامرأة قتلوا في أربعين ساعة بين 17-18 أيلول سبتمبر 1982 ، وذلك من أصل عشرين ألف نسمة كانوا في المخيم عند بدء المجزرة، وقد وجد بين الجثث أكثر من 136 لبنانيا، منهم 1800 شهيد قتلوا في شوارع المخيمين والأزقة الضيقة، فيما قتل 1097 شهيدا في مستشفى غزة و 400 شهيد آخر في مستشفى عكا.

وفي تعقيبه على المذبحة قال الإرهابي مناحيم بيغن أمام الكنيست يصف رجال المقاومة الفلسطينية "إنهم حيوانات تسير على ساقين اثنين"، فيما أعلن ضابط كتائبي صليبى حاقد بعد إعلان نبأ المذابح "أن سيوف وبنادق المسيحيين ستلاحق الفلسطينيين في كل مكان ، وسنقضي عليهم نهائيا".

وقال ضابط كتائبي آخر صرح لمراسل صحفي أمريكي "لقد انتظرنا سنوات طويلة لكي نتمكن من اقتحام مخيمات بيروت الغربية، لقد اختارنا "الإسرائيليون" لأننا أفضل منهم في هذا النوع من العمليات "من بيت إلى بيت"، وعندما سأله الصحفي إذا كانوا أخذوا أسرى، أجابه "هذه العمليات ليست من النوع الذي تأخذ فيه أسرى".

ونقل راديو لندن عن مراسلة قوله إنه بينما كانت عمليات القتل مستمرة طوق الجنود الصهاينة المخيمات بالدبابات وأطلقوا النار على كل شيء يتحرك.

ويذكر أن المجزرة قد تم تنفيذها بقيادة ارييل شارون الذي كان يرأس الوحدة الخاصة (101) في جيش الاحتلال - آنذاك- والتي نفذت المذبحة، وقد تمت المجزرة تحت شعار "بدون عواطف، الله يرحمه" ، وكلمة السر -أخضر- وتعني أن طريق الدم مفتوح ! لكن المحكمة العسكرية التي شكلت للتحقيق في المجزرة اعتبرت أن أوامر قائد اللواء أسيء فهمها وتم تغريمه10 قروش - 14 سنتا أميركيا- !! كما تم توبيخه بحكم المحكمة العسكرية، وقد سمي الحكم بـ"قرش شدمي" لشدة ما به من سخف واستخفاف بمفهوم القضاء.

ناجون من المجزرة يروون وقائع محفورة في ذاكرتهم

تقول أم غازي يونس ماضي إحدى الناجيات من المذبحة "اقتحموا المخيم الساعة الخامسة والنصف يوم 16 سبتمبر، ولم نكن نسمع في البداية إطلاق رصاص، فقد كان القتل يتم بالفؤوس والسكاكين، وكانوا يدفنون الناس أحياء بالجرافات، هربنا نركض حفاة والرصاص يلاحقنا ، وقد ذبحوا زوجي وثلاثة أبناء لي في المجزرة، فقد قتلوا زوجي في غرفة النوم وذبحوا أحد الأولاد، وحرقوا آخر بعد أن بتروا ساقيه، والولد الثالث وجدته مبقور البطن، كما قتلوا صهري أيضا".

تروي أم محمود جارة أم غازي ما شهدته قائلة " رأيتهم يذبحون فتاة وهي حامل مع زوجها وابنة خالتي خرجت من المنزل فأمسكوا بها وذبحوها في الشارع ثم ذبحوا ولدها الصغير الذي كان في حضنها"، ويقول غالب سعيد وهو من الناجين "تم إطلاق قذائف مدفعية على المخيم أولا، كان القتل يتم بأسلحة فيها كواتم صوت، واستخدموا السيوف والفؤوس ، وقتلوا شقيقي وأولادي الأربعة، كما تعرضت عدة فتيات للاعتداء عليهن".

أما منير أحمد الدوخي وكان يومها طفلا عمره 13 عاما، نجا رغم محاولات ثلاث لقتله، فيقول إنه وضع تحت مسؤولية مسلحين يلبسون ملابس قذرة ولا يحسنون الحديث بالعربية وذلك مع مجموعة أخرى من النساء والأطفال الذين سحبوا من بيوتهم، وقد أطلقوا النار على النساء والأطفال فأصبت بقدمي اليمنى ، وأصيبت والدتي بكتفها وساقها، وتظاهرت بالموت بعدما طلبوا من الجرحى الوقوف لنقلهم إلى المستشفى، لكنهم أطلقوا عليهم النار جميعا من جديد ، فنجوت من محاولة القتل الثانية أيضا، غير أن أمي كانت قد فارقت الحياة، وصباح اليوم التالي أطلقوا علي النار عندما وجدوا أنني لا زلت حيا فأصابوني وظنوا بأنني قد مت فتركوني".

وتقول سنية قاسم بشير "قتل زوجي وابني في المجزرة، وأفظع المشاهد التي شاهدتها كان منظر جارتنا الحاجة منيرة عمرو، فقد قتلوها بعدما ذبحوا طفلها الرضيع أمام عينيها وعمره أربعة شهور".

وتروي ممرضة أميركية تدعى جيل درو عن شاهد عيان قوله إنهم ربطوا الأطفال ثم ذبحوهم ذبح الشياه في مخيمي صبرا وشاتيلا، صفوا الناس في الإستاد الرياضي وشكلوا فرق الإعدام .

علي خليل عفانة طفل في الثامنة يقول "كانت الساعة الحادية عشرة والنصف ، سمعنا صوت انفجار كبير وتلاه صوت امرأة وفجأة اقتحموا منزلنا، واندفعوا كالذئاب يفتشون الغرف، صاحت أمي تستنجد فأمطروها بالرصاص، مد أبى يده يبحث عن شيء يدافع به عن نفسه،لكن رصاصهم كان أسرع، لم أقو على الصراخ فقد انهالوا علي طعنا بالسكاكين.. لا أدري ماذا جرى بعد ذلك، لكني وجدت نفسي في المستشفى كما تراني ملفوف الرأس والساقين، قال لي رفيق في المدرسة كان في زيارة أمه في المستشفى أن بيتنا تحول إلى أنقاض، جاءت خالتي أمس لزيارتي فسألتها عن مصير أخوتي الثلاثة ، لكنها لم تجب ! ! لقد ماتوا جميعا أنا أعرف ذلك". وانسابت الدموع الساخنة على خديه الصغيرتين.

وتروي امرأة من مخيم صبرا ما جرى فتقول "كنا وزوجي وطفلي نهم بالنوم ليلة 15 سبتمبر بعدما انتهينا من ترتيب الأغراض التي خربها القصف، وكنا نعيش حالة من الاطمئنان لأن الجيش اللبناني - حسب ظنها- يطوق المخيم، لكن الهول كان قد اقترب إذ دخل عشرات الجنود والمقاتلين يطلقون النار ويفجرون المنازل، فخرجنا نستطلع الأمر ولما رأينا ما رأينا حاولنا الهرب لكنهم استوقفونا ، ودفعوا زوجي وأبى وأخي وأداروا ظهورهم إلى الحائط وأجبروهم على رفع أيديهم، ثم أمطروهم بوابل من الرصاص فسقطوا شهداء، ولما صرخنا أنا وأمي شدونا من شعورنا باتجاه حفرة عميقة أحدثها صاروخ، لكن أوامر صدرت لهم بالحضور إلى مكان آخر فتركونا دون أن يطلقوا علينا النار ثم هربنا".

وتروي امرأة أخرى كيف دخلوا بيتها وعندها طفل من الجيران فانهالوا عليه بالفأس فشقوا رأسه قسمين وتقول "لما صرخت أوثقوني بحبل كان بحوزتهم ورموني أرضا ثم تناوب ثلاثة منهم على اغتصابي، وتركوني في حالة غيبوبة لم استفق إلا في سيارة إسعاف الدفاع المدني".

كان بعض رجال الميليشيات المسيحية يسحقون الفلسطينيين بالسيارات العسكرية حتى الموت،وكانوا يرسمون الصليب على جثث القتلى، وقد قام مصور تلفزيون دانمركي يدعى بترسون بتصوير عدد من الشاحنات المحملة بالنساء الأطفال المسنين المتجهة إلى جهة مجهولة.

في صبرا وشاتيلا تم قتل الناس دون تمييز، كما تم اغتصاب عدد كبير من النساء، هناك العديد من الناس رفع الأعلام البيضاء كناية عن الاستسلام خصوصا الأطفال والنساء غير أنهم كانوا من الضحايا الأوائل في المذبحة، بما في ذلك أكثر من خمسين امرأة ذهبن للتعبير عن الاستسلام وأنه ليس هناك مسلحون بالمخيم فقتلوهن جميعا.

الهجوم على مستشفى عكا كان صباح الجمعة الساعة 11.30 صباحا حيث تمت عمليات قتل للأطباء والمرضى، ممرضة فلسطينية تدعى انتصار إسماعيل 19 عاما تم اغتصابها عشر مرات ثم قتلت وعثر على جثتها بعد ذلك مشوهة، وقد قتلوا العديد من المرضى والجرحى وبعض العاملين والسكان الذي لجئوا إلى المستشفى، ثم أجبروا أربعين مريضا على الصعود في الشاحنات ولم يعثر على أي منهم فيما بعد، وخلال المذبحة قتل الإرهابيون الصليبيون الطبيب علي عثمان، والطبيبة سامية الخطيب داخل المستشفى، وأفرغوا رصاصات في رأس طفل جريح يرقد في السرير عمره 14 عاما ويدعى موفق أسعد.

وقامت البلدوزرات بحفر المقابر الجماعية في منتصف النهار جنوب شاتيلا بمشاركة الصهاينة، كما هدم العديد من المنازل بالبلدوزرات وقد تمت المذبحة في مناسبة السنة العبرية الجديدة !.

ويروي روبرتو سورو مراسل مجلة التايم الأمريكية في بيروت ما رآه بعد دخوله المخيمات فيقول "لم يكن هناك سوى أكوام الخراب والجثث، حيث الجثث مكومة فوق بعضها من الأطفال والنساء والرجال ، بعضهم قد أصاب الرصاص رأسه ، وبعضهم قد ذبح من عنقه ، وبعضهم مربوطة أيديهم إلى الخلف ، وبعضهم أيديهم مربوطة إلى أرجلهم، بعض أجزاء الرؤوس قد تطايرت، جثة امرأة تضم طفلها إلى صدرها وقد قتلتهما رصاصة واحدة، وقد تمت إزاحة الجثث من مكان إلى آخر بالبلدوزرات الصهيونية ، ووقفت امرأة على جثة ممزقة وصرخت "زوجي ! يا رب من سيساعدني من بعده ؟ كل أولادي قتلوا ! زوجي ذبحوه ! ماذا سأفعل ؟ يا رب يا رب!".

وفي تقرير لمراسل الواشنطن بوست يقول عن مشاهداته "بيوت بكاملها هدمتها البلدوزرات وحولتها إلى ركام جثث مكدسة فوق بعضها أشبه بالدمى، وفوق الجثث تشير الثقوب التي تظهر في الجدران إلى أنهم أعدموا رميا بالرصاص . في شارع مسدود صغير عثرنا على فتاتين، الأولى عمرها حوالي 11 عاما والثانية عدة أشهر ! ! ! كانتا ترقدان على الأرض وسيقانهما مشدودة وفي رأس كل منهما ثقب صغير، وعلى بعد خطوات من هناك وعلى حائط بيت يحمل رقمين 442- 424 أطلقوا النار على 8 رجال . كل شارع مهما كان صغيرا يخبر عن قصته، في أحد الشوارع تتراكم 16 جثة فوق بعضها بعضا في أوضاع غريبة، وبالقرب منها تتمدد امرأة في الأربعين من عمرها بين نهديها رصاصة، وبالقرب من دكان صغير سقط رجل عجوز يبلغ السبعين من العمر ويده ممدودة في حركة استعطاف، ورأسه المعفر بالتراب يتطلع ناحية امرأة ظلت تحت الركام ! ! ".

ويقول حسين رعد 46 عاما "إن الإرهابيين النصارى قاموا بقطع الرؤوس وضرب الرقاب "بالساطور" وكانوا يدوسون الجثث بأقدامهم، وقد رأيت بعيني قتل خمسة أشخاص أحدهم بالساطور ناهيك عن الشتائم والإهانات، وكانوا يذبحون الأطفال والنساء بلا تمييز". وقال "إن السكان بدؤوا بالهروب من جهة القوات المتعددة الجنسية والتي لم تقم بحمايتهم خصوصا في منطقة الحمرا".

أما محمود هاشم 28 عاما، وهو من شهود المذبحة كان عمره آنذاك يقارب الـ15 عاما "كنت نائما مع أصحاب لي يوم الجمعة ليلا في المخيم وبحدود الساعة 11 ليلا سمعنا إطلاق نار ظنناه عاديا، ونمنا حتى الصباح حيث صحونا لنجد المخيم خاليا إلا من القطط والكلاب، وخرجنا نتفقد الأحوال، حتى اقتربنا من "مدرسة الجليل" حيث وجدنا كومة من الجثث فوق بعضها البعض، فلم نتمالك أعصابنا ، وقررنا الخروج من المخيم عن طريق تدعى الأستديو" ووصلت إلى حي الفاكهاني حيث يقيم أهلي بعدما دمر بيتنا في مخيم صبرا وشاتيلا جراء القصف الصهيوني في أوائل الاجتياح، وسمعت هناك بخبر المذبحة"، ويضيف "التقيت صحفيا بريطانيا طلب مني أن أصحبه إلى مدخل المخيم صباح السبت 17/9/1982 ليسجل أحداث المذبحة بكاميرته، فوافقت وعندما وصلنا إلى الجهة الغربية من المخيم فوجئنا بكومة من الجثث بالقرب من مكان الدوخي، وقد ضرب صاحب الدكان ببلطة في رأسه، وكان إلى جانبه شاب صغير، والباقون من كبار السن، وتابعنا المسير حتى وصلنا إلى مفرق الحرج حيث شاهد 9 جثث تحت شاحنة، وكانت أيدي بعضهم مربوطة، فيما اخترق الرصاص سطح حائط مجاور، ويدل المنظر على عملية إعدام جماعي لهؤلاء، على بعد عشرة أمتار من هذا المشهد المذهل، وجدنا امرأة مسنة تحمل بطاقة هوية لبنانية، ويبدو أنها كانت تحاول إقناعهم بأنها لبنانية وليست فلسطينية، وعلى بعد عشرين مترا أخرى وجدنا عددا من الأحصنة مقتولة، وبينها جثة رجل مقطوع الرأس، تبين فيما بعد أنها جثة عمي عبد الهادي هاشم 49 عاما، وبعد أن تابعنا المسير اصطدمنا بست جثث مربوطة بجنازير بعضها ببعض، وكانت رؤوس اثنين منهم مجوفة فيما يبدو أنها ضربت ببلطة أو فأس على الرأس، ونظرا للهول والذهول الذي أصابنا قررنا العودة من حيث أتينا، وكان الصحفي البريطاني قد التقط عشرات الصور لهذه المشاهد، وخلال ذلك سمعنا حركة قريبة منا فاضطرب الصحفي وسارع لقيادة الدراجة النارية وأنا معه إلى خارج المخيم، وقد أطلقت علينا زخات من الرصاص فزاد من سرعة انطلاقه".

ويستعيد شاهد العيان شريط ذكرياته داخل المخيم فيقول "رأينا الجثث مكومة في زاوية إلى اليمين وعلى بعد خمسين ياردة فقط من مدخل مخيم شاتيلا، كان هناك أكثر من اثنتي عشرة جثة لشبان صغار التفت أرجلهم وأيديهم بعضها حول بعض، وهم يعانون آلام الموت، وكان كل منهم مصابا برصاصة أطلقت نحو صدغه فاخترقت مخـه، وبدت على الجانب الأيسر من رقاب بعضهم ندوب قرمزية أو سوداء، رأينا طفلة لا تتجاوز الثالثة من عمرها ملقاة على الطريق وكأنها دمية مطروحة، وقد تلوث ثوبها الأبيض بالوحل والدم والتراب، وكانت قد أصيبت برصاصة قد طيرت مؤخرة رأسها واخترقت دماغها، كانت الأسر قد أوت إلى فراشها في غرف النوم عندما اقتحم المسلحون المخيم، فقد رأيت جثثا ممددة على الأرض أو متكومة تحت الكراسي، وبدا أنه جرى اغتصاب كثير من النساء حيث كانت ملابسهن مبعثرة على الأرض، شاهدت أما تضم طفلها وقد اخترقت رأس كل منهما رصاصة ، نساء عاريات قيدت أيديهن وأرجلهن خلف ظهورهن، رضيع مهشم الرأس يسبح في بركة من الدم وإلى جانبه رضاعة الحليب. على طاولة الكوي بالقرب من أحد البيوت قطعوا أعضاء طفل رضيع وصفوها بعناية على شكل دائرة ووضعوا الرأس في الوسط. في صبرا وشاتيلا يسود الانطباع أن القتلة استهدفوا وأمعنوا في قتل الأطفال بنوع خاص".

بعد انسحاب الإرهابيين هام الناجون من المذبحة على وجوههم بحثا عن أقاربهم الذين طالهم الذبح بين أكوام الجثث أو تحت الأنقاض، وكانوا لا يزالون تحت كابوس المجزرة التي عاشوها.

عائلات أبيدت وحوامل بقرت بطونهن وأطفال تطايرت رؤوسهم .."رأيت عشرات الجثث أمام الملجأ القريب من بيتنا. ظننت في البداية أن القصف قضى عليهم. بدأ القصف بعد مقتل بشير الجميل، كنا في المخيم خائفين من قدوم الكتائب والانتقام منا، لم ننم تلك الليلة وكان الحذر يلف المخيم".

هذا ما رواه ماهر مرعي - أحد الناجين من مجزرة صبرا وشاتيلا - وهو يصف ما حدث ليلة السادس عشر من أيلول 1982، قال :" رأيت الجثث، أمام الملجأ مربوطة بالحبال لكني لم أفهم، عدت إلى البيت لأخبر عائلتي، لم يخطر في بالنا أنها مجزرة، فنحن لم نسمع إطلاق رصاص، أذكر أني رأيت كواتم صوت مرمية قرب الجثث هنا وهناك، ولكني لم أدرك سبب وجودها إلا بعد انتهاء المجزرة. كواتم الصوت "تتفندق" بعد وقت قصير من استخدامها، ولذا يرمونها.

بقينا في البيت ولم نهرب حتى بعد أن أحسسنا أن شيئا مريبا يحدث في المخيم. رفض والدي المغادرة بسبب جارة أتت للمبيت عندنا، وكانت أول مرة تدخل بيتنا. زوجها خرج مع المقاتلين على متن إحدى البواخر ولم يكن لديها أحد، فقال أبي لا يجوز أن نتركها ونرحل. كان اسمها ليلى. كانت الجثث التي رأيتها أمام الملجأ لرجال فقط. ظننا أنا ووالدي أن الملجأ كان مكتظا فخرج الرجال ليفسحوا المجال للنساء والأطفال بالمبيت وأخذ راحتهم، فماتوا بالقصف. كنت ذاهبا يومها لإحضار صديقة لنا - كانت تعمل مع والدي - تبيت في الملجأ. كانت تدعى ميسر. لم يكن لها أحد هي الأخرى. كان أهلها في صور وأراد أبي أن أحضرها لتبيت عندنا. قتلت في المجزرة مع النساء والأطفال. رأيت جثتها في ما بعد في كاراج أبو جمال الذي كان الكتائبيون يضعون فيه عشرات الجثث، بل المئات. كان المشهد لا يوصف !!!

عندما دخل الصهاينة إلى بيروت الغربية كنا نعتقد أن أقصى ما قد يفعلونه بنا هو الاعتقال وتدمير بيوتنا، كما فعلوا في صور وصيدا وباقي الأراضي التي احتلوها. أذكر أني ذهبت صباح يوم المجزرة - وكان يوم الخميس في 16 أيلول - مع مجموعة كبيرة من النساء والأطفال لإحضار الخبز من منطقة الأوزاعي سيرا على الأقدام (كان عمري 14 عاما). كنا "مقطوعين" من الخبز وليس لدينا ما نأكله. رفض أصحاب الأفران يومها أن يبيعونا، كان الخبز متوفرا ويبيعونه إلى اللبنانيين فقط مع أنه كان متوفرا بكثرة. عدنا إلى المخيم فلم نستطع الدخول، إذ كانت الطرقات المؤدية إلى المخيم جميعها مقطوعة، وكان الصهاينة يقنصون من السفارة الكويتية باتجاه مدخل المخيم الجنوبي. عند تقاطع هذا المدخل وبئر حسن، كان هنالك قسطل مياه مكسور، وكان أهالي المخيم يعبئون منه الماء رغم القنص. رأيت عند قسطل المياه صهيونيا من أصل يمني يقتل فتاتين فلسطينيتين، لأنهما وبختا فلسطينيا أرشد الصهيوني إلى الطريق التي هرب منها أحد الذين يطاردونهم، هكذا قالت أم الفتاتين التي كانت معهما وهربت عند بدء إطلاق الرصاص. حاول أهل المخيم سحب الفتاتين فقتل رجلان وهما يحملان جثتيهما، - قنصهما الصهاينة من السفارة - ثم ما لبث أهل المخيم أن سحبوهما بالحبال. يومها رأيت آرييل شارون في هليكوبتر أمام السفارة، أحسست أنه قائد صهيوني كبير، لم أكن أعرف من هو إلا بعد أن رأيته على شاشات التلفزيون بعد انتشار أخبار المجزرة.

تمكنا بعد ذلك من العودة إلى المخيم في المساء كانت القذائف المضيئة تملأ سماء المخيم، هنا، بدأ صوت ماهر يرتجف عندما أخذ يخبرني ما حصل في بيتهم تلك الليلة - أي الخميس وهو أول يوم في المجزرة. قال ماهر:"عندما أخبرت والدي عن الجثث، طلب منا أن نلزم الهدوء وألا نصدر أي صوت، تتألف عائلتنا من 12 شخصا، ستة صبيان وأربع بنات وأبي وأمي. كان أخواي محمد وأحمد خارج البيت وهما أكبر مني سنا. الباقون كانوا في البيت وكانت جارتنا ليلى عندنا. قرابة الفجر، صعد أخي إلى السطح مع ليلى كي تطمئن على بيتها. كان النعاس قد غلبنا أنا وأبي - إذ بقينا ساهرين ننصت إلى ما يجري في الخارج ونسكت أختي الصغيرة التي كانت تبكي من وقت لآخر.

لم نشعر بصعود ليلى وأختي إلا عندما نزلا. كانتا خائفتين فقد رآهما المسلحون. ما هي إلا لحظات حتى بدأنا نسمع طرقا عنيفا على الباب. عندما فتحنا لهم أخذوا يشتموننا وأخرجونا من البيت ووضعونا صفا أمام الحائط يريدون قتلنا. أرادوا إبعاد ليلى إذ ظنوا أنها لبنانية لأنها شقراء، وأبعدوا أختي الصغيرة معها لأنها شقراء هي الأخرى وظنوا أنها ابنة ليلى ! رفضت ليلى تركنا، وأخذت أختي تصرخ وتمد يديها إلى أمي تريد "الذهاب" معها، كان عمرها أقل من سنتين وكانت ما تزال تحبو، في تلك اللحظة، كان جارنا حسن الشايب يحاول الهرب خلسة من منزله، فأصدر صوتا وضجة أخافتهم.

كان هناك شاب من بيت المقداد يطاردهم ويطلق عليهم النار ويختبئ، كان اسمه يوسف، لمحته تلك الليلة عدة مرات، اعتقد أنهم ظنوا في تلك اللحظة أن الضجة صادرة عنه، لذا أدخلونا إلى البيت وهم يكيلون لنا الشتائم، طلبوا من والدي بطاقة هويته، وما إن أدار ظهره ليحضرها حتى انهال الرصاص علينا جميعا كالمطر لم أعرف كيف وصلت إلى المرحاض واختبأت فيه وفي طريقي إلى المرحاض وجدت أخي الأصغر إسماعيل فأخذته معي وأقفلت فمه. رأيت من طرف باب المرحاض كل عائلتي مرمية على الأرض، ما عدا أختي الصغيرة. كانت تصرخ وتحبو باتجاه أمي وأختي وما إن وصلت بينهما حتى أطلقوا على رأسها الرصاص فتطاير دماغها وماتت.

إسماعيل وأنا لم نتحرك. لزمنا الصمت فترة. لم أعد أستطيع التنفس، فحاولت بلع ريقي لاستعادة تنفسي وكنت مترددا في فعل ذلك. إذ كنت - عادة - أصدر صوتا عندما أبلع ريقي وخفت أن يسمعوا الصوت ويأتوا لقتلي. وبالفعل، عندما فعلت كان صوت البلع مسموعا من شدة السكون الذي سطر على البيت لكنهم لم يسمعوني، فقد خرجوا بعد ان نفذوا جريمتهم. كان كل شيء ساكنا، امسكت الباب كي لا يتحرك لانه كان يصر - في العادة - صريرا. خفت أن يسمعوه فيعودوا ورحت أحركه ببطء شديد. كما اعتقدت أنهم ربما لاحظوا غيابي وأنهم سيعودون لقتلي. لذا انتظرت بعض الوقت، وعندما تيقنت من خروجهم وعدم عودتهم خرجت من المرحاض وأبقيت إسماعيل فيه. بدأت أتفقد عائلتي. والدتي تظاهرت بداية بالموت وكذلك أختاي نهاد وسعاد، ظنا منهما أني كتائبي. ولكن، والدي وباقي أخوتي "الخمسة" وليلى كانوا جميعا أمواتها، كانت أمي مصابة بعدة طلقات وكذلك نهاد وسعاد.

أمي ونهاد تمكنتا من الهروب معي وإسماعيل، بينما سعاد لم تستطع لأن الطلقات أصابت حوضها وشلت. تركناها وخرجنا لإحضار الإسعاف - يا لسذاجتنا- ولم نكن نعرف ماذا ينتظرنا في الخارج، الذين دخلوا إلى بيتنا كانوا خليطا من القوات اللبنانية وقوات سعد حداد، إذ كان بينهم مسلمون ولا يوجد مسلمون إلا مع سعد حداد. عرفنا أنهم مسلمون من مناداتهم لبعضهم. كان بينهم من يدعى عباس وآخر يدعى محمود.

بعد خروجنا من البيت تهنا عن بعضنا البعض. بقيت أنا وإسماعيل معا، وأخذوا يلاحقوننا من مكان لآخر. أخذت أنبه الناس لما يجري، فكثيرون كانوا ما يزالون في بيوتهم، يشربون الشاي ولا يدرون بشيء. اختبأنا في مخزن طحين ثم ما لبثوا أن اكتشفوا أمرنا فهربنا مجددا. اطلقوا الرصاص علينا، هربت وعلق اسماعيل ولم يجرؤ على عبور الشارع كان في الثامنة من عمره، عدت اليه وامسكت بيده وهربنا معا. ثم ما لبثنا أن وجدنا جمعا حاشدا من النساء والأطفال كانوا يجرونهم إلى المدينة الرياضية حيث يتمركز الصهاينة فانضممنا إليهم".

بقروا بطن جارتنا !!(حقد صليبى)

نهاد أخت ماهر كانت في الخامسة عشرة من عمرها في ذلك الوقت. الآن هي متزوجة ولديها ستة أطفال، قالت إنها كانت تحمل أختها الصغيرة على يدها عندما بدأ المسلحون بإطلاق النار"لا أعرف كيف سقطت من يدي، أصيبت بطلقة في رأسها وأنا أيضا وقعت على الأرض. أخذت أختي تحبو - وتفرفر - باتجاه أمي وهي تصرخ ماما.. ماما.. أطلقوا الرصاص على رأسها فسكتت على الفور. جارتنا ليلى كانت حاملا. عندما أصيبت بدأ الماء يتدفق من بطنها، وماتت. تظاهرت بالموت، وبعد خروجهم بقليل - لا أدري بكم من الوقت - بدأت أتفقد الجميع. فهمست لي أمي : ارتمي وتظاهري بالموت قد يعودون.

أجبتها لا آبه، فليعودوا ! عندها خرج ماهر - وإسماعيل في ما بعد. كنت أظنهما ميتين. ما إن رأيت ماهر ارتميت على الأرض، فقال : لا تخافي أنا ماهر. عندها اطمأننت أنا ووالدتي، وقمنا لحمل أختي سعاد ومساعدتها على النهوض فلم نستطع. لقد كانت مشلولة. طلبت من ماهر وإسماعيل أن يهربا إلى خارج المخيم وأن يركضا بأقصى سرعة حتى لو أضعنا بعضنا. لم يكن معنا مال، إذ أخذوا كل مالنا. كان لدينا عشرون ألف ليرة خبأناها في "كيس حفاضات" أختي الصغيرة، رغم أني تظاهرت أنه مجرد كيس حفاضات! كان المسلحون يتكلمون بالعربية، لكن البعض منهم لم يتكلم على الإطلاق، كانوا شقرا، وعينوهم زرقاء، عندما هربنا، أضعنا ماهر وإسماعيل وبقيت مع أمي على أمل أن نذهب إلى مستشفى غزة لإحضار إسعاف إلى سعاد. أخذنا نتنقل من بيت إلى آخر ونحن ننزف. كثيرون لم يصدقوا في البداية أن مجزرة تحدث في المخيم، إلا عندما رأونا مصابين والدم يغطينا. وصلنا إلى مستشفى غزة فوجدنا أخواي الكبيرين أحمد ومحمد هناك أمام المستشفى. كانت الناس تتجمع عند مدخل المستشفى. كانوا يصرخون والرعب يسيطر عليهم.

كان الصراخ رهيبا، كأنه يوم القيامة، تركنا المستشفى بعد أن نزعوا منا الرصاصات وهربنا إلى منطقة رمل الظريف. أمي تعبت كثيرا من انتفاخ صدرها بالحليب، فأختي الصغيرة كانت ما تزال ترضع قبل أن تقتل، ومع موتها بدأت أمي تعيش حالة الفطام ! كان فطاما نفسيا وجسديا لم تستطع تحمله فمرضت كثيرا". سألتها عن أختها سعاد التي بقيت في البيت، قالت إنهم عادوا إلى البيت وضربوها "بجالون المياه" وأطلقوا عليها النار مجددا ! "بعد الحادثة، لم نعد نتكلم مع بعضنا عما جرى. كنا نخاف على بعضنا من الكلام. لذا، لم أسأل سعاد شيئا ! ! ".

عندما أذهب أحيانا لأنام عند والدتي، أذهب إلى بيتها في الروشة - الذي تسكنه كمهجرة منذ المجزرة. لا أحب أن أنام في بيتها في المخيم، - حيث جرت المجزرة لأني عندما أذهب إلى هناك لا أنام أبدا. قليلا ما تأتي أمي إلى بيت المخيم. بل هي لا تهدأ في مكان منذ حادثة المجزرة، وتتنقل باستمرار بين بيوت الأقارب والأصدقاء. لم نعد كما كنا أبدا. تصوري أننا عدنا وفقدنا أخي إسماعيل في حرب إقليم التفاح".

نهاد التي نجت من المجزرة، لا تجد اليوم ما تطعم به أطفالها، رغم تردادها كلمتي "الحمد الله" زوجها عاطل عن العمل منذ سنوات، هو يعمل في البناء، لكن الأجور المتدنية التي يتقاضاها العمال الآخرون تقضي على إمكانية إيجاد أي عمل، حتى لو قبل أن يعمل بأجر زهيد، فإن ذلك الأجر لا يكفيه، بسبب الغلاء الفاحش في لبنان، وهو لا يستطيع إيجاد أي عمل آخر بسبب التقييدات المفروضة على عمل الفلسطينيين في لبنان.

الجرح ما زال ينزف

قالت لي أم غازي التي فقدت أحد عشر شخصا من أفراد عائلتها. "لا تقلقي يا ابنتي أنت لا تذكرينني بشيء. فأنا لم أنس كي أتذكر والجرح ما زال ينزف. عندما جاء المجرمون إلى بيتي كنا نقيم ذكرى أربعين ابنتي. كانت قد توفيت في المبنى الذي قصفه الصهاينة في منطقة الصنائع، وكان مقرا لأبو عمار. جاء أفراد عائلتنا من صور للمشاركة في ذكرى أربعين ابنتي وكانوا جميعا هنا - نساء ورجالا. لم نكن نسكن في هذا البيت بل في الحي الغربي المتاخم لشارع المخيم الرئيسي - كان يوم جمعة. قتل يومها أخوتي وأولادي وزوجي واصهري".

عندما دخلوا علينا كانوا اثني عشر مسلحا، يحملون البنادق والبلطات والسكاكين، لم نكن نعرف بالمجزرة بعد. كان الباب مفتوحا والبيت مزدحما بالنساء والأطفال والرجال. فصلوا الرجال عن النساء والأطفال. كانوا سيأخذون ابني محمود وكان يومها في الثامنة من عمره. قلت لهم "هذه بنت" فتركوه. اقتاد أربعة منهم النساء والأطفال تجاه المدينة الرياضية وبقي الرجال في البيت تحت رحمة الآخرين. أخرجونا من المنزل حفاة. مشينا على الزجاج المحطم والشظايا. في الطريق تعثر ابني بالجثث المذبوحة والمرمية هنا وهناك وكان يحمل أخته الصغيرة. صرخت قائلة "باسم الله عليك"، فانتبه المسلح وقلت له وهو ينتزعه من بين يدي: "دخيلك. لم يبق لي غيره". طلبت منه أن يقتلني بدلا منه. أتوسل وأتوسل - لكنه يصر على قتله. قال إنه يريدني أن أعيش بالحسرة والحزن طيلة عمري. وبينما أنا أتوسله وأرتمي على بندقيته وأديرها عن ابني، وضع يده خطأ على صدري. كنت اخبأ في "عبي" اثني عشر ألف ليرة فانتبه وسألني ماذا أخبأ. قلت "إذا أعطيتك إياهم تعطيني ابني، فقال نعم. طلبت منه أن يقسم بشرفه، ففعل ! ! ! ! أعطيته المال وأخذت ابني الذي كان يرتجف من الخوف. منذ ذلك اليوم ظهرت خصلة بيضاء في شعره.

وصلنا إلى المدينة الرياضية فوجدنا الصهاينة هناك. أخبرناهم بما يحدث وطلبنا منهم أن يساعدونا ويذهبوا لإنقاذ أولادنا ورجالنا، قالوا: لا دخل لنا. هؤلاء لبنانيون منكم وفيكم. وحبسونا في المدينة الرياضية طيلة النهار. كانوا يتكلمون العربية. عند المغرب، أخرجونا قائلين: إياكم أن تعودوا إلى المخيم. إذهبوا إلى مكان آخر. ذهبنا إلى الجامعة العربية سيرا على الأقدام. وجدنا اثنين سوريين، ظننا في البداية أنهما صهيونيان فقد كان شعرهما أشقر وعيناهما زرقاوين. أخبرناهما بما حصل لنا، وقلنا لهما إننا نبحث عن مكان نبيت فيه. فتحوا لنا الجامعة، وأعطانا أحدهما بعضا من ثيابه مزقناها ولففنا الصغار بها، إذ لم يكونوا يلبسون ثيابا كافية عندما خرجنا، لم يكن لدينا قرش واحد. لا ندري إلى أين نذهب، ولا نعرف شيئا عن رجالنا وأولادنا. في أربعين ابنتي فقدت زوجي وأربعة أولاد وستة من أفراد عائلتي".

أم غازي لم تسكن في بيتها مجددا، إذ لم تحتمل ذلك، عندما عادت إلى المخيم استأجرت منزلا آخر. تهدم بيتها القديم في حرب المخيمات، وتعيش الآن في ظروف مادية سيئة للغاية، كانت تتكلم على مهل وترتجف طيلة الوقت. تعيش منعزلة عن محيطها في ألم لا ينتهي.

انقضوا على الرجال بالبلطات :

شهيرة أبو ردينة التي ترفض التكلم عن المجزرة عادة، تكلمت وأخبرتني ماذا حدث. قالت : " كنا في الغرفة الداخلية نختبئ من القصف لأنها أكثر أمانا وبعيدة عن الشارع - يقع بيتها في الشارع الرئيسي حيث جرت المجزرة الأساسية - كنا كثرا في المنزل - قالت : بقينا فيه حتى الصباح. كنا نسمع أثناء الليل صراخا وإطلاق رصاص. عرفنا حينها أنهم يقتلون الناس. كانوا يتراكضون في الأزقة القريبة من بيتنا، فلم نجرؤ على الخروج. عند الفجر، خرجت أختي لتتفقد الحي وترى ماذا يجري. ما إن أصبحت في الخارج حتى صرخت "بابا" بصوت مرعب ثم سمعنا إطلاق الرصاص . خرج والدي وراءها فقتل أيضا.


(وجدت جثة أخت شهيرة في ما بعد - مربوطة إلى النافذة وكانت منتفخة جدا). كان عمر أختي 17 عاما، أخي كان في الرابعة والعشرين من عمره. وزوجي في الثالثة والعشرين وابن عمي في الأربعين، أما والدي فكان في الستين، جميعهم قتلوا، جاءوا صباحا وأخرجونا من البيت، وضعوا الرجال أمام الحائط وانقضوا عليهم بالبلطات.

وانهمر عليهم الرصاص كالمطر ثم اقتادونا إلى الشارع الرئيسي و كنا نساء وأطفالا فقط. وضعونا أمام الحائط، وما إن هموا بقتلنا حتى سمعنا صهيونيا يصرخ بالعبرية. لم نفهم ما يقول، لكنهم هم فهموا وتوقفوا عن قتلنا بعدما تحدثوا معه بالعبرية. عندها أخذونا إلى المدينة الرياضية وحبسونا عند الصهاينة في غرفة صغيرة، وكانوا طيلة الوقت جالسين معنا يشحذون البلطات والسكاكين، أخبرنا الصهاينة ماذا يفعلون بنا في المخيم فلم يهتموا.

بقينا هناك، إلى أن بدأت الانفجارات. بدأت الألغام المزروعة في المدينة الرياضية تنفجر، فهرب الصهاينة إلى ملالاتهم، وهربنا نحن باتجاه الكولا ".

حاولوا ذبحنا على الطريق :

محمد أبو ردينة ابن عم شهيرة كان في الخامسة من عمره عندما حدثت المجزرة قتل يومها والده وأخته وصهره. أخبرني محمد كيف قتلوا أخته. قال:"كانت حاملا عندما قتلوها. بقروا بطنها وفتحوه بالسكاكين وأخرجوا الجنين منه ثم وضعوه على يدها. والدي قتل أمام بيت شهيرة ابنة عمه. كنا نختبئ تلك الليلة في بيت عمي. أنا وأمي وأختي اقتادونا مع الباقين من نساء والعائلة وأطفالها إلى المدينة الرياضية وحاولوا ذبحنا على الطريق. كنت صغيرا ولم أع ما يحدث لنا. لم أع، إلا أني كنت خائفا جدا، وعيت المجزرة عندما كبرت بسبب الظروف الصعبة التي عشناها بعد ذلك. تدمر بيتنا في حرب المخيمات وأصبحنا بلا مأوى نتنقل من مكان إلى آخر. دخلت في ضياع تام بعد مرض أمي. في عام 1992 جاء أحدهم وأحضر لها شريط فيديو عن المجزرة فرأيت والدي وأختي. عندها أصيبت بجلطة في الدماغ، تحولت بعدها إلى مجرد صورة. كانت تتوه في الطرقات فأذهب للبحث عنها. كنت في حوالي الرابعة عشرة من عمري وليس لي أحد. وجدت نفسي مضطرا للاهتمام بها بدل أن تهتم هي بي، إلى أن ماتت عام 1995. اضطررت للعمل وأنا صغير جدا. والدتي عملت لبعض الوقت في تنظيف مكتب علي أبو طوق أثناء حرب المخيمات. كان علي يعطف علينا وساعدنا في ترميم بيتنا. أنا الآن وحيد وليس لي أحد. المجزرة غيرت مجرى حياتي ودمرتني".

محمد الان - في العشرين من عمرة. ابيض شعره بعد المجزرة مباشرة وهو في الخامسة من عمره والمأساة حفرت عميقا في قسمات وجهه. يبدوا الان اكبر من عمره بعشر سنوات على الاقل. قال انه يسعى حاليا للهجرة. اذ لم يعد يحتمل الحياة هنا ! ".

القتل ذبحا أو بكواتم الصوت منع الفلسطينيين من معرفة ما يجري في المخيم. كثيرون لم يصدقوا أن مذبحة تجري في مخيمهم. روى العديد من أهالي المخيم كيف كانوا يتجمعون في بعض المساحات يتسامرون ويتناقشون ويشربون القهوة. بينما تجري على بعد أمتار منهم عمليات ذبح وقتل. في ساحة الجامع، أخبرنا بعض المسنين كيف لم يصدقوا أن مجزرة تحدث في المخيم إلا بعد قدوم نساء وأطفال تغطيهم الدماء. قال "أبو محمد" إنه كان ضمن وفد الرجال الذي تشكل لمقابلة الصهاينة وتسليم المخيم لهم كي تتوقف المجزرة. كان أبو محمد "الوحيد" الذي نجا من الوفد، إذ تخلف عنهم وذهب لإحضار بطاقة هويته من المنزل. سرعان ما قتل أعضاء الوفد رغم خروجهم حاملين شرشفا أبيضا.

أخبرني أحد الرجال الذي رفض ذكر اسمه أن المخيم كان محاصرا بجيش الاحتلال من جميع مداخله. "عندما علمنا بالمجزرة أردنا أن نخرج لكننا خفنا أن يقتلونا. عند ذلك قام أحد الشباب بإشعال قنينة غاز ورميها في مخزن للأسلحة في المخيم. بدأ المخزن يتفجر فهرب الصهاينة والكتائب بعيدا عن مكان الانفجار. عندها تمكنا من الخروج من طريق على مقربة من المخزن المنفجر ! ".

توقفت المجزرة السبت في 18 أيلول، مئات الجثث في الشوارع والأزقة ترقد تحت أطنان من الذباب. أطفال مرميون على الطرقات. نساء وفتيات تعرضن للاغتصاب منهن من بقين على قيد الحياة، ومنهن من قضين عاريات في أسرتهن أو على الطرقات أو مربوطات إلى أعمدة الكهرباء ! ! رجال قطعت أعضاؤهم الجنسية ووضعت في أفواههم، مسنون لم ترأف بهم شيخوختهم ولم يعطهم المجرمون فرصة أن يرحلوا عن هذا العالم بسلام، ومن لم يقض منهم في فلسطين عام 1948 قضى في المجزرة عام 1982، حوامل بقرت بطونهن وانتهكت أرحامهن وأطفال ولدوا قسرا قبل الأوان وذبحوا قبل أن ترى عيونهم النور.

المقبرة الجماعية التي دفن فيها الضحايا هي اليوم مكب للنفايات ومستنقع يغرق في مياه المجارير ولا يسع الموتى - حتى في موتهم - أن يرقدوا بسلام ! ! أما الناجون، فيعيشون في ظروف إنسانية وسياسية صعبة، أقل ما يقال فيها أنها موت بطيء يلاحقهم - منذ المجزرة - أينما حلوا !

كيف نقرأ المجزرة اليوم ؟ أنقرأها كمجرد ذكرى نستعيدها أم نقول "عفا الله عما مضى " ونمضي إلى حياتنا وكأن كل شيء على ما يرام ؟ هل نكرر المطالبة بمحاكمة الفاعلين، اليوم وقبل الغد، أم ننتظر تغير موازين القوى الدولية والمحلية ونقول للعدالة أن تنتظر؟ من يقرر العفو عن المجرمين وبأي حق يعفو؟ وإذا قبلنا أن نعفو عن جرائم الحرب في لبنان فكيف نربي أطفالنا بعد ذلك؟ أنربيهم أن الحق للقوي أم نربيهم على الخوف بحجة حمايتهم من القتلة، أم نطلب منهم التغاضي عن دم الأبرياء، فينشأون "بلا دم" وفاقدي الحس والعدالة؟ وإن أكملنا على هذا النحو- ونحن أكملنا - أنمنع الكيان الصهيوني من ارتكاب مجازر جديدة ؟ ! وهل نمنع المجرمين الذين يعيشون بين ظهرانينا من تكرار ما فعلوا؟ وهل تصدق توبة تائب منهم - لو تاب؟ ! !
............................
هؤلاء هم النصارى العرب! وصدق الله العظيم اذ يقول (((كيف و إن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاّ و لا ذمة يرضونكم بأفواههم و تأبى قلوبهم! )
........
فيديو عن المجزرة


[youtube]L_srmVe7JIA[/youtube]​
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
بسم الله الرحمن الرحيم
----------------------------
لاحول ولا قوة الا بالله

{ وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ }

والله ان النصارى اشد عداء للمسلمين من غيرهم
فما كان الاستعمار الا من النصارى
وما كانت الحروب الصليبية المهلكة الا من النصارى
وما كانت حروب الابادة الجماعية التى تمارس ضد الاسلام الا من النصارى
والقائمة تطول

بارك الله فيك اخى
 
التعديل الأخير:




لن ننسى ولن نغفر
ولن نسامح







صور من مجزرة صبرا وشاتيلا




sabra_11.jpg


sabra_12.jpg


sabra_13.jpg


sabra_14.jpg


sabra_15.jpg


sabra_16.jpg



sabra_17.jpg


sabra_18.jpg


sabra_19.jpg


sabra_20.jpg


sabra_21.jpg
 
التعديل الأخير:
كي لا ننسى


اليوم كيف نقرأ المجزرة ؟ أنقرأها كمجرد ذكرى نستعيدها أم نقول "عفا الله عما مضى " ونمضي إلى حياتنا وكأن كل شيء على ما يرام ؟ هل نكرر المطالبة بمحاكمة الفاعلين، اليوم وقبل الغد، أم ننتظر تغير موازين القوى الدولية والمحلية ونقول للعدالة أن تنتظر؟ من يقرر العفو عن المجرمين وبأي حق يعفو؟ و إذا قبلنا أن نعفو عن جرائم الحرب في لبنان فكيف نربي أطفالنا بعد ذلك؟ أنربيهم أن الحق للقوي أم نربيهم على الخوف بحجة حمايتهم من القتلة، أم نطلب منهم التغاضي عن دم الأبرياء ، فينشئون "بلا دم" وفاقدي الحس والعدالة؟ وإن أكملنا على هذا النحو- ونحن أكملنا - أنمنع الصهاينة من ارتكاب مجازر جديدة ؟





.
 
الكلام لا يجدي أحيانا.
بشكل أو بآخر أشعر بأن هذا ما نستحق.
(هذه مجرد قرصة أذن لكي نستفيق)
ولن أقول كلاما مملا ومكررا عن شحذ الهمم والعزيمة
أن هذه الأشياء أفعال تتم في صمت
(مش جعجعة على الفاضي)
 
ليتذكر الجميع ان سمير جعجع كان قائد المجموعه التي شاركت مع العدو بالمجزرة
ولكن سؤال برسم بعض العرب وبالخصوص الدوله الكبرى النفطيه في الخليج
من استقبل جعجع في قصره في عام 2006 على مدى اكثر من ساعه .
ومن يهب الاموال للقوات بقيادة جعجع هل من يجيب هل بات جعجع مدافع عن حرمات المسلمين بعد ان اغتصب النساء وبقر بطون الحوامل
يستقبل استقبال الابطال وسفارة هذه الدوله لاتترك مناسبه الا وكان جعجع اول من يستقبل ويدعى
تحياتي للجميع ....
 
ليتذكر الجميع ان سمير جعجع كان قائد المجموعه التي شاركت مع العدو بالمجزرة
ولكن سؤال برسم بعض العرب وبالخصوص الدوله الكبرى النفطيه في الخليج
من استقبل جعجع في قصره في عام 2006 على مدى اكثر من ساعه .
ومن يهب الاموال للقوات بقيادة جعجع هل من يجيب هل بات جعجع مدافع عن حرمات المسلمين بعد ان اغتصب النساء وبقر بطون الحوامل
يستقبل استقبال الابطال وسفارة هذه الدوله لاتترك مناسبه الا وكان جعجع اول من يستقبل ويدعى
تحياتي للجميع ....


اعجبني كلامك لكن المجزره في عام 1985 كانت اشد واكثر انتقاميه التي قامت بها حركه امل ومع ذالك الان هوا رئيس مجلس النواب اذا لماذا لا يتم محاكمته

وماذا عن الجنرال عون الم يقم بتذبيح الفلسطينين
 
الله يرحمهم ولاكن لا ننسى يوجد دول دخلت تحت اسم الدفاع عن الفلسطينين ولاكن ساعدت العدوان مثل سوريا ويجب على السورين الاعتراف هم من ساعد القوات اللبنانيه وحركة امل وغيرهم
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
الله يرحمهم ولاكن لا ننسى يوجد دول دخلت تحت اسم الدفاع عن الفلسطينين ولاكن ساعدت العدوان مثل سوريا ويجب على السورين الاعتراف هم من ساعد القوات اللبنانيه وحركة امل وغيرهم
اولا سوريا هي من تكلف 15000 شهيد من الجيش العربي السوري في لبنان وسوريا كانت تدعم حركة امل لانها كانت حركة مقاومة للاسرائيليين وبالنسبة لسمير جعجع والقوات اللبناني فهم اعداء سوريا منذ دخول الجيش السوري الاراضي البنانية واقوا لك انه سوريا هي من وضع سمير جعجع في السجن حتى قامت حركة 14 اذار باخراجه

بالنسبة للمجزرة فاني اقول اننا لن ننسى ولن نسامح
 
انضم الى الاصوات التي تريد مسائلة سمير جعجع عن مذبحة صبرا و شاتيلا و بالنسبة للدعم السوري لحركة امل فقد دعمت سورية حركة امل لانها حركة مقاومة وطنية ضد المحتل الاسرائيلي و سورية بكل الاحوال ليست مسؤولة عن كل افعال حلفائها اللذين في عدة حالات خلال الحرب الاهلية اللبنانية كانوا يتحاربون مع بعضهم و هذه كانت احدى ظواهر الحرب الاهلية اللبنانية و بالنسبة لحرب المخيمات بين امل و حركة فتح فيمكن تفهمها في ظل الممارسات و التجاوزات التي كان يرتكبها الفلسطينيون ضد اهل الجنوب و حركة فتح كان معروف عنها انها تقاتل بين المدنيين و هذا هو الذي جعل الخسائر على هذا النحو
 
رد: كى لاننساهم ..مأساة صبرا وشاتيلا!!

يبين كل شي الاسد ضحى بالسورين ويدعي الدفاع عن اللبنانين ويدعم حركة امل لانهم شيعه وهو علوي رافضي يعني نفس الشي لو الاخ السوري وطني بحق لماذا لا يتكلم عن مجزرة حما ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
 
عودة
أعلى