ما هو موقفك يا عقيل من الافراج عن دفعة من عناصر وضباط في جيش النظام السابق وميليشياته بمناسبة العيد ؟
سؤال وجه لي عشرات المرات منذ صباح اليوم.
بعضهم وجهه لي بصيغة امتحان..وبعضهم بصفتي موظف حكومي !
بالنسبة لمن يمتحني فأنا مثل آلاف وملايين الثوار..
موقفنا واضح وجلي مثل شمس النهار من كل المجرمين، ومثلنا لا يُمتحن بذلك بل ولا يسأل عن هذا.
أما من سألني بصفتي موظف فأساله:
هل كل موظف في الدولة مسؤول عن قرارات الحكومة ؟
على كل سأجيب:
أولاً أنا أثق كل الثقة بما تقرره القيادة الحالية، لأنني واثق أنها لا تقوم بذلك محبة بالمفرج عنهم، بل لأن لديها رؤية وهدف من هذه الخطوة.
ثقتي هذه ليست من باب التطبيل ولا طمعاً بأي ترقية، فآخر همي في هذه الدنيا المصلحة الشخصية، وبالنهاية عندما لا تعجبني الحكومة أو الوظيفة العامة استطيع أن أعود لمهنتي في الصحافة.
ثقتي هذه لأنني أعرف كيف يفكر قادة الدولة اليوم، وأعرف رؤيتهم العامة، وأنا مؤيد لها من حيث المبدأ، ولو كنت غير مقتنعاً بهذه الرؤية لما عملت بوظيفة حكومية.
ثانياً والأهم فإن بناء الدولة له منطقه المعروف..
الثورات عندما تنتصر تنتصر لتبني الدولة..وبناء الدولة يتطلب حصر المحاسبة برؤوس الإجرام وتقليل أعداء الداخل والخارج إلى أدنى حد ممكن.
لا يوجد منتصر في التاريخ كله أباد جميع أعدائه..هكذا تسير الأمور منذ فجر الانسانية..
عندما اسقط الغزو نظام صدام أصدرت أمريكا قائمة من ٥١ مطلوباً فقط.
لكن ماذا فعلت الحكومات العراقية المتتالية ؟
اعتبرت كل بعثي وكل عسكري وكل موظف في حكومة صدام عدواً لها !
ماذا كانت النتيجة ؟
إلى اليوم العراق يتخبط ببحور من المشاكل والدم والانقسامات والتراجع على مختلف المستويات.
بالمقابل ماذا فعل الخميني عندما انتصر على نظام الشاه مع أن الثورة التي قادها قوبلت بعنف جهنمي من جيش الشاه وقوات أمنه وقتل بسبب ذلك آلوف مؤلفة..
هل أعدم كل ضباط وعناصر الجيش والأمن ؟
هل لاحق كل موظفي النظام ؟
لا..بل عمل على تحييدهم شيئاً فشيئاً حتى استتب له الأمر تماماً.
ولو فعل غير ذلك لكانت إيران ستدخل في حرب أهلية تستمر حتى اليوم.
البعض يتغنى بالثورة الفرنسية وأن قادتها أعدموا حتى الطباخ في قصر الملك..
طيب وماذا كانت النتيجة ؟
تخبطت فرنسا ببحور من الدم والمشاكل والفشل منذ عام ١٧٩٠ حتى عام ١٨٤٨.
مئات الأمثلة لدينا بهذا الخصوص، لكن لعل أهمها على الأطلاق المثال الذي قدمه لنا نبينا الأعظم سيدنا محمد صل الله عليه وسلم.
هل قتل كل مشركي قرش عندما دخل مكة ؟
أما حدد تسعة أشخاص من بينهم ثم عفى عن بعضهم أيضاً؟
ألم يعمل على استقطاب زعمائهم الذين كانوا يقودون الحروب على المدينة المنورة والدعوة، مثل أبي سفيان وصفوان بن أمية فسلّموا وأسلموا بعد ذلك ؟
من ناحيتي أنا أرى أننا ثرنا لنسقط النظام وقدمنا كل التضحيات من أجل إعادة الدولة والحكم لأهله، وتضحياتنا آتت أوكلها بفضل الله، وأن علينا الآن بناء هذه الدولة بما يليق بهذه التضحيات وبما يضمن عيش كريم و مستقبل مشرق لنا ولأولادنا وللأجيال القادمة، وهو أمر لن يحصل برأيي إذا لم نمتلك الحكمة ولم نستفد من التجارب.
هل هي دعوة للتسامح المطلق ؟
هل هي دعوة للتخلي عن الحقوق أو انقاذ المجرمين من المحاسبة ؟
هل يعني هذا القبول بإعادة تعويم أي مجرم ؟
قطعاً لا..ولذلك وقفنا بحزم وشدة أمام بعض ضعاف النفوس ممن أرادوا حماية أقاربهم الشبيحة من المحاسبة.
الفرق كبير بين حماية الشبيحة بقوة العصبية العائلية أو العشائرية، وبين ايجاد حلول مرضية للضحايا وأولياء الدم تنتجها الدولة وفق اعتبارات مدروسة، وكذلك اللجان المختصة كمجالس الصلح ومسارات العدالة الانتقالية المزمع اطلاقها.
أما من يعتقد أن حقه لن يصل له إلا بمحاسبة كل من حمل السلاح مع النظام فله كل الحق بذلك.
الموقف ثابت من الحقوق الشخصية وواضح وجلي..قريباً ستعود عجلة القضاء للعمل وعندها المحاكم هي مكان المحاسبة.
إن أي سلطة في العالم لا تمتلك أن تمنع أي شخص من المطالبة بحقه من أي شخص، وسأقف بقوة وبكل ما أستطيع بجانب أي سوري وأي ثائر يمنع من مقاضاة أي سوري آخر ألحق به ضرراً من أي مستوى مهما كان صغيراً.
أخيراً كان بإمكاني أن أصمت وأتجاهل هذا الأمر ولا أفتح على نفسي باب اتهامات وتهجم أنا بغنى عنه..
لكنني لم أعتد أبداً إلا أن أكون شجاعاً وأقول رأيي مهما كانت النتيجة.
وثقوا يا أهلي وقومي كل الثقة أن جميع النخب والسياسيين والمثقفين ودارسي التاريخ وعلم الاجتماع والسياسة والقانون يعرفون هذه الحقيقة التي قلتها الآن..حقيقة أن الدول المحترمة والقابلة للحياة والاستمرار بأقل التكاليف لا تبنى إلا هكذا.