لقد جددت روسيا مؤخرا عرضها بتزويد الهند بطائرات قاذفة ثقيلة، وهذه المرة بما في ذلك الطائرة المتقدمة من طراز Tu-160M "White Swan". وتأتي هذه الخطوة، التي أوردها الصحفي المخضرم المتخصص في شؤون الدفاع سانديب أونيثان، في أعقاب اقتراح مماثل قدم قبل ما يقرب من عقدين من الزمان عندما اقترحت روسيا تزويد البحرية الهندية بقاذفة Tu-22M3.
ولكن الصفقة فشلت في نهاية المطاف بسبب التكاليف الباهظة. والعرض الأخير يتضمن طائرة Tu-160M، وهي نسخة مطورة ومحدثة من القاذفة الاستراتيجية Tu-160، والتي تتميز بأنظمة طيران إلكترونية محسنة وأنظمة ملاحة متقدمة ومجموعة أسلحة محسنة.
وتجعل هذه الترقيات الطائرة توبوليف 160إم أكثر قدرة بشكل كبير من سابقتها، مع العديد من الآثار المحتملة على الوضع العسكري والجيوسياسي للهند.
تُعد الطائرة "تو-160إم"، التي تُعد واحدة من أقوى القاذفات الثقيلة في يومنا هذا، سلاحًا يمكن أن يُغير بشكل جذري توازن القوى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وتمنح مواصفات الطائرة، بما في ذلك مداها الكبير وقدرتها على حمل الحمولة، ميزة استراتيجية يصعب تجاهلها. فبفضل مداها القتالي الذي يبلغ 12 ألف كيلومتر دون الحاجة إلى التزود بالوقود جواً، تستطيع الطائرة توبوليف 160إم ضرب الأهداف على مسافات بعيدة للغاية.
كما يمكنها حمل حمولة تصل إلى 12 صاروخًا كروزًا بعيد المدى أو أسلحة نووية قصيرة المدى، مما يجعلها منصة متعددة الاستخدامات بشكل لا يصدق لعمليات الضربات العميقة.
بالنسبة لدولة مثل الهند، التي تسعى إلى فرض قوتها عبر منطقة المحيطين الهندي والهادئ الشاسعة، فإن الطائرة توبوليف 160 إم قد تكون بمثابة أصل لا يقدر بثمن. إن أنظمة الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية على متن الطائرة من شأنها أن تعزز الثالوث النووي الحالي في الهند، والذي يشمل الصواريخ النووية التي تطلق من اليابسة ومن الغواصات، من خلال إضافة مكون جوي استراتيجي.
ومن شأن هذا أن يعزز قدرات الردع الهندية بشكل كبير، وخاصة في مواجهة التوترات المتزايدة مع الصين وباكستان المجاورتين.
وعلاوة على ذلك، فإن إضافة طائرة توبوليف 160إم إلى ترسانة الهند من شأنها أن تمنح القوات الجوية الهندية قدرة قوية على توجيه ضربات عميقة، مما يسمح لها باستهداف البنية التحتية للعدو والأصول العسكرية وغيرها من المواقع الاستراتيجية بدقة على مسافات كبيرة.
ولكن الاستحواذ المحتمل على طائرات توبوليف 160 إم يطرح العديد من التحديات. فمن منظور لوجستي، سوف تحتاج القوات الجوية الإسرائيلية إلى الاستثمار بكثافة في تحديث البنية الأساسية لاستيعاب القاذفات الضخمة، وهو ما يتطلب قواعد جوية متخصصة ومرافق صيانة.
وسوف يتعين على القوات الجوية الإسرائيلية أيضًا التأكد من أن أفرادها، بما في ذلك الطيارون وطواقم الأرض، يتلقون تدريبًا مكثفًا لتشغيل وصيانة مثل هذه المنصة المتطورة.
وقد يتطلب هذا تكاليف كبيرة ووقتا طويلا، لأن المهارات المطلوبة للتعامل مع القاذفات الثقيلة تختلف عن تلك اللازمة لتشغيل الطائرات المقاتلة متعددة الأدوار، والتي كانت تاريخيا محور اهتمام القوات الجوية الهندية.
كما أن العواقب المالية المترتبة على شراء الطائرة توبوليف 160 إم ستكون كبيرة. إذ تقدر تكلفة كل وحدة من الطائرة توبوليف 160 إم بنحو 163 مليون دولار، وهو ما يمثل إنفاقاً كبيراً بالنسبة للهند.
وعلاوة على ذلك، فإن التكاليف التشغيلية المرتبطة بهذه القاذفات الثقيلة ــ مثل استهلاك الوقود والصيانة وتدريب الطاقم ــ سوف تتطلب استثمارات مستمرة ضخمة. وهذا من شأنه أن يثير تساؤلات حول ما إذا كان الاستحواذ على مثل هذه المنصة المتقدمة يتماشى مع أولويات ميزانية الدفاع الأوسع نطاقا في الهند.
ولكي نفهم السياق الاستراتيجي الأوسع، فمن المهم أن ندرس آراء خبراء الدفاع والمسؤولين الهنود فيما يتصل بهذا الاستحواذ المحتمل.
وفي مقابلة مع صحيفة إيكونوميك تايمز، قال قائد القوات الجوية الهندية المارشال فيفيك رام تشودري: "إن مفهوم دمج القاذفات بعيدة المدى في قواتنا الاستراتيجية هو أمر يجب تقييمه بعناية. وفي حين توفر طائرة تو-160 إم قدرات كبيرة، فإنها تتطلب إصلاحًا كاملاً لعقيدتنا التشغيلية الحالية، بما في ذلك البنية التحتية الجديدة ونماذج التدريب".
وتسلط هذه التعليقات الضوء على التعقيدات التي ينطوي عليها دمج مثل هذا النظام في القوات الجوية الإسرائيلية، مؤكدة أن القيمة الاستراتيجية لطائرة توبوليف 160إم يجب أن تتم موازنتها مع المطالب اللوجستية والتشغيلية التي ستفرضها.
وعلاوة على ذلك، فإن الاعتبارات الجيوسياسية الهندية سوف تلعب دوراً حاسماً في أي قرار يتعلق بطائرة توبوليف 160إم. ولا يمكن المبالغة في الأهمية الاستراتيجية للحفاظ على رادع موثوق به ضد كل من الصين وباكستان.
إن القدرة على فرض القوة عبر مسافات شاسعة، وخاصة في مناطق مثل بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي، من شأنها أن تعزز مكانة الهند كقوة إقليمية كبرى وتدعم نفوذها الدبلوماسي في المنتديات المتعددة الأطراف.
إن وجود القاذفات من طراز توبوليف 160 إم في المجال الجوي الهندي من شأنه أن يرسل إشارة قوية إلى كل من الخصوم والحلفاء بشأن القدرات العسكرية المتنامية للهند.
في تعليق حديث لصحيفة "هندو"، اقترح المحلل الدفاعي الهندي شيام ساران، وزير الخارجية السابق والمفكر الاستراتيجي البارز، أن "المصالح الاستراتيجية للهند، وخاصة في مواجهة التوسع الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، سوف تخدمها إضافة طائرة توبوليف 160إم إلى أسطولها. ومع ذلك، يجب النظر إلى هذا كجزء من استراتيجية أوسع نطاقا، والتي لا تشمل فقط الحصول على أسلحة متقدمة، بل وأيضا تعزيز تحالفاتنا وشراكاتنا في المنطقة".
وأكد تصريحه على أهمية التوافق الاستراتيجي بين القدرات العسكرية الهندية وأهداف سياستها الخارجية، مؤكدا أن الطائرة توبوليف 160إم ستحتاج إلى الاندماج في إطار أوسع من التعاون الأمني والدفاعي الإقليمي.
ورغم أن الطائرة توبوليف 160إم تقدم مزايا واضحة من حيث قدراتها، فإن الجيش الهندي سيحتاج أيضا إلى الأخذ في الاعتبار تحديات صيانة الطائرة.
إن الطائرة توبوليف 160 إم، مثلها كمثل العديد من المنصات العسكرية المتطورة، سوف تتطلب قطع غيار متخصصة، وخبرة فنية واسعة، ودعماً لوجستياً كبيراً لضمان بقائها في الخدمة. وهذا من شأنه أن يفرض عبئاً كبيراً على القوات الجوية الهندية، التي سوف تحتاج إلى بناء قدراتها الفنية وسلاسل التوريد لدعم استخدام القاذفات على المدى الطويل.
ومن بين الاعتبارات الرئيسية الأخرى التأثير المحتمل لطائرة توبوليف 160إم على البنية العسكرية الحالية في الهند. إذ تركز القوات الجوية الهندية حالياً على المقاتلات متعددة الأدوار، مثل سو-30إم كي آي ورافال، والتي صُممت لمجموعة واسعة من سيناريوهات القتال.
إن إضافة أسطول من القاذفات الثقيلة من شأنه أن يستلزم تحولاً في الكيفية التي تنظم بها القوات الجوية الهندية قواتها وتدير بها العمليات. وعلاوة على ذلك، سوف تحتاج الهند إلى تحديد ما إذا كانت الطائرة توبوليف 160 إم تتوافق مع رؤيتها الاستراتيجية الأوسع، وخاصة أن الوظيفة الأساسية للطائرة ــ القصف الاستراتيجي بعيد المدى ــ لا تتوافق مع التركيز الحالي للقوات الجوية الهندية على التفوق الجوي والدعم الجوي القريب.
كما يثير احتمال الحصول على طائرات توبوليف 160إم تساؤلات حول سباق التسلح الإقليمي الأوسع نطاقاً. ولا شك أن حصول الهند على قاذفات متطورة من شأنه أن يثير ردود فعل من جانب الصين وباكستان، اللتين تستثمران بكثافة في بناء قدراتهما الجوية والصاروخية.
وعلى وجه الخصوص، كان أسطول الصين المتنامي من القاذفات بعيدة المدى، مثل سلسلة H-6، مصدر قلق للهند. ومن المتوقع أن تتغير الديناميكيات الاستراتيجية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ بشكل أكبر إذا استحوذت الهند على طائرة Tu-160M، حيث من شأن ذلك أن يُظهِر قفزة كبيرة في القدرات العسكرية الهندية، وهو ما قد يؤدي إلى رد فعل من الصين وباكستان من حيث التطوير العسكري والموقف الدبلوماسي.
إن التداعيات الجيوسياسية المترتبة على اقتناء الهند لطائرات توبوليف 160 إم قد تمتد إلى ما هو أبعد من جنوب آسيا لتشمل منطقة المحيطين الهندي والهادئ الأوسع نطاقاً. ومن خلال دمج التكنولوجيا الروسية المتقدمة في قواتها العسكرية، قد تتمكن الهند من تعميق تعاونها الدفاعي مع روسيا، الشريك الاستراتيجي القديم.
ولكن مثل هذه الخطوة قد تؤدي أيضا إلى تعقيد علاقات الهند مع الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى، وخاصة في ضوء المنافسة الاستراتيجية المتزايدة بين الولايات المتحدة وروسيا على الساحة العالمية.
إن ديناميكيات العلاقات الدفاعية بين الهند والقوى العالمية الرئيسية سوف تحتاج إلى إدارة دقيقة لتجنب خلق توترات دبلوماسية من شأنها أن تقوض الهدف الأوسع المتمثل في الحفاظ على نظام إقليمي مستقر.
إن الاستحواذ المحتمل للهند على الطائرة توبوليف 160 إم يطرح مجموعة معقدة من الفرص والتحديات. ورغم أن قدرات الطائرة مثيرة للإعجاب بلا شك، فإن الهند سوف تحتاج إلى النظر في مجموعة واسعة من العوامل ــ بما في ذلك التكلفة والبنية الأساسية والتدريب والتداعيات الجيوسياسية ــ قبل اتخاذ أي قرارات نهائية.
إن الطائرة توبوليف 160إم قادرة على تعزيز الموقف الاستراتيجي للهند بشكل كبير، ولكن دمجها في القوات الجوية الهندية يتطلب تقييماً دقيقاً للاعتبارات العسكرية والدبلوماسية.
وفي نهاية المطاف، فإن ما إذا كانت الهند ستمضي قدماً في هذا الاستحواذ أم لا سوف يعتمد على مدى نجاح قيادة البلاد في تقييم القيمة طويلة الأجل للقاذفة في سياق احتياجاتها الدفاعية المتطورة وطموحاتها الإقليمية الأوسع.
***
source