الملاحة navigation تعني الإرشاد وتوجيه المركب وجهته الصحيحة. والكلمة مشتقة من المِلاح وهي الريح تجري بها السفن، والملاحة صنعة المّلاح، وهو النُوتيُّ الذي يوجه المركب.أما التسمية اللاتينية فتتألف من كلمتين هما: navis ومعناها القارب أو المركب وagire ومعناها الإرشاد أو التوجيه.
تعدّ الملاحة الجوية ِعلماً وفناً جديراً بالاهتمام لأهميتها والفوائد الجمّة التي تتحقق منها، وهي مجموعة القواعد التي تُتبع لإرشاد المركب الجوي (الطائرة) وتوجيهه في الجو أو الفضاء وانتقاله من موقع إلى آخر.
طرائق الملاحة الجوية
تتبع في الملاحة الجوية أربع طرائق أساسية هي:
1- الملاحة بالرؤية المباشرة Pilotage: تعتمد هذه الطريقة أساساً على الرؤية المباشرة vision لمعالم الأرض land marks وعلى ملاحظة ما يميزه الطيار منها كالسدود والقلاع والطرق العامة والأنهار والبحيرات والجسور وغيرها. إذ يرسم الطيار قبل بدء رحلته خطاً يمثل المسار الذي سيسلكه على الخريطة بين نقطتين: مطار المغادرة departure airport ومطار المقصد destination airport والمنطقة التي سيطير فوقها، ثم يتابع بدقة المعالم الأرضية التي يراها ويقارنها بالخريطة التي بين يديه. يعد الطيران سهلاً في الطقس الجيد والسماء الصافية وفي ضوء النهار إذ يمكن تمييز العلامات الأرضية بوضوح.
كانت هذه الطريقة هي المتبعة منذ بداية عصر الطيران، ويمارسها جميع الطيارين في أسفارهم لبساطتها وسهولتها، إذا ما قورنت بطرائق الملاحة الجوية الأخرى، إلا أنها تتطلب من الطيار انتباهاً طوال الرحلة وتدقيق ما يراه على الخريطة ومقارنته بمسار طائرته الفعلي، وعليه أيضاً معرفة موقع الطائرة تماماً في كل لحظة حتى نهاية الرحلة.
تضيع المعالم الأرضية ويتعذر رؤيتها وتمييزها، ولو عن قرب، في الطقس السيئ، وفي غياب القمر عندما يغرق الكون في ظلمة حالكة. وقد تطلب ذلك إيجاد وسائل أفضل تسهل عمل الطيار وترشده.
2 ـ الملاحة التقديرية dead reckoning: تُستعمل هذه الطريقة في الملاحة عند تعذر رؤية المعالم الأرضية أو عدم إمكانية تمييز بعضها من بعض، ويتطلب ذلك من الطيار مهارة خاصة وخبرة تفوق تلك التي يستخدمها بالملاحة بالرؤية المباشرة. ولا تختلف هذه الطريقة كثيراً عن سابقتها من حيث الغرض، عندما يحلق الطيار بطائرته فوق الغابات أو الصحارى أو فوق البحيرات أو فوق الغيوم الكثيفة، إذ يتوجب عليه عندئذ استخدام خريطة ملاحية chart aeronautical خاصة تمكنه من تقدير موقع الطائرة وخط سيرها إذا ما استطاع تمييز معلمين بارزين تطير الطائرة فوقهما في أثناء الرحلة، وقدر المسافة التي قطعتها الطائرة واتجاه مسارها والزمن الذي استغرقته لقطع تلك المسافة. توفر هذه الطريقة للملاح navigator دقة حساب معقولة في أثناء الرحلة وتمكنه من الوصول إلى آخر موقع.
شاع استعمال هذه الطريقة لأهميتها في كل مرة يصعب فيها اتباع طرائق أخرى لتحديد موقع الطائرة تفادياً لأخطاء التقدير، إلا أن لهذه الطريقة بعضاًَ من المساوئ، كأخطاء التقدير الكثيرة التي قد تؤدي إلى نتائج سلبية، وخاصة عندما تكون المسافة كبيرة بين النقطتين من دون أن يجري الطيار التصحيح اللازم في الوقت المناسب طوال الرحلة، أو يكون ارتفاع الطائرة كبيراً، ولاسيما في حال هبوب الرياح التي تحرفها عن مسارها. والملاحة التقديرية ليست دائماً خير وسيلة في الملاحة الجوية.
3 ـ الملاحة اللاسلكية radio navigation: هي طريقة أخرى لتحديد موقع الطائرة بالاستعانة بمحطات الإرشاد اللاسلكية الأرضية ذات التردد العالي جداً. حيث تبث هذه المحطات إشارات اصطلاحية يستقبلها جهاز خاص في قمرة القيادة مضبوط على تردد معلوم، ومسجل على الخريطة التي يستعملها الطيار، فتدله إبرة الجهاز على موقع الطائرة واتجاهها بالنسبة إلى المحطة اللاسلكية التي تبث تلك الإشارات. تستعمل هذه الطريقة، والملاحة التقديرية معاً، ليتمكن الطيار مستقلاً من معرفة موقعه وتحديده بأقل خطأ طوال الرحلة، ولا يمكن الاستغناء عن الملاحة التقديرية حتى ولو توافرت مساعدات الملاحة اللاسلكية، وذلك بسبب تقلب الطقس الذي يعرقل الاستفادة من المساعدات الملاحية اللاسلكية ويشوش عليها، إضافة إلى عدم وضوح الإشارة اللاسلكية المستلمة واحتمال تعطل الأجهزة اللاسلكية.
4 ـ الملاحة الفلكية celestial navigation: يحدد الطيار بهذه الطريقة موقع الطائرة واتجاه مسارها بالنسبة إلى الأجرام السماوية، متجنباً الوقوع في أخطاء التقدير، لكون هذه الطريقة مستقلة عن الملاحة التقديرية.
يتطلب الطيران بهذه الطريقة دراية وتخصصاً، ويجب أن يحوز الطيار شهادة خاصة بالملاحة الفلكية، وأن يتقيد تماماً بالشروط والمتطلبات التي تخوله استخدامها في الرحلات طويلة المدى، ولاسيما عبر الصحارى الواسعة، وفوق المحيطات، حيث يفتقر الطريق الجوي فيها عادة إلى المساعدات الملاحية.
تستعمل الطرائق الملاحية الثلاث المذكورة منفردة أحياناً، وأحياناً أخرى مجتمعة، حسب الضرورة. إلا أن الملاحة الفلكية تنفرد في المجالات التي تم ذكرها حين تتحقق شروط استخدامها ومتطلباته.
إضافة إلى ذلك تحتاج الطائرات عابرة المحيطات إلى أنظمة ملاحية خاصة تنبه الطيار على أي انحراف عن مساره أو تبدل في سرعة الطائرة وتقيس شدة الرياح واتجاهها، وتقوم بالتصحيح المناسب ذاتياً لتحافظ الطائرة على مسارها الصحيح.
مبادئ الملاحة الجوية
1ـ خطوط الطول والعرض: تعد الأرض في الملاحة الجوية كروية تماماً (360 درجة) مع أنها مفلطحة الشكل، وتسمى الخطوط الوهمية التي تصل بين القطبين الشمالي والجنوبي خطوط الطول longitude وعددها 360 خط طول، ويعدّ خط الطول المار بغرينيتش Greenwich خط الأساس في حساب الوقت prime meridian، ويقسم الكرة الأرضية إلى قسمين في كل منهما 180 خط طول أو درجة، وكل 15 درجة ساعة (60 دقيقة).
يتّبع التقسيم نفسه بالنسبة إلى خطوط العرض لتحديد إحداثيات الموقع شمال خط الاستواء أو جنوبه، وخط الاستواء هو الأساس لخطوط العرض. تقرأ خطوط العرض على فرض خط الإستواء 0 درجة والقطب الشمالي أو الجنوبي 90 درجة، وتقسم كل درجة إلى 60 دقيقة، والدقيقة إلى 60 ثانية (الشكل 1).
2ـ الوقت: تدور الأرض حول نفسها وحول الشمس وينتج من دورانها تعاقب الليل والنهار وفصول السنة. يبدأ اليوم عندما تتعامد الشمس على خط الطول غرينيتش عند الظهر (الساعة 00: 12)، وتحسب سرعة الطائرة بالساعة.
3ـ الخرائط: تعدّ الخرائط وثائق مهمة للملاحة الجوية، ونموذجاً لدراسة تفاصيل الأرض. وهي سطح مستو من الورق يمثل رسماً لجزء من الكرة الأرضية، إلا أن هذا ليس تمثيلاً صحيحاً لمعالم الأرض لتعرضه لشيء من التشويه. ومع ذلك فالحاجة ماسة إلى خرائط خاصة بالملاحة الجوية مليئة بالمعلومات والتفاصيل، وعليها مواقع محطات الإرشاد الملاحية والمطارات. وتختلف الخرائط باختلاف طريقة رسمها، وأهمها ثلاثة أنواع بحسب طريقة الإسقاط: فالنوع الأول ما يرسم مستوياً على سطح مستو، والثاني ما يسقط مخروطياً conic projection وهو مرتسم لامبرت Lambert والثالث ما يسقط أسطوانياًcylindric projection على طريقة ميركاتور Mercator. يحمّل على كل نوع من هذه الخرائط الملاحية الطرق الجوية المحددة للطائرات ومسافاتها (عرض كل طريق جوي عشرة أميال بحرية، والميل البحري يساوي 1852م)، وحالة الطريق الجوي، إن كان يستعمل في اتجاه واحد أو في اتجاهين متقابلين reciprocal، والارتفاع المحدد الذي يجب أن يلتزمه الطيار، والطرق الجوية الخاصة في أيام العطل weekend routes. كذلك يسجل على الخريطة ترددات محطات الإرشاد المار فوقها وإحداثيات كل نقطة، والحدود الجوية flight information region التي لا علاقة لها بالحدود السياسية أو الجغرافية لكل بلد، وغير ذلك من المعلومات التي تهم الطيار. وهناك خرائط أخرى خاصة بالإقلاع departure والهبوط landing في المطارات، وأسلوب الاقتراب من المطار approach charts، وقواعد الاعتماد على الرؤيةvisual flight rules أو على معدات الطائرة instrument flight rules، وشكل المهبط runway واتجاهه بالدرجات، وطوله بالأقدام وما يعادلها بالأمتار، ونوعية سطحه إن كان إسفلتياً أو من الخرسانة المسلحة وقدرته على تحمل وزن الطائرة load classification number.
وهنالك أيضاً خرائط خاصة بالطقس weather charts، مجموعة في مصنف يدعى meto folder، تبين اتجاه الريح السائدة وسرعتها وجبهاتها الباردة والدافئة، وأنواع الغيوم وارتفاعاتها، يستعين بها الطيار لتحديد مساره وأسلوب الهبوط، كما يستعين بالمراقب الجوي air traffic controller الذي يكون على اتصال بجميع الطائرات التي تطير في المجال الجوي وينسق حركتها لتلافي الحوادث المحتملة.
مصطلحات الملاحة الجوية الأساسية
- الـطريق course: هو الاتجاه الذي يشير إليه المحور الطولي للطائرة longitudinal axis.
- الـمسار track: هو اتجاه مسار خيال الطائرة فوق الأرض.
- الانحداف (الانحراف) drift: هو الزاوية الكائنة بين الطريق والمسار. ويسمى يميناً starboard أو يساراً port تبعاً لوضع الطائرة بالنسبة إلى طريقها.
- زاوية الاتجاه bearing: هي اتجاه مكان ما بالنسبة إلى مكان آخر.
- زاوية الاتجاه الخلفي back bearing: هي زاوية اتجاه مكان تجاوزته الطائرة إلى آخر من دون تغيير الطريق، ويمكن أن يكون هذا الاتجاه حقيقياً أو مغنطيسياً أو بوصلياً.
- اتجاه الريح wind direction: هو الاتجاه الذي تهب منه الريح ويُعبّر عنه دائما بالاتجاه الحقيقي.
المساعدات الملاحية navigation aids
هي الأجهزة الملاحية التي يحتاج إليها الطيار لتنفيذ الرحلة وانتقاله من مطار المغادرة حتى وصوله إلى مقصده، وأهمها:
1- البوصلة المغنطيسية magnetic compass: هي الأساس في الملاحة لمعرفة الاتجاه.
2- مؤشر السرعة الهوائية airspeed indicator.
3- عداد الارتفاع altimeter.
4- مقياس الانحراف drift meter: ويقيس زاوية الانحراف بين محور الطائرة الطولي ومسار الطائرة على سطح الأرض.
5- الأجهزة الجيروسكوبية gyroscopic instruments وتشمل:
- مبين الاتجاه الجيروسكوبي directional gyro indicator.
- الأفق الجيروسكوبي artificial horizon.
- مؤشر الدوران والميل turn and bank indicator.
6- مقياس الارتفاع radio altimeter بوساطة الرادار ويشبه عداد الارتفاع العادي في شكله.
7- جهاز قياس المسافات distance measuring equipment.
8- محطة المدى في جميع الاتجاهات (منارة أومني) omni-directional radio range والغرض من هذه المحطة تزويد الطيار بطرق جوية محددة معروفة الاتجاهات.
ولما كان الطيار بأمس الحاجة ليعرف موقعه تماما في السماء فهو في حاجة إلى إحداثيات كل نقطة والمسافات التي يفصل بينها واتجاهها، ويدخل كل المعطيات المتوافرة قبل بدء الرحلة في جهاز ملاحة يُعرف باسم أوميغا OMEGA. وقد استعيض عنه اليوم بمنظومة إرشاد أكثر فعالية هي منظومة الإحداثيات العالمية (GPS) global positioning system، وتعتمد على شبكة من 24 ساتلاً في مدارات حول الأرض توفر لمستخدميها معلومات دقيقة عن مواقعهم وتحركاتهم، وبمقارنة الزمن الذي يستغرق ورود الإشارات.
أما المعدات الأرضية المستخدمة في الملاحة الجوية فهي المحطات اللاسلكية، ومن أهمها المنارات اللاسلكية التي تُعرف باسم radio beacons وتوجد عادة في المطارات وفي النقاط المحددة لمسار الطائرة في رحلتها. ولكل منارة تردد خاص identical signal معروف ومدون على الخريطة ولها علامات مميزة تميزها من غيرها من النقاط check points. يضاف إلى ذلك ما تحتاجه الطائرات عابرة المحيطات من أنظمة ملاحية خاصة.
يعتمد الطيران حديثاً على أنظمة ملاحة جديدة هي منظومات الملاحة الإلكترونية electronic navigation systems بالاستعانة بالحاسوب computers والسواتل satellites. ومع تنامي الحركة الجوية air trafficصار تنسيقها ضرورياً من قبل مختصين ذوي كفاءة مميزة لضمان سلامة الحركة الجوية air traffic control ومراقبتها، ووضع قوانين وأنظمة ملزمة للجميع، وكذلك تطوير وسائل الاتصال التي يستعين بها المراقب الجوي على الأرض وفي الطائرة حرصاً على السلامة safety وعدّها الخيار الوحيد في الطيران.
ولا يكفي إرشاد الطيار وتوجيهه وهو في الجو فحسب، بل يحتاج أيضاً إلى الإرشاد حين تتحرك الطائرة فوق المدارج taxi way المحددة لها على أرض المطار استعداداً لبدء الرحلة، وعند درجانها على المهبطrunway استعدادا للإقلاع مع مراعاة معطيات الأحوال الجوية الحالية، ومن ثم إقلاعها حتى تبلغ ارتفاعاً محدداً لها في الجو.
تحسب سرعة الطائرة بالنسبة إلى الهواء في أثناء الطيران على النحو الآتي:
1- السرعة الهوائية الحقيقية true air speed: أي السرعة التي يتم الحصول عليها من تصحيح السرعة المبينة على عداد السرعة مع المؤثرات التي تسبب تغيّرها. وبعد إجراء التصحيح اللازم يتم الحصول على ما يسمى السرعة الهوائية الحقيقية.
2 - السرعة الأرضية ground speed: هي السرعة التي يُحسب على أساسها زمن الرحلة. ويتم الحصول عليها بحساب محصلة الرياح المؤثرة في الطائرة، فإن كانت محصلة الرياح إيجابية (+) فهذا يعني أن الرياح تؤثر في الطائرة من خلفها وتسمى رياحاً ذيلية tail wind، وتضاف إلى السرعة الهوائية الحقيقية للطائرة فتزيد من سرعتها، ومن ثم ينقص زمن الرحلة، وتنقص كمية الوقود المستهلكة؛ أما إذا كانت محصلة الرياح سلبية ( ـ ) فتكون الريح جبهية head wind ومن ثم تنقص السرعة الهوائية الحقيقية، وينتج من ذلك إطالة زمن الرحلة وزيادة كمية الوقود المستهلك.
أما أوزان الطائرة فتحددها الشركة الصانعة في دليل الطائرة ويجب التقيد بها تماماً حرصاً على السلامة وهي:
1- وزن الإقلاع الأعظمي maximum takeoff weight: الذي لايمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال.
2 - وزن الهبوط الأعظمي maximum landing weight.
3 - وزن الطائرة فارغة إلا من الأشياء الأساسية، ويسمى الوزن الثابت، ويشمل أيضاً وزن الركب الطائر من طيارين ومضيفين وله تسميتان:
آ - وزن التشغيل الصافي dry operating weight.
ب - وزن التشغيل الفارغ empty operating weight.
4 - وزن الطائرة وفيها وزن الركاب وأمتعتهم ووزن البضاعة المشحونة قبل ملء الطائرة بالوقود، ويسمى الوزن الأقصى من دون وقود maximum zero fuel weight.
5 - الوزن المفيد (المربح) pay load: وهو وزن الحمولة القصوى التي يمكن أن تحملها الطائرة.
وتختلف وحدة الوزن من شركة طيران إلى أخرى. فإما أن تكون بالكيلو غرام (1كغ = 2.2 رطل)، وإما بالليبرة (الرطل) pound. وأما وحدة الوقود فتكون بالكيلوغرام أو بالليبرة أو بالغالون gallon بنوعيه الأمريكي أو الملكي (البريطاني). وأما وحدات المسافة فهي: الميل البحري nautical mile أو الميل الإنكليزي statute mile ويساوي 1852م، أو الكيلومتر kilometre.
تجدر الإشارة إلى أن هناك ثلاثة اتجاهات شمال لها أهميتها لتحقيق المسار الصحيح للطائرة في السماء هي:
1- خط الطول الوهمي الواصل بين القطبين ويسمى الشمال الجغرافي geographical north أو الحقيقي true north.
2- الشمال المغنطيسي magnetic north (الشكل 2).
3- الشمال الذي تدل عليه البوصلة المغنطيسية أو الشمال البوصلي compass north. ويجب أخذ الفرق بين الشمالين في الحسبان لوجود خطأ في دلالة البوصلة على الشمال المغنطيسي بسبب المجال الكهرمغنطيسي لأجهزة الطائرة، والمادة التي صنعت منها البوصلة، ورأس حامل الإبرة المغنطيسية بسبب احتكاكه المستمر، والخطأ في صنع البوصلة، وأحياناً بسبب خطأ بشري.
ولضمان السلامة توجب التزام وجود وثائق على متن الطائرة تظهر مقومات تشغيلها مدون عليها تاريخ إصدارها وتاريخ انتهاء صلاحيتها، والكشوفات checks التي جرت على جميع أجزاء الطائرة ومعداتها وصيانتها بموجب جدول زمني محدد، وتعميرها ومحركاتها في أزمنة معينة محددة.
وبعد تعدد حدوث تصادمات كارثية بين الطائرات في الجو, اقتضت الضرورة وجود جهاز موثق في غرفة القيادة cockpit لمنع وقوع الحوادث وضرورة تدريب الطيارين عليه. وقد حدث تطور سريع لهذا الجهاز لتحسين أدائه يسمى «منظومة تجنب التصادم في الحركة الجوية» ((TCAS) traffic collision avoidance syste. وهناك جهاز آخر يسمى المنظومة المحمولة جواً لتجنب التصادم (ACAS) airborne collision avoidance system، والجهازان وإن اختلفت تسميتهما يستخدمان للغرض نفسه، ومع أن هناك أجهزة أرخص ثمناً وتفي بالغرض نفسه فإن منظمة الطيران المدني العالمي International Civil Aviation Organization (ICAO) لم تعتمدها لأن الغرض من تلك الأجهزة كان مادياً بحتاً، واعتمدت الأجهزة المصنعة من قبل شركات معينة مسؤولة ومتخصصة بهذه الأجهزة.
لم تعد الأجواء في الوقت الحاضر قادرة على استيعاب عدد الطائرات التي تحلق فيها بسبب ازدياد عدد المسافرين جواً، فتقرر عدم العمل بنظام الفصل العمودي في الارتفاع (4000 قدم) بين الطائرات، وكان المسار الذي تطير عليه الطائرات بزاوية اتجاه (0) درجة حتى 179 درجة يدعى «مفرداً» odd، وأما المسار الذي تطير عليه الطائرات بزاوية اتجاه من 180 درجة حتى 359 درجة فيدعى «مزدوجاً» even. ويكون الفاصل العمودي بين الطائرات المتقابلة 2000 قدم. وعلى هذا الأساس اعتمد نظام آخر يستوعب عدداً أكبر من الطائرات بإنقاص الفصل العمودي الأول بين الطائرات إلى الحد الأدنى؛ أي 2000 قدم وإنقاص الفصل الآخر إلى 1000 قدم. وسُمّي هذا النظام «الفصل العمودي المخفض» (RVSM) reduced vertical separation minima، وأُضيفت وثيقة أخرى إلى وثائق الطائرة تحمل هذا الاسم. وقد تطلب ذلك إضافة أجهزة إلى الطائرة لحساب الارتفاع الذي تحلق فيه الطائرة بدقة، وتدريب الطيارين عليه ومنحهم شهادة طيران وفق هذا النظام (الشكل 3).
يتقيد الطيار حرفياً بقوانين الجو rules of the air التي وضعتها منظمة الطيران العالمي في جميع مراحل الرحلة، كما يتقيد بالتعليمات التي يصدرها له المراقب الجوي في البرج tower قبل التحرك لتنفيذ الرحلة، ومن هذه التعليمات:
ـ الإذن بتشغيل محركات الطائرة، والمدرج الذي سيسلكه taxiway، واتجاه المهبط runway، واتجاه الرياح السطحية وسرعتها، ودرجة الحرارة، وما يمكن أن يعوق الإقلاع وبدء التسلق climb limit، وكذلك الضغط الجوي في المطار بالنسبة إلى سطح البحر أو إلى سطح الأرض أو بالنسبة إليهما كليهما. وتترك للطيار حرية الاختيار، وحساب وزن الطائرة عند الإقلاع.
ـ أما عند اقتراب الهبوط في المطار فيتولى المراقب الجوي في البرج توجيه الطيار وإصدار تعليمات الهبوط بإعلامه عن بدء خفض الارتفاع. والارتفاع الذي عليه الوصول إليه، واتجاه المهبط، وسرعة الرياح السطحية، والحرارة والضغط الجوي. وعلى الطيار ومساعده والمهندس الجوي الانتباه للضغط الجوي خاصة، لأن الخطأ في حسابه قد يسبب كارثة حقيقية تودي بحياة كل من على متن الطائرة باصطدامها الشديد بأرض المهبط. كذلك يحدد المراقب الجوي مخرج الطائرة لإخلاء المهبط والدرجان على المدرج للوصول إلى مكان التوقف parking. وتُعطى الأفضلية دائماً للطائرة الهابطة landing aircraft على حساب الطائرة المغادرة للإقلاع بسبب احتمال تعرض الطائرة الهابطة لطارئ، وعدم عرقلة أعمال الإنقاذ.
العامل البشري
في الملاحة الجوية لا يقتصر الأمر على الركب الطائر المؤلف من طيار pilot وطيار مساعد ومهندس جوي، وقد استعني حالياً عن المهندس الجوي في الطائرات الحديثة واقتصر على الطيار والطيار المساعد فقط، لأن الحواسب تقوم مقام المهندس. غير أن الواقع يتطلب أن يسهم في توفير سلامة الطائرة عند الإقلاع وعند الهبوط «كادر» مختص يعدّ أفراده جنوداً مجهولين، منهم عمال الصيانة القائمون على صيانة الطائرة وأجهزتها الملاحية، والمراقبون الجويون الذين يُعدّون العيون الساهرة على توفير السلامة والأمان، ويقومون بتنسيق الأجواء بين الطائرات، والحؤول دون الحوادث التي يمكن أن تواجهها الطائرة فتودي بحياة من عليها.
ويتعاون الجميع من طيارين ومرحِّلين جويين aircraft dispatchers على اختيار الطريق الجوي والارتفاع الأمثل الذي ستطير فيه الطائرة، والمطار البديل أو الاحتياطي alternate airport لهبوط الطائرة في حال تعذر هبوطها في مطار المقصد لسبب من الأسباب، وتحديد الزمن وكمية الوقود التي يتوجب ملء خزانات الوقود بها. وكذلك الاستعانة بالمرشدات الملاحية التي ترشد الطيار إلى أي تغيّر في المنحى الذي يسلكه، والاستعانة بالسواتل التي أسهمت في ارتقاء تقنيات الطيران إضافة إلى الكم الكبير من المساعدات الملاحية. ويتّبع كل من يعمل في حقل الطيران من دون استثناء دورات تدريبية مستمرة كل عام لتحديث معلوماتهم refresher courses، والاطلاع على ما يستجد في عالم الطيران.
ومع تقدم العلم والتطور المذهل في مجال الطيران تبقى البوصلة والساعة أدوات أساسية يحتاج إليهما الطيار في عمله أينما حلق وستظل أبداً الركيزة التي يعتمد عليها.
مستقبل الملاحة الجوية والآفاق المستقبلية: ما يزال الطيران يشغل بال المختصين والعاملين في هذا المجال في سعيهم نحو الكمال، والاستفادة مما لديهم من تقنيات حديثة. وفي كل يوم يتوصل المهندسون إلى مفاجأة هدفها خدمة الإنسان وتوفير راحته وأمنه في السفر، واختصار الزمن الذي يقضيه في سفره من بلد إلى آخر. ويصعب بل يستحيل التكهن بالحد الذي ستتوقف فيه الملاحة الجوية عن التطور.