هذا ما حدث ليلة 18 أكتوبر/ تشرين الأول العام 1940م خلال الحرب العالمية الثانية
إذ أغارت طائرات إيطالية على مصفاة البحرين ومدينة الظهران لمنع الوقود عن القوات البريطانية
في أثناء الحرب العالمية الثانية قامت القوة الجوية الإيطالية التابعة للمملكة الإيطالية بالإغارة على مصافي النفط في البحرين والسعودية
لقطع إمدادات الوقود عن القوات البريطانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
مع آخر خيوط أشعة الشمس الذهبية لأصيل يوم 18 أكتوبر 1940 انطلقت أربع طائرات من مدرج قاعدة جوية في جزيرة رودس اليونانية المحتلة
تحمل خزانات وقود سعة كل واحد منها ألف وثلاث مئة غالون.
كان المنظر سرياليا بمستوى أيامنا هذه يثير الابتسامة أو ربما السخرية.
كانت تلك الطائرات من طراز سافويا - ماركاتي اليس - 82 ذات الهيكل المغطى بالقماش السميك (طربال)
وأجنحة مصنوعة هياكلها من الخشب مزودة بثلاث مكائن ماركة الفا رومبو ALFA ROMEO
ذات مروحتين إحداهما تحمل مروحة ثالثة إضافية في مقدمة الطائرة.
هذه الطائرات من النوع المصنع لقطع المسافات الطويلة والحمولة الثقيلة
وهي مسلحة بمدافع رشاشة بريدا سافات BREDA - SAFAT عيار 7.7 مليمترات بالإضافة إلى حمولة من القنابل تبلغ ربع طن للواحدة.
بهذا الشكل من التعبئة الذي يثير الإعجاب والتساؤل تسعى إلى هدف بعيد في ذلك اليوم الخريفي الرائع مودعة في طيرانها
جزر اليونان إلى جزيرة في الخليج العربي مهمتها قصف مصفاة للنفط في محمية بريطانية.
قبل ذلك اليوم بأربعة أشهر أذاع حاكم إيطاليا الفاشي ورئيس وزرائها وقائد جيوشها بنيتو موسوليني معلنا الحرب على بريطانيا وفرنسا
متحالفا مع هتلر وألمانيا النازية.
وفي مطلع أكتوبر، أصدر أوامره بعد موافقته على تنفيذ خطة من أفكار وزير خارجيته وإعداد ضابط في سلاح الجو وطيار متمرس
لتدمير وسائل إيصال الوقود لشل حركة الأسطول البريطاني وإمداد القوات بالنفط.
كان السرب بقيادة الميجر اتوري موتشي، أحد قادة الميليشيا الفاشية ومنفذ المهمة، في خطة جريئة قوامها طائرات بحمولة ثقيلة من الوقود والعتاد
لسرب صغير قوامه أربع طائرات برحلة يمتد خط طيرانها من جنوب البحر الأبيض المتوسط باتجاه سلسلة جبال لبنان
ومن ثم عبر صحراء الشام والصحراء العربية في مسار يتحاشى مجال العراق الجوي لهيمنة القوة الجوية الملكية RAF عليه
ثم اختراق الصحراء الجنوبية إلى سواحل الخليج الشمالية الغربية
وصولا إلى الهدف، ثم اختراق الجزيرة العربية والبحر الأحمر والهبوط في أريتريا التي احتلها موسوليني بحربه مع الحبشة
أو ما أطلق عليها «ابيسينا».
كانت خطة الكابتن موتشي دقيقة التفاصيل تعتمد لنجاحها توافق ثقل الطائرة بما تحمله مع سرعة الريح واستمرار اتجاه هبوبها مدة الرحلة من دون تغيير
وبما أن خط السير باتجاه الجنوب فيكون الاعتماد على هبوب رياح شمالية دافعة من الخلف TAILWIND
يحقق قطع مسافات طويلة باستهلاك القليل من الوقود.
يمكن قطع مسافة ثلاثة آلاف ميل، أي نحو أربعة آلاف وخمس مئة كيلومتر عبر بحار وجبال وصحارٍ
فالاعتماد كله على ثبات هبوب الريح في اتجاه واحد من الشمال إلى الجنوب.
وعلى رغم ذلك واحتياطا في حالة تغيُّر الأنواء الجوية، فإن الطائرات زودت بإشارات ضوئية وتجهيز طائرة أخرى في مطار مصوع على الجهة الغربية
من البحر الأحمر مزودة بكميات من الوقود لتعبئة الطائرات بعد نزول اضطراري في موقع ما بالصحراء العربية المترامية الأطراف.
كل هذه الحسابات أخذت بنظر الاعتبار قبل أن تقارب الساعة موعد الإقلاع في تمام الخامسة وعشر دقائق من ذلك المساء.
حينها علت هدير محركات الالفا روميو مسرعة على المدرج بزخم جعل من هيكل الطائرة المغطى بالقماش السميك
والأجنحة الخشبية تهتز بعنف تحت جهازي الإقلاع. وما هي إلا لحظات حتى حلقت جوا باتجاه الشرق.
مرت الساعات الأولى للرحلة بسهولة وبلا عائق
فقد كانت سماء البحر المتوسط الصافية والرؤية الواضحة ومسير السرب بتشكيل ماسي DIAMOND FORMATION
(طائرة القائد في المقدمة وطائرة على كل جانب والرابعة في المؤخرة) مبعثا للأمل.
كان مسار الطائرات على ارتفاع تسعة آلاف قدم والسرعة بحدود مئة وسبعين ميلا (مئتين وخمسين كيلومترا في الساعة) باتجاه سورية
التي كانت تحت احتلال حكومة فيشي المتعاونة مع ألمانيا.
وحينما حلقت فوق سلسلة جبال لبنان مرت بمنطقة ضباب كثيف حجب الرؤية فلم يعد بإمكان القائد مشاهدة طائرة المؤخرة.
وبقي الاتصال الوحيد معها بواسطة الراديو.
وما إن وصل التشكيل فوق دمشق حتى فقد ذلك الاتصال كليا حينما تغير المسار فوق الأراضي باتجاه الخليج العربي
وهي المرحلة الخطيرة في الرحلة لقرب المجال الجوي من ناحية الشرق من الأراضي العراقية
فأجواؤها تحت سيطرة RAF في قاعدتي الحبانية في الوسط على الفرات على مشارف صحراء الشام والشعيبة قرب البصرة بأطراف البادية الجنوبية
استمرت الطائرات الثلاث بسعيها مستعينة برياح شمالية وسماء يشع فيها نور بدر ساطع يضيء مسالك الصحراء ووديانها.
وفجأة، ظهر ساحل الكويت الجنوبي، عندها انخفضت الطائرات إلى مستوى ثلاثة آلاف قدم بعد طيران استمر تسع ساعات متصلة
بعد فترة وجيزة بلغت المجموعة المغيرة الطرف الشمالي لجزر البحرين وربما سمع السكان هدير محركات طائرات على ارتفاع منخفض
وهم يقومون بإعداد وجبة السحور استعدادا لصيام اليوم السابع عشر من الشهر الفضيل والأنوار منتشرة في كل مكان
أما المنشأة النفطية فكانت أضواؤها مشعة مثل «سوبر ماركت جديد في ولاية كاليفورنيا ليلة افتتاحه»
بحسب وصف أحد العاملين الأميركيين.
وعلى رغم ذلك، فإن الغارة أثارت مخاوف بريطانيا
فقد ذكرت مصادر الاستخبارات الايطالية أن طائرات سلاح الجو ظلت تجوب أجواء مياه الخليج بحثا عن غواصات أو طائرات مائية معادية.
بين زولا ومصوع
بعد أيام قامت السلطات البريطانية بإجراءات دفاعية مشددة، كما قامت شركة ستاندرد كاليفورنيا العربية للنفط CASOC الاسم القديم لـ «أرامكو»
بإرسال بعض الأطفال والنساء للعاملين الأميركيين إلى الولايات المتحدة
(كانت الولايات المتحدة في وضع محايد بالنسبة إلى الحرب ولم تغير هذه الغارة ذلك
ولكنها اشتركت فيها بعد سنة وشهرين من تاريخ هذه الغارة، وتحديدا في 7 ديسمبر/ كانون الأول 1941
حينما أغارت اليابان على قاعدة بيرل هاربر).
لم تتعرض المنشآت للتخريب ولا توقف النفط من انسيابه
ولم يكتشف المغيرون هذه النتائج الهزيلة لمحاولتهم إلا فيما بعد
بل كان همهم مكرسا لمراقبة ما بقي من وقود في خزانات طائراتهم أثناء عبورهم الجزيرة العربية من شرقها إلى غربها من الخليج إلى البحر الأحمر
متطلعين إلى الأفق في شقق الفجر
بينما عدسات الكاميرات تصور مسارهم عبر الصحارى والوديان الممتدة، والتي كانت في زمن سحيق انهارا متعرجة
لى أن حالفهم الحظ بالوصول إلى ساحل البحر الأحمر في مرحلة طيرانهم الأخيرة
فعبره تقع أريتريا على بعد مئتي ميل في الجانب الإفريقي، عندها وعلى مشارفها
وصل إلى علم قائد المجموعة الميجر موتشي عبر الراديو
أن الطيران البريطاني اختار صبيحة هذا اليوم للإغارة على مطار مصوع لاعتقادهم بأن الغارة على البحرين قد نفذت منه.
فتحول اتجاه السرب لمسافة خمسة وثلاثين ميلا أخرى إلى الجنوب
حيث مطار زولا في الصومال الذي هبطوا فيه في تمام الساعة الثامنة وأربعين دقيقة صباحا
بعد قطع ما يقرب من ثلاثة آلاف ميل استغرقت خمسة عشر ساعة ونصف الساعة
عندها اكتشفوا أن ما بقي في خزانات الوقود اقل من أربعين غالونا.
في رحلة عودتهم إلى روما عن طريق بنغازي في ليبيا والتي كانت تحت سيطرة إيطاليا
وفي طريقهم اغاروا على منشآت بريطانية في بورسودان.
كان الترحيب حافلا بانتظار وصول السرب إلى روما، حيث كوفئ الميجر موتسي وزملاؤه
باستقبال الأبطال ونثرت عليهم النياشين والرتب على ما قاموا به من مغامرة جريئة غير مسبوقة بمقاييس العام 1940
والتي تبقى ذكرياتها في مخيلة من عاش تفاصيل فجر ذلك اليوم من أكتوبر
ردود الفعل المحلية والدولية
أعلنت الحكومة السعودية أنه ليلة 18/19 أكتوبر أغارت طائرات مجهولة
والقت حوالي ثلاث وعشرين قنبلة من عيار 25 إلى 30 باون. على منشآت CASOC في الظهران
وقد أحدثت خسائر طفيفة لشبكة الأنابيب ولم تنفجر قنبلة واحدة
وهربت الطائرات باتجاه الجنوب
لم تعرف أنواع القنابل ولكن وجدت شعلات للمظلات PARACHUTE FLARES من صناعة إيطالية وعليها تعليمات باللغة الإيطالية.
بيان من حكومة البحرين برقم 25-1359 هـ، وتاريخ 17 رمضان 1359 هـ، الموافق 19 أكتوبر 1940 نجد فيه ما يلي:
نعلن لجميع المواطنين الكرام انه في ليلة السبت 17 رمضان 1359 هـ
حلقت طائرات معادية مخترقة اجواء وطننا في محاولة تخريبية لقصف مصفاة شركة نفط البحرين في المنامة.
ورغم عدم وجود عوائق دفاعية للمجابهة، فان الطائرات التي كانت تحلق على ارتفاع الفي ذراع
قد القت قنابل بلغ عددها حوالى اربعين قنبلة سقطت كلها خارج محيط المصفاة بمسافة نصف ميل.
وحمداً للعناية الالهية لم تقع أي اصابة بشرية أو خسارة مادية تذكر
وتقوم حكومة الدولة البريطانية العلية بجميع اجراءات الدفاع، وكل ما يحفظ سلامة الأمن في الوطن.
القنصلية البريطانية في مدينة جدة أرسلت برقية إلى الحكومة البريطانية جاء فيها :
من المفوضية البريطانية – جدة إلى وزير الخارجية – لندن رقم 773 – 21 أكتوبر 1940
ارسل لي الأمير فيصل بن عبد العزيز آل سعود إلي (وزير الخارجية السعودي حينها)
رسالة تقول ان الطائرات سمعت فوق بلدة ليلى قبل فجر 19 أكتوبر وفوق بلدة أبها بعد ساعات.