“ممر لوبيتو” إستراتيجية أمريكية جديدة للتنافس على الكوبالت الإفريقي

Think Tanks

عضو
إنضم
2 يناير 2024
المشاركات
548
التفاعل
1,095 25 2
الدولة
Egypt
ممر-ليبوبيتو-1024x576.jpg



د. جيهان عبد الرحمن جاد


باحثة متخصصة في الشؤون الإفريقية

مقدمة:


في ظل تصاعد النفوذ الصيني في إفريقيا، والذي تجلَّى بوضوح في مشاريع البنية التحتية والتنمية على مدى العقدين الماضيين؛ تسعى الولايات المتحدة حاليًّا إلى اتخاذ إجراءات مضادَّة لتعزيز وجودها في القارة، لا سيما في قطاع المعادن الإستراتيجية.

وبرز ذلك في إطلاق مشروع ممر لوبيتو؛ وهو أحد أكثر عروض البنية التحتية الأمريكية طموحًا في إفريقيا حتى الآن. وأعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال قمة قادة مجموعة العشرين التي انعقدت في سبتمبر 2023م، عن دعمه لإحياء ممر لوبيتو، وهو طريق إستراتيجي يربط ثروات جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا من الكوبالت والنحاس بالأسواق الأوروبية والولايات المتحدة عبر ميناء لوبيتو في أنجولا على ساحل المحيط الأطلسي.


وتروّج حكومة بايدن للمشروع على أنه نموذج بديل للتعاون بين الولايات المتحدة والدول الإفريقية، بغرض الاستفادة من قدرة واشنطن على تعبئة رأس المال الخاص للاستثمار في البنية التحتية في إفريقيا، وكذلك المجالات الرئيسية الأخرى مثل التكنولوجيا الرقمية، والتخفيف من آثار تغيُّر المناخ وأمن الطاقة.


الخلفية التاريخية:


ممر لوبيتو هو عبارة عن شبكة تربط بين ميناء لوبيتو ومحطة التعدين عبر خط سكة حديد بنجويلا الذي يمتد لأكثر من 1300 كيلو متر في عمق القارة، من مقاطعة بنجويلا إلى لواو في مقاطعة موكسيكو على الحدود الشمالية الشرقية لأنجولا، ويستمر بعد ذلك الممر لمسافة 400 كيلو متر أخرى في جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى مدينة التعدين كولويزي قلب منطقة التعدين، متصلًا مباشرة بشبكة السكك الحديدية في الكونغو، ثم لمسافة 90 كيلو مترًا أخرى تقريبًا إلى حزام النحاس في زامبيا.


ظل الخط لسنوات عديدة الشريان الحيوي للنقل؛ حيث كان المنفذ البحري الوحيد لعدد كبير من دول وسط وجنوب إفريقيا.


بدأ بناء هذا الخط الحديدي في 28 نوفمبر 1902م، واكتمل في عام 1931م، وذلك بسبب الطبيعة الجغرافية الصعبة التي واجهتها، وبتمويل من البريطانيين بموجب عقد إيجار لمدة 99 عامًا من الحكم الاستعماري البرتغالي.


وكان الغرض منه إنشاء شبكة من خطوط السكك الحديدية لنقل النحاس والكوبالت من المناجم في البلدان الثلاثة: أنجولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا. ظل ممر لوبيتو يعمل بكفاءة لسنوات عديدة، وأسهم بشكل كبير في دعم الاقتصاد المحلي، حيث أسهم في نقل البضائع بما في ذلك خام النحاس والمعادن الأخرى من المناطق الداخلية، بالإضافة إلى نقل المحاصيل من المناطق الزراعية الواقعة في ممر لوبيتو، في مقاطعات بنجويلا وموكسيكو، حتى اندلعت الحرب الأهلية في أنجولا، والتي تزامنت مع نهاية الاستعمار البرتغالي في عام 1975م( ).


أدت ويلات الحرب الأهلية في أنجولا -التي دامت 27 عامًا- إلى جانب الانهيار الدائم للقانون والنظام داخل الكونغو؛ إلى توقف حركة البضائع على خط بنجويلا منذ منتصف السبعينيات. وتم تدمير معظم البنية التحتية للسكك الحديدية، وخاصة داخل أنجولا. وبانتهاء مدة الامتياز القانوني في 28 نوفمبر 2001م –الذي دام 99 عامًا- عادت الأراضي والبنية التحتية إلى حكومة أنجولا، وذلك بالتزامن مع نهاية الحرب الأهلية، إلا أن نسبة التشغيل الفعلي لم تتجاوز 3% من إجمالي طول الشبكة. وبفضل استثمارات صينية وصلت إلى ملياري دولار تم تجديد خط سكة حديد بنجويلا خلال الفترة من عام 2006م حتى عام 2014م، وتم تسليم المشروع رسميًّا في أكتوبر 2019م( ).


التزمت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون بتمويل خط سكة حديد لوبيتو الأطلسي الحالي، بالإضافة إلى خط سكة حديد جديد سيربط أنجولا وزامبيا. ويتضمن نطاق المشروع سلسلة من الطرق والجسور والاتصالات والطاقة والزراعة( ). ومنحت الحكومة الأنجولية امتيازًا لمدة 30 عامًا إلى تحالف “لوبيتو أتلانتيك” للسكك الحديدية في 4 يوليو 2023م، وهو تحالف يضم شركة التجارة السويسرية “ترافيجورا Trafigura “، ومجموعة البناء البرتغالية “موتو انجيل Moto-Engil “، وشركة السكك الحديدية البلجيكية المتخصصة “فيكتوريس Vecturis”، مع إمكانية تمديد فترة الامتياز لمدة 20 عامًا إضافية إذا تم استيفاء شروط الاستثمار. وخصَّص التحالف ما يزيد على 450 مليون دولار في أنجولا لتحديث البنية الأساسية للسكك الحديدية، إلى جانب استثمار 100 مليون أخرى في الكونغو الديمقراطية وزامبيا، وبعد التطوير ستتمكن السكة الحديد من نقل 5 ملايين طن من البضائع سنويًّا قادمة من الكونغو الديمقراطية وزامبيا. ويُعد ذلك المشروع أكبر استثمار أمريكي في البنية التحتية في إفريقيا من خلال تقديم واشنطن دعمًا بقيمة 250 مليون دولار، مع تمويل إضافي من الاتحاد الأوروبي ومؤسسات التنمية الدولية الأخرى( ).


ويتضمن المشروع بناء ما يقرب من 550 كيلو مترًا من خطوط السكك الحديدية في زامبيا، من حدود جيمبي إلى تشينجولا في حزام النحاس الزامبي، إلى جانب 260 كيلو مترًا من الطرق الفرعية داخل الممر( ).

ممر-لوبيتو.jpg


الأهمية الإستراتيجية لممر لوبيتو:


ترجع أهمية مشروع ممر لوبيتو لعدة أسباب؛ من أهمها ما يلي:


– الكوبالت والليثيوم معادن إستراتيجية للولايات المتحدة


يشير المشروع إلى التنافس الجيوسياسي بين القوى العظمى في العالم وسط التحول العالمي الجاري من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة النظيفة؛ ولذا فإن المعادن الحيوية تجلب أبعادًا جديدة لأمن الطاقة بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وربط حزام النحاس في وسط إفريقيا -وهي منطقة كبيرة غنية بالنحاس تضم جزءًا من جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا- بالمحيط الأطلسي هو وسيلة للحدّ من اعتماد الغرب على الصين في المعادن الرئيسية المستخدَمة في إنتاج السلع الاستهلاكية والتكنولوجيات العسكرية. وبالتالي، فإنّ مشاركة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين في مشروع ممر لوبيتو تشير إلى استعداد واشنطن المتزايد لاستخدام المنافسة بين القوى العظمى كإطار تنظيمي للسياسة الخارجية( ).


كما قدرت وكالة الطاقة الدولية أن الطلب على النيكل والكوبالت سيزداد بين عامي 2020م و2040م بمقدار عشرين مرة، وعلى الليثيوم بأكثر من أربعين مرة. وقد أدَّى هذا الارتفاع المتوقع في الطلب على المعادن الإستراتيجية إلى إثارة اهتمام كبير بممر لوبيتو، ومعه تدافع حتمي للوصول إلى هذا الممر. وقد وجدت جمهورية الكونغو الديمقراطية نفسها، باعتبارها أكبر مُنتِج للكوبالت (تنتج نحو 70% من الكوبالت في العالم)، في مركز هذا التدافع، وكذلك زامبيا. كما تمتلك أنجولا 32 من أصل 51 معدنًا حيويًّا ضروريًّا للتحول الأخضر لاستخدامها في السيارات الكهربائية والألواح الشمسية. وفي حين أن البترول هو الواردات الرئيسية للطاقة من أنجولا، إلا أنها تتنافس أيضًا على عقود استكشاف المعادن هناك( ).


كما يُعدّ الممر علامة فارقة مهمة لأنجولا وجيرانها غير الساحليين؛ حيث سيتم تصدير المعادن الإستراتيجية والسلع الأساسية من داخل القارة إلى الأسواق العالمية من خلال ممر لوبيتو بطرق أكثر سرعة وأفضل كفاءة. بدلاً من الاعتماد على الطريق الشرقي التقليدي عبر ميناء دار السلام في تنزانيا أو بيرا في موزمبيق أو ديربان في جنوب إفريقيا، وهو ما ينطوي على أوقات تسليم طويلة وتكاليف نقل عالية( ).


الممر أداة من أدوات القوة الناعمة الأمريكية في القارة


يُمثّل مشروع لوبيتو جزءًا من رؤية الولايات المتحدة لإنشاء شراكات اقتصادية متبادلة المنفعة مع الدول الإفريقية، وذلك بهدف تعزيز النمو الاقتصادي المستدام في القارة.


وتماشيًا مع إستراتيجية القوة الناعمة في إفريقيا؛ يُجسّد مشروع لوبيتو الطموحات الأمريكية في توسيع نطاق علاقاتها مع الدول الإفريقية من خلال الاستثمار في مشاريع البنية التحتية؛ حيث تهدف الولايات المتحدة إلى تعزيز التنمية الاقتصادية، وخلق فرص العمل، وبناء شراكات يمكن أن تخدم الدول الإفريقية والمصالح الأمريكية، بحسب تصريحات نائبة الرئيس الأمريكية كامالا هاريس خلال زيارتها إلى غانا وتنزانيا وزامبيا العام الماضي. كما سلّط وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين خلال زيارته لأنجولا، الضوء على مشروع ممر لوبيتو باعتباره مثالاً “تحويليًّا حقيقيًّا” لـ”الإنتاج المستدام طويل الأجل” الذي زعم أن واشنطن تدعمه في جميع أنحاء إفريقيا. ولكن عند الفحص الدقيق، يتبين لنا أن النهج الأمريكي الجديد يحاكي في الأغلب خط عمل الصين، ويعطي الأولوية للأهداف الجيوسياسية لواشنطن قبل أهداف التنمية المستدامة في إفريقيا( ).


وتم مؤخرًا توقيع العديد من مذكرات التفاهم والاتفاقيات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الممر، وكانت تركز بشكل مباشر أو غير مباشر على تطوير البنية التحتية لممر لوبيتو، واستخدامه لنقل المعادن الإستراتيجية من منطقة كاموا-كاكولا، بجانب نقل منتجات تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مع ضرورة تسريع نموّ التجارة المحلية على طول الممر، وتفعيل دور الشركات الصغيرة والمتوسطة، مع مزيد من الاستثمارات في تطوير الطاقة الخضراء وتخزين الطاقة والتعدين المستدام؛ ويهدف الجانب الغربي من ذلك إلى تقديم ثِقَل مُوازِن للوجود الصيني في المنطقة( ).


محاولات واشنطن لكسر هيمنة الصين على الكوبالت:


يُمثل تطوير ممر لوبيتو حلقة من حلقات التنافس بين واشنطن وبكين في القارة، ويُعدّ ردًّا صريحًا على مبادرة الحزام والطريق الصينية أكبر مبادرة عالمية للبنية الأساسية والتنمية الاقتصادية تمتد عبر آسيا وأوروبا وإفريقيا، التي أُطلقت في عام 2013م. وهي إستراتيجية اتبعتها الصين للسيطرة على سلاسل توريد المعادن الحيوية، معتمدة على استثمار مليارات الدولارات في بناء الطرق ومحطات الطاقة والموانئ والسكك الحديدية والبنية الأساسية الرقمية في جميع أنحاء العالم، وحتى الآن، وقَّعت 52 حكومة إفريقية مذكرات تفاهم مع الصين بشأن الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق.


لا تقتصر أهمية هذه المشاريع على تعزيز الاتصال داخل القارة فحسب، بل تمثل أيضًا وسيلة إستراتيجية للصين للوصول إلى الثروات المعدنية الهائلة في إفريقيا، مما يعزّز نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي في القارة. وتتجلى هذه الإستراتيجية بوضوح في دول مثل زامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية؛ حيث تسيطر الصين على أكثر من 80% من مناجم النحاس في الكونغو، كما أصبحت المسؤولة عن استخراج أغلب المعادن النادرة في الكونغو بما في ذلك من الكوبالت -معدن أساسي في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية وطائرات إف-35 المقاتلة-، واستثمرت نحو 4.5 مليار دولار في تعدين الليثيوم في دول أخرى مثل زيمبابوي وأنجولا وناميبيا خلال الفترة بين عامي 2018 و2023م.


وبشكل عام، أنفقت الحكومة الصينية أكثر من تريليون دولار في مشاريع تهدف إلى تأمين إمدادات الموارد الأساسية للتحول في مجال الطاقة. وبفضل ذلك أصبحت الصين متقدمة بالفعل في بناء سلاسل التوريد الكوبالت والليثيوم والعديد من المعادن الحيوية الأخرى على مستوى العالم، التي أصبحت الآن موضوعًا للمنافسة الجيوسياسية( ).


غير أن هذه الميزة التنافسية شهدت تراجعًا تدريجيًّا على مر السنوات الأخيرة؛ بسبب التباطؤ الاقتصادي العالمي بعد الوباء، وتزايد مخاطر الديون في العديد من الدول الإفريقية، بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية الداخلية التي تواجهها الصين، مما أدَّى إلى انخفاض كبير في الاستثمار المرتبط بمبادرة الحزام والطريق من 125 مليار دولار في عام 2015م إلى 70 مليار دولار في عام 2022م( ). الأمر الذي جعل بعض الحكومات الإفريقية مثل أنجولا وزامبيا والكونغو تتجه إلى مغازلة الغرب، واتضح ذلك عندما استضاف الرئيس جو بايدن الرئيس الأنجولي جواو مانويل غونسالفيس لورينسو في نوفمبر الماضي، وأشاد لورينسو بنهج واشنطن تجاه القارة، وأن بلاده تتطلع إلى تطوير علاقات اقتصادية وأمنية متزايدة مع الولايات المتحدة( ).


وعلى الرغم من ذلك، لا تزال الصين مهيمنة وبقوة على الدول الإفريقية، سواء من ناحية البنية الأساسية أو العلاقات الدبلوماسية. لقد رسَّخت مبادرة الحزام والطريق بالفعل مكانة الصين كشريك موثوق به للدول الإفريقية، مما يُشكِّل عقبةً كبيرةً أمام الولايات المتحدة، التي تحاول من خلال تطوير ممر لوبيتو بناء شراكات مع إفريقيا؛ إلا أن محاولتها أتت متأخرة للغاية( ).


ولكن تواجه مبادرة تطوير ممر لوبيتو العديد من العقبات والصعوبات التي يتعين على واشنطن التغلب عليها، ولعل أهمها: أنه يجب إثبات أنه قابل للتطبيق تجاريًّا، ونقل ما يكفي من البضائع لتبرير تكاليف البناء والتشغيل والصيانة الباهظة، فتطوير قطاع المعادن ليس ضرورة اقتصادية فحسب، بل إنه ضروري أيضًا لتعزيز السلام والأمن في إفريقيا. وعلاوةً على ذلك، فإن تحركات الحكومات الإفريقية لحظر صادرات السلع الخام -بهدف زيادة معالجة المعادن ذات القيمة المضافة في إفريقيا- قد تؤدي إلى انخفاض أطنان السكك الحديدية وسط نقص القدرة على المعالجة المحلية.


كما يشهد ممر لوبيتو منافسة إقليمية لنقل المعادن الأساسية. وسوف يحتاج الممر إلى زيادة وتيرة النشاط الاقتصادي المحلي، وخاصةً في الزراعة، لكسب دعم المجتمع المحلي وزيادة حركة السكك الحديدية. كما يُواجه المشروع تحديات تتعلق بالسلامة والتشغيل. خاصةً، وأن الحرب الأهلية في شرق الكونغو قد تؤدي إلى تأخير أو تعليق بناء القسم الكونغولي من السكك الحديدية( ).


وأمام الويات المتحدة تحدٍّ آخر، وهو أن سلسلة بطاريات السيارات الكهربائية ليست مُعقَّدة فحسب، بل إن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ليسا حاليًّا من القادة في تكنولوجيا السيارات الكهربائية. ويُقال: إن جزءًا كبيرًا من خطوات تنفيذها يتم تنفيذها في آسيا( ).


الرؤية المستقبلية:


نظرًا للتحديات التي من المرجَّح أن يُواجهها تطوير ممر لوبيتو، وأن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قد يكون لديهما وصول محدود إلى المعادن الخام المهمة وغيرها من المواد الإستراتيجية من خلال هذا الطريق؛ تحتاج الأطراف المعنية النظر إلى آفاق أوسع، والتركيز على بناء قطاع تصنيعي قوي في القارة الإفريقية، من خلال بناء إستراتيجية متوسطة إلى طويلة الأجل، قاعدتها التركيز على الاستدامة وتعزيز التنمية الاقتصادية الشاملة، وهذا أمر منطقي لبناء أسواق في المستقبل.


وربما بدأت أولى خطواتها في ذلك المسار، عندما أعلنت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مؤخرًا عن مشروع زراعي بقيمة 5 ملايين دولار في أنجولا لزيادة النشاط الاقتصادي القادر على الاستفادة من الممر. لكن يظل نجاح المسعى الأمريكي يعتمد على قدرة الولايات المتحدة على التعامل مع التعقيدات الجيوسياسية، والعلاقات التاريخية، والديناميكيات الإقليمية الموجودة بالقارة، وبناء الثقة مع الشركاء المحليين، وتقديم فوائد ملموسة تتوافق مع تطلعات الدول الإفريقية. لذا فإن على واشنطن الكثير من العمل لتحقيق ذلك واللحاق بالحضور الراسخ للصين، ولكنّ المنافسة على النفوذ في إفريقيا ستُشكّل بلا شك المسار المستقبلي للعلاقات الدولية( ).


الواقع أن تطوير ممر لوبيتو خطة جاءت متأخرة، خاصةً فيما يتصل بنقل إمدادات بطاريات السيارات الكهربائية إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة؛ لأن معظم الإمدادات قد حجزها الصينيون بالفعل. وعلاوةً على ذلك، فهناك طريق مقترح، أقصر بنحو 500 كيلو متر، إلى الشرق بين لوبومباشي في الكونغو ودار السلام بتنزانيا، مما يُزيد من التشكيك في جدوى ممر لوبيتو. بالإضافة إلى تولي الصينيين إدارة خط سكة حديد تازارا.


ومن المرجح أن تسعى الدول الإفريقية، التي تدرك سيادتها ومصالحها الوطنية، إلى اتباع نهج متوازن في التعامل مع كلٍّ من الصين والولايات المتحدة. وبالنسبة للقادة الأفارقة، فإن السؤال لا يتعلق بما يمكن للولايات المتحدة أو الصين الحصول عليه من هذه الصفقات، بل يتعلق أكثر بما يمكن لإفريقيا الحصول عليه من مواردها. إن أحد الحلول المحتملة هو إعلان ممر وميناء لوبيتو منطقة اقتصادية خاصة تسمح للموردين بالوصول الكامل إلى أسواق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة( ).


الخاتمة:


يمكن القول: إن مشروع ممر لوبيتو الذي تدعمه الولايات المتحدة يعكس التحول في الديناميكيات الجيوسياسية في إفريقيا، ويمثل محاولة لمواجهة النفوذ الصيني في المنطقة وتأمين إمدادات بديلة من المعادن الإستراتيجية وعلى رأسها “الكوبالت”.


ورغم التقدم الصيني الملحوظ في إفريقيا خلال العقدين الماضيين؛ فلا تزال الولايات المتحدة والدول الأوروبية تسعى جاهدة لمواكبة هذا الزخم، لا سيما في مجال الاستثمار في البنية التحتية. ومع ذلك، يتطلب ذلك تحولًا جذريًّا في السياسات الخارجية الغربية تجاه القارة السمراء، وفشل هذه الجهود قد يؤدي إلى تعزيز هيمنة الصين على المعادن الإستراتيجية في القارة الإفريقية.


………………………………..


([1]) Chabala, E. D. Wala, Lobito Corridor – A Reality Check, Feb 2, 2024.





([2]) Regional Programme of Action for Economic Development and Regional Integration, Project No. 3.3.3, Lobito Corridor Project, International Conference on the Great Lakes Region, March 2006, p.5.


([3]) Ògúnmọ́dẹdé, Chris O., The Empty Promises of the US-EU Lobito Infrastructure Project, April 11, 2024.





([4]) Lobito Corridor Investment Promotion Authority, The Lobito Corridor What It Is and Why It Matters, January, 2024, p.5.





([5]) Stonor, Alex, The Lobito Corridor: Washington’s Answer to Belt and Road in Africa, January 4, 2024.





([6]) Ògúnmọ́dẹdé, Chris O., Op.cit.


([7]) Chabala, E. D. Wala, Op.cit.


([8]) Lobito Corridor Investment Promotion Authority, Op.cit, p.5.


([9]) Lobito Corridor Investment Promotion Authority, Op.cit, p.6.


([10]) Chabala, E. D. Wala, Op.cit.


([11]) Lu, Christina, Washington Wants to Revive a Critical Minerals Mega-Railway Through Africa, February 28, 2024.





([12]) Stonor, Alex, Op.cit.


([13]) Nogués, Eduardo Castellet, Confronting the China Challenge in Africa: The Lobito Corridor, April 2, 2024.





([14]) Stonor, Alex, Op.cit.


([15]) Sheehy, Thomas P., The Lobito Corridor: A U.S. Bet on Africa’s Critical Mineral Development, August 8, 2024.





([16]) Chabala, E. D. Wala, Op.cit.


([17]) Chabala, E. D. Wala, Op.cit.


([18]) Stonor, Alex, Op.cit.


المصدر: قراءات إفريقية
 
عودة
أعلى