فكر التنظيمات المسلحة في الدولة الحديثة

Saul

عضو جديد
إنضم
6 مارس 2024
المشاركات
21
التفاعل
54 9 0
الدولة
Saudi Arabia
بسم الله الرحمن الرحيم
منذ فجر التاريخ عرف العالم التنظيمات والمليشيات المارقة على القوانين والدولة ومن أول من عرفوا كتنظيمات خارجة عن إطار القانون والدولة هم المرتزقة متعددي الجنسيات والتي استخدمهم الفرس والإغريق والرومان والفراعنة، أما في التاريخ العربي لم تعرف التنظيمات بشكلها المعروف ولكن كان الصعاليك في وقت الجاهلية معروفين بخروجهم عن قوانين العرب والقبيلة حتى وصل الحال بقبائلهم ان نادت في الأسواق (كسوق عكاظ) بأنها تتبرى منهم وليست مسؤولة عن أي ذنب يقترفونه بحق القبائل.

أما بعد ظهور الإسلام فقد عرف الخوارج والحشاشين وغيرهم من التشكيلات الخارجة عن نطاق الدولة، وتطورت هذه التنظيمات وتكاثرت مع تكاثر المذاهب الإسلامية.


التقسيم

قبل ذكر التقسيم أود أن أنوه أن هذا التقسيم لا يعني أن هذه التنظيمات تمثل المذاهب المرتبطة بها ولكنها تقتبس فكرها من أئمة هذه المذاهب مع تأويل معظمهم لها بشكل خاطئ.

يمكن تقسيم التنظيمات المسلحة بشكل رئيسي إلى ثلاث أقسام:

  • تنظيمات مسلحة مرتبطة بالمذهب السني مثل: القاعدة - داعش - الشباب
  • تنظيمات مسلحة مرتبطة بالمذهب الشيعي مثل: حزب الله - التنظيمات المسلحة المكونة للحشد الشعبي - أنصار الله
من هنا يظهر أن أيدلوجية التنظيمات المسلحة تختلف 180 درجة عن بعضها البعض بل أنها في حالات كثيرة تحارب ضد بعضها مما أدى لظهور تنظيمات تابعة لهذه التنظيمات بل أن عدداً من هذه التنظيمات هو جزء من أخرى (داعش كانت ولاية تابعة للقاعدة ثم انفصلت عنها - بوكو حرام كانت تابعة للقاعدة ثم انفصلت وأصبحت مع داعش).

أيدلوجية جذب الداعمين

تتبع كل التنظيمات المذكورة أعلاه أيدلوجية واحدة لكسب التأييد وضم المقاتلين هي دغدغة المشاعر، وتختلف طريقة الجذب من تنظيم لآخر لكنها لا تبتعد أبداً عن الفكرة الرئيسية "دغدغة المشاعر"، ففي التنظيمات التي ترغب في جذب السنة كانت الطريقة في بداياتها هي "نصرة المسلمين" في أفغانستان والبوسنة والكروات والشيشان وداغستان والجزائر ودول أفريقيا وهلم جرّا، أما التنظيمات التي ترغب في جذب الشيعة فهي مواجهة "المشاريع الصهيوأمريكية" في العراق وسوريا ولبنان.

لم تعلم - أو علمت ورغبت - تلك التنظيمات أنها في الوقت الذي كان تكسب تأييد أبناء مذهبها كانت تزيد من تأييد أبناء المذهب الآخر لتنظيماتهم، فداعش حين دخلت العراق وأعدمت الشيعة زاد التأييد للتنظيمات الشيعية وحين أعدمت الكرد بشتى مذاهبهم وأديانهم زادت من تأييد التنظيمات الكردية، والعكس صحيح، فحين ظهرت بعض الفيديوهات التي تظهر مقاتلي الحشد الشعبي "والذي يتشكل معظمه أو كله من التنظيمات الشيعية" وهي تعذب أو تسرق أو تقتل أبناء السنة في المناطق المحررة زاد التأييد والتعاطف السني في العراق مع داعش كونها لم تفعل بهم ما فعل بها مقاتلي الحشد.

بعد الحرب الأهلية السورية تغيرت الأيدلوجية من محاربة أطراف خارج دائرة الإسلام إلى محاربة أطراف داخل دائرته (السنة - الشيعة) فرأينا كيف ظهرت الخطابات الطائفية عن أن الشيعة (بشار وزبانيته) يقتلون السنة بدعم من الروس (العدو الأقدم للتنظيمات السنية)، وظهر الخطاب المعاكس أن السنة (الجيش الحر وداعش وغيرها) يرغبون في تدمير المكون الشيعي في سوريا بدعم من القوى الصهيوأمريكية (العدو الأكبر للطرفين وللشيعة بشكل خاص).


الخلاف القاعدي - الداعشي

في معرض حديثي هذا سأتحدث عن تنظيمي القاعدة وداعش كوني مطلع عليهما بشكل أكبر.

كما نعرف أن تنظيم داعش ولد من رحم القاعدة فقد كان اسمه قاعدة الجهاد في العراق بقيادة مصعب الزرقاوي ثم غيره أبو عمر البغدادي إلى الدولة الإسلامية في العراق وكان لا يزال يتبع القاعدة وأصبح على هذا المسمى حتى توسع أبوبكر البغدادي - الذي فصل التنظيم عن القاعدة - في عمليات التنظيم إلى سوريا فأصبح الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وحين أضحت الخطط التوسعية تكبر غير التنظيم اسمه إلى الدولة الإسلامية.

اتسع الخلاف بين القاعدة وداعش، فالقاعدة ترى ان الدواعش ليسوا الا مجموعة نزعت عن عنقها بيعة امير التنظيم بل أن بعض مقاتلي القاعدة يرون الدواعش تشددوا في تكفير المسلمين (عجبي!!)، بينما داعش ترى أن مقاتلي القاعدة قاعدين عن القتال وأنهم لم يعودوا القوة المؤثرة ويتضح ذلك أن داعش قد قامت بإنشاء ولايات تابعة لها في أماكن نشاط القاعدة (اليمن وأفغانستان وباكستان وغيرها) بل وحولت بعض حلفاء القاعدة ليكونوا موالين لهم (بوكو حرام أنموذجاً).

والقارئ في الأخبار يرى أن داعش ليست الا إرهاص قاعديّ ولكن بشكل أكبر تشدداً ويتضح ذلك في القوانين التي سنّوها وطرق الإعدام التي طبقوها (الحرق بالنار مثلاً) والتي لم نرها في مواقع كانت تحكمها القاعدة.


التأثير على المدنيين

لم يكن لهذا التحول تأثير على بوصلة القتال فقط، بل حتى على المدنيين أنفسهم وأقرب مثال هو الخلاف الذي حصل مؤخراً في مجلس النواب العراقي بشأن تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية (ولن أذكر رأيي فيه)، فقد ذكرت أحد النائبات - لا يحضرني اسمها - الممثلات للمكون الشيعي أن "إخواننا السنة ربطوا قانون الأحوال الشخصية بالشيعة والشيعة ربطوا قانون العفو العام بالسنة"، فأصبحت المطالبات بإلغائها التعديل توصم بوصمة طائفية لإيقافها أو ربطها بقوانين أخرى لتمريرها كونها تهم المكون الآخر (وكأن النواب هم لخدمة مكون واحد وليسوا نواباً للعراق قاطبة).

أما في مظاهرات تشرين/أكتوبر 2019 في العراق كذلك فمع أن المظاهرات كان مختلطة المذاهب والأديان الا أن رجال الدين المنتفعين من الدولة (وهم من كلا المذهبين وبعضهم تتبعهم تنظيمات مسلحة) رموا المتظاهرين بواحدة من حجتين: فاسدين وفاسدات يرغبون في الانحلال الأخلاقي، أو أنهم من المذهب الآخر ويرغبون في تدمير مكوننا وإبعادنا عن الدولة.


هل لا زالت التنظيمات تملك نفس التأثير

أعتقد والله أعلم أن تأثير التنظيمات المرتبطة بالسنة قل مقارنةً بالماضي في المناطق التي كانت هذه التنظيمات تملك تأثيراً كبيراً ومباشراً تملك تأثيراً كبيراً فيها وذلك يعود لعدة أسباب منها:
  • قوة الدولة ومحاربة فكرها: في السعودية والكويت والأردن
  • تأثر الدولة بنزاع جارٍ: اليمن (لم تنتهي ولكن الانقسام الحاصل بين الحوثيين والشرعية والجنوبيين يغطي عليها)
  • ضعف القاعدة وداعش بعد تدمير وتحرير مواقعهما: باكستان والعراق وسوريا
  • دعم التنظيمات المرتبطة بالشيعة وزيادة قوتها: العراق وسوريا ولبنان (بدعم من إيران)
ولكن، لا يزال التأثير موجوداً في القارة الأفريقية بشكل كبير (ليبيا ونيجيريا والصومال بشكل خاص) وذلك كون هذه المناطق مناطق صراع نشطة لعدة سنوات دون أن تكون لها حظوة في عمليات مكافحة التنظيمات المسلحة بل أصبحت مرتعاً لعدد كبير من المقاتلين الهاربين من المناطق المحررة والتي ضعفت فيها تنظيماتهم.

هل يمكن إيقاف هذا الفكر في الدولة الحديثة؟

أذكر أن أحد ضباط قوات الأمن الخاصة (أعتقد أنه خالد المحيا) في وثائقي العربية "كيف واجهت السعودية القاعدة" قال كلمة جميلة جداً: "من السهل قتل الإرهابي ولكن من الصعب قتل فكره"، وأعتقد أن هذا الكلام صحيح فمن الصعب إيقاف الأيدولوجيات التي تقوم عليها هذه التنظيمات مهما كثر أو قل مؤيدوها فقد رأينا أنه منذ فجر البشرية والتنظيمات المسلحة موجودة وقائمة على أيدولوجيات مختلفة، لكن السبيل لإضعافها سهل وواضح وهو التوعية ثم التوعية ثم التوعية.

ولمن يعتقد أن التوعية ليست كافية، فبالطبع لا بد من وجود ضربات قوية على أسلحتها الفكرية والقتالية، فكما نرى أن جهود التوعية والضرب بيد من حديد كما ذكرت مسبقاً في دول الخليج والأردن أدت ولله الحمد إلى ضعف كبير جداً في تأييد هذه التنظيمات مما أدى إلى قلة بل وانعدام هجماتها (سواء كانت هجمات قتالية أو فكرية)

ان استخدام تعبير تنظيمات إرهابية لوصف التنظيمات ذات التأييد الواسع قد يقتل التوعية في مهدها فمن المهم التوعية بمخاطر الركون للطائفية المقيتة والتنظيمات الخارجة على القوانين الوطنية والدولية وكيف أن تأثيرها لم يعد بقتل الروح، بل بقتل الفكر وهو أخطر من الأول بكثير.



اللهم آمنّا في أوطاننا وأدم علينا
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه

تعقيب:
المعذرة من الإخوة العراقيين كثرت من الأمثلة على الأوضاع هناك لكن إن شاء الله اني أمون عليهم، وتركيزي على القاعدة وداعش كون بحثي الأكبر في السنوات القليلة الماضية كان عنهما، كما أن كثير من المصطلحات المذكورة هي مثال لنوعية الخطابات الموجهة من قبل التنظيمات ولا تعني دعمي لهذا الخطاب أو فكر أي من التنظيمات المذكورة.
 
تنويه:
ذكرت الصعاليك ونسيت ان اذكر انهم لم يكونوا تنظيماً موحداً بل كانوا افراداً في مختلف الأماكن والأزمنة.
كما ذكرت في المقال تقسيم التنظيمات المسلحة، وكنت اقصد التنظيمات المسلحة المرتبطة بمذاهب إسلامية وكذلك ذكرت انها ثلاث أقسام وهي قسمين.
 
عودة
أعلى