النظرة الاستراتيجية الإسرائيلية اتجاه سوريا ...
هذا جزء من محاضرة ألقاها وزير الأمن الداخلي الصهيوني (آفي ديختر) في معهد أبحاث الأمن القومي تناول فيها محاور عديدة أخترت لكم منها الجزء الخاص بالنظرة الإسرائيلية لسوريا على المستوى الاستراتيجي فيما يخص الأبعاد السياسية و العسكرية و الرؤية الإسرائيلية لفرص تحقيق السلام بين الطرفين :
عن الحركة الإستراتيجية الإسرائيلية بإتجاه الساحة السورية خلال الحديث عن الجهود الإسرائيلية للتوصل إلى سلام مع سوريا ، فقد لوحظ أن المفاوضات غير المباشرة مع سوريا لم تحتل مساحة فى حديث ديختر سوى بضع عبارات هي أن رئيس الوزراء (أولمرت) رأى من وجهة نظره أن يجرب اسلوب المفاوضات كأحد الخيارات للتعاطي بأكثر فاعلية مع تحديات إيران وحزب الله الخطيرة ، هذا عندما قال :"إن (أولمرت) يعتبر المفاوضات مع سوريا وسيلة لخدمة خيارات إسرائيلية فى التعامل مع كل من إيران وحزب الله".
ومن وجهة نظره فإن هذه الوسيلة لم تثبت فاعليتها ، وفي هذا السياق قال ديختر "من الواضح أن سوريا لم تبرهن حتى الآن عملياً وبعيداً عن المناورة السياسية وحملة العلاقات العامة أنها فعلاً فى طريقها إلى إعادة النظر فى نهجها – نهج ينطبق على الحالة المصرية أو الأردنية – نهج يحقق السلام وإقامة العلاقات الشاملة بين إسرائيل وسوريا. الشكوك حول نوايا سوريا ورغبتها فى تحقيق السلام تزداد يوماً بعد يوم وبعد عقد أربع جولات من المفاوضات مع السوريين فى تركيا ، غالبية الشكوك هى حول جهود السوريين تعظيم قدراتهم العسكرية عن طريق تكديس منظومات أسلحة متطورة فى مواجهة إسرائيل" .
في هذا الإطار تساءل (ديختـر) :"هل زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لموسكو هي لأجل السلام أم من أجل الحرب؟" الإجابة – من وجهة نظره - نجدها فى طلب الرئيس السوري أسلحة متطورة صواريخ أكثر قدرة على الإضرار بإسرائيل والفتك بها ، صواريخ أبعد مدى وأكثر دقة ، منظومات دفاع جوي لتحييد السلاح الجوي الإسرائيلي، قواعد عسكرية روسية ومنظومات إنذار مبكر. ويستطرد :"قائمة طموح كبيرة وكثيرة لدى السوريين لتعزيز قدراتهم العسكرية التقليدية وغير التقليدية ولكن إذا كانت سوريا تريد السلام فلماذا إقتنت هذه الأسلحة وضد من ستستخدم؟" ويضيف : أما من وجهة نظرى الشخصية لا يمكن أن يعول على التصريحات السورية وجود رغبة قوية لدى القيادة السورية لإنهاء الحرب مع إسرائيل وتبادل العلاقات معها .
هناك أيضاً وجه آخر لإزدواجية السياسة السورية يدحض كل المزاعم السورية عن السلام والحرص عليه ، هذا الوجه هو إستكمال لعملية تعظيم القدرة العسكرية السورية وللإستراتيجية السورية فى التعامل مع إسرائيل على الصعيد الفعلي بأسلوب المواجهة . إستمرار بل وتعزيز وتوثيق علاقة التحالف مع حزب الله وهو ما حرص الرئيس السورى على تأكيده فى الآونة الأخيرة دليل آخر على أن السلام هو ليس خيار سوريا الإستراتيجى وأنما هو خيار تكتيكى لتحقيق فوائد سياسية فك العزلة والعودة إلى الحظيرة الدولية.
وفى مقاربته عن التعاطى مع الساحة السورية عبر (ديختـر) عن عدة خيارات:
• خيار إستخدام القوة العسكرية : شدد فى هذا الأمر على أن الخيار يظل مطروحاً ومقبولاً بل ضرورياً فى الحالات التالية :
- إذا واصلت سوريا قدرتها العسكرية فى نطاق تعظيم هذه القدرات خارج الإحتياجات والضرورات الدفاعية .
- إذا بقيت سوريا عند مستوى تحالفها مع إيران ، لأن إستمرار هذا التحالف يرتب على سوريا واجبات مثل إسناد إيران إذا عوقبت عسكرياً على خلفية برنامجها النووي من جانب إسرائيل والولايات المتحدة ولم يستبعد (ديختـر) إحتمال أن تقف سوريا إلى جانب إيران فى حالة بقاء إيران قادرة ومالكة للقدرة على الرد.
- إحتفاظ سوريا بعلاقاتها مع حزب الله والإستمرار فى إيصال الأسلحة إليه ، مثل هذا الموقف لا يجب السكوت عنه. فعبر سوريا تلتقى حزب الله أكثر من 30 ألف صاروخ بمديات مختلفة لتهديد الجبهة الداخلية الإسرائيلية ، هذا عمل عدوانى وإسرائيل مضطرة أن ترد عليه برد فعل يتناسب مع خطورة الموقف السوري .
- دعم سوريا للمنظمات الفلسطينية الراديكالية وتوفير المأوى والرعاية لقيادتها فى دمشق.
وأضاف ديختر :"هذه الأسباب منفردة ومجتمعة تنتج حالة حرب مع إسرائيل وليس أجواء سلمية.هل من المنطق والحكمة والفعالية أن نضع رؤوسنا فى الرمال كالنعامة ونغفل رؤية هذا المشهد العدوانى والمنافى لأبسط قواعد السلام؟
(ديختـر) قدم نفسه خلال الندوة على أنه أحد الذين عارضوا مبادرة أولمرت إجراء مفاوضات مع السوريين بشكل مباشر وبرر هذه المعارضة بوجود شكوك قوية لديه حول عدم جدية الموقف السوري والمفاوضات . هذه المفاوضات من وجهة نظره بلا محتوى وبلا مضمون وأن رئيس الوزراء أقدم عليها مدفوعاً بإعتبارات سياسية تعنيه هو أكثر مما تعنى إسرائيل. وجهة النظر التى عبَّر عنها حيال إستخدام خيار القوة هى ليست وجهة نظر فردية أو شخصية بل هى سائدة لدى قطاع عريض من القيادة السياسية والعسكرية. وجهة النظر هذه تتعلق بضرورة إخضاع سوريا للمراقبة والرصد والمتابعة من أجل إستخلاص التقييم الصائب والسديد. فإذا جاء هذا التقييم بـ أن سوريا تعزز قدرتها العسكرية لغرض ضد إسرائيل فعليها أن تبادر بلا تردد إلى توجيه الضربة الإستباقية لعرقلة الإستعدادات العسكرية السورية.
على صعيد ما يمكن أن تقوم به إسرائيل عبر إستخدام هذا الخيار (توجيه تحذير قوى إلى سوريا بأنها لن تكون بمنأى من عمل عسكرى إسرائيلي) هذا التحذير لا يجب أن يقتصر على تصريحات لقيادات سياسية وعسكرية بل من خلال رسائل عملية وحركة مستمرة للجيش الإسرائيلي فى الجولان وتدريبات وتمرينات. يجب أن يتضمن التحذير أيضاً تهديد سوريا بعدم التدخل إذا ما بادر جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى شن عملية عسكرية ضد حزب الله – إستخدام هذا الخيار كان سيصبح واقعاً عملياً خلال عام 2007 أو أكثر من مرة لكنه أوقف فى اللحظة الأخيرة لإعتبارات لم يحن الوقت للحديث عنها.
• خيارات أخرى : لدينا خيارات أخرى منها إستراتيجية شد الأطراف وأن فقدت هذه الإستراتيجية أركاناً مهمة كانت ترتكز عليها عندما بلورت فى الخمسينات من القرن الماضي ، فقدت الركن التركي الذى كان دائماً عاملاً مهما فى ممارسة لإستراتيجية شد الأطراف تجاه سوريا. فتركيا الآن على علاقة جيدة بل وممتازة مع سوريا ، هذا التحول من السياسة التركية تجاه سوريا نجم عن تحولات سياسية داخل تركيا منها فوز حزب العدالة والتنمية فوزاً كاسحاً ووضعه على رأس السلطتين التشريعية والتنفيذية. لكن إلى جانب خسارة هذا الركن ثمة فرصة لتعويضه بركن آخر وإن أقل كفاءة وفاعلية ، العامل الجديد هو وجود الحكم الذاتى أو الإقليم الكردى فى شمال العراق الذى أصبح دولة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى .إسرائيل إدراكاً منها لأهمية وجود هذا الكيان أو إن شئنا هذه الدولة، تستخدم منذ خمسة أعوام كل المحفزات من أجل أن يكون هذا الإقليم منطلقاً لممارسة إستراتيجية شد الأطراف مع سوريا أى أن يكون قادراً ومستعداً فى ذات الوقت على لعب دور تركيا فى السابق .
هذا الإدراك لدى القيادة الإسرائيلية لا ينطلق من فراغ بل من أسس راسخة بأن القيادة الكردية التى لها علاقات تاريخية مع إسرائيل تدرك بعمق حيوية وأهمية شراكة شاملة مع إسرائيل لأنه يتعذر عليها إقامة شراكة مع الدول التى تحيط بالمنطقة الكردية من كافة الإتجاهات ، هذه الشراكة مبنية فى الأصل على مفهوم تبادل المصالح أى تبادل الدعم وتبادل المصالح.
من أهم التساؤلات الأمنية المثارة فى هذا الإطار هل بإمكان الأكراد أن يكون لهم دور فى الضغط على سوريا فى نطاق إستراتيجية شد الأطراف تجاه سوريا؟ فى الحقيقة يجب أن نؤكد أن ذلك يتوقف على تطور الأوضاع فى العراق وبقاء القوات الأمريكية. ولا يجب أن ننسى إن الأكراد قاموا بهذا الدور على أحسن وجه ولكن فى نطاق توظيفهم من قبل إيران فى عهد الشاه وحتى فى عهد النظام الإسلامى أثناء الحرب بين إيران والعراق كما إستخدموا من قبل تركيا فى إطار نفس الإستراتيجية.
ويضيف ديختر : يجب أن نؤكد أنه رغم عدم تناظر قوة الأكراد مع قوة إيران وتركيا فإن ثمة ما يؤكد أن الأكراد فى العراق أصبحوا قوة عسكرية وسياسية وإقتصادية ، أى أنهم آداة فاعلة وقادرة على أن تتجاوز عند إستخدامها أداة الردع إلى أداة فعل وأداة إضعاف وإرباك للسوريين ، هذه الفاعلية مصدرها التقارب والتداخل الجغرافي والديمغرافي لمنطقة شمال العراق مع المنطقة الكردية فى سوريا فى الشمال الشرقي.
هناك شيئاً ثانياً فى هذا الخصوص ، هذا يرتبط بإمكانية توظيف خيارات أخرى للضغط على سوريا ، من بين هذه الخيارات الساحة اللبنانية .البيئة اللبنانية زاخرة بالعوامل التى يمكن الإفادة منها لممارسة هذا الضغط من أجل تحقيق الأهداف والمطالب الإسرائيلية وفى ذات الوقت المطالب الأمريكية منها:
- إلغاء التحالف مع إيران.
- قطع الإمدادات والمساعدات إلى حزب الله فى لبنان عبر سوريا.
- إغلاق مكاتب المنظمات الفلسطينية التخريبية وعلى الأخص حماس والجهاد الإسلامي.
فوق الساحة اللبنانية هناك حلفاء وأصدقاء للولايات المتحدة ولنا أيضاً حلفاء وأصدقاء ولكنهم يجدون حرجاً فى الكشف عن العلاقة بإسرائيل والمجاهرة بها:هؤلاء الحلفاء لديهم الحماس والإستعداد للتعاون مع "الشيطان" إذا كان ذلك يخلصهم من التهديد السوري المستمر ومن خلفه حزب الله نحن لا نضيع الفرصة فى الإفادة من هذا الخيار ولكن بالتعاون مع الولايات المتحدة.
الخيار الثالث الذى نجد فائدة وجدوى فى محاولة إستخدامه – والقول لديختر - فى نطاق ممارسة الضغوط على سوريا هو خيار الوصول إلى المعارضة السورية فى الخارج وفى الداخل ، وقد أثبت هذا الخيار فاعليته على الساحة العراقية ، حيث كانت لنا علاقات مع المعارضة العراقية - فيما عدا الأكراد – فى الولايات المتحدة وفى بريطانيا. نحن ساهمنا فى التأثير لصالحهم داخل الولايات المتحدة والتعامل معهم كخيار يمكن توظيفه لتغيير النظام فى العراق و فتحنا لهم أبواب الإدارة الأمريكية والكونغرس ووكالة الإستخبارات ودوائر أخرى ، وضمنا لهم دعماً أمريكياً وإعلامياً وسياسياً وكذلك تدريب عناصر تنتمي إلى المعارضة على عمليات عسكرية داخل العراق .أقمنا علاقات مع قوى معارضة أخرى فى دول عربية فى السودان وفى لبنان. المعارضة السورية فى الخارج لها حضور وإمتدادات فى الولايات المتحدة وفى بريطانيا وفرنسا وفى الأردن وحتى فى لبنان.
على أى حال نحن نقوم بجهود كثيرة فى هذا المجال لا نستطيع أن نسلط الضوء عليها لأن المصلحة تقتضى أن نبقيها بعيداً عن دائرة الضوء. يبدو لى إن هذا الخيار ليس خياراً إسرائيلياً فقط ، فالولايات المتحدة أيضاً تعول على هذا الخيار فهى تعمل على تنظيم هذه المعارضة ، هذه المعارضة كما فهمنا من خلال إتصالات معها أو من خلال العلاقة بينهما وبين الولايات المتحدة تطمح فى تغيير النظام والعودة إلى سوريا لتولي زمام الحكم أسوة بنظيرتها المعارضة العراقية.لم تعد تجد حرجاً فى التعاون مع الولايات المتحدة أو مع دول أخرى حتى بما فيها إسرائيل لتحقيق هذا الطموح هناك سوابق جديرة بالذكر ومناسبة لأن تطبق فى الساحة السورية.
الوصول إلى الساحة السورية ليست عملية مستحيلة أو شاقة لوجود منافذ عديدة للولوج إلى داخلها ، الأردن ، العراق ، منطقة كردستان ، لبنان. هذه كلها فجوات نحن نعمل على إستثمارها فى نطاق إستراتيجية شد الأطراف تجاه سوريا، إذ لم يتغير النظام ويعدِّل سلوكه.
هذا جزء من محاضرة ألقاها وزير الأمن الداخلي الصهيوني (آفي ديختر) في معهد أبحاث الأمن القومي تناول فيها محاور عديدة أخترت لكم منها الجزء الخاص بالنظرة الإسرائيلية لسوريا على المستوى الاستراتيجي فيما يخص الأبعاد السياسية و العسكرية و الرؤية الإسرائيلية لفرص تحقيق السلام بين الطرفين :
عن الحركة الإستراتيجية الإسرائيلية بإتجاه الساحة السورية خلال الحديث عن الجهود الإسرائيلية للتوصل إلى سلام مع سوريا ، فقد لوحظ أن المفاوضات غير المباشرة مع سوريا لم تحتل مساحة فى حديث ديختر سوى بضع عبارات هي أن رئيس الوزراء (أولمرت) رأى من وجهة نظره أن يجرب اسلوب المفاوضات كأحد الخيارات للتعاطي بأكثر فاعلية مع تحديات إيران وحزب الله الخطيرة ، هذا عندما قال :"إن (أولمرت) يعتبر المفاوضات مع سوريا وسيلة لخدمة خيارات إسرائيلية فى التعامل مع كل من إيران وحزب الله".
ومن وجهة نظره فإن هذه الوسيلة لم تثبت فاعليتها ، وفي هذا السياق قال ديختر "من الواضح أن سوريا لم تبرهن حتى الآن عملياً وبعيداً عن المناورة السياسية وحملة العلاقات العامة أنها فعلاً فى طريقها إلى إعادة النظر فى نهجها – نهج ينطبق على الحالة المصرية أو الأردنية – نهج يحقق السلام وإقامة العلاقات الشاملة بين إسرائيل وسوريا. الشكوك حول نوايا سوريا ورغبتها فى تحقيق السلام تزداد يوماً بعد يوم وبعد عقد أربع جولات من المفاوضات مع السوريين فى تركيا ، غالبية الشكوك هى حول جهود السوريين تعظيم قدراتهم العسكرية عن طريق تكديس منظومات أسلحة متطورة فى مواجهة إسرائيل" .
في هذا الإطار تساءل (ديختـر) :"هل زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لموسكو هي لأجل السلام أم من أجل الحرب؟" الإجابة – من وجهة نظره - نجدها فى طلب الرئيس السوري أسلحة متطورة صواريخ أكثر قدرة على الإضرار بإسرائيل والفتك بها ، صواريخ أبعد مدى وأكثر دقة ، منظومات دفاع جوي لتحييد السلاح الجوي الإسرائيلي، قواعد عسكرية روسية ومنظومات إنذار مبكر. ويستطرد :"قائمة طموح كبيرة وكثيرة لدى السوريين لتعزيز قدراتهم العسكرية التقليدية وغير التقليدية ولكن إذا كانت سوريا تريد السلام فلماذا إقتنت هذه الأسلحة وضد من ستستخدم؟" ويضيف : أما من وجهة نظرى الشخصية لا يمكن أن يعول على التصريحات السورية وجود رغبة قوية لدى القيادة السورية لإنهاء الحرب مع إسرائيل وتبادل العلاقات معها .
هناك أيضاً وجه آخر لإزدواجية السياسة السورية يدحض كل المزاعم السورية عن السلام والحرص عليه ، هذا الوجه هو إستكمال لعملية تعظيم القدرة العسكرية السورية وللإستراتيجية السورية فى التعامل مع إسرائيل على الصعيد الفعلي بأسلوب المواجهة . إستمرار بل وتعزيز وتوثيق علاقة التحالف مع حزب الله وهو ما حرص الرئيس السورى على تأكيده فى الآونة الأخيرة دليل آخر على أن السلام هو ليس خيار سوريا الإستراتيجى وأنما هو خيار تكتيكى لتحقيق فوائد سياسية فك العزلة والعودة إلى الحظيرة الدولية.
وفى مقاربته عن التعاطى مع الساحة السورية عبر (ديختـر) عن عدة خيارات:
• خيار إستخدام القوة العسكرية : شدد فى هذا الأمر على أن الخيار يظل مطروحاً ومقبولاً بل ضرورياً فى الحالات التالية :
- إذا واصلت سوريا قدرتها العسكرية فى نطاق تعظيم هذه القدرات خارج الإحتياجات والضرورات الدفاعية .
- إذا بقيت سوريا عند مستوى تحالفها مع إيران ، لأن إستمرار هذا التحالف يرتب على سوريا واجبات مثل إسناد إيران إذا عوقبت عسكرياً على خلفية برنامجها النووي من جانب إسرائيل والولايات المتحدة ولم يستبعد (ديختـر) إحتمال أن تقف سوريا إلى جانب إيران فى حالة بقاء إيران قادرة ومالكة للقدرة على الرد.
- إحتفاظ سوريا بعلاقاتها مع حزب الله والإستمرار فى إيصال الأسلحة إليه ، مثل هذا الموقف لا يجب السكوت عنه. فعبر سوريا تلتقى حزب الله أكثر من 30 ألف صاروخ بمديات مختلفة لتهديد الجبهة الداخلية الإسرائيلية ، هذا عمل عدوانى وإسرائيل مضطرة أن ترد عليه برد فعل يتناسب مع خطورة الموقف السوري .
- دعم سوريا للمنظمات الفلسطينية الراديكالية وتوفير المأوى والرعاية لقيادتها فى دمشق.
وأضاف ديختر :"هذه الأسباب منفردة ومجتمعة تنتج حالة حرب مع إسرائيل وليس أجواء سلمية.هل من المنطق والحكمة والفعالية أن نضع رؤوسنا فى الرمال كالنعامة ونغفل رؤية هذا المشهد العدوانى والمنافى لأبسط قواعد السلام؟
(ديختـر) قدم نفسه خلال الندوة على أنه أحد الذين عارضوا مبادرة أولمرت إجراء مفاوضات مع السوريين بشكل مباشر وبرر هذه المعارضة بوجود شكوك قوية لديه حول عدم جدية الموقف السوري والمفاوضات . هذه المفاوضات من وجهة نظره بلا محتوى وبلا مضمون وأن رئيس الوزراء أقدم عليها مدفوعاً بإعتبارات سياسية تعنيه هو أكثر مما تعنى إسرائيل. وجهة النظر التى عبَّر عنها حيال إستخدام خيار القوة هى ليست وجهة نظر فردية أو شخصية بل هى سائدة لدى قطاع عريض من القيادة السياسية والعسكرية. وجهة النظر هذه تتعلق بضرورة إخضاع سوريا للمراقبة والرصد والمتابعة من أجل إستخلاص التقييم الصائب والسديد. فإذا جاء هذا التقييم بـ أن سوريا تعزز قدرتها العسكرية لغرض ضد إسرائيل فعليها أن تبادر بلا تردد إلى توجيه الضربة الإستباقية لعرقلة الإستعدادات العسكرية السورية.
على صعيد ما يمكن أن تقوم به إسرائيل عبر إستخدام هذا الخيار (توجيه تحذير قوى إلى سوريا بأنها لن تكون بمنأى من عمل عسكرى إسرائيلي) هذا التحذير لا يجب أن يقتصر على تصريحات لقيادات سياسية وعسكرية بل من خلال رسائل عملية وحركة مستمرة للجيش الإسرائيلي فى الجولان وتدريبات وتمرينات. يجب أن يتضمن التحذير أيضاً تهديد سوريا بعدم التدخل إذا ما بادر جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى شن عملية عسكرية ضد حزب الله – إستخدام هذا الخيار كان سيصبح واقعاً عملياً خلال عام 2007 أو أكثر من مرة لكنه أوقف فى اللحظة الأخيرة لإعتبارات لم يحن الوقت للحديث عنها.
• خيارات أخرى : لدينا خيارات أخرى منها إستراتيجية شد الأطراف وأن فقدت هذه الإستراتيجية أركاناً مهمة كانت ترتكز عليها عندما بلورت فى الخمسينات من القرن الماضي ، فقدت الركن التركي الذى كان دائماً عاملاً مهما فى ممارسة لإستراتيجية شد الأطراف تجاه سوريا. فتركيا الآن على علاقة جيدة بل وممتازة مع سوريا ، هذا التحول من السياسة التركية تجاه سوريا نجم عن تحولات سياسية داخل تركيا منها فوز حزب العدالة والتنمية فوزاً كاسحاً ووضعه على رأس السلطتين التشريعية والتنفيذية. لكن إلى جانب خسارة هذا الركن ثمة فرصة لتعويضه بركن آخر وإن أقل كفاءة وفاعلية ، العامل الجديد هو وجود الحكم الذاتى أو الإقليم الكردى فى شمال العراق الذى أصبح دولة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى .إسرائيل إدراكاً منها لأهمية وجود هذا الكيان أو إن شئنا هذه الدولة، تستخدم منذ خمسة أعوام كل المحفزات من أجل أن يكون هذا الإقليم منطلقاً لممارسة إستراتيجية شد الأطراف مع سوريا أى أن يكون قادراً ومستعداً فى ذات الوقت على لعب دور تركيا فى السابق .
هذا الإدراك لدى القيادة الإسرائيلية لا ينطلق من فراغ بل من أسس راسخة بأن القيادة الكردية التى لها علاقات تاريخية مع إسرائيل تدرك بعمق حيوية وأهمية شراكة شاملة مع إسرائيل لأنه يتعذر عليها إقامة شراكة مع الدول التى تحيط بالمنطقة الكردية من كافة الإتجاهات ، هذه الشراكة مبنية فى الأصل على مفهوم تبادل المصالح أى تبادل الدعم وتبادل المصالح.
من أهم التساؤلات الأمنية المثارة فى هذا الإطار هل بإمكان الأكراد أن يكون لهم دور فى الضغط على سوريا فى نطاق إستراتيجية شد الأطراف تجاه سوريا؟ فى الحقيقة يجب أن نؤكد أن ذلك يتوقف على تطور الأوضاع فى العراق وبقاء القوات الأمريكية. ولا يجب أن ننسى إن الأكراد قاموا بهذا الدور على أحسن وجه ولكن فى نطاق توظيفهم من قبل إيران فى عهد الشاه وحتى فى عهد النظام الإسلامى أثناء الحرب بين إيران والعراق كما إستخدموا من قبل تركيا فى إطار نفس الإستراتيجية.
ويضيف ديختر : يجب أن نؤكد أنه رغم عدم تناظر قوة الأكراد مع قوة إيران وتركيا فإن ثمة ما يؤكد أن الأكراد فى العراق أصبحوا قوة عسكرية وسياسية وإقتصادية ، أى أنهم آداة فاعلة وقادرة على أن تتجاوز عند إستخدامها أداة الردع إلى أداة فعل وأداة إضعاف وإرباك للسوريين ، هذه الفاعلية مصدرها التقارب والتداخل الجغرافي والديمغرافي لمنطقة شمال العراق مع المنطقة الكردية فى سوريا فى الشمال الشرقي.
هناك شيئاً ثانياً فى هذا الخصوص ، هذا يرتبط بإمكانية توظيف خيارات أخرى للضغط على سوريا ، من بين هذه الخيارات الساحة اللبنانية .البيئة اللبنانية زاخرة بالعوامل التى يمكن الإفادة منها لممارسة هذا الضغط من أجل تحقيق الأهداف والمطالب الإسرائيلية وفى ذات الوقت المطالب الأمريكية منها:
- إلغاء التحالف مع إيران.
- قطع الإمدادات والمساعدات إلى حزب الله فى لبنان عبر سوريا.
- إغلاق مكاتب المنظمات الفلسطينية التخريبية وعلى الأخص حماس والجهاد الإسلامي.
فوق الساحة اللبنانية هناك حلفاء وأصدقاء للولايات المتحدة ولنا أيضاً حلفاء وأصدقاء ولكنهم يجدون حرجاً فى الكشف عن العلاقة بإسرائيل والمجاهرة بها:هؤلاء الحلفاء لديهم الحماس والإستعداد للتعاون مع "الشيطان" إذا كان ذلك يخلصهم من التهديد السوري المستمر ومن خلفه حزب الله نحن لا نضيع الفرصة فى الإفادة من هذا الخيار ولكن بالتعاون مع الولايات المتحدة.
الخيار الثالث الذى نجد فائدة وجدوى فى محاولة إستخدامه – والقول لديختر - فى نطاق ممارسة الضغوط على سوريا هو خيار الوصول إلى المعارضة السورية فى الخارج وفى الداخل ، وقد أثبت هذا الخيار فاعليته على الساحة العراقية ، حيث كانت لنا علاقات مع المعارضة العراقية - فيما عدا الأكراد – فى الولايات المتحدة وفى بريطانيا. نحن ساهمنا فى التأثير لصالحهم داخل الولايات المتحدة والتعامل معهم كخيار يمكن توظيفه لتغيير النظام فى العراق و فتحنا لهم أبواب الإدارة الأمريكية والكونغرس ووكالة الإستخبارات ودوائر أخرى ، وضمنا لهم دعماً أمريكياً وإعلامياً وسياسياً وكذلك تدريب عناصر تنتمي إلى المعارضة على عمليات عسكرية داخل العراق .أقمنا علاقات مع قوى معارضة أخرى فى دول عربية فى السودان وفى لبنان. المعارضة السورية فى الخارج لها حضور وإمتدادات فى الولايات المتحدة وفى بريطانيا وفرنسا وفى الأردن وحتى فى لبنان.
على أى حال نحن نقوم بجهود كثيرة فى هذا المجال لا نستطيع أن نسلط الضوء عليها لأن المصلحة تقتضى أن نبقيها بعيداً عن دائرة الضوء. يبدو لى إن هذا الخيار ليس خياراً إسرائيلياً فقط ، فالولايات المتحدة أيضاً تعول على هذا الخيار فهى تعمل على تنظيم هذه المعارضة ، هذه المعارضة كما فهمنا من خلال إتصالات معها أو من خلال العلاقة بينهما وبين الولايات المتحدة تطمح فى تغيير النظام والعودة إلى سوريا لتولي زمام الحكم أسوة بنظيرتها المعارضة العراقية.لم تعد تجد حرجاً فى التعاون مع الولايات المتحدة أو مع دول أخرى حتى بما فيها إسرائيل لتحقيق هذا الطموح هناك سوابق جديرة بالذكر ومناسبة لأن تطبق فى الساحة السورية.
الوصول إلى الساحة السورية ليست عملية مستحيلة أو شاقة لوجود منافذ عديدة للولوج إلى داخلها ، الأردن ، العراق ، منطقة كردستان ، لبنان. هذه كلها فجوات نحن نعمل على إستثمارها فى نطاق إستراتيجية شد الأطراف تجاه سوريا، إذ لم يتغير النظام ويعدِّل سلوكه.
التعديل الأخير: