أهم الإنجازات العسكرية الإسلامية في التاريخ:
يقول اللواء الركن محمد جمال الدين محفوظ:
إن أعظم الأدلة التي تبرز النتائجَ التي حققتها العسكرية الإسلامية شهادةُ التاريخ.. فلقد حققت الجيوش الإسلامية من المهام والإنجازات ما أصبح من الحقائق التاريخية التي لا تُنَازَع والتي نذكر منها على سبيل المثال:
* أولاً – تأمين الدعوة وقيام الدولة الإسلامية:
وهذا ما حققه جيش الإسلام في عصر النبوة، الذي حارب فيه المسلمون أكثر من عدو، فقد حاربوا المشركين واليهود والروم، وكانوا في كل معاركهم يواجهون عدواً متفوقاً عليهم في العَدَدِ والعُدَّة، لكن نصر الله كان حليفهم.
* ثانياً – الفتوحات الإسلامية:
وفي أقل من مائة عام امتدت الفتوحات الإسلامية من حدود الصين شرقاً إلى شاطئ الأطلسي غرباً، وقد بلغ عدد القادة الفاتحين في أيام الفتح الإسلامي ستة وخمسين ومائتي قائد (256) منهم ستة عشر ومائتان (216) من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم مؤسس المدرسة العسكرية الإسلامية ومعلمها الأول، وأربعون من التابعين بإحسان رضي الله عنهم.
ولو أردنا أن نلخص ما ينطوي عليه هذا الإنجاز العظيم في تاريخ المسلمين في كلمة واحدة؛ فإننا نقول: إن معناه الواضح هو أن »العسكرية الإسلامية« قد هزمت كلا من العسكرية الفارسية والعسكرية البيزنطية.
* ثالثاً – إتقان الحرب البحرية:
ولقد أتقن العرب – أبناء البادية – بناء الأساطيل وفنون الحرب البحرية، وبلغوا درجة من الكفاية استطاعوا بها هزيمة أسطول بيزنطة وهو أعظم قوة بحرية في زمانهم. يقول ابن خلدون: »إن المسلمين تغلبوا على لجة بحر الروم (البحر الأبيض المتوسط) وإن أساطيلهم سارت فيها جائية وذاهبة من صقلية إلى تونس، والرومان والصقالبة والفرنجة تهرب أساطليهم أمام البحرية العربية، ولا تحاول الدنو من أساطيل المسلمين التي ضريت عليه كضراء الأسد على فريسته«.
* رابعاً – القدرة على الحرب في جبهتين:
ومن أعظم إنجازات العسكرية الإسلامية أن الأمة الإسلامية الناشئة استطاعت أن تفتح جبهتين، وأن تدير دفة الحرب في كل منهما بكل كفاية واقتدار، وكان ذلك في مواجهة أعظم قوتين عالميتين في ذلك الوقت هما فارس وبيزنطة.. وذلك مثل فريد في التاريخ الحربي لم تبلغه أقوى الأمم وأعظمها خبرة في الحروب..
فالمعروف من وجهة نظر فن الحرب أن الحرب في جبتهين من أصعب المواقف التي تواجه القيادة، فهي تنطوي على مشكلات بالغة الصعوبة والتعقيد وتتطلب كفاية إلى أقصى حد في الإدراة والتخطيط والقتال، ويكفي أن نعلم أن العسكرية الألمانية لم تهزم في الحرب العالمية الثانية (1939-1945) إلا حين فتح الحلفاء أمامها جبهة ثانية للقتال.
* خامساً – إتقان كل أشكال العمليات الحربية:
ولقد أثبت المسلمون عملياً أنهم – طبقاً للمعايير المقررة في العلم العسكري – قادرون على القيام بجميع العمليات الحربية على اختلاف أشكالها ومستوياتها بكفاية عالية مثل الدفاع والهجوم والمطاردة والانسحاب والقتال في المدن والقرى ومهاجمة المواقع الحصينة والحصار واقتحام الأسوار وعبور الأنهار ومسير الاقتراب الطويل وأعمال الوقاية والحراسة وأعمال المخابرات والحرب النفسية ومفارز (دوريات) الاستطلاع والقتال والإغارة.. الخ.
ويقول كلاوس فيتز: »يمكن للقوات العسكرية المدربة جيداً أن تقوم بجميع الأعمال الحربية..«
* سادساً – الحرب فوق مختلف أنواع الأراضي:
والمعروف أن أساليب القتال تختلف طبقاً لطبيعة الأرض التي يجري فوقها القتال، فهناك مثلاً فرق كبير بين القتال في الأراضي الصحراوية والقتال في الأراضي الزراعية وهكذا.. ويحتاج كل نوع من هذه الأراضي إلى إعداد خاص للقوات التي تقاتل عليه من حيث التدريب والتسليح وتشكيلات القتال..
ولقد أثبت المسلمون قدرتهم الفائقة على القتال فوق مختلف أنواع الأراضي، فلقد حاربوا فوق الأراضي الصحراوية والجبلية والزراعية، وحاربوا داخل المدن والقرى وواجهوا الموانع المائية كالأنهار فعبروها، هذا فضلاً عن الحرب البحرية.
* سابعاً – مواجهة كل أشكال التنظيم الحربي:
حارب المسلمون أشكالاً مختلفة من أشكال التنظيم الحربي؛ فقد واجهوا الجيوش المنظمة وغير المنظمة، وحتى الجيوش المنظمة لم تكن على نمط واحد من التنظيم، فبدهي أن تنظيم جيوش فارس كان مختلفاً عن تنظيم جيوش بيزنطة، فضلاً عن اختلاف نظريات كل جيش في إدارة المعارك. وعلى الرغم مما ينطوي عليه ذلك من مشاكل معقدة فإن المسلمين استطاعوا أن يقهروا أعداءهم على اختلاف تنظيماتهم.. كذلك أثبت المسلمون قدرتهم وكفايتهم في إدارة البلاد المفتوحة وهو أمر ينطوي على الكفاية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية بالإضافة إلى الكفاية العسكرية..
* دراسة العسكرية الإسلامية واجب حضاري أرأيت عظمة الإنجازات العسكرية الإسلامية؟!!
أليس في كل ذلك ما يستحق الدراسة على النحو الذي يتكافأ وقدر هذه الأمة وبطولاتها الخالدة؟
أليس من الأمور الغريبة التي تلفت النظر أن رجال العسكرية في كثير من الدول العربية والإسلامية لا يدرسون إلا ما يُنقَل إليهم من الغرب أو الشرق من نظريات حربية وأعمال قادة وتاريخ حربي؟!!
إن أخطر ما يترتب على ذلك من آثار هو أن يرسخ في الأذهان الاعتقاد الخاطئ بأنه ليس للإسلام نظريات حربية، ولا أعمال قادة، ولا تاريخ حربي يستحق الدراسة، وهو أمر لا تخفى بواعثه على الفطن »والمؤمن كيّس فطن«، فإن ترسيخ هذا الاعتقاد هو جانب من الحرب الحضارية التي تستهدف طمس معالم الحضارة الإسلامية، ومنع قيامها من جديد، كما تستهدف طمس معالم العسكرية الإسلامية التي هي بحق أحد الجوانب الرائدة من حضارة الإسلام.
من أجل ذلك فإن واجب الأمة الإسلامية وهي تسعى نحو بناء نهضتها الحضارية الشاملة أن تتصدى لكل محاولة تستهدف تحويل أبنائها عن مقوماتهم الأساسية وقطعهم عن كل ما هو أصيل من حياتهم، وتحويل اتجاهاتهم بعيداً عن كل ما يتصل بالقيم والدين والأخلاق والكيان النفسي الذاتي.. يقول إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: »كان أبي يعلمنا المغازي والسرايا ويقول: يا بني إنها شرف آبائكم فلا تضيّعوا ذكرها«. مجلة الأمة، العدد الرابع، ربيع الآخر 1401 هـ موقع الفسطاط
وإذا تجاوزنا ما قدمه المسلمون من إسهامات، وأفكار وخطط وأسلحة مبتكرة وأدوات حرب، ووقفنا أمام أضخم وأعظم إنجاز حربي قدمه المسلمون للعالم ولدينهم، حتى وإن ظل أعداء الإسلام يعتبرونه سقطة تاريخية من وراء حقد دفين، إنها الفتوحات الإسلامية للبلدان، فكم حرر الإسلام من شعوب عاشت تحت سير طغيان حكامها، وقهرهم وتحكمهم!! ويكفي ما كان يبديه الإسلام في فتوحاته من معاملة طيبة لأهل الكتاب المسلمين، ليتعرف العالم على السبب الذي يجعلنا نسمي هذه الفتوحات إنجازات إنسانية قبل أن تكون إنجازات حربية.. لقد استطاع المسلمون نشر دينهم من الفتوحات بأقل عدد من القتلى على الجانبين، ولو تخيلت شعوب مصر وليبيا والمغرب و غيرها من دول شمال إفريقية أنفسها بدون فتح إسلامي لصار مآلهم إلى الاستعماريين، ومبددي الثروات، وغاصبي الأرض، الذين ما كانوا يمارسون ضد شعوبهم سوى العنف والقهر والعمل بالسخرة إلى أن جاء الإسلام ورحبت به الشعوب من أجل الإنقاذ، فحماهم الإسلام وقدَّم مبادئه التي لا يختلف اثنان على موضوعيتها وسماحتها.
أما على مستوى التسليح لم يقدم المسلمون ابتكاراً أو اختراعاً حربياً للعالم في قيمة اختراع البارود وتقديم شكل أولي للمدفع.
يقر بذلك رينو وفافيه بأن البارود والمدفع اختُرِعا في سوريا أو في مصر، ويقول سيديو: إن المصريين استعملوا البارود في القرن الثالث عشر، ويؤيد آخرون هذا الرأي، حيث يقر جوانفيل فارس ومؤرخ الحملة الصليبية التي قادها لويس التاسع ضد مصر (1249 ـ 1250م) أن المسلمين كانوا يقذفونهم بالنار الإغريقية التي تحدث صوتاً كالرعد، والنار الإغريقية كانت معروفة قبل ذلك الوقت بخمسة قرون على الأقل وما كان استخدامها ليحدث رعباً كالذي أحدثه المسلمين لدى ملك الصليبيين لويس، مما يلوح بأن هذا الصوت وهذا السلاح ما كان إلا شيئاً جديداً، وأهم ما يذكر في هذا السياق كتاب (في الناريات) كتبه الحسن الرماح السوري حوالي سنة 1280م.
تحت عنوان "كتاب الفروسية والمناصب الحربية" وفيه أول شرح على مدار التاريخ لعملية تنقية نترات البوتاسيوم من الشوائب وهي العملية الجوهرية لصناعة البارود فضلاً عن المركبات الكثيرة التي شرحها والتي لها خاصية الانفجار، كل هذا يدل على معرفة المؤلف الأكيدة بالبارود باعتباره مادة متفجرة، ثم إن حسن الرماح وصف الزخيرة التي تُدَكُ في المدفع وبيّن نسبتها، قال: "تؤخذ عشرة دراهم من البارود، ودرهمان من الفحم، ودرهم ونصف من الكبريت، وتسحق جيداً حتى تصبح كالغبار، ويملأ منها ثلث المدفع فقط خوفاً من انفزاره، ويصنع الخراط من أجل ذلك مدفعاً من خشب تناسب جسامة فوهته، وتدك الزخيرة فيه بشدة ويضاف إليها إما بندق أو نبل، ثم تشعل ويكون قياس المدفع مناسباً لثقبه، فإذا كان عميقاً أكثرمن اتساع الفوهة كان ناقصاً.
وبهذا يكون المسلمون قد قدموا شكلاً أولياً للمدفع كما هو موجود بشكله الآن وإن كانت أشكاله قد تعددت. هذا بالإضافة إلى أن أول صورة للمدفع ظهرت في مخطوطة أوروبية هي مخطوطة لوالتر ميليميت تاريخها 1326م، توجد في كرايست تشرس ويقول بارتنجتون: إن نص المخطوطة لا يشير إلى المدفع، ولكن وجه المدفعجي يميل إلى السمرة. وقد اشتُهِر أن هذه الصورة لعربي إشارة إلى ناقل الاختراع أو صاحبه.
عن موقع قصة الإسلام