المـحـنـة
كانت محنة السيد عمر المختار هو انتقال المشيخة في الطريقة السنوسية إلى السيد إدريس السنوسي، والسيد إدريس يرى أن تسليم جزء من الوطن للمحتل جائز، بل يرى أن يتسلم هو وزعماء الطريقة مرتبات شهرية من إيطاليا، بالإضافة إلى منازل معدة لهم، وأراضٍ زراعية معفاة من أي ضرائب، خلاصة الأمر هو قبول رشوة مقابل التنازل عن جزء من الوطن، فماذا يكون موقف المريد عمر المختار وزملائه؟ اجتمع زعماء القبائل ومشايخ الطريقة، وقدموا وثيقة في غاية الخطورة إلى السيد إدريس، يقومون فيها بمبايعته قائداً وشيخاً وأميرًا لهم، ولكن في هذه الوثيقة يحددون هدف المبايعة، ألا وهو قيادتهم في الجهاد ضد الغزاة، ولم يجد إدريس السنوسي مفراً من القبول الشكلي للبيعة، وتجتمع جموع المجاهدين في عام 1922م، فماذا يفعل السيد إدريس وهو قد وقّع بالفعل على وثيقة صلح مع إيطاليا، فما كان منه أن رحل إلى مصر في اليوم التالي لقبوله البيعة؛ مدعياً المرض وحاجته للعلاج! فتوجه إليه السيد عمر المختار وبعض صحبه، فلم يجدوا في شيخهم علة جسدية، وأرادوا منه أضعف الإيمان أن يمدهم بالمال والسلاح فلم يجدوا منه جواباً، فأعلنوا موقفهم الإيماني والجهادي الصريح، إن ضل الشيخ فهذا ليس لنا بحجة أمام الله، وأن الجهاد فرض علينا، وأننا سنمضي في جهادنا للأعداء، غير متعرضين لمن خذلنا، ومن ثم تقدم عمر المختار الصفوف ليقود حركة الجهاد من عام 1922، ويتكرر الموقف مرة ثانية؛ إذ يأتي أحد أبناء السنوسية، وهو رضا هلال السنوسي ليكرر هذه الفتنة بين المجاهدين (بعد عام واحد من فتنة إدريس السنوسي) إذ يعلن اتفاقه مع إيطاليا على أن يلقى السنوسيون السلاح، بل يبالغ في إعلان هذا الاتفاق ويضع بيده الصليب على قبر جده مؤسس الطريقة السنوسية.
[SIZE=-0]
ويعلن عمر المختار وصحبه أنهم لن يضعوا سلاحهم، ولكنهم لن يتعرضوا لمن أراد ذلك، وينتهي أمر هذا الهلال إلى أن تقبض عليه إيطاليا بعد فشله في وقف الجهاد ونفيه إلى إيطاليا، وتتكرر المأساة على يد الحسن بن رضا السنوسي وذلك أثناء مفاوضات عمر المختار مع إيطاليا، إذ يذهب الحسن بشروط المجاهدين إلى الطليان، ويعود بشروط ما هي إلا استسلام المجاهدين للطليان مقابل بعض المال للحسن، وبعض المال لقاد لمجاهدين، فيقول له عمر المختار: "لقد غروك يا بني بمتاع الدنيا الفاني، وقد انتهى الحسن نهاية أبيه". [/SIZE]
ويعلن عمر المختار وصحبه أنهم لن يضعوا سلاحهم، ولكنهم لن يتعرضوا لمن أراد ذلك، وينتهي أمر هذا الهلال إلى أن تقبض عليه إيطاليا بعد فشله في وقف الجهاد ونفيه إلى إيطاليا، وتتكرر المأساة على يد الحسن بن رضا السنوسي وذلك أثناء مفاوضات عمر المختار مع إيطاليا، إذ يذهب الحسن بشروط المجاهدين إلى الطليان، ويعود بشروط ما هي إلا استسلام المجاهدين للطليان مقابل بعض المال للحسن، وبعض المال لقاد لمجاهدين، فيقول له عمر المختار: "لقد غروك يا بني بمتاع الدنيا الفاني، وقد انتهى الحسن نهاية أبيه". [/SIZE]
[SIZE=-0]
أما محنة الإغراء فهي كانت عروضا عديدة بأموال وبيوت مريحة وأراضٍ زراعية معفاة من الضرائب للسيد عمر المختار، وكان رده على هذه العروض كلها: "لم أكن يوماً لقمة سائغة يسهل بلعها على من يريد، ولن يغير أحد من عقيدتي ورأيي واتجاهي، والله سيخيب من يحاول ذلك". [/SIZE]
أما محنة الإغراء فهي كانت عروضا عديدة بأموال وبيوت مريحة وأراضٍ زراعية معفاة من الضرائب للسيد عمر المختار، وكان رده على هذه العروض كلها: "لم أكن يوماً لقمة سائغة يسهل بلعها على من يريد، ولن يغير أحد من عقيدتي ورأيي واتجاهي، والله سيخيب من يحاول ذلك". [/SIZE]
عمر المختار قائد المجاهدينإن هذا الجانب من شخصية الشيخ عمر المختار قد تناولته الأقلام وترجمته شاشة السينما في عرضها لجهاد الرجل، ولكن سنبرز هنا تنظيمه للمجاهدين.
بدأ الشيخ عمر المختار في الاتصال بالقبائل، وقام بحصر عدد القادرين على الجهاد، وبدأ يجمع هذه الأعداد معه في عملياته العسكرية، وذلك بشكل متتابع، وجعل لهم معسكرات يجتمعون فيها ويتدربون، وقد عرف النظام والمعسكرات باسم الأدوار، وقد اختلف المؤرخون في عددها بين ثلاثة أو أربعة أو أكثر، وذلك النظام أعطى فرصة للمقاتلين في متابعة أمور حياتهم، كما نظم أمور الفصل في الخصومات, وهو الخبير في هذا الأمر والأمور المالية والإمداد والتموين للمجاهدين، وكذلك عملية الاتصال بالجهات الخارجية سواء في تونس أو مصر؛ لإمداده بالسلاح والمال اللازمين لمواصلة الجهاد، وجعل من الجبل الأخضر معقله، ولكن ضرباته كانت تطارد الإيطاليين في كل أرض ليبيا.
وعاش المجاهدون حياتهم مع الشيخ عمر بين كر وفر، بين نصر وهزيمة، ولكنهم لم يعرفوا معه معنى الضعف أو الاستسلام لهزيمة أو حصار من أعدائهم، وظل كذلك حتى في أحرج اللحظات، سواء في أثناء الفتنة الداخلية التي حرص عليها مشايخ السنوسية الطامعون في الدنيا، وكادت تشتعل الحرب الأهلية، فما كان منه أن أخرج مصحفه وأقسم ألا يتوقف عن قتال الإيطاليين حتى لو قاتلهم وحده، فلا يلبث المختلفون معه أن يتوحدوا مع صف المجاهدين. وكذلك أثناء الحصار،عندما سُأل: لماذا قاتلت الدولة الإيطالية؟ فيجيب: دفاعاً عن ديني ووطني.
اعتقاله
تم اعتقال عمر المختار في 11 سبتمبر من عام 1931م، بعد مناوشة بالذخيرة الحية حدثت ما بين المجاهدين تحت قيادته وسرية الصوراي الإيطالية للفرسان التي كان أغلبية جنودها من الليبيين.
وكانت الحاميات الإيطالية قد عرفت بمكانه فأرسلت قوات لحصاره ولحقها تعزيزات، واشتبك الفريقين في وادي بوطاقة، ورجحت الكفة للعدو فأمر عمر المختار بفك الطوق والتفرق، ولكن أصيب حصان عمر المختار بطلقة نارية فوقع على الأرض وعلى ظهره عمر المختار الذي أصيب بجرح بسيط ، مما أدى إلى محاصرته بجميع جنود السرية بعد أن تعذر على اتباعه مساعدته على النهوض، مما جعله يحاول الاختباء تحت إحدى الشجيرات، حيث لم يبق طويلا حتى تعرف عليه أحد الليبيين الذي كان من بين جنود سرية الصوراي الإيطالية، حيث أخذ يصيح بأعلى صوته منادياً بقية الجنود قائلا " عمر.. عمر المختار أسرعوا ".
مما جعل ضابط السرية يصدر أوامره لجميع الجنود بمحاصرة الجريح من أجل اتخاذ الاستعدادات السريعة لنقله إلى مقر القوات الإيطالية في سوسة .
وقد صادف وقتها أن كان غراتسياني في روما، ولم يصدق غراتسياني سقوط عمر المختار تحت أيديهم في بادئ الأمر، وكان غراتسياني وقتها كئيباً حزيناً منهار الأعصاب في طريقه إلي باريس للاستجمام والراحة؛ هرباً من الساحة بعد فشله في القضاء على المجاهدين في برقة، وكانت الأقلام اللاذعة في إيطاليا بدأت تنال منه والانتقادات المرة تأتيه من رفاقه مشككة في مقدرته على إدارة الصراع.
وإذا بالقدر يلعب دوره ويتلقى برقية مستعجلة من بنغازي مفادها أن عمر المختار وراء القضبان. فأصيب غراتسياني بحالة هستيرية كاد لا يصدق الخبر.
فتارة يجلس على مقعده وتارة يقوم، وأخرى يخرج متمشياً على قدميه محدثاً نفسه بصوت عال، ويشير بيديه ويقول: "صحيح قبضوا على عمر المختار؟ ويرد على نفسه لا، لا اعتقد." ولم يسترح باله فقرر إلغاء أجازته واستقل طائرة خاصة وهبط ببنغازي في نفس اليوم وطلب إحضار عمر المختار إلي مكتبه لكي يراه.
وكانت الحاميات الإيطالية قد عرفت بمكانه فأرسلت قوات لحصاره ولحقها تعزيزات، واشتبك الفريقين في وادي بوطاقة، ورجحت الكفة للعدو فأمر عمر المختار بفك الطوق والتفرق، ولكن أصيب حصان عمر المختار بطلقة نارية فوقع على الأرض وعلى ظهره عمر المختار الذي أصيب بجرح بسيط ، مما أدى إلى محاصرته بجميع جنود السرية بعد أن تعذر على اتباعه مساعدته على النهوض، مما جعله يحاول الاختباء تحت إحدى الشجيرات، حيث لم يبق طويلا حتى تعرف عليه أحد الليبيين الذي كان من بين جنود سرية الصوراي الإيطالية، حيث أخذ يصيح بأعلى صوته منادياً بقية الجنود قائلا " عمر.. عمر المختار أسرعوا ".
مما جعل ضابط السرية يصدر أوامره لجميع الجنود بمحاصرة الجريح من أجل اتخاذ الاستعدادات السريعة لنقله إلى مقر القوات الإيطالية في سوسة .
وقد صادف وقتها أن كان غراتسياني في روما، ولم يصدق غراتسياني سقوط عمر المختار تحت أيديهم في بادئ الأمر، وكان غراتسياني وقتها كئيباً حزيناً منهار الأعصاب في طريقه إلي باريس للاستجمام والراحة؛ هرباً من الساحة بعد فشله في القضاء على المجاهدين في برقة، وكانت الأقلام اللاذعة في إيطاليا بدأت تنال منه والانتقادات المرة تأتيه من رفاقه مشككة في مقدرته على إدارة الصراع.
وإذا بالقدر يلعب دوره ويتلقى برقية مستعجلة من بنغازي مفادها أن عمر المختار وراء القضبان. فأصيب غراتسياني بحالة هستيرية كاد لا يصدق الخبر.
فتارة يجلس على مقعده وتارة يقوم، وأخرى يخرج متمشياً على قدميه محدثاً نفسه بصوت عال، ويشير بيديه ويقول: "صحيح قبضوا على عمر المختار؟ ويرد على نفسه لا، لا اعتقد." ولم يسترح باله فقرر إلغاء أجازته واستقل طائرة خاصة وهبط ببنغازي في نفس اليوم وطلب إحضار عمر المختار إلي مكتبه لكي يراه.
[SIZE=-0]
وصل غرسياني إلى بنغازي يوم 14 سبتمبر , وأعلن عن انعقاد "المحكمة الخاصة" يوم 15 سبتمبر 1931م, وفي صباح ذلك اليوم وقبل المحاكمة رغب غرسياني، كما قال فى كتابه (برقة المهدأة) في الحديث مع عمر [/SIZE]
وصل غرسياني إلى بنغازي يوم 14 سبتمبر , وأعلن عن انعقاد "المحكمة الخاصة" يوم 15 سبتمبر 1931م, وفي صباح ذلك اليوم وقبل المحاكمة رغب غرسياني، كما قال فى كتابه (برقة المهدأة) في الحديث مع عمر [/SIZE]
[SIZE=-0]المختار. [/SIZE]
[SIZE=-0]
وقال : "عندما حضر أمام مكتبي تهيأ لي أن أرى فيه شخصية آلاف المرابطين الذين التقيت بهم أثناء قيامي بالحروب الصحراوية. يداه مكبلتان بالسلاسل, رغم الكسور والجروح التي أصيب بها أثناء المعركة, وكان وجهه مضغوطا؛ لأنه كان مغطيا رأسه (بالجرد) ويجر نفسه بصعوبة؛ نظراً لتعبه أثناء السفر بالبحر,
وبالإجمال يخيل لي أن الذي يقف أمامي رجل ليس كالرجال له منظره وهيبته رغم أنه يشعر بمرارة الأسر, ها هو واقف أمام مكتبي نسأله ويجيب بصوت هادئ وواضح."
وقد وجد غراتسياني أن تلك فرصة ثمينة لا يجب التفريط فيها ، فقام باستغلالها إعلاميا من أجل تدمير أسطورة البطل عمر المختار، كذلك من أجل إخماد استمرارية المقاومة نفسيا سيكولوجيا لدى المجاهدين الليبيين وكذلك في نفوس بقية المواطنين العرب حيث أخذ يلوح بالدرس القاسي الذي لحق بعمر المختار على حد قوله بسبب عناده وعدم استسلامه لسلطة الحكومة الإيطالية .[/SIZE]
وقال : "عندما حضر أمام مكتبي تهيأ لي أن أرى فيه شخصية آلاف المرابطين الذين التقيت بهم أثناء قيامي بالحروب الصحراوية. يداه مكبلتان بالسلاسل, رغم الكسور والجروح التي أصيب بها أثناء المعركة, وكان وجهه مضغوطا؛ لأنه كان مغطيا رأسه (بالجرد) ويجر نفسه بصعوبة؛ نظراً لتعبه أثناء السفر بالبحر,
وبالإجمال يخيل لي أن الذي يقف أمامي رجل ليس كالرجال له منظره وهيبته رغم أنه يشعر بمرارة الأسر, ها هو واقف أمام مكتبي نسأله ويجيب بصوت هادئ وواضح."
وقد وجد غراتسياني أن تلك فرصة ثمينة لا يجب التفريط فيها ، فقام باستغلالها إعلاميا من أجل تدمير أسطورة البطل عمر المختار، كذلك من أجل إخماد استمرارية المقاومة نفسيا سيكولوجيا لدى المجاهدين الليبيين وكذلك في نفوس بقية المواطنين العرب حيث أخذ يلوح بالدرس القاسي الذي لحق بعمر المختار على حد قوله بسبب عناده وعدم استسلامه لسلطة الحكومة الإيطالية .[/SIZE]
ويصف سجان عمر المختار ليفي Livio شيخ المجاهدين بقوله : "كان شيخاً متوسط الطول عنيدا عيناه تشعان ببريق الدهاء والحيلة ، ويبدو منظره كطائر جارح بسبب التقوس الذي يبدو في ظهره ، بالإضافة إلى عمق التقاطيع التي تمتد من أعلى جبهته لتستمر فوق حاجبيه ثم تنحدر إلى أسفل حيث تتقاطع عند فمه ثم تتوارى عند ذقنه تحت لحيته البيضاء القصيرة ، أما لون بشرته فإنه كان يميل إلى اللون الأسمر".
وطوال الليلة التي سبقت تنفيذ حكم الإعدام، كان يتحلى المختار بشخصية البطل المسلم المؤمن بالقضاء والقدر، ويؤكد السجان ليفي ذلك بقوله : "في الحقيقة كان عمر رجلا يصلي لله منذ انبلاج الصبح إلى غروب الشمس مع نهاية كل يوم، رجلا يصلي لله ليلا بدلا من أن يتمشى .. رجلا يصلي لله من أجل أسرته وماشيته ثم الطريق الذي سوف يسلكه .. رجلا يصلي لله من أجل حماية حياة المسلمين جميعا ومن أجل مواصلة الكفاح العادل المقدس الذي أمر به الله سبحانه وتعالى". وفي فجر يوم الإعدام عندما سمع عمر المؤذن ينادي المسلمين لأداء الصلاة، قام من نومه وتوجه نحو القبلة وأدى الصلاة.
ساعة تنفيذ اعدامه شنقاً (رحمه الله)
وكان تحدد مصير عمر المختار قد تحدد يوم 15/9/1931 في صالون بالاس ليتوريا بمدينة بنغازي ، حيث تم إجراء محاكمة صورية له تم فيها الحكم عليه بالإعدام شنقاً حتى الموت وفي صباح يوم 16/9/1931 كما يورد غراتسياني في كتابه " برقة المهدأة " بقوله : "عند الساعة التاسعة صباحا بالضبط من يوم 16/9/1931وبحضور جميع أعيان القبائل البرقاوية في المعسكرات القريبة من بنغازي تم تنفيذ حكم الإعدام شنقاً في عمر المختار زعيم الثوار المتمردين" .
وكان قول "إنا لله وإنا إليه راجعون" آخر ما ردد عمر المختار عندما وقف على منصة المشنقة
وكان تحدد مصير عمر المختار قد تحدد يوم 15/9/1931 في صالون بالاس ليتوريا بمدينة بنغازي ، حيث تم إجراء محاكمة صورية له تم فيها الحكم عليه بالإعدام شنقاً حتى الموت وفي صباح يوم 16/9/1931 كما يورد غراتسياني في كتابه " برقة المهدأة " بقوله : "عند الساعة التاسعة صباحا بالضبط من يوم 16/9/1931وبحضور جميع أعيان القبائل البرقاوية في المعسكرات القريبة من بنغازي تم تنفيذ حكم الإعدام شنقاً في عمر المختار زعيم الثوار المتمردين" .
وكان قول "إنا لله وإنا إليه راجعون" آخر ما ردد عمر المختار عندما وقف على منصة المشنقة
وقام الإيطاليون بجمع القبائل لمشاهدة إعدامه، ويسقط جسد الرجل، وترتفع روحه إلى السماء، وترتفع مبادئه، وما يلبث أعداء الله إلا قليلاً حتى يسلط الله عليهم من يسقط رايتهم، ويزيل عدوانهم عن أرض ليبيا جميعاً.
رَكَـزُوا رُفـاتَكَ فـي الرّمـال لِـواءَ
يَســتنــهضُ الــوادي صبـاحَ مَســاءَ
يـا وَيْحَـهم! نصبـوا مَنـارًا مـن دمٍ
تُوحِـــي إِلـى جــيــل الغـــدِ البَغْضـاءَ
مـا ضـرَّ لـو جَـعلوا العَلاقَة في غدٍ
بيـــن الشــعــوب مَــــوَدَّةً وإِخــــاءَ؟
جُـرْحٌ يَصيـحُ عـلى المدَى, وضَحِيَّةٌ
تـــتـــلمَّــسُ الحـــريَّـــــةَ الحــــمراءَ
يأَيُّهــا الســيفُ المجــرَّدُ بـالفَلا
يكسـو السـيوفَ عـلى الزمان مَضاءَ
تلــك الصحـارى غِمْـدُ كـلِّ مُهَنِّـدٍ
أَبْــــلَى فأَحســنَ فـي العــــدوِّ بَــــلاءَ
وقبــورُ مَـوْتَى مـن شـبابِ أُمَيَّـةٍ
وكــهــولِـهـم لــم يبـْرَحُــــوا أَحيـــاءَ
لــو لاذَ بــالجوزاءِ منهـم معقِـل
دخــــلوا عــلى أَبــراجِــهـا الجـوزاءَ
فتحــوا الشَّــمالَ: سُـهولَهُ وجبالَـهُ
وتوغَّـلــوا, فاســتعمروا الخـــضراءَ
وبَنَــوْا حضـارتَهم, فطَـاوَلَ ركنُهـا
(دَارَ الســــلامِ), و(جِــلَّقَ) الشَّـــمّاءَ
خُـيِّرْتَ فـاخْتَرْتَ المبيـتَ على الطَّوَى
لـــم تَبْــــنِ جــاهًــــا, أَو تَلُـــمَّ ثَــراءَ
إِنَّ البطولــةَ أَن تمـوتَ مـن الظَّمـا
لــيس البطولـــةُ أَن تَعُــــبَّ المـــــاءَ
إِفريقِيــا مَهْــدُ الأُســودِ ولَحْدُهـا
ضــجَّــــتْ عليــكَ أَراجـــلاً ونســــاءَ
والمسـلمون عـلى اخـتلافِ ديـارِهم
لا يملِــكـون مـــعَ الـمُصَــابِ عَـــزاءَ
والجاهليــةُ مــن وَراءِ قُبــورِهم
يبــكــون زَيْــــدَ الخــيل والفَلْــحـــاءَ
فــي ذِمَّــة اللـهِ الكـريمِ وحفظِـه
جَسَــدٌ (ببـــرْقة) وُسِّــــدَ الصحــراءَ
لـم تُبْـقِ منـه رَحَـى الوقـائِع أَعظُمًا
تَبْــــلَى, ولــم تُبْـــقِ الرِّمـاحُ دِمـــاءَ
كَرُفــاتِ نَسْــرٍ أَو بَقِيَّــةِ ضَيْغَـمٍ
باتـــــا وراءَ السَّـــافيــاتِ هَـــبـــــاءَ
بطـلُ البَـداوةِ لـم يكـن يَغْـزو على
"تَنْكٍ", ولــم يَـــكُ يـركبُ الأَجــواءَ
لكــنْ أَخـو خَـيْلٍ حَـمَى صَهَواتِهـا
وأَدَارَ مـــــن أَعــرافــهــا الهيجــــاءَ
لَبَّــى قضـاءَ الأَرضِ أَمِس بمُهْجَـةٍ
لـــم تخْــــشَ إِلاَّ للســــماءِ قَضــــاءَ
وافــاهُ مَرْفــوعَ الجــبينِ كأَنــه
سُــقْـراطُ جَــــرَّ إِلــى القُضـــاةِ رِداءَ
شَــيْخٌ تَمــالَكَ سِــنَّهُ لـم ينفجـرْ
كـالطفل مـــن خـوفِ العِقـابِ بُكــــاءَ
وأَخــو أُمـورٍ عـاشَ فـي سَـرَّائها
فتغــــــــيَّرَتْ, فتــــــوقَّع الضَّــــــراءَ
الأُسْـدُ تـزأَرُ فـي الحـديدِ ولـن ترى
في السِّجنِ ضِرْغامًـا بكى اسْتِخْــذاءَ
وأَتــى الأَسـيرُ يَجُـرُّ ثِقْـلَ حَـديدِهِ
أَسَـــــدٌ يُجَـــــرِّرُ حَيَّــةً رَقْطــــــــــاءَ
عَضَّــتْ بسـاقَيْهِ القُيـودُ فلـم يَنُـؤْ
ومَشَــــتْ بهَيْكلــه السّــنون فنـــــاءَ
تِسْـعُونَ لـو رَكِـبَتْ مَنـاكِبَ شـاهقٍ
لترجَّــــــــلَتْ هَضَباتُـــه إِعيــــــــــاءَ
خَـفِيَتْ عـن القـاضي, وفات نَصِيبُها
مــن رِفْــق جُــــــنْدٍ قـــادةً نُبَـــــــلاءَ
والسِّـنُّ تَعْصِـفُ كُـلَّ قَلْـبِ مُهَـذَّبٍ
َــرَفَ الجُـــــــدودَ, وأَدرَكَ الآبــــــاءَ
دفعــوا إِلـى الجـلاَّدِ أَغلَـبَ مـاجدًا
يأْسُـــو الجِــــراحَ, ويُطلِق الأُسَــراءَ
ويُشــاطرُ الأَقــرانَ ذُخْـرَ سِـلاحِهِ
ويَصُــــفُّ حَــوْلَ خِوانِــــه الأَعـــداءَ
وتخــيَّروا الحــبلَ المَهيــنَ مَنيّـةً
للَّيْــثِ يلفِــــــظ حَوْلَــهُ الحَوْبــــــــاءَ
حَـرموا الممـاتَ عـلى الصَّوارِم والقَنا
مَـنْ كــــان يُعْطِــي الطَّعْنَـةَ النَّجْــلاءَ
إِنـي رأَيـتُ يَـدَ الحضـارةِ أُولِعَـتْ
بـــالـــحقِّ هــَدْمــا تــارةً وبِنـــــــــاءَ
شـرَعَتْ حُـقوقَ النـاسِ فـي أَوطانِهم
إِلاَّ أُبــــــاةَ الضَّيْـــــمِ والضُّعَفــــــــاءَ
يــا أَيُّهَـا الشـعبُ القـريبُ, أَسـامعٌ
فـأَصـــوغَ فـي عُمَـــرَ الشَّـهِيدِ رِثاءَ؟
أَم أَلْجَـمَتْ فـاكَ الخُـطوبُ وحَـرَّمت
أُذنَيْــكَ حــــينَ تُخــاطِبُ الإِصْغــــاءَ؟
ذهــب الـزعيمُ وأَنـتَ بـاقٍ خـالدٌ
فــانقُد رِجـــالَك, واخْـــتَرِ الزُّعَمـــاءَ
وأَرِحْ شـيوخَكَ مـن تكـاليفِ الـوَغَى
واحْــــمِلْ عــلى فِتْــيـانِكَ الأَعْبــــــاءَ
يَســتنــهضُ الــوادي صبـاحَ مَســاءَ
يـا وَيْحَـهم! نصبـوا مَنـارًا مـن دمٍ
تُوحِـــي إِلـى جــيــل الغـــدِ البَغْضـاءَ
مـا ضـرَّ لـو جَـعلوا العَلاقَة في غدٍ
بيـــن الشــعــوب مَــــوَدَّةً وإِخــــاءَ؟
جُـرْحٌ يَصيـحُ عـلى المدَى, وضَحِيَّةٌ
تـــتـــلمَّــسُ الحـــريَّـــــةَ الحــــمراءَ
يأَيُّهــا الســيفُ المجــرَّدُ بـالفَلا
يكسـو السـيوفَ عـلى الزمان مَضاءَ
تلــك الصحـارى غِمْـدُ كـلِّ مُهَنِّـدٍ
أَبْــــلَى فأَحســنَ فـي العــــدوِّ بَــــلاءَ
وقبــورُ مَـوْتَى مـن شـبابِ أُمَيَّـةٍ
وكــهــولِـهـم لــم يبـْرَحُــــوا أَحيـــاءَ
لــو لاذَ بــالجوزاءِ منهـم معقِـل
دخــــلوا عــلى أَبــراجِــهـا الجـوزاءَ
فتحــوا الشَّــمالَ: سُـهولَهُ وجبالَـهُ
وتوغَّـلــوا, فاســتعمروا الخـــضراءَ
وبَنَــوْا حضـارتَهم, فطَـاوَلَ ركنُهـا
(دَارَ الســــلامِ), و(جِــلَّقَ) الشَّـــمّاءَ
خُـيِّرْتَ فـاخْتَرْتَ المبيـتَ على الطَّوَى
لـــم تَبْــــنِ جــاهًــــا, أَو تَلُـــمَّ ثَــراءَ
إِنَّ البطولــةَ أَن تمـوتَ مـن الظَّمـا
لــيس البطولـــةُ أَن تَعُــــبَّ المـــــاءَ
إِفريقِيــا مَهْــدُ الأُســودِ ولَحْدُهـا
ضــجَّــــتْ عليــكَ أَراجـــلاً ونســــاءَ
والمسـلمون عـلى اخـتلافِ ديـارِهم
لا يملِــكـون مـــعَ الـمُصَــابِ عَـــزاءَ
والجاهليــةُ مــن وَراءِ قُبــورِهم
يبــكــون زَيْــــدَ الخــيل والفَلْــحـــاءَ
فــي ذِمَّــة اللـهِ الكـريمِ وحفظِـه
جَسَــدٌ (ببـــرْقة) وُسِّــــدَ الصحــراءَ
لـم تُبْـقِ منـه رَحَـى الوقـائِع أَعظُمًا
تَبْــــلَى, ولــم تُبْـــقِ الرِّمـاحُ دِمـــاءَ
كَرُفــاتِ نَسْــرٍ أَو بَقِيَّــةِ ضَيْغَـمٍ
باتـــــا وراءَ السَّـــافيــاتِ هَـــبـــــاءَ
بطـلُ البَـداوةِ لـم يكـن يَغْـزو على
"تَنْكٍ", ولــم يَـــكُ يـركبُ الأَجــواءَ
لكــنْ أَخـو خَـيْلٍ حَـمَى صَهَواتِهـا
وأَدَارَ مـــــن أَعــرافــهــا الهيجــــاءَ
لَبَّــى قضـاءَ الأَرضِ أَمِس بمُهْجَـةٍ
لـــم تخْــــشَ إِلاَّ للســــماءِ قَضــــاءَ
وافــاهُ مَرْفــوعَ الجــبينِ كأَنــه
سُــقْـراطُ جَــــرَّ إِلــى القُضـــاةِ رِداءَ
شَــيْخٌ تَمــالَكَ سِــنَّهُ لـم ينفجـرْ
كـالطفل مـــن خـوفِ العِقـابِ بُكــــاءَ
وأَخــو أُمـورٍ عـاشَ فـي سَـرَّائها
فتغــــــــيَّرَتْ, فتــــــوقَّع الضَّــــــراءَ
الأُسْـدُ تـزأَرُ فـي الحـديدِ ولـن ترى
في السِّجنِ ضِرْغامًـا بكى اسْتِخْــذاءَ
وأَتــى الأَسـيرُ يَجُـرُّ ثِقْـلَ حَـديدِهِ
أَسَـــــدٌ يُجَـــــرِّرُ حَيَّــةً رَقْطــــــــــاءَ
عَضَّــتْ بسـاقَيْهِ القُيـودُ فلـم يَنُـؤْ
ومَشَــــتْ بهَيْكلــه السّــنون فنـــــاءَ
تِسْـعُونَ لـو رَكِـبَتْ مَنـاكِبَ شـاهقٍ
لترجَّــــــــلَتْ هَضَباتُـــه إِعيــــــــــاءَ
خَـفِيَتْ عـن القـاضي, وفات نَصِيبُها
مــن رِفْــق جُــــــنْدٍ قـــادةً نُبَـــــــلاءَ
والسِّـنُّ تَعْصِـفُ كُـلَّ قَلْـبِ مُهَـذَّبٍ
َــرَفَ الجُـــــــدودَ, وأَدرَكَ الآبــــــاءَ
دفعــوا إِلـى الجـلاَّدِ أَغلَـبَ مـاجدًا
يأْسُـــو الجِــــراحَ, ويُطلِق الأُسَــراءَ
ويُشــاطرُ الأَقــرانَ ذُخْـرَ سِـلاحِهِ
ويَصُــــفُّ حَــوْلَ خِوانِــــه الأَعـــداءَ
وتخــيَّروا الحــبلَ المَهيــنَ مَنيّـةً
للَّيْــثِ يلفِــــــظ حَوْلَــهُ الحَوْبــــــــاءَ
حَـرموا الممـاتَ عـلى الصَّوارِم والقَنا
مَـنْ كــــان يُعْطِــي الطَّعْنَـةَ النَّجْــلاءَ
إِنـي رأَيـتُ يَـدَ الحضـارةِ أُولِعَـتْ
بـــالـــحقِّ هــَدْمــا تــارةً وبِنـــــــــاءَ
شـرَعَتْ حُـقوقَ النـاسِ فـي أَوطانِهم
إِلاَّ أُبــــــاةَ الضَّيْـــــمِ والضُّعَفــــــــاءَ
يــا أَيُّهَـا الشـعبُ القـريبُ, أَسـامعٌ
فـأَصـــوغَ فـي عُمَـــرَ الشَّـهِيدِ رِثاءَ؟
أَم أَلْجَـمَتْ فـاكَ الخُـطوبُ وحَـرَّمت
أُذنَيْــكَ حــــينَ تُخــاطِبُ الإِصْغــــاءَ؟
ذهــب الـزعيمُ وأَنـتَ بـاقٍ خـالدٌ
فــانقُد رِجـــالَك, واخْـــتَرِ الزُّعَمـــاءَ
وأَرِحْ شـيوخَكَ مـن تكـاليفِ الـوَغَى
واحْــــمِلْ عــلى فِتْــيـانِكَ الأَعْبــــــاءَ