ربما تكون الولايات المتحدة في طريقها نحو انحدار لم تتعافى منه سوى القليل من القوى العظمى في السابق، فهي تمتلك العديد من أدوات التعافي، لكنها لا تملك حتى الآن اعترافاً مشتركاً بالمشكلة وكيفية حلها.
هذا ليس اقتباسًا من شعارات حركة (جعل الولايات المتحدة عظيمة مرة ثانية) أو نشرة خاصة بالتيار التقدمي، بل هو ملخص لدراسة جديدة مذهلة أجرتها مؤسسة راند للأبحاث بتكليف من مكتب التقييم التابع للبنتاغون، وينبغي أن يكون بمثابة صرخة ايقاظ لأميركا في هذا العام الانتخابي الحاسم.
سيتم نشر دراسة راند، التي تحمل عنوان يثير الشعور بالهدوء "مصادر الديناميكية الوطنية المتجددة"، يوم الثلاثاء المقبل، وهي جزء من سلسلة تقارير بتكليف من مكتب البنتاغون لتقييم الوضع التنافسي للولايات المتحدة في مواجهة الصين الصاعدة، وقد حصلت على نسخة مبكرة لأنني كتبت سابقًا عن المشروع وعن مايكل جيه مازار مؤلفها الرئيسي في مؤسسة راند.
وعلى الرغم من أن التقرير مكتوب في الغالب باللغة الجافة لعلم الاجتماع، إلا أنه مادة متفجرة، ويأتي هذا التقييم الصريح ضمن تقليد مكتب التقييم، الذي أنشئ في عام 1973 خلال الأيام القاتمة للحرب الباردة من أجل "التفكير فيما لا يمكن تصوره".
كان المدير المؤسس للمكتب هو أندرو مارشال، وهو مفكر غريب الأطوار مشهور، ويرأسها الآن جيمس بيكر، وهو ضابط متقاعد في القوات الجوية يحظى باحترام واسع، وعمل كخبير استراتيجي لرئيسين لهيئة الأركان المشتركة.
ما الذي أدى إلى "التراجع النسبي في مكانة الولايات المتحدة"، كما يتساءل التقرير؟
يشرح الفصل الافتتاحي مشكلة أميركا بشكل صارخ: "فإن موقفها التنافسي مهدد من الداخل (فيما يتعلق بتباطؤ نمو الإنتاجية، والشيخوخة السكانية، والنظام السياسي المستقطب، وبيئة المعلومات الفاسدة على نحو متزايد) ومن الخارج (فيما يتعلق بارتفاع حجم الاستثمارات المباشرة، والتحدي الذي تمثله الصين وتراجع احترام العشرات من الدول النامية لقوة الولايات المتحدة).
وتحذر الدراسة من أن هذا التراجع "يتسارع" وتضيف "يتم النظر إلى المشكلة الأساسية بمصطلحات مختلفة تمامًا من قبل شرائح مختلفة من المجتمع ومجموعات من القادة السياسيين"، فهناك رواية يمينية عن التراجع وأخرى يسارية، ورغم اتفاقهما على أن شيئاً ما معطل في أميركا، فإن الجانبين يختلفان، إلى أقصى حد في كثير من الأحيان، بشأن ما يجب القيام به حيال ذلك.
وما لم يتمكن الأميركيون من توحيد جهودهم لتحديد هذه المشاكل وحلها، فإننا نجازف بالسقوط في دوامة نحو الأسفل، ويشير المؤلفون إلى أن "التعافي من التدهور الوطني الكبير طويل الأمد أمر نادر ويصعب اكتشافه في السجل التاريخي"، كما حصل مع روما، أو إسبانيا هابسبورغ، أو الإمبراطوريتين العثمانية والنمساوية المجرية، أو الاتحاد السوفييتي "عندما تنزلق القوى العظمى من موقع التفوق أو القيادة بسبب عوامل داخلية، فإنها نادرا ما تعكس هذا الاتجاه".
ما الذي يسبب التدهور الوطني؟
يستشهد مؤلفو راند بمحفزات مألوفة للغاية في عام 2024: "الإدمان على الترف والانحطاط"، و"الفشل في مواكبة ... المتطلبات التكنولوجية"، والبيروقراطية "المتحجرة"، و"فقدان الفضيلة المدنية"، و"التمدد العسكري المفرط"، و"الفشل في مواكبة المتطلبات التكنولوجية" و "النخب الأنانية والمتحاربة"، و"الممارسات البيئية غير المستدامة"، فهل يبدو هذا مثل أي بلد تعرفه؟
ويكمن التحدي في "التجديد الوطني الاستباقي"، كما يقول المؤلفان - وبعبارة أخرى، معالجة المشاكل قبل أن تعاجلنا، ويحدد مسحهم للأدبيات التاريخية والاجتماعية الأدوات الأساسية للتجديد، مثل الاعتراف بالمشكلة؛ واعتماد موقف حل المشكلات بدلاً من الموقف الأيديولوجي؛ ووجود هياكل الحكم الرشيد؛ ولعل الأمر الأكثر مراوغة هو الحفاظ على "التزام النخبة بالصالح العام".
ولسوء الحظ، في قائمة "إصلاح المشكلة"، يصنف مؤلفو مؤسسة راند أداء الولايات المتحدة في عام 2024 على أنه "ضعيف" أو "مهدد" أو في أفضل الأحوال "مختلط"، وإذا نظرنا بصدق إلى المرآة الوطنية، فمن المرجح أن نشارك هذا التقييم.
إذن ما هو المخرج؟ تقدم راند دراستين حالة حيث نجحت الإصلاحات العاجلة في التغلب على الفساد والفوضى التي كان من الممكن أن تكون كارثية لولا ذلك.
المثال الأول هو بريطانيا في منتصف القرن التاسع عشر. لقد قامت ببناء إمبراطورية عالمية ناجحة بشكل خيالي، ولكن بحلول منتصف القرن التاسع عشر، كانت تتعفن من الداخل بسبب "الخسائر البشرية والبيئية الناجمة عن التصنيع، والفساد الملحوظ وعدم فعالية المؤسسات السياسية، وسيطرة مجموعة صغيرة من النخب المالكة للأراضي على السياسة، واتساع فجوة التفاوت الاقتصادي، وغير ذلك الكثير"، لكن بريطانيا نهضت بموجة من الإصلاحات التي اجتاحت الحياة البريطانية وغيرت السياسة، وقد شارك قادة المفكرين هذا الشغف بالإصلاح، من توماس كارلايل إلى تشارلز ديكنز.
ويمكن العثور على دراسة حالة ثانية في الولايات المتحدة نفسها، بعد فورة العصر الذهبي في أواخر القرن التاسع عشر.
فبعد ان أدى الازدهار الصناعي خلال هذه الفترة إلى تحويل أميركا، ولكنه خلق تفاوتات سامة، وأضراراً اجتماعية وبيئية، وفساداً فادحاً، وقاد الجمهوري ثيودور روزفلت حركة «تقدمية» أصلحت السياسة والأعمال وحقوق العمال والبيئة ومستنقع الفساد السياسي.
لاحظ مؤلفو مؤسسة راند نقلاً عن المؤرخ جاكسون ليرز أن "التقدميين كان لديهم" توق إلى الولادة من جديد "وسعوا إلى ضخ" بعض الحيوية العميقة في الثقافة الحديثة التي بدت هشة وعلى وشك الانهيار".
رسالة هذه الدراسة واضحة بشكل صارخ. فأميركا تسير على منحنى نزول قد يكون قاتلاً، وما سينقذنا هو التزام واسع النطاق، بدءاً بالنخب، بالعمل من أجل الصالح العام والنهضة الوطنية.
لدينا الأدوات، ولكننا لا نستخدمها، وإذا لم نتمكن من العثور على قادة جدد والاتفاق على الحلول التي تناسب الجميع، فسوف نغرق