صلاح الدين وتحرير الأقصى
أ.د. علي بن محمد عودة الغامدي
أ.د. علي بن محمد عودة الغامدي
قرَّر صلاح الدين تحرير بيت المقدس والمسجد الأقصى ، وذلك بعد معركة حطين الحاسمة في 23 ربيع الآخر 583 هجرية / 1187م التي سحق فيها صلاح الدين جيش مملكة بيت المقدس الصليبية ، وتمكن صلاح الدين خلال ثلاثة أشهر – بعد حطين – أن يسترد أكثر من ثمانين مدينة وقرية وحصن وما يتبعها من مساحات تزيد بكثير عن مساحة فلسطين المغتصبة التي يحتلها الصهاينة الآن . وقد سيطر صلاح الدين على كل مدن الساحل الفلسطيني ليحول دون وصول أية مساعدة للصليبيين إذا حاصر بيت المقدس.
وكانت بيت المقدس الصليبية في حالة سيئة جداً ، لأن جيشها دُمِّرَ بكامله في معركة حطين ولم يبق في بيت المقدس من الصليبيين إلا القليل من الجنود وأعداد كثيرة جداً من النساء والأطفال والشيوخ والرهبان.
وكان أمير صيدا الصليبي باليان دي أبلين قد سلَّم صيدا لصلاح الدين عندما حاصرها ، واستأذن صلاح الدين في أن يسمح له بالذهاب الى بيت المقدس ليأخذ زوجته وأطفاله ثم يغادر إلى أوروبا. فسمح له صلاح الدين بعد أن أقسم له على الأنجيل إلا يمكث في بيت المقدس إلا ليلة واحدة ثم يغادرها. ولما وصل باليان دي إبلين الى بيت المقدس اجتمع حوله النساء والأطفال والشيوخ ، واخذوا يبكون ويتوسلون إليه أن يتولى أمرهم ويدافع عن بيت المقدس أمام هجوم صلاح الدين ، فحنث باليان بقسمه لصلاح الدين وتولىَّ أمر بيت المقدس وقام بتجنيد الشيوخ ، حتى من الذين تجاوزا سن الستين من العمر ، والفتيان الصغار من سن الرابعة عشرة وما فوقها للدفاع عن بيت المقدس.
ثم أرسل الصليبيون في بيت المقدس وفداُ من وجهائهم إلى صلاح الدين وهو يحاصر عسقلان يطلبون منه الصلح ، فعرض عليهم صلاح الدين أن تستسلم بيت المقدس بنفس الشروط التي استسلمت بها المدن الصليبية الأخرى ، وأن يؤمنهم على أرواحهم ونسائهم وأولادهم وأموالهم ، ويسمح لمن يشاء منهم بالخروج من بيت المقدس سالماً ، ولكن الصليبيين رفضوا العرض ورأوا ( أن الموت أيسر عليهم من ان يملك المسلمون البيت المقدس ) كما قال ابن واصل. فأصرَّ صلاح الدين على أن تستسلم بيت المقدس بدون قيد أو شرط ، وأقسم أن يأخذها بحد السيف – إذا لم تستسلم – كما أخذها الصليبيون قبل إحدى وتسعين سنة.
ولما سمع المسلمون بعزم صلاح الدين على استرداد بيت المقدس من الصليبيين ، توافد إليه الكثير من العلماء والمتطوعين وطلاب العلم من دمشق وحلب ومصر والعراق ، ومنهم العماد الكاتب الأصفهاني الذي كان مريضاً في دمشق ، فلما علم بعزم صلاح الدين شُفِيَ من مرضه وارتحل نحو بيت المقدس للمشاركة في ذلك الشرف العظيم.
وسار صلاح الدين بجيشه نحو بيت المقدس ، ودار حولها خمسة أيام ليهاجمها من أضعف نقطة في أسوارها ، ثم عسكر بجيشه في الجهة الغربية منها ، ووجد أن في تلك الجهة أودية يصعب مهاجمة بيت المقدس منها ، ثم دار بجيشه واستقر بجيشه في الجهة الشمالية من المدينة من ناحية باب العمود ، وهي أقرب إلى الأسوار ، فضلاً عن الابتعاد عن تأثير الشمس في الجهتين الغربية والشرقية. ثم امر بإحضار المنجنيقات ، وآلات الحصار والنقابين المتخصصين في نقب الأسوار. وبدأ الحصار والضغط على أسوار بيت المقدس في العشرين من رجب سنة 583 هجرية ، وخلال أسبوع واحد ، تمكن النقابون من نقب ثلاثة وأربعين نقباً في أسوار بيت المقدس ، وجمعوا الحطب وأدخلوه في تلك النقوب لإشعال النار فيه كي يمكن هدم الأسوار.
وارسل باليان دي إبلين وفداً إلى صلاح الدين يعرض عليه استسلام بيت المقدس بشروط ، ولكن صلاح الدين رفض فعاد الوفد خائباً ، فخرج باليان دي إبلين بنفسه وطلب الأمان من صلاح الدين ، ولما مثل بين يديه ، عرض ان تستسلم بيت المقدس مقابل حقن دماء أهلها من الصليبيين والخروج بأموالهم ، كما فعل صلاح الدين مع المدن الأخرى. فرفض صلاح الدين وأصرّ على انه سيفتحها عنوة كما استولى عليها الصليبيون من قبل. عندئذ خاطب باليان دي بلين صلاح الدين بطريقة فيها استرحام واستعطاف. فقال له :
” اعلم أيها الملك إنَّا خلق كثير في هذه المدينة ، وإذا رأينا الموت لابد منه فو الله لنقتل أبنائنا ونسائنا ونحرق ما نملكه من أموالنا وأمتعتنا ولا نترككم تنعمون منا ديناراً ولا درهماً ولا تأسرون رجلاً ولا إمراة. فإذا فرغنا من ذلك أخربنا الصخرة والمسجد الأقصى وغيرها من المواضع الشريفة ، ثم نقتل من عندنا من أسرى المسلمين وهم خمسة آلاف أسير ، ولا نترك لنا دابة ولا حيوان إلا قتلناه ، ثم خرجنا إليكم وقاتلنا قتال من يريد أن يحمي دمه ونفسه ، وحينئذ لا يُقتل الرجل حتى يقتل أمثاله ” النص من أبي شامة في كتابه الروضتين.
واستشار صلاح الدين أصحابه فأشاروا عليه أن تستسلم بيت المقدس مثل ما أقسم وكأنها وقعت عنوة ( لأن أحكام البلدان التي يدخلها المسلمون عنوة غير التي يدخلونها صلحاً ) فيصبح الصليبيون وكأنهم رقيق ويشترون أنفسهم من المسلمين بأن يدفع الرجل عشرة دنانير مقابل تحرير نفسه والمرأة خمسة دنانير مقابل ذلك والطفل دينار واحد ، ومن مر عليه أربعون يوماً ولم يستطع الدفع يصبح عبداً يُباع في أسواق الرقيق.
فوافق صلاح الدين على هذا الاقتراح ووافق عليه أيضاً باليان دي إبلين وتعهد أن يدفع مبلغ ثلاثين الف دينار عن سبعة آلاف من فقراء ومعدمي الصليبيين .
وفي يوم الجمعة 27 رجب سنة 583 هجرية الموافق 2 أكتوبر 1187م دخل المسلمون بقيادة صلاح الدين بيت المقدس ، في ذكرى ليلة إلاسراء والمعراج ، التي رجحت بعض الروايات أنها كانت في السابع والعشرين من رجب.
وابدى صلاح الدين كرماً جماً وتسامحاً فريداً في معاملة الصليبيين ، فرفض اقتراح بعض ألمسلمين بهدم كنيسة القيامة ، واطلق سراح الفقراء من اليتامى والارامل والشيوخ بدون فداء ، بل وتصدق عليهم من ماله الخاص ، وقد أهدى لأخيه العادل وبقية أخوته واصحابه آلاف الأسرى ، فاعتقوهم لوجه الله تعالى ، وقد اسهبت المصادر الصليبية والإسلامية في الحديث عن تسامح صلاح الدين وكرمه. حتى أن ستيفن رنسيمان علَّق على ذلك التسامح والكرم بقوله : ” لقد لقًّن صلاح الدين الفرنج درساً في التسامح وأظهر لهم كيف يحتفل الرجل الشريف بانتصاره “.
وقد تعجب المسلمون من تصرف بطريرك بيت المقدس الكاثوليكي هرقل الذي أخذ كل أموال الكنيسة ونزع الذهب الذي على القبر المقدس الذي يعتقد النصارى انه قبر المسيح ، ثم دفع عن نفسه عشرة دنانير وخرج بكل تلك الأموال والطنافس دون ان يعبأ بآلاف الصليبيين الذين عجزوا عن شراء أنفسهم ، بل وطمع في كرم صلاح الدين وطلب منه أن ينعم عليه ببعض الأسرى ليعتقهم ، فأنعم عليه صلاح الدين بسبعمائة أسير.
ثم شرع صلاح الدين في إزالة ما اقامه الصليبيون من صور ونقوش داخل المسجد الاقصى وقبة الصخرة ومحراب الأقصى. وبعد إزالة تلك الصور ، أمر صلاح الدين بغسل المسجد الأقصى وقبة الصخرة بماء الورد.
وأُقيمت أول خطبة جمعة ، في المسجد الأقصى بعد تحريره من براثن الصليبيين في الرابع من شعبان سنة 583 هجرية وقد أمر صلاح الدين القاضي محي الدين بن زكي الدين بإلقاء تلك الخطبة وحضرها بنفسه مع جيشه .
وكانت بيت المقدس الصليبية في حالة سيئة جداً ، لأن جيشها دُمِّرَ بكامله في معركة حطين ولم يبق في بيت المقدس من الصليبيين إلا القليل من الجنود وأعداد كثيرة جداً من النساء والأطفال والشيوخ والرهبان.
وكان أمير صيدا الصليبي باليان دي أبلين قد سلَّم صيدا لصلاح الدين عندما حاصرها ، واستأذن صلاح الدين في أن يسمح له بالذهاب الى بيت المقدس ليأخذ زوجته وأطفاله ثم يغادر إلى أوروبا. فسمح له صلاح الدين بعد أن أقسم له على الأنجيل إلا يمكث في بيت المقدس إلا ليلة واحدة ثم يغادرها. ولما وصل باليان دي إبلين الى بيت المقدس اجتمع حوله النساء والأطفال والشيوخ ، واخذوا يبكون ويتوسلون إليه أن يتولى أمرهم ويدافع عن بيت المقدس أمام هجوم صلاح الدين ، فحنث باليان بقسمه لصلاح الدين وتولىَّ أمر بيت المقدس وقام بتجنيد الشيوخ ، حتى من الذين تجاوزا سن الستين من العمر ، والفتيان الصغار من سن الرابعة عشرة وما فوقها للدفاع عن بيت المقدس.
ثم أرسل الصليبيون في بيت المقدس وفداُ من وجهائهم إلى صلاح الدين وهو يحاصر عسقلان يطلبون منه الصلح ، فعرض عليهم صلاح الدين أن تستسلم بيت المقدس بنفس الشروط التي استسلمت بها المدن الصليبية الأخرى ، وأن يؤمنهم على أرواحهم ونسائهم وأولادهم وأموالهم ، ويسمح لمن يشاء منهم بالخروج من بيت المقدس سالماً ، ولكن الصليبيين رفضوا العرض ورأوا ( أن الموت أيسر عليهم من ان يملك المسلمون البيت المقدس ) كما قال ابن واصل. فأصرَّ صلاح الدين على أن تستسلم بيت المقدس بدون قيد أو شرط ، وأقسم أن يأخذها بحد السيف – إذا لم تستسلم – كما أخذها الصليبيون قبل إحدى وتسعين سنة.
ولما سمع المسلمون بعزم صلاح الدين على استرداد بيت المقدس من الصليبيين ، توافد إليه الكثير من العلماء والمتطوعين وطلاب العلم من دمشق وحلب ومصر والعراق ، ومنهم العماد الكاتب الأصفهاني الذي كان مريضاً في دمشق ، فلما علم بعزم صلاح الدين شُفِيَ من مرضه وارتحل نحو بيت المقدس للمشاركة في ذلك الشرف العظيم.
وسار صلاح الدين بجيشه نحو بيت المقدس ، ودار حولها خمسة أيام ليهاجمها من أضعف نقطة في أسوارها ، ثم عسكر بجيشه في الجهة الغربية منها ، ووجد أن في تلك الجهة أودية يصعب مهاجمة بيت المقدس منها ، ثم دار بجيشه واستقر بجيشه في الجهة الشمالية من المدينة من ناحية باب العمود ، وهي أقرب إلى الأسوار ، فضلاً عن الابتعاد عن تأثير الشمس في الجهتين الغربية والشرقية. ثم امر بإحضار المنجنيقات ، وآلات الحصار والنقابين المتخصصين في نقب الأسوار. وبدأ الحصار والضغط على أسوار بيت المقدس في العشرين من رجب سنة 583 هجرية ، وخلال أسبوع واحد ، تمكن النقابون من نقب ثلاثة وأربعين نقباً في أسوار بيت المقدس ، وجمعوا الحطب وأدخلوه في تلك النقوب لإشعال النار فيه كي يمكن هدم الأسوار.
وارسل باليان دي إبلين وفداً إلى صلاح الدين يعرض عليه استسلام بيت المقدس بشروط ، ولكن صلاح الدين رفض فعاد الوفد خائباً ، فخرج باليان دي إبلين بنفسه وطلب الأمان من صلاح الدين ، ولما مثل بين يديه ، عرض ان تستسلم بيت المقدس مقابل حقن دماء أهلها من الصليبيين والخروج بأموالهم ، كما فعل صلاح الدين مع المدن الأخرى. فرفض صلاح الدين وأصرّ على انه سيفتحها عنوة كما استولى عليها الصليبيون من قبل. عندئذ خاطب باليان دي بلين صلاح الدين بطريقة فيها استرحام واستعطاف. فقال له :
” اعلم أيها الملك إنَّا خلق كثير في هذه المدينة ، وإذا رأينا الموت لابد منه فو الله لنقتل أبنائنا ونسائنا ونحرق ما نملكه من أموالنا وأمتعتنا ولا نترككم تنعمون منا ديناراً ولا درهماً ولا تأسرون رجلاً ولا إمراة. فإذا فرغنا من ذلك أخربنا الصخرة والمسجد الأقصى وغيرها من المواضع الشريفة ، ثم نقتل من عندنا من أسرى المسلمين وهم خمسة آلاف أسير ، ولا نترك لنا دابة ولا حيوان إلا قتلناه ، ثم خرجنا إليكم وقاتلنا قتال من يريد أن يحمي دمه ونفسه ، وحينئذ لا يُقتل الرجل حتى يقتل أمثاله ” النص من أبي شامة في كتابه الروضتين.
واستشار صلاح الدين أصحابه فأشاروا عليه أن تستسلم بيت المقدس مثل ما أقسم وكأنها وقعت عنوة ( لأن أحكام البلدان التي يدخلها المسلمون عنوة غير التي يدخلونها صلحاً ) فيصبح الصليبيون وكأنهم رقيق ويشترون أنفسهم من المسلمين بأن يدفع الرجل عشرة دنانير مقابل تحرير نفسه والمرأة خمسة دنانير مقابل ذلك والطفل دينار واحد ، ومن مر عليه أربعون يوماً ولم يستطع الدفع يصبح عبداً يُباع في أسواق الرقيق.
فوافق صلاح الدين على هذا الاقتراح ووافق عليه أيضاً باليان دي إبلين وتعهد أن يدفع مبلغ ثلاثين الف دينار عن سبعة آلاف من فقراء ومعدمي الصليبيين .
وفي يوم الجمعة 27 رجب سنة 583 هجرية الموافق 2 أكتوبر 1187م دخل المسلمون بقيادة صلاح الدين بيت المقدس ، في ذكرى ليلة إلاسراء والمعراج ، التي رجحت بعض الروايات أنها كانت في السابع والعشرين من رجب.
وابدى صلاح الدين كرماً جماً وتسامحاً فريداً في معاملة الصليبيين ، فرفض اقتراح بعض ألمسلمين بهدم كنيسة القيامة ، واطلق سراح الفقراء من اليتامى والارامل والشيوخ بدون فداء ، بل وتصدق عليهم من ماله الخاص ، وقد أهدى لأخيه العادل وبقية أخوته واصحابه آلاف الأسرى ، فاعتقوهم لوجه الله تعالى ، وقد اسهبت المصادر الصليبية والإسلامية في الحديث عن تسامح صلاح الدين وكرمه. حتى أن ستيفن رنسيمان علَّق على ذلك التسامح والكرم بقوله : ” لقد لقًّن صلاح الدين الفرنج درساً في التسامح وأظهر لهم كيف يحتفل الرجل الشريف بانتصاره “.
وقد تعجب المسلمون من تصرف بطريرك بيت المقدس الكاثوليكي هرقل الذي أخذ كل أموال الكنيسة ونزع الذهب الذي على القبر المقدس الذي يعتقد النصارى انه قبر المسيح ، ثم دفع عن نفسه عشرة دنانير وخرج بكل تلك الأموال والطنافس دون ان يعبأ بآلاف الصليبيين الذين عجزوا عن شراء أنفسهم ، بل وطمع في كرم صلاح الدين وطلب منه أن ينعم عليه ببعض الأسرى ليعتقهم ، فأنعم عليه صلاح الدين بسبعمائة أسير.
ثم شرع صلاح الدين في إزالة ما اقامه الصليبيون من صور ونقوش داخل المسجد الاقصى وقبة الصخرة ومحراب الأقصى. وبعد إزالة تلك الصور ، أمر صلاح الدين بغسل المسجد الأقصى وقبة الصخرة بماء الورد.
وأُقيمت أول خطبة جمعة ، في المسجد الأقصى بعد تحريره من براثن الصليبيين في الرابع من شعبان سنة 583 هجرية وقد أمر صلاح الدين القاضي محي الدين بن زكي الدين بإلقاء تلك الخطبة وحضرها بنفسه مع جيشه .