أسباب اسقاط الأواكس الروسية وعلاقتها بالتطورات الميداينة
مقدمة لا بد منها:
أمريكا اليوم تسعى لإنهاء الأزمة الفلسطينية الغزاوية بطريقة دبلوماسية، لقناعتها التامة أن هذه الأزمة لن تحل وفق تجربتها التاريخية، بالطريقة العسكرية من جانب، ومن جانب آخر هذه الحرب باعتقاد أمريكا هددت مصير الجبهة الأوكرانية لصالح الروس بطريقة تصاعدية، فالجبهة الأوربية لم تستطيع أن تلبي احتياجات أوكرانيا الجبهوية، لحرصها على أولوية حماية جبهتها الذاتية أولاً، ومن باب عدم جر روسيا لمواجهة مباشرة من تلك الدول الأوربية، كما أن إطلاق المساعدات الجديدة الأمريكية لأوكرانيا تستدعى وقف حرب غزة بطريقة سلمية تفاوضية، وانهاء حماس بعد ذلك بطريقة استخباراتية وأيدولوجية، لأن استمرار هذه الحرب يقوي حماس من الناحية الشعبية، ويضفي مع الوقت لها شرعية! وسوف نبين ذلك إن شاء الله بشيء من التوضيح بالمقال التحليلي القادم بعون الله الذي بعنوان: "الأسباب الميدانية لتراجع وتيرة المقاومة الفلسطينية في عزة".
والآن نعود إلى صلب المقال فكما بينا في مقالات سابقة من قبل، أن الروس رغم أن هيئتها الظاهرة اليوم توحي أنهم قوة هجومية، إلا أنهم بالحقيقة هم لازالوا عملياً قوات دفاعية! ونجاحهم اليوم بالتحول للهجوم المحدود! هو لأنهم لا زالوا بهجومهم الحالي ضمن الاستراتيجية والتكتيكات الدفاعية! لذلك يمكن تسمية أو وصف هجومهم اليوم بأسلوب الدفاع النشط المتحرك وفق تكتيك القضم والهضم! فإننا نجد أن موجات الهجوم القريب الصاعق الأولى ما تلبث حتى تتحول إلى الوضع الدفاعي المتقدم مع ظهور الموجات الهجومية الثانية الصغيرة الوحدات القتالية بطريقة تكدسيه، لما في هذا التكتيك من طريقة ناجحة لخفض الأضرار والخسائر البشرية والكشف المبكر بالأنساق المتوالية لكوامن الحالات والأماكن الدفاعية الأوكرانية، وساعد ذلك على ارباك تلك الدفاعات وسرعة تداعيها من خلال تعدد محاور الهجمات التي تشمل الانزالات والاقتحامات خلف تلك الخطوط القتالية، وهو ما يساعد على عزلها عن قوات الدعم وامداداتها اللوجستية، ويرفع الروح القتالية المعنوية لدا الروس.
ولكن التطور الهجومي اليوم الحقيقي متلخص بالآلة الحربية التمهيدية والداعمة النارية بالعمق الدفاعي الأوكراني، بالدرجة الأولى بالقوى الضاربة الجوية والصاروخية في العمق المتوسط والبعيد، أما العمق القريب فيتناوله مع طائرات الدعم القريب التكتيكية النفاثة والمروحية المأهولة وغير المأهولة، والصواريخ القصيرة المدى الأرضية التكتيكية مثل كيم إسكندر وصاروخ فورت السوفيتي المعدل للمهام الأرضية، ومن ثم راجمات تورنادو اس وجي ومدفعية كواليتسيا البعدية المدى الميدانية.
وأعتقد اليوم أن روسيا تعد قوة هجومية جديدة فعلية غير القوات السيبيرية وهي قوات المتعاقدين الجدد قواتالعاصفة المحمولة جواً بالحوامات القتالية والتي تشكل في كل جيش مشترك معزز مكون من 80 ألف محارب أكثر من النصف موزعين على 21 فوج مجوقل يتم انزاله كمرحلة أولى بالمظلات من ارتفاع متوسط بالحوامات، وبالحبال المتدلية على ارتفاع منخفض وفي نهاية المطاف بالهبوط المباشر للحوامات القتالية، كما بينا سابقاً، على أن يتم ذلك بدعم مباشر وغير مباشر بسلاح الجو الحيوي المأهول وغير المأهول.
إلا أن الأمريكان لإدارة نيرانهم الميدانية واحكام سيطرتهم الجوية طوروا من قبل عدة طائرات متطورة قيادية في طليعتها طائرة سينتري الأواكس الأمريكية، التي تستطيع الواحدة منها أن تقود أكثر من 300 طائرة اعتراضية ومهاجمة أرضية بالمشاركة من طائرة جوينت ستارز المتخصصة بالمراقبة الرادارية للأهداف المتحركة الأرضية، كطائرة انذار مبكر راداري للمتغيرات الميدانية حتى مدى 250 كم وربما أكثر في المرحلة الحالية، والروس جمعوا بطريقة فنية وظائف طائرتي البوينغ الأمريكيتين بطائرة أنطونوف AN-50 الأواكس الروسية! بمدى كشف أرضي يضاهي كشف جوينت ستارز ويزيد بمدى الكشف 50 كم، ومدى كشف للطائرات المنخفضة التحليق والدرونات المجنحة حتى 400 كم ومدى كشف للطائرات المتوسطة الحجم والمرتفعة التحليق حتى 650 كم أي نفس أمدية الأواكس الأمريكية!
والمتعارف عليه إعلامياً أن اسقاط الغرب بطريقة مُقَنعَة بالقوى الأوكرانية، لطائرتين أواكس روسياتان، كان كردة فعل انتقامية، على الضربات الجوية الإخمادية لمنظومات باتريوت الدفاعية الصاروخية الأمريكية، وذلك لأن الأواكس الروسية كانت تراقب تحركات بطاريات الباتريوت تجاه الجبهة الأمامية بمساعدة الأقمار الصناعية الفضائية الروسية الرادارية والكهروبصرية، التي كانت الغاية الأساسية من نقلها هو افشال انزالات واقتحامات ابرار محمولة جواً كبيرة للقوات المجوقلة الروسية خلف خطوط المواجهة الأمامية، أثبت ذلك اسقاط طائرة نقل اليوشن روسية على الحدود الروسية الأوكرانية، اشتبه بأنها طائرة انزالات مظلية! والأواكس الروسية مع قدرتها على رصد تحركات الباتريوت نحو الجبهة، يبدو أنها كانت تملك القدرة على رصد نشاط هذه البطاريات أيضاً من الناحية الإلكترومغناطيسية!
كما يبدو أنه كان لها نشاط فعال برصد تحركات ومناورات راجمات هيمارس! وتوجيه الوسائل المتوفرة لتدميرها هي والنسخة المجنزرة الألمانية (مارس) والبريطانية (ميلرز)!
والأهم من ذلك كله، هو انذارها المبكر عن أخطر التهديدات الجوية، وهنا أعني قاذفات سوخوي 24 ام الاختراقية، بأحدث الإصدارات السوفيتية، فكما أسلفنا في مقال مستقل أن هذه الطائرة هي الأفضل والأخطر من ناحية الاختراقات الجوية، والقيام بعمليات القصف بالعمق المتوسط وكان يوجد منها 96 قاذفة سوفيتية في أوكرانيا، لأنها كانت سياج الحماية الأول عن خطر الهجمات الغربية أو الممهد الأول لعملية الاقتحام الهجومي الكبير المتوقع من قبل المتوقع في تلك الحقبة، بجحافل الجيش الأحمر السوفيتي تجاه أوربا.
وقد حرص الروس على تدمير أكثر هذه الطائرات الاستراتيجية الأوكرانية من بداية الحرب، ولكن الأوكران نجحوا حينها بمساعدة غربية على إخفاء العدد الأكبر منها، ورغم أن الروس دمروا حتى يومنا هذا جميع هذا الأسطول الجوي الضخم منها وما أضيف إلها مما كان في دول أوربا الشرقية التي كانت تابعة لحلف وارسو التابع لجمهوريات الاتحاد السوفيتي، إلا أن الغرب استطاع اليوم أن يستجلب ويعدل سرب مكون من 18 قاذفة منها، تم اخفائها في مجموعة من القواعد والمطارات الأوكرانية، وذلك بعد فشل الغرب بتأهيل القواعد الجوية الأوكرانية لعمل طائرات ف 16 الأمريكية، لأن سوخوي 24 مصممة للعمل في قواعد جوية سيئة التجهيز والتأهيل القتالي، ويمكنها الإقلاع من الطرق العام والمدارج السريعة التأهيل الترابية!
ومن أسرار زيادة اعتمادها هو أنها تستطيع تأدية مهمتها دون نظم توجيه خارجية، إنما نظام برمجة داخلية بالقصور الذاتي، ورادار تتبع التضاريس الأرضية، ونظام إعادة برمجة مسار وتصحيح مسار بالأقمار الملاحية الأمريكية GPS! كما يمكنها أن تحلق بشكل منخفض جداً حتى ارتفاع 300 متر بسرعة فوق صوتية لمسافة تفوق 300 كم، ثم تطلق صواريخ كروز البريطانية والفرنسية وربما قريباً الألمانية توروس، ويمكنها حمل حتى 8 طن من الذخائر وخزانات الوقود الاحتياطية الخارجية، وهو ما يزيد المدى والفاعليةَ.
والخطر الأكبر عليها اليوم هي طائرات الإنذار المبكر الأواكس الروسية، التي تستطيع رصدها بتحليقها المنخفض من بعد 400 كم منها.
لذلك كانت عملية اسقاط الأواكس الروسية، مطلب استراتيجي في هذه المعركة الميدانية، وقد عزيَ اسقاط الطائرة الأولى منها فوق بحر أوزوف إلى خلل في نظام تمييز الصديق من العدو في منظومة اس 400 الدفاعية الصاروخية، وهذا الأمر لا يصح إلا في حالة حدوث عملية اختراق سيبراني أمريكي برمجي حدث داخل هذه المنظومة المتطورة الروسية، بطريقة لاسلكية، أو التحكم بإطلاق صواريخ هذه المنظومة بنفس الطريقة اللاسلكية البرمجية!
وهو أمر مستبعد، لسببين الأول أن الإجراء المضاد السيبراني الروسي معقد جداً ومشفر بشكل يصعب حتى على الروس اختراقه بطريقة تحكمية أو برمجية! إضافة لأن الروس في حالة حدوث ذلك يبقى لديهم القدرة على تفجير الصواريخ المنطلقة في الجو قبل أن تبلغ أهدافها بطريقة ذاتية، ولو فرضنا حدوث ذلك الاختراق، فالحل يكمن بجعل التحكم بمنصات الاطلاق للصواريخ المضادة للجو فقط سلكية.
لكن المرجح كما أسلفنا من قبل أن سقوطها تم بطائرات الشبح المتسللة الأمريكية وخاصة سوبر رابتور الفائقة الشبحية والقدرة التسللية الصامتة تماماً من الناحية الإلكترونية.
وغالباً تم ذلك بالتتبع الراداري السلبي لطائرة الأواكس الروسية، ثم استهدافها بصاروخ أمرام دي الذي يصل مداه 160 كم بأول أطوار السرعة الفرط صوتية أي 5 ماك مع قدرة التتبع الراداري السلبي لعشرات الكيلومترات قبل تفعيل راداره النشط للإطباق على الطائرة عندما يكشف لراداراتها الكشفية.
أما الطائرة الثانية التي اسقطت فوق الأراضي الروسية على الحدود الأوكرانية، فإعلامياً نسب ذلك للصاروخ السوفيتي اس 200 الذي قد يصل مداه حتى 265 كم ضد الأهداف الجوية، ولكن هذا الصاروخ إن لم يسقطه الروس أثناء رحلته بالقتل الالكتروني اللين، فهو أهون بإسقاطه بالقتل الصاروخي القاسي.
ولكن المسجل هو اقلاع مقاتلة من نوع لايتننغ تو F-35A من قاعدة جوية رومانية بمرافقة مقاتلتين من فئة فايبر أحدث مقاتلات ف 16 الأمريكية، لحمايتها من الأخطار الجوية الروسية، ولزيادة القدرة الإلكترومغناطيسية العالية الطاقة المشتتة والمبددة لموجات الكشف الرادارية وهي تقنيه مشابهة لتلك التي تستخدمها ملكة المقاتلات الروسية سوخوي 35 وملكة الشبحية سوخوي 57 سابقاً لزيادة الشبحية.
ولدا الروس من طائرة الأواكس هذه 13 طائرة فقدت منها اثنتين وبدأت تطور ثلاثة منها للمستوى U ريثما تبدأ بإنتاج نموذجها المتطور AN-100 القادر على كشف كافة الأهداف الجوية بطريقة تصويرية رادارية! وكشف كافة الطائرات العالية الصغر بالحجم أو بالبصمة الرادارية، والنموذج المطور الحالي غالباً سوف يكون أفضل بالحماية الإلكترونية الذاتية المقاومة للحرب الإلكترونية بطريقة وقائية وعلاجية، وبالحرب الإلكترونية الهجومية التشويشية والتضليلية.