السعودية أولاً ؟!
مختارات صحافية
راجح الخوري (النهار) ، الخميس 27 آب 2009
تنكبُّ الحكومة الاسرائيلية والدوائر الصهيونية النافذة في الولايات المتحدة الاميركية على تسويق
خديعة جديدة تهدف الى تحقيق امرين:
أولاً: المضي في خطة اسقاط المطالبة الاميركية والدولية بوقف الاستيطان كشرط لمعاودة
المفاوضات في اطار مؤتمر دولي للسلام على غرار "مؤتمر مدريد" يعتزم الرئيس باراك اوباما الدعوة
اليه.
ثانياً: محاولة زرع الالغام في العلاقات الاميركية – السعودية، عبر افتعال مناورة التفافية للتعمية من
خلال اشتراط الحكومة الاسرائيلية ان تقبل السعودية بأن تكون البوابة العربية لمباشرة التطبيع في مقابل الوقف المؤقت للاستيطان !
يأتي ذلك في سياق العملية الالتفافية التي نجح بنيامين نتنياهو في تنفيذها عندما اقنع الادارة
الاميركية بنظرية "التبادلية في النيات الحسنة"، اي وقف اختباري مؤقت للاستيطان في مقابل
تفعيل اختباري للتطبيع !
كانت هذه معادلة الخيبة والمهزلة. الخيبة لأن اوباما الذي بدأ متشدداً في دعوته الى وقف
الاستيطان، سرعان ما تراجع بعد حملة صهيونية شعواء شنت ضده في الكونغرس وفي وسائل
الاعلام الاميركية. اما المهزلة فلأن اسرائيل تمضي الآن في تسويق هذه الخديعة، وهي تريد اسقاط
المطالبة بوقف الاستيطان وتحميل الجانب العربي وخصوصا السعودية مسؤولية احباط مبادرة اوباما
للتسوية بينما هي التي احبطتها عملياً !
هكذا لم يكن مفاجئا ان يبدأ نتنياهو جولة اتصالاته مع القادة الاوروبيين من لندن حيث رفع شعار
"السعودية اولا"، مشددا على ان الثمن المطلوب لتجميد الاستيطان هو ان تكون السعودية واجهة
مباشرة التطبيع.
واذا كان رفع هذا الشعار يمثل وقاحة ما بعدها وقاحة، فإنه يؤكد عمليا وموضوعيا ان اسرائيل ترفض
كليا وقف الاستيطان وتريد نسف مبادرة اوباما من اساسها، وهناك دليلان على ذلك:
اولاً: لقد سعت الديبلوماسية الاميركية في خلال الاسابيع القليلة الماضية الى تسويق نظرية
المقايضة التي تقوم على وقف الاستيطان مؤقتا في مقابل اعادة فتح مكاتب تمثيل المصالح
الاسرائيلية التي كانت قائمة في قطر والبحرين والمغرب وتونس وعُمان، ولكن نتنياهو سارع الى
رفع سقف مطالبه عبر طرح شعار "السعودية اولا".
ثانياً: وهو الاهم، ان نتنياهو تعهد رفع هذا الشعار رغم معرفته ومعرفة الادارة الاميركية بالموقف
الحازم والجازم الذي تتخذه السعودية من موضوع التطبيع الذي لن يكون مقبولا اطلاقا قبل ان
تنسحب اسرائيل من كل الاراضي العربية المحتلة وقيام الدولة الفلسطينية تنفيذاً لمبدأ الارض في
مقابل السلام الذي يشكل القاعدة الوحيدة للتسوية، وهي قاعدة تستند الى قرارات الشرعية
الدولية.
والموقف السعودي من التطبيع واضح من خلال "المبادرة العربية للسلام" التي وضعها خادم الحرمين
الشريفين على قاعدة مبدأ الارض في مقابل السلام. ولم يكن مفاجئا كيف تصدى وزير الخارجية
الامير سعود الفيصل لندّه هيلاري كلينتون قبل اسابيع في المؤتمر الصحافي المشترك بينهما في
واشنطن، عندما دعت الدول العربية الى اتخاذ تدابير ملموسة في اتجاه اسرائيل بمباشرة التطبيع
معها، فرد عليها بنبرة جازمة بالقول: "اننا نرفض هذه الاقتراحات الاميركية".
والسؤال الاساس الآن هو: ماذا ستقدم اسرائيل في مقابل هذا العرض الشامل؟ فقد تجاهل
نتنياهو حتى دعوات اميركا لوقف الاستيطان، فكيف له ان يكون عاملا لسلام جدّي في المنطقة؟
رغم تأكيد سعود الفيصل ان السعودية غير مهتمة باتخاذ خطوات تجاه اسرائيل كما تقترح اميركا
الى ان تقبل بالانسحاب الشامل من كل الاراضي العربية المحتلة عام 1967، يتعمد نتنياهو والدوائر
الصهيونية في اميركا التركيز على شعار "السعودية اولا" بهدف دفع واشنطن الى ممارسة الضغط
على المملكة في مسألة التطبيع بدلا من الضغط على اسرائيل في موضوع الاستيطان، وذلك في
سياق رهان ضمني على دس الالغام بين واشنطن والرياض.
إن الدليل العملي على هذا الاستنتاج يتمثل اولا في الحملة السياسية والاعلامية التي شنتها
الدوائر الصهيونية على الرئيس الاميركي وانتهت بقبوله نظرية التبادلية بين وقف الاستيطان موقتا
والتطبيع. وثانياً في الحملة المماثلة التي شنت على وزير الخارجية السعودي وعلى المملكة، وقد
وصلت الى حد ان اثنين من النواب الديموقراطيين في الكونغرس، وهما براد شيرمان وإيد رويس،
يجمعان تواقيع على رسالة موجهة الى خادم الحرمين الشريفين تقول إن الموقعين (بلغ عددهم
260 من أصل 435) خاب املهم في رد الامير سعود الفيصل على هيلاري كلينتون، وانهم يدعون
الملك عبدالله الى القيام بـ"مبادرة دراماتيكية"، على غرار مبادرتي الرئيس انور السادات والملك
حسين، للمساعدة في "قيادة الشرق الاوسط نحو الصلح والسلام".
إنها الوقاحة بكل صلفها وفظاظتها، عندما يصل الامر باسرائيل والدوائر الصهيونية الى طرح شعار
"السعودية اولا"، انطلاقا طبعا من مكانة السعودية ودورها المحوري في العالمين العربي والاسلامي، وذلك
في مقابل خديعة مكشوفة تهدف الى نسف مبادرة اوباما قبل ان تولد، وهذا يستدعي منه بالذات
"مبادرة دراماتيكية" مسؤولة تلوي ذراع نتنياهو وزمرته في تل ابيب وواشنطن ايضاً.
المصدر http://www.nowlebanon.com/Arabic/NewsArticleDetails.aspx?ID=110960&MID=87&PID=46
مختارات صحافية
راجح الخوري (النهار) ، الخميس 27 آب 2009
تنكبُّ الحكومة الاسرائيلية والدوائر الصهيونية النافذة في الولايات المتحدة الاميركية على تسويق
خديعة جديدة تهدف الى تحقيق امرين:
أولاً: المضي في خطة اسقاط المطالبة الاميركية والدولية بوقف الاستيطان كشرط لمعاودة
المفاوضات في اطار مؤتمر دولي للسلام على غرار "مؤتمر مدريد" يعتزم الرئيس باراك اوباما الدعوة
اليه.
ثانياً: محاولة زرع الالغام في العلاقات الاميركية – السعودية، عبر افتعال مناورة التفافية للتعمية من
خلال اشتراط الحكومة الاسرائيلية ان تقبل السعودية بأن تكون البوابة العربية لمباشرة التطبيع في مقابل الوقف المؤقت للاستيطان !
يأتي ذلك في سياق العملية الالتفافية التي نجح بنيامين نتنياهو في تنفيذها عندما اقنع الادارة
الاميركية بنظرية "التبادلية في النيات الحسنة"، اي وقف اختباري مؤقت للاستيطان في مقابل
تفعيل اختباري للتطبيع !
كانت هذه معادلة الخيبة والمهزلة. الخيبة لأن اوباما الذي بدأ متشدداً في دعوته الى وقف
الاستيطان، سرعان ما تراجع بعد حملة صهيونية شعواء شنت ضده في الكونغرس وفي وسائل
الاعلام الاميركية. اما المهزلة فلأن اسرائيل تمضي الآن في تسويق هذه الخديعة، وهي تريد اسقاط
المطالبة بوقف الاستيطان وتحميل الجانب العربي وخصوصا السعودية مسؤولية احباط مبادرة اوباما
للتسوية بينما هي التي احبطتها عملياً !
هكذا لم يكن مفاجئا ان يبدأ نتنياهو جولة اتصالاته مع القادة الاوروبيين من لندن حيث رفع شعار
"السعودية اولا"، مشددا على ان الثمن المطلوب لتجميد الاستيطان هو ان تكون السعودية واجهة
مباشرة التطبيع.
واذا كان رفع هذا الشعار يمثل وقاحة ما بعدها وقاحة، فإنه يؤكد عمليا وموضوعيا ان اسرائيل ترفض
كليا وقف الاستيطان وتريد نسف مبادرة اوباما من اساسها، وهناك دليلان على ذلك:
اولاً: لقد سعت الديبلوماسية الاميركية في خلال الاسابيع القليلة الماضية الى تسويق نظرية
المقايضة التي تقوم على وقف الاستيطان مؤقتا في مقابل اعادة فتح مكاتب تمثيل المصالح
الاسرائيلية التي كانت قائمة في قطر والبحرين والمغرب وتونس وعُمان، ولكن نتنياهو سارع الى
رفع سقف مطالبه عبر طرح شعار "السعودية اولا".
ثانياً: وهو الاهم، ان نتنياهو تعهد رفع هذا الشعار رغم معرفته ومعرفة الادارة الاميركية بالموقف
الحازم والجازم الذي تتخذه السعودية من موضوع التطبيع الذي لن يكون مقبولا اطلاقا قبل ان
تنسحب اسرائيل من كل الاراضي العربية المحتلة وقيام الدولة الفلسطينية تنفيذاً لمبدأ الارض في
مقابل السلام الذي يشكل القاعدة الوحيدة للتسوية، وهي قاعدة تستند الى قرارات الشرعية
الدولية.
والموقف السعودي من التطبيع واضح من خلال "المبادرة العربية للسلام" التي وضعها خادم الحرمين
الشريفين على قاعدة مبدأ الارض في مقابل السلام. ولم يكن مفاجئا كيف تصدى وزير الخارجية
الامير سعود الفيصل لندّه هيلاري كلينتون قبل اسابيع في المؤتمر الصحافي المشترك بينهما في
واشنطن، عندما دعت الدول العربية الى اتخاذ تدابير ملموسة في اتجاه اسرائيل بمباشرة التطبيع
معها، فرد عليها بنبرة جازمة بالقول: "اننا نرفض هذه الاقتراحات الاميركية".
والسؤال الاساس الآن هو: ماذا ستقدم اسرائيل في مقابل هذا العرض الشامل؟ فقد تجاهل
نتنياهو حتى دعوات اميركا لوقف الاستيطان، فكيف له ان يكون عاملا لسلام جدّي في المنطقة؟
رغم تأكيد سعود الفيصل ان السعودية غير مهتمة باتخاذ خطوات تجاه اسرائيل كما تقترح اميركا
الى ان تقبل بالانسحاب الشامل من كل الاراضي العربية المحتلة عام 1967، يتعمد نتنياهو والدوائر
الصهيونية في اميركا التركيز على شعار "السعودية اولا" بهدف دفع واشنطن الى ممارسة الضغط
على المملكة في مسألة التطبيع بدلا من الضغط على اسرائيل في موضوع الاستيطان، وذلك في
سياق رهان ضمني على دس الالغام بين واشنطن والرياض.
إن الدليل العملي على هذا الاستنتاج يتمثل اولا في الحملة السياسية والاعلامية التي شنتها
الدوائر الصهيونية على الرئيس الاميركي وانتهت بقبوله نظرية التبادلية بين وقف الاستيطان موقتا
والتطبيع. وثانياً في الحملة المماثلة التي شنت على وزير الخارجية السعودي وعلى المملكة، وقد
وصلت الى حد ان اثنين من النواب الديموقراطيين في الكونغرس، وهما براد شيرمان وإيد رويس،
يجمعان تواقيع على رسالة موجهة الى خادم الحرمين الشريفين تقول إن الموقعين (بلغ عددهم
260 من أصل 435) خاب املهم في رد الامير سعود الفيصل على هيلاري كلينتون، وانهم يدعون
الملك عبدالله الى القيام بـ"مبادرة دراماتيكية"، على غرار مبادرتي الرئيس انور السادات والملك
حسين، للمساعدة في "قيادة الشرق الاوسط نحو الصلح والسلام".
إنها الوقاحة بكل صلفها وفظاظتها، عندما يصل الامر باسرائيل والدوائر الصهيونية الى طرح شعار
"السعودية اولا"، انطلاقا طبعا من مكانة السعودية ودورها المحوري في العالمين العربي والاسلامي، وذلك
في مقابل خديعة مكشوفة تهدف الى نسف مبادرة اوباما قبل ان تولد، وهذا يستدعي منه بالذات
"مبادرة دراماتيكية" مسؤولة تلوي ذراع نتنياهو وزمرته في تل ابيب وواشنطن ايضاً.
المصدر http://www.nowlebanon.com/Arabic/NewsArticleDetails.aspx?ID=110960&MID=87&PID=46