يتجاوز عمر البرنامج النووي الصيني حاليا ثلاثين عاما تنامت خلالها قدرات الصين النووية في مجالي الأسلحة المستخدمة بالفعل أو تلك الجاري تطويرها وإنتاجها وينقسم المحللون المتابعون لهذا البرنامج إلى مجموعتين مختلفتين. تتبنى أولاهما وجهة نظر مفادها أن الصين تتبنى برنامجا مدروسا ودقيقا ولكنه محدود الحجم وتمثل هذه المجموعة وكالة مخابرات الدفاع منذ عام 1975 بينما ترى المجموعة الثانية المعارضة أن البرنامج الصيني لا يمثل تهديدا جديا للولايات المتحدة ويعاني من عدد من المشاكل المالية والفنية والسياسية التي تعوق تقدمه واستقراره بالإضافة إلى عدم اتفاق القيادة الصينية على رؤية موحدة لمدى رغبة الصين وقدرتها على متابعة برنامج واسع ومتكامل للتسلح النووي والإستراتيجي. ويجدر بالذكر أن الحكومة الأمريكية تميل إلى اعتناق الرأي الأول رغم ندرة وضعف الشواهد المؤيدة له.
تظهر المراقبة الدقيقة للسياسات والتكتيكات الصينية في مجال نشر وتوزيع قواعد الصواريخ الاستراتيجية منذ أواخر الستينيات مدى حرص الصين على الاحتفاظ بالقدرة على تحمل واستيعاب الضربة الصاروخية الأولى ثم تهيئة الظروف المناسبة لشن الضربة الانتقامية من خلال الاستغلال الواعي لطبيعة الأرض الصينية في إخفاء القواعد الصاروخية واستخدام المنصات المتحركة واللجوء مؤخرا إلى إنشاء القواعد الثابتة المجهزة بالصوامع المحصنة وذلك لتحقيق الاستفادة القصوى من الإمكانيات المتاحة رغم ما تواجهه من صعاب تحد من قدراتها ولتوفر لشبكة القواعد الصاروخية الصينية القدرة على البقاء والاستمرار في مواجهة عدو أكثر تفوقا.
ورغم ندرة المعلومات المتاحة عن مدى تطور البرنامج النووي الصيني وصعوبة التحقق من دقتها فإن من المعروف أن التكنولوجيا المستخدمة فيه سوفييتية الأصل مع إضافات قيمة أسهم بها العلماء الصينيون الذين تعلموا في الغرب.
ومن أشهر النماذج في هذا الصدد البروفيسور تشيان شين الذي تعلم في الولايات المتحدة في الثلاثينيات حتى حصل على درجة الدكتوراه من أحد أشهر وأرقى المعاهد المتخصصة في العلوم الهندسية والطبيعية وهو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. كما عمل خلال الحرب العالمية الثانية رئيسا لقسم الصواريخ في اللجنة العلمية الاستشارية لمجلس الدفاع الوطني الأمريكي ثم خدم في سلاح طيران الجيش الأمريكي حتى رتبة العقيد وأوفد في مهمة إلى ألمانيا عام1945 لدراسة تكنولوجيا الصواريخ التي مكنت ألمانيا الهتلرية من إنتاج الأجيال الأولى من الصواريخ أرض أرض التي عرفت باسم (ف1) و (ف 2)، واستخدامها في قصف بريطانيا من قواعدها على الشاطئ الفرنسي المحتل ونجحت الجهود الأمريكية في حينه في تجميع جانب كبير من المهندسين والخبراء الألمان العاملين في البرنامج الألماني وترحيلهم إلى أمريكا ليسهموا في تطوير البرامج الأمريكية في هذا المجال وكان من بين هؤلاء مهندس شاب يدعى (فون براون) أشرف فيما بعد على برامج تطوير الصواريخ الأمريكية العابرة للقارات وأصبح في أواخر حياته الحافلة مديرا لبرنامج (أبوللو) الذي نجحت الولايات المتحدة بفضله في إنزال أول إنسان على القمر عام1969.
أما عن البروفيسور شين وبعد كل ما استثمرت الولايات المتحدة في شخصه إعدادا وتأهيلا وتدريبا، (تطوعت) الحكومة الأمريكية بترحيله إلى الصين عام 1955في أعقاب الحرب الكورية وخلال الحملة المكارثية العاصفة ضد الشيوعية لينضم إلى النخبة التي أسست البرنامج الصيني لإنتاج الرؤوس النووية والصواريخ اللازمة لحملها إلى أهدافها وبذلك يمكن القول بأن النجاح الذي حققته الصين في هذا المجال هو ثمرة التزاوج بين التكنولوجيا السوفييتية والخبرة الغربية والعبقرية الصينية.
ونظرا لاستخدام الصين نفس الأنواع من الصواريخ في برنامجيها الفضائي والعسكري يواجه المراقبون صعوبة ملحوظة في الفصل بينهما ومتابعة ما يحققه كل منهما من تقدم لذلك يمكن اعتبار ما يتضمنه هذا التحليل من معلومات عن البرنامج الفضائي جزءا مكملا لقصة نجاح البرنامج الصاروخي العسكري الموازي له والمتداخل معه.
قواعد الإطلاق
تملك الصين ثلاثة قواعد أو مراكز مجهزة لإطلاق الصواريخ التي تخدم البرنامجين المذكورين تقع أهمها في مقاطعة (جانسو) على بعد 150كم تقريبا شمال شرق مدينة (جيوكوان) بينما تقع القاعدتان الأخريان في مقاطعتي (شانكسي) و(جيلين).
تطور أجيال الصواريخ الصينية
أعلنت الصين عن إطلاق أول صواريخها الموجهة في أغسطس 1960 في أعقاب القطيعة الشهيرة مع الاتحاد السوفييتي وبعد عشرين يوما فقط من الانسحاب المهين للخبراء السوفييت ونص الإعلان على أن الوقود المستخدم في التجربة من إنتاج صيني بينما أغفل نوع الصاروخ نفسه، مما يوحي بأنه من أصل سوفييتي الصنع ومن جيل الصواريخ التي أنتجتها روسيا وباعتها للصين في الخمسينيات و تنحدر من عائلة الصواريخ الألمانية (ف2) تعمل بوقود من الأكسجين السائل والكحول وقد اعتمد الصينيون عليها كبداية لتطوير الأجيال التالية التي نجحوا في إطلاق النموذج الأول منها عام 1966 تحت اسم (ريح الشرق2).
* جيل الصواريخ الأول (ريح الشرق 2):
المدى حوالي 1100 كم.
القدرة التدميرية للرأس الحربي 15 ألف طن ديناميت (تعادل ثلاثة أرباع قنبلة هيروشيما).
قابل للنقل باستخدام مركبات خاصة مجهزة لحمل الصاروخ والقاذف والوقود ويمكن تجهيزه للإطلاق خلال 6:10 ساعات.
دخل الخدمة عام 1969 وأنتج منه حوالي 50وحدة.
وفي عام 1969 بدأ تطوير الجيل الثاني الذي حمل اسم(DF2) .
* جيل الصواريخ الثاني ( دي أف تو):
المدى حوالي 2700 كم.
القدرة التدميرية للرأس الحربي 1:3 ملايين طن ديناميت.
يعمل من قواعد ثابتة وصوامع محصنة الطول 20 مترا والقطر 4و2 متر.
دخل الخدمة عام 1972 زمن الاطلاق أقصر من ريح الشرق لتحسين زمن رد الفعل.
استخدم لإطلاق الأقمار الصناعية الصينية حتى 1975تحت اسم (الزحف العظيم) وجهز لحمل الرؤوس النووية المتعددة تحت اسم (DF4).
مقومات القوة
حققت مسيرة الصين الطويلة والمرهقة نحو استكمال مقومات القوة العظمى العديد من الإنجازات الكبرى فقد أطلقت أول صاروخ عابر للقارات ذا وقود جاف من غواصة غاطسة عام 1982 ثم انتجت أول غواصة تعمل بمحرك نووي وبعدها امتلكت منظومة متقدمة من أقمار الاستطلاع والاتصالات الفضائية وفي عام 1975 نجحت في إنزال مركباتها الفضائية في البحر عام 1975 ولم يكد ينتهي عام 1984 إلا وكانت الصين قد دخلت عصر الصواريخ متعددة الرؤوس النووية
تظهر المراقبة الدقيقة للسياسات والتكتيكات الصينية في مجال نشر وتوزيع قواعد الصواريخ الاستراتيجية منذ أواخر الستينيات مدى حرص الصين على الاحتفاظ بالقدرة على تحمل واستيعاب الضربة الصاروخية الأولى ثم تهيئة الظروف المناسبة لشن الضربة الانتقامية من خلال الاستغلال الواعي لطبيعة الأرض الصينية في إخفاء القواعد الصاروخية واستخدام المنصات المتحركة واللجوء مؤخرا إلى إنشاء القواعد الثابتة المجهزة بالصوامع المحصنة وذلك لتحقيق الاستفادة القصوى من الإمكانيات المتاحة رغم ما تواجهه من صعاب تحد من قدراتها ولتوفر لشبكة القواعد الصاروخية الصينية القدرة على البقاء والاستمرار في مواجهة عدو أكثر تفوقا.
ورغم ندرة المعلومات المتاحة عن مدى تطور البرنامج النووي الصيني وصعوبة التحقق من دقتها فإن من المعروف أن التكنولوجيا المستخدمة فيه سوفييتية الأصل مع إضافات قيمة أسهم بها العلماء الصينيون الذين تعلموا في الغرب.
ومن أشهر النماذج في هذا الصدد البروفيسور تشيان شين الذي تعلم في الولايات المتحدة في الثلاثينيات حتى حصل على درجة الدكتوراه من أحد أشهر وأرقى المعاهد المتخصصة في العلوم الهندسية والطبيعية وهو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. كما عمل خلال الحرب العالمية الثانية رئيسا لقسم الصواريخ في اللجنة العلمية الاستشارية لمجلس الدفاع الوطني الأمريكي ثم خدم في سلاح طيران الجيش الأمريكي حتى رتبة العقيد وأوفد في مهمة إلى ألمانيا عام1945 لدراسة تكنولوجيا الصواريخ التي مكنت ألمانيا الهتلرية من إنتاج الأجيال الأولى من الصواريخ أرض أرض التي عرفت باسم (ف1) و (ف 2)، واستخدامها في قصف بريطانيا من قواعدها على الشاطئ الفرنسي المحتل ونجحت الجهود الأمريكية في حينه في تجميع جانب كبير من المهندسين والخبراء الألمان العاملين في البرنامج الألماني وترحيلهم إلى أمريكا ليسهموا في تطوير البرامج الأمريكية في هذا المجال وكان من بين هؤلاء مهندس شاب يدعى (فون براون) أشرف فيما بعد على برامج تطوير الصواريخ الأمريكية العابرة للقارات وأصبح في أواخر حياته الحافلة مديرا لبرنامج (أبوللو) الذي نجحت الولايات المتحدة بفضله في إنزال أول إنسان على القمر عام1969.
أما عن البروفيسور شين وبعد كل ما استثمرت الولايات المتحدة في شخصه إعدادا وتأهيلا وتدريبا، (تطوعت) الحكومة الأمريكية بترحيله إلى الصين عام 1955في أعقاب الحرب الكورية وخلال الحملة المكارثية العاصفة ضد الشيوعية لينضم إلى النخبة التي أسست البرنامج الصيني لإنتاج الرؤوس النووية والصواريخ اللازمة لحملها إلى أهدافها وبذلك يمكن القول بأن النجاح الذي حققته الصين في هذا المجال هو ثمرة التزاوج بين التكنولوجيا السوفييتية والخبرة الغربية والعبقرية الصينية.
ونظرا لاستخدام الصين نفس الأنواع من الصواريخ في برنامجيها الفضائي والعسكري يواجه المراقبون صعوبة ملحوظة في الفصل بينهما ومتابعة ما يحققه كل منهما من تقدم لذلك يمكن اعتبار ما يتضمنه هذا التحليل من معلومات عن البرنامج الفضائي جزءا مكملا لقصة نجاح البرنامج الصاروخي العسكري الموازي له والمتداخل معه.
قواعد الإطلاق
تملك الصين ثلاثة قواعد أو مراكز مجهزة لإطلاق الصواريخ التي تخدم البرنامجين المذكورين تقع أهمها في مقاطعة (جانسو) على بعد 150كم تقريبا شمال شرق مدينة (جيوكوان) بينما تقع القاعدتان الأخريان في مقاطعتي (شانكسي) و(جيلين).
تطور أجيال الصواريخ الصينية
أعلنت الصين عن إطلاق أول صواريخها الموجهة في أغسطس 1960 في أعقاب القطيعة الشهيرة مع الاتحاد السوفييتي وبعد عشرين يوما فقط من الانسحاب المهين للخبراء السوفييت ونص الإعلان على أن الوقود المستخدم في التجربة من إنتاج صيني بينما أغفل نوع الصاروخ نفسه، مما يوحي بأنه من أصل سوفييتي الصنع ومن جيل الصواريخ التي أنتجتها روسيا وباعتها للصين في الخمسينيات و تنحدر من عائلة الصواريخ الألمانية (ف2) تعمل بوقود من الأكسجين السائل والكحول وقد اعتمد الصينيون عليها كبداية لتطوير الأجيال التالية التي نجحوا في إطلاق النموذج الأول منها عام 1966 تحت اسم (ريح الشرق2).
* جيل الصواريخ الأول (ريح الشرق 2):
المدى حوالي 1100 كم.
القدرة التدميرية للرأس الحربي 15 ألف طن ديناميت (تعادل ثلاثة أرباع قنبلة هيروشيما).
قابل للنقل باستخدام مركبات خاصة مجهزة لحمل الصاروخ والقاذف والوقود ويمكن تجهيزه للإطلاق خلال 6:10 ساعات.
دخل الخدمة عام 1969 وأنتج منه حوالي 50وحدة.
وفي عام 1969 بدأ تطوير الجيل الثاني الذي حمل اسم(DF2) .
* جيل الصواريخ الثاني ( دي أف تو):
المدى حوالي 2700 كم.
القدرة التدميرية للرأس الحربي 1:3 ملايين طن ديناميت.
يعمل من قواعد ثابتة وصوامع محصنة الطول 20 مترا والقطر 4و2 متر.
دخل الخدمة عام 1972 زمن الاطلاق أقصر من ريح الشرق لتحسين زمن رد الفعل.
استخدم لإطلاق الأقمار الصناعية الصينية حتى 1975تحت اسم (الزحف العظيم) وجهز لحمل الرؤوس النووية المتعددة تحت اسم (DF4).
مقومات القوة
حققت مسيرة الصين الطويلة والمرهقة نحو استكمال مقومات القوة العظمى العديد من الإنجازات الكبرى فقد أطلقت أول صاروخ عابر للقارات ذا وقود جاف من غواصة غاطسة عام 1982 ثم انتجت أول غواصة تعمل بمحرك نووي وبعدها امتلكت منظومة متقدمة من أقمار الاستطلاع والاتصالات الفضائية وفي عام 1975 نجحت في إنزال مركباتها الفضائية في البحر عام 1975 ولم يكد ينتهي عام 1984 إلا وكانت الصين قد دخلت عصر الصواريخ متعددة الرؤوس النووية