دراسة تحليلية مختزلة عن أسباب فشل العملية العسكرية الصهيونية في غزة
الفشل الصهيوني المتتابع في غزة صد قوى المقاومة الفلسطينية، سببه الجوهري الرئيسي هو أن الواقع أن قوات العدو الصهيوني، هم من كان ضمن القبضة المقاومة الفلسطينية، وليس العكس كما تحاول أن تعكس ذلك مرآة الإعلام الغربية والعبرية!
وذلك لأن المقاومة الفلسطينية اختارت منذ بداية المواجهة مع الصهاينة حرب الخفاء أي حرب العصابات الشبحية، والتحصن بالأرض بحرفية معقدة دراماتيكية، وهذه الحرب تعتمد بالدرجة الأولى على الكمائن المباغتة واستراتيجية اضرب واختفي من مسافات آمنة بعيدة وأخرى صفرية.
إضافة إلى أن الحالة المعنوية ووحدة الهدف والأحقية التأصيلية والوطنية والجهادية الدينية، من الواضح أنها لصالح الجبهة المقاومة الفلسطينية، وكذلك من الناحية الإعدادية الاستباقية، والاستعدادية والتخطيطية.
لأن المقاومة هي من أعادة صياغة عملية طوفان الأقصى، وتحسبت لكافة ردود الأفعال الصهيونية، وتجلى ذلك بوضوح في كافة المراحل القتالية الصهيونية.
ويمكن تقسيم العملية العسكرية الصهيونية في غزة إلى أربعة أقسام رئيسية وهي بالترتيب كالتالي:
أولاً: عملية التمهيد الجوية:
وهي عملية تمت تحت دعم خمسة أجهزة استخبارات مركزية! أربعة منها خارجية غربية مؤيدة لتقوية الكيان وزيادة الهيمنة الصهيونية، في طليعتها الاستخبارات الأمريكية والبريطانية، بكافة وسائل المراقبة والاستطلاع والتجسس الجوية والفضائية، وذلك بغية تحريك موجات من الضربات الجوية الدقيقة الاستهداف بطريقة جراحية، إلا أن الصهاينة رفضوا هذا النهج التخصصي المحدود التأثر، وعمدوا إلى تنفيذ سياسة التدمير المساحي البساطي التام لكافة الأبنية السكنية، ربما لغاية الردع أو بسبب عجز وسائل الاستطلاع والمراقبة عن تحديد أهدافها العسكرية، أو بغية إفقاد تشكيلات المقاومة الفلسطينية ميزة المعارك الحضرية! أو لنقل حرب العصابات وحرب الكمائن الخفية، وخلق بيئة لإنهاء التواجد السكاني لأهالي غزة في قطاع غزة! أي تهجيرهم وجعل غزة امتداد للمستوطنات الصهيونية، وزيادة تهديد أمن مصر بأن يصبح الكيان على حدود التماس المباشر مع مصر دون مناطق فاصلة فلسطينية! ومن ناحية أخرى السعي إلى افقاد حماس لغطائها الشعبي، إن لم يكن بالكراهية، فإبطال وجود هذا الغطاء بالأصل! من خلال كما أشرنا التهجير لأهالي غزة العزل، من مناطقهم السكنية.
ومن ثم إجبار المقاومة على الدخول في معارك مواجهة مباشرة اعتيادية يتجلى بها التفوق الساحق للآلة العسكرية الصهيونية، ونتيجة ضغط اللوبي الصهيوني على أصحاب القرار بالولايات الأمريكية، وافقت أمريكا على المبدأ ولكن مع تغيير المنهجية من العشوائية الغاشمة التدميرية إلى المنهجية التدميرية المتدرجة بغية تفادي الارتفاع المفرط بالخسائر البشرية الفلسطينية الغير عسكرية، لما في ذلك من آثار سلبية ضارة على مستوى الساحة الدولية.
وكان في بداية الأمر التصعيد المتدرج في تدمير ضواحي غزة الشمالية والشرقية الشمالية والغربية الشمالية، لإيجاد ببداية الأمر موطئ قدم لقوات النخبة الاختراقية والاقتحامية الصهيونية، وكانت المنهجية مركزة لدا الصهاينة بإزالة جميع الآثار المدنية بما في ذلك ركام الأبنية المدمرة بواسطة الجرافات المدرعة المحمية بالدبابات ومدرعات المشاة الصهيونية، لذلك اطرت المقاومة الفلسطينية، لدخول مواجهات كبيرة شاملة، أو محدودة صاعقة حيدت أو قلصات لحد كبير هذه الاستراتيجية المنهجية.
ثانياً: عميلة الاختراقات العسكرية المتدرج المحدودة:
وهي كما بينا مراراً وتكراراً في مقالاتنا التحليلية السابقة، والتي هي باختصار اعتماد تكتيك مجموعات الكتائب الروسية التكتيكية المستقلة الخاصة ولكن بالتنسيق مع كتائب المشاة الميكانيكية المنتخبة، وبطريقة المارينز الأمريكية، التي تعتمد على السيطرة المتدرجة والمتتابعة للمربعات السكنية، واستطاعوا بهذا التكتيك المعروف باختراق السهم ثم انتشار المشاة المؤللة النقل، بالأبنية بطريقة تمشيطيه وتمركزيه تأمينية.
واستطاعوا بهذا التكتيك الانتشار بنسبة 43% من مساحة غزة الشمالية، بعد تدمير أكثر من 70% من مساحة غزة الشمالية! وذلك لخلق مساحات مكشوفة لقلاع المراقبة والتأمين لقوات التحصن الصهاينة بالأبنية المدنية التي خَلت من سكانها الغزاوية.
وكان الحل الوحيد عند المقاومة الفلسطينية الناجح هو النشوب من أنفاق المساحة الخارجة عن السيطرة الصهيونية من تحت ركام الأبنية التي أكثرها مدمرة بطريقة كلية، وتطويق القوات الصهيونية، بطريقة تلاحميه تُصعب عملية الاسناد الجوية والدعم الأرضي الناري البعيد من سلاح المدفعية والبحرية الصهيونية، وكان هذا سبب رئيسي بحدوث الهدنة الأولى الصهيونية!
ثالثاً: عملية الاجتياح الشامل بالنخبة الصهيونية:
أوكلت العملية الاختراق المحدودة الأولى لأفضل ألوية النخبة الصهيونية، المتمثلة بلواء الصدمة الأول وأعني لواء غولاني ولواء الصاعقة الخامس غفعاني بالإضافة لكتيبة مارينز أمريكي مختصة بالمعارك الحضرية، أي ما يشكل بمجموعة 75 ألف محارب محترف متخصصة بالمعارك الحضرية.
أما عملية الاجتياح الشامل بقوات النخبة الصهيونية بالمرحلة الثالثة والتي استمرت حتى بداية العام الجديد 2024، فكانت بواسطة ستة ألوية معززة صهيونية تشكل بمجموعها أكثر من 200 ألف محارب صهيوني تمثل كافة القوات المنتخبة الصهيونية البرية والمجوقلة والبحرية.
وهو ما اجبر المقاومة الفلسطينية على العودة لتكتيك القتال الخفي بطريقة شبه فردية، من خلال تفعيل الكمائن التفجيرية التحكمية، وتكتيك اللدغة من المسافة صفر بالمقذوفات المضادة للدروع والمضادة للأفراد المتحصنين بالأبنية وكمائن مجموعات البنادق الألية، وكثر نشاط القناصين من مسافات آمنة سرية وخفية.
وكل ما تقدم كان بمساعدة عناصر مراقبة حفر الأعين المرتبطة بمتاهات أنفاق قاتلة وكمائن تفجيرية، لم يكن أمام الصهاينة من سبيل للحد من نشاطها الاستطلاعي إلا مضاعفة المراقبة الجوية بالدرونات الاستطلاعية على مدار الساعة، بشكل غير مسبوق وإغلاق المكتشف منها بطريقة تفجيرية بواسطة المشاة أو بطريقة قصف جوية.
بل وضرب مراكز نشاط قوات اللدغة القتالية، مما زاد الاعتماد لدا المقاومة على الكمائن التفجيرية في الطرقات والأبنية المقتحمة السكنية، وظهر نشاط ملحوظ لنيران القوة المدفعية المقاومة براجمات رجوم ودانات الهاون لتغطي انخفاض نشاط قوات اللدغة الفلسطينية.
ثم تحولت قوات اللدغة مع انخفاض نشاطها إلى قوات أكثر إيلام ودموية من خلال تكتيك الضربة المتزامنة المضادة لأعتى الدروع بالتركيز على نقطة تدريع فردية بأكثر من مقذوفة ترادفيه، بعد تعطيل قدرة المدرعات الحركية، بشكل يؤكد مقتل الأطقم بها، وتكرر الأمر ضد القوات المتحصنة بالأبنية بطريقة المقذوفات المتواقتة الجماعية الحرارية العصفية والفراغية؛ واسفر عن ذلك ارتفاع نوعي بالخسائر البشرية، ورعب وانهيار معنوي شديد، أفضى إلى انسحاب أقوى الألوية المحترفة الصهيونية وخاصة مع تركيز المقاومة على استهدافهم واقتناصهم للقيادات الصهيونية ببندق الغول القناصة أو القذائف الموجهة عن بعد المضادة الدروع الذكية، أو الفخاخ والكمائن التفجيرية.
وانتهى الأمر بقرار سخب كافة ألوية قوات النخبة الصهيونية! الذي بدء بالفعل ولا زال مستمر بطريقة متدرجة منهجية.
رابعاً: تكتيك معالجة النقاط النشطة الإرهابية:
وهو وفق التكتيك الأمريكي الذي أشار إليه وزير الدفاع الأمريكي لوييد أوستن، والذي يعتمد على تشكيلات لواء سابع جديد أدخل حديثا وتوزع بعد بدء انسحاب الألوية الصهيونية الأساسية لتأمينً هذا الانسحاب، وذلك على مستوى كتائب قتالية تشكل بمجموعها سبعة كتائب محاربة من قوات المرتزقة المحترفة الثنائية الجنسية! أي صهيونية داخلية! أو من القارة الأمريكية الجنوبية، ومن جنوب إفريقيا ومن إسبانية وهكذا.
وتكتيكها بعد إتمام انسحاب الألوية الصهيونية، يعتمد على التواجد الصاعق التجميعي من مناطق الانتشار داخل غزة وخارجها بالقواعد الجوية، عند أي بؤرة ذات نشاط إرهابي ملحوظ لوسائط المراقبة الصهيونية، بطريقة الاقتحامات الجوية السريع بالحوامات بعد ضربات محدودة جوية جراحية بالطائرات الضاربة المأهولة والمسيرة يليها تشكيلات دعم مدرعة بطريقة المطرقة المتتابعة من نقاط انتشار الكتائب، مع إسناد النيران المدفعية المدارة نيرانها من قوات الاقتحام المجوقلة الأولية.
وفي حالة اشتعال أكثر من بؤرة في أماكن متعددة تتدخل القوات المنتخبة المنسحبة إلى الأماكن الخارجية في محيط غزة، التي مهمتها الأساسية الآن حصار غزة وعزلها، عن أي إمدادات مصرية!
ولكن بتقديري هذه الاستراتيجية الأخيرة فيها خباثة صهيونية! في حالة تصاعد المواجهة من المقاومة الفلسطينية! التي تمثل حالة الحسم! من خلال تنفيذ استراتيجية القتل المتبادل بتكتيك السهم المكسور الأمريكي، أو استراتيجية هانيبعل الصهيونية، بالنيران الجوية والمدفعية، في حالة رجحان الفوز بالمعارك التلاحميه للمقاومة الفلسطينية، وقد شهدت المقاومة نموذج مصغر عن هذا عندما حاولت أن تستولي على شاحنة متفجرات صهيونية قامت دبابة ميركافا بتفجيرها مما أوقع بشكل مباشر ستة قتلى ونحو 30 إصابة منها ستة أيضاً بحالة حرجة، أي قتل الجميع من الصهاينة والمقاومة مقابل منع المقاومة من الاستيلاء على هذه المتفجرات!
لذلك من المؤكد أن المقاومة الفلسطينية وعت لهذا التكتيك الخبيث، وسوف تستمر بمنهجها الاستنزافي الطويل الأمد بحرب الكمائن والاستهداف الصاعق القريب والضارب البعيد، وفق سياسة اضرب واهرب، وصليات النيران المدفعية المدارة من طرف عناصر حفر الأعين الاستطلاعية الراصدة للتحركات الصهيونية.
أي أن المقاومة تقاتل وفق تقسيم مهام فريد، وهو مكون من أربع أقسام رئيسية، وهم وحدة الرصد من حفر العيون (الوحدة البيضاء في قوة دلتا) والتي تدير باقي الوحدات والتي هي وحدة تنفيذ الواجب التلاحميه الصفرية الصاعقة، ووحد الكمائن الخفية، التي تعادل الوحدة الحمراء في قوات الكوماندوس الغربية، ووحدة الاستاد المباعد، ووحدة منع أو قطع الدعم والمساندة والإمدادات المعادية، أو مجموعة قطع النجدات وفق تسمية المقاومة، وهاتان الوحدتين الأخيرتان توازي الوحدة الزرقاء عند الكوماندوس، أي كافة محاربين المقاومة هم كوماندوس!
ونلخص الآن جوانب أخرى خفية وراء انهيار الجيش الصهيوني:
والحقيقة قد يكمن الأمر بتقديري بالدرجة الأولى، في ردود الفعل الفلسطينية ضد عميليه اغتيال القيادي الحمساوي البارز العاروروي! الذي كان ضمن خطة قائمة الاغتيالات الصهيونية لقيادات المقاومة الفلسطينية، التي الهدف البعيد منها إعادة هيكلة قيادات حماس بصورة استخباراتية، بشكل يخدم المصالح الصهيونية! إلا أن هذه العملية كانت مفتاح الجحيم على دولة الكيان!
فقد ردت حماس بصلية صاروخية ولأول مرة بصواريخ M-90 الموجهة والدقيقة والتي لديها بتقديري مناورة خاصة لتجاوز المضادات الصاروخية الصهيونية من خلال التحول من المسار البالستي الثابت إلى الحالة الحلزونية أو اللولبية المسارية، تماماً كحركة طلقة البندقية، والذي يصعب استهدافه بشكل مباشر جبهي أو حتى جانبي لعدم استقراره على مسار ثابت، وهو ما يصعب تدميره حتى على التفجير التقاربي! وهذه الصواريخ تستطيع أن تطال أي نقطة بالعاصمة تل أبيب، بطريقة دقيقة نسبياً وجراحية مع رأس حربي قد يصل إلى ربع طن من المواد العالية التفجير!
ورغم الصمت من الطرفين على نتائج هذه الصليه الصاروخية التي بتقديري قد تتجاوز 36 صاروخ! إلا أن الغالب أنها استهدفت أهداف استراتيجية غير مدنية! أي حكومية وأمنية وعسكرية صهيونية، أكثرها في ضواحي تل أبيب وليس في قلبها النابض كي لا تسبب جلبة كبيرة إعلامية، لأنه بالنهاية حماس تريد تخفيض التصعيدات من ناحية ردود الأفعال الصهيونية، وتعلم أن الحروب مع القوى الكبرى يجب أن تنتهي بطريقة تفاوضية.
والدليل على نجاح ورقة الضغط هذه على الصهاينة! هو استهداف الصهاينة لثلاثة قيادات بحزب الله غالباً هي من أوشت بقيادات حماس في لبنان! وأتبعت حماس ذلك بأسقاط درون الاغتيال الصهيوني "هيرمز 900" التي غالباً هي من قامت باغتيالات قيادات حماس بأربع صواريخ هيلفاير من فئة النينجا وحرارية، وهي المرادفة لدرونات الاغتيال الأمريكية من فئة الحصاد (ريبير) أو المفترس (بريداتور) أو العقاب الرمادي؛ وتم اسقاطها فوق غزة بصاروخ "تتبير" وأظنه هو أحدث ما أنتجه الروس من صواريخ الكتف المضادة للجو الفردية، لأن هذا الدرون يحلق على ارتفاع 30 ألف قدم بسرعة 220 كم/س.
ومن الناحية الميدانية بدأت حماس بعد الاغتيال تتكلم عن تدمير الدبابات والمدرعات الصهيونية بدل إصاباتها! كما كان يٌذكر من قبل! وهذا يعني أن تكتيك اللدغة من مسافة الصفر أٌحدث به تجديد، بتقديري كما أسلفنا أعلاه هو الاعتماد على توجيه أكثر من قذيفة فردية مضادة مسددة من فئة الياسين 105 أو تاندوم 105 الأكثر فتكاً على نقطة تدريع واحدة بطريقة شبه متزامنة بعد إبطال القدرة الحركية للهدف ليتثنى فعل ذلك، ومن المؤكد أنه زاد نشاط عناصر المقاومة المراقبة الخفية، من خلال حفر الأعين بعد ضبط رصد حركة ومساحة المراقبة السلبية الالكترونية لدرونات المراقبة الصامتة الصهيونية أمثال درون "سكاي راسينغ" التي اسقطت المقاومة الفلسطينية واحدة منها ظهرت سليمة لذلك فغالباً تم اسقطها بطريقة إلكترومغناطيسية (بندقية إلكترومغناطيسية روسية)، خاصة وأنها تحلق على ارتفاع أقصاه 9000 قدم.
وبناءاً على هذا التكتيك الجديد الآمن للمقاومة الفلسطينية، والمرعب والمزهق للأرواح الصهيونية، لأنه لم يعد هناك مأمن للقوات الخاصة الصهيونية مع تزايد عمليات تفخيخ الأبنية التي يتحصن بها العدو وظهور قاذفات RPO-A الفردية الأنبوبية الإطلاق ذات الحشوات الفراغية الصدمية، لذلك بتقديري اليوم يتم سحب باقي الألوية الخاصة الصهيونية من غزة والاكتفاء بعملية العزل والتطويق!