قتيبة بن مسلم الباهلي أعظم الفاتحين الأمويين الذي أرعب ملك الصين
حين جاء الإسلام وافتتح المسلمون الجزيرة العربية كاملة ثم الشام وفارس (إيران)
بدأت أنظارهم تتطلع نحو ما وراء تلك البلدان، كبلاد ما رواء النهر في أقصى الشمال الشرقي من فارس
أو بلاد السند (باكستان) والهند في أقصى الجنوب الشرقي التي كانت تُعرف بينهم ببلاد العجائب والغرائب.
فكيف كانت محاولاتهم تلك التي استمرت على مدار عقود في القرن الأول من الإسلام؟
ولماذا خاف بعض الخلفاء الراشدين من هذه البلدان البعيدة؟
وكيف تكلَّلت الفتوحات في نهاية المطاف بالنجاح والانتشار؟
ومَن الذي قاد فتح تلك البلدان ولماذا اشتهر وكيف انتهت حياته بمأساة لا ذنب له فيها؟!
السند وتجهيز الجيوش
مع انتصار عبد الملك بن مروان وإعادة توحيد الدولة من جديد، والقضاء على المناوئين
وتعيين الحجاج بن يوسف الثقفي على العراق الذي كان موطن الثورات والعصيان المسلح لعقود متطاولة
وإعطائه صلاحيات واسعة شملت تعيين ولاة فارس وخراسان وبلاد المشرق
كان من رأيهما أن يُعيدا عمليات الفتوح الإسلامية التي توقفت منذ زمن
وقد حاول بالفعل عدة محاولات على استحياء لكنها لم تصل إلى مبتغاها بسبب وجود الخارجين على الدولة الأموية
في مناطق مكران وغيرها من المناطق المحاذية لإقليم السند (باكستان) التي كان يحكمها حينذاك الملك داهر
الحجاج يستأذن الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان في فتح السند
قرر الحجّاج بن يوسف الثقفي أن يستأذن الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان (ت 96 هـ) في فتح السند
وقد جاءت موافقة الخليفة داعمة للحجاج، ليضع على رأس الحملة العسكرية شخصية شابّة فذّة
ابن عمّه محمد بن القاسم الثقفي
وكان شابا في ريعان شبابه، كان عُمره سبع عشرة سنة فقط يوم بدأ في فتح السند في العام 93 هجرية
في هذه الأجواء الجهادية الخالصة أن تظهر النجوم اللامعات في سماء البطولة والشجاعة والقيادة الفذة
فدولة راياتها ميمونة ومظفرة في الشرق والغرب والشمال والجنوب لابد أن يكون لديها ذخيرة من الأبطال والقادة
وخزان من الكفاءات والأفذاذ، لذلك لم يكن عجيباً أو مستغرباً أن معظم قادة الفتح الإسلامي وعظماء الإسلام –الكبار- في مجال الجهاد
كانوا أمراء وقادة في الدولة الأموية
عقبة بن نافع، موسى بن نصير، حسان بن النعمان، محمد بن القاسم، طارق بن زياد، طريف بن مالك
المهلب بن أبي صفرة وأبناؤه العشرة، وغيرهم كثير.
وحديثنا في هذا المقام سيكون عن أسطورة الجهاد الإسلامي
وعملاق المشرق، البطل المغوار، والقائد العظيم، كبير مجاهدى الدولة الأموية بلا منازع وناشر الإسلام فى أقصى ربوع الأرض من ناحية الشرق
وصاحب الراية التى لم تجاوزها أي فاتح بعده مكانها
ومدخل الإسلام إلى بلاد الصين، صاحب الشخصية الجهادية الساحرة التى بهرت كل من رآه
وأسرت نفس كل من سمع أخباره
من أسلم على يديه الآلاف من الكفرة حباً فيه وفى جهاده وشجاعته الذى انتصر على كل اعدائه
وحطم معابد الشرك والأوثان، ولم يفر أو يهزم فى معركة قط
صاحب الراية -المباركة- على الإسلام والمسلمين (قتيبة بن مسلم بن عمر بن حصين بن ربيعة الباهلي)
المولد والنشأ
ولد قتيبة بن مسلم سنة 48، وقيل 46 هجرية بأرض العراق، وكان أبوه (مسلم بن عمرو) من أصحاب (مصعب بن الزبير) والي العراق
من قبل أخيه أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير-رضي الله عنه-، وقتل معه في حربه ضد عبد الملك بن مروان سنة 72 هجرية
ولما ترعرع تعلم العلم والفقه والقرآن، ثم تعلم الفروسية وفنون الحرب، فظهر فيه النبوغ وهو شاب في مقتبل شبابه
وقد نشأ قتيبة على ظهور الخيل رفيقاً للسيف والرمح، محباً للجهاد، وكانت منطقة العراق مشهورة بكثرة الفتن والثورات
لذلك عمل كل ولاة العراق على شغل أهلها بالجهاد فى -سبيل الله-
لاستغلال طاقاتهم الثورية فى خدمة الإسلام ونشر الدعوة
لذلك كانت أرض العراق هي قاعدة الانطلاق للحملات الجهادية على الجبهة الشرقية للدولة الإسلامية
وقد اشترك قتيبة فى هذه الحملات منذ شبابه المبكر، وأبدى شجاعة فائقة وموهبة قيادية فذة
لفتت إليه الأنظار خاصة من القائد العظيم المهلب بن أبي صفرة وكان خبيراً فى معرفة الأبطال ومعادن الرجال
فتفرس فيه أنه سيكون من أعظم أبطال الإسلام، فأوصى به لوالي العراق الشهير (الحجاج بن يوسف الثقفي)
الذى كان يحب الأبطال والشجعان، فانتدبه لبعض المهام
ليختبره بها ويعلم مدى صحة ترشيح (المهلب) له، وهل سيصلح للمهمة العظيمة التى سيؤهله إليها بعد ذلك أم لا؟
بعد أن أخضعه الحجاج لعدة اختبارات، تيقن الحجاج -وكان من دواهي الزمان في معرفة الرجال خاصة القادة والأبطال منهم
صحة وجهة نظر (ابن أبي صفرة) في حنكة ومهارة (قتيبة)، وأنه أمام بطل من طراز خاص، وقائد من النوعية التي يفضلها الحجاج
فعينه والياً على مدينة الري (طهران اليوم)
فأبلى فيها بلاءً حسنًا، فما كان من (الحجاج) إلا أن انتدبه لما هو أعظم وأكبر من مدينة الري
حيث جعله واليًا على إقليم خراسان في العام 86 هجرية
ويرجع السبب في أن ولاية خراسان الشاسعة (تشمل معظم أجزاء من إيران وأفغانستان اليوم)
كانت المنطلق الرئيسي في رحلة الفتوحات، وأن هذه الولاية لم تكن مستقرة
ولم تكن قد دانت كلها بالسيطرة للمسلمين، وقامت بها العديد من الحركات الانفصالية
وبالتالي كانت في حاجة إلى الكثير من الجهد إما لاستكمال الفتوحات أو تأمين المناطق التي تم فتحها بالفعل.
كان المهلب بن أبي صفرة والياً على خراسان من عام 78 حتى 86 هجرية
وقد رأى الحجاج أن يدفع بدماء شابة جديدة في قيادة المجاهدين هناك، فلم يجد أفضل من قتيبة بن مسلم لهذه المهمة.
استراتيجية الفاتح العظيم
سار قتيبة بن مسلم على نفس الخطة التي سار عليها آل المهلب، وهي خطة الضربات السريعة القوية المتلاحقة على الأعداء
فلا يترك لهم وقت للتجمع أو التخطيط لرد الهجوم على المسلمين
ولكنه امتاز عن آل المهلب بأنه كان يضع لكل حملة خطة ثابتة لها هدف ووجهة محددة
ثم يوجه كل قوته للوصول إلى هدفه، غير عابىء بالمصاعب أو الأهوال التى ستواجهه
معتمداً على بسالته النادرة وروح القيادة التى امتاز بها وإيمانه العميق بالإسلام.
قام قتيبة بن مسلم بتقسيم أعماله لأربع مراحل
حقق فى كل واحدة منها فتح ناحية واسعة فتحاً نهائياً ثبت فيه أقدام المسلمين لفترة طويلة
المرحلة الأولى
قام فيها قتيبة بحملته على (طخارستان السفلى) فاستعادها وثبت أقدام المسلمين وذلك سنة 86 هجرية
وطخارستان السفلى هي الآن جزء من أفغانستان وباكستان
المرحلة الثانية
قاد فيها حملته الكبرى على بخارى فيما بين 87 –90 هجرية وخلالها أتم فتح بخارى وما حولها من القرى والحصون
وكانت أهم مدن بلاد ما وراء النهر وأكثفها سكاناً وأمنعها حصوناً.
المرحلة الثالثة
وقد استمرت من سنة 91-93 هجرية، وفيها تمكن قتيبة من نشر الإسلام وتثبيته فى وادي نهر جيحون كله
وأتم فتح إقليم سجستان فى إيران الآن
وإقليم خوارزم -يوجد الآن بين دول إيران وباكستان وأفغانستان
ووصلت فتوحاته إلى مدينة سمرقند فى قلب آسيا وضمها إلى دولة الإسلام نهائياً
المرحلة الرابعة
وامتدت من سنة 94-96 هجرية، وفيها أتم قتيبة فتح حوض نهر سيحون بما فيه من مدن، ثم دخل أرض الصين وأوغل فيها
ووصل مدينة (كاشغر) وجعلها قاعدة إسلامية وكان هذا آخر ما وصلت إليه جيوش الإسلام فى آسيا شرقاً ولم يصل أحد من المسلمين أبعد من ذلك قط.
البطل قتيبة وملك الصين
استمرت فتوحات (قتيبة بن مسلم الباهلي) في بلاد ما وراء النهر جيحون وسيحون، حتى استقر المقام للمسلمين هناك
ومن البلدات والمدن التي فتحها الطالقان والصغانيان وشومان وكفتان وسمرقند
وقد بلغ عظم فتوحاته مستوى جعل ملك الصين، مهاب الجانب في منطقته، يتوجس منه خيفة
ويرسل إليه يطلب إرسال سفارة لمعرفة ماذا يريده قتيبة من أرض الصين
انتخب قتيبة عشرة من خاصة رجاله، لهم جمال وألسن وبأس وعقل وصلاح
فأمر لهم بعدة حسنة، ومتاع حسن من الخز والوشي وغير ذلك، وخيول حسنة
وأمّر عليهم هبيرة بن مشمرج الكلابي فقال لهم:
"إذا دخلتم عليه فأعلموه أني قد حلفت أني لا أنصرف حتى أطأ بلادهم وأختم ملوكهم وأجبي خراجهم"
حقيقة لا يعرفها اكثر المسلمين
الدولة الأموية هي أعظم دولة إسلامية ظهرت في التاريخ الإسلامي بعد دولة الخلافة الراشدة
لا ينكر فضلها وإنجازاتها إلا جاحد كاره
على الرغم من تعرضها لفتن ومؤمرات داخلية كثيرة إلا أنها كانت دولة فتح وجهاد من مبتداها إلى منتهاها
فقد ظلت رايات الفتح الإسلامي خافقة طوال عهدهم، وعجلة الجهاد في -سبيل الله- تدور بكل قوة في الجهات الأصلية الأربع
والعجيب أن هذه الدولة لم تظهر بمظهر الضعف أو الانكسار أبداً أمام أعدائها
ولم تمر بالمراحل المعتادة؛ لسقوط الدول
بل سقطت كما تموت الأشجار وهي واقفة على قدميها، شامخة رغم كثرة الأعداء
بل إن الحقيقة التاريخية التي لا يستطيع أحد إنكارها حتى من أعدى أعداء الأمويين
أن ما حققه الأمويون من فتوحات لم تستطع أي دولة تحقيقه حتى اليوم.
حين جاء الإسلام وافتتح المسلمون الجزيرة العربية كاملة ثم الشام وفارس (إيران)
بدأت أنظارهم تتطلع نحو ما وراء تلك البلدان، كبلاد ما رواء النهر في أقصى الشمال الشرقي من فارس
أو بلاد السند (باكستان) والهند في أقصى الجنوب الشرقي التي كانت تُعرف بينهم ببلاد العجائب والغرائب.
فكيف كانت محاولاتهم تلك التي استمرت على مدار عقود في القرن الأول من الإسلام؟
ولماذا خاف بعض الخلفاء الراشدين من هذه البلدان البعيدة؟
وكيف تكلَّلت الفتوحات في نهاية المطاف بالنجاح والانتشار؟
ومَن الذي قاد فتح تلك البلدان ولماذا اشتهر وكيف انتهت حياته بمأساة لا ذنب له فيها؟!
السند وتجهيز الجيوش
مع انتصار عبد الملك بن مروان وإعادة توحيد الدولة من جديد، والقضاء على المناوئين
وتعيين الحجاج بن يوسف الثقفي على العراق الذي كان موطن الثورات والعصيان المسلح لعقود متطاولة
وإعطائه صلاحيات واسعة شملت تعيين ولاة فارس وخراسان وبلاد المشرق
كان من رأيهما أن يُعيدا عمليات الفتوح الإسلامية التي توقفت منذ زمن
وقد حاول بالفعل عدة محاولات على استحياء لكنها لم تصل إلى مبتغاها بسبب وجود الخارجين على الدولة الأموية
في مناطق مكران وغيرها من المناطق المحاذية لإقليم السند (باكستان) التي كان يحكمها حينذاك الملك داهر
الحجاج يستأذن الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان في فتح السند
قرر الحجّاج بن يوسف الثقفي أن يستأذن الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان (ت 96 هـ) في فتح السند
وقد جاءت موافقة الخليفة داعمة للحجاج، ليضع على رأس الحملة العسكرية شخصية شابّة فذّة
ابن عمّه محمد بن القاسم الثقفي
وكان شابا في ريعان شبابه، كان عُمره سبع عشرة سنة فقط يوم بدأ في فتح السند في العام 93 هجرية
في هذه الأجواء الجهادية الخالصة أن تظهر النجوم اللامعات في سماء البطولة والشجاعة والقيادة الفذة
فدولة راياتها ميمونة ومظفرة في الشرق والغرب والشمال والجنوب لابد أن يكون لديها ذخيرة من الأبطال والقادة
وخزان من الكفاءات والأفذاذ، لذلك لم يكن عجيباً أو مستغرباً أن معظم قادة الفتح الإسلامي وعظماء الإسلام –الكبار- في مجال الجهاد
كانوا أمراء وقادة في الدولة الأموية
عقبة بن نافع، موسى بن نصير، حسان بن النعمان، محمد بن القاسم، طارق بن زياد، طريف بن مالك
المهلب بن أبي صفرة وأبناؤه العشرة، وغيرهم كثير.
وحديثنا في هذا المقام سيكون عن أسطورة الجهاد الإسلامي
وعملاق المشرق، البطل المغوار، والقائد العظيم، كبير مجاهدى الدولة الأموية بلا منازع وناشر الإسلام فى أقصى ربوع الأرض من ناحية الشرق
وصاحب الراية التى لم تجاوزها أي فاتح بعده مكانها
ومدخل الإسلام إلى بلاد الصين، صاحب الشخصية الجهادية الساحرة التى بهرت كل من رآه
وأسرت نفس كل من سمع أخباره
من أسلم على يديه الآلاف من الكفرة حباً فيه وفى جهاده وشجاعته الذى انتصر على كل اعدائه
وحطم معابد الشرك والأوثان، ولم يفر أو يهزم فى معركة قط
صاحب الراية -المباركة- على الإسلام والمسلمين (قتيبة بن مسلم بن عمر بن حصين بن ربيعة الباهلي)
المولد والنشأ
ولد قتيبة بن مسلم سنة 48، وقيل 46 هجرية بأرض العراق، وكان أبوه (مسلم بن عمرو) من أصحاب (مصعب بن الزبير) والي العراق
من قبل أخيه أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير-رضي الله عنه-، وقتل معه في حربه ضد عبد الملك بن مروان سنة 72 هجرية
ولما ترعرع تعلم العلم والفقه والقرآن، ثم تعلم الفروسية وفنون الحرب، فظهر فيه النبوغ وهو شاب في مقتبل شبابه
وقد نشأ قتيبة على ظهور الخيل رفيقاً للسيف والرمح، محباً للجهاد، وكانت منطقة العراق مشهورة بكثرة الفتن والثورات
لذلك عمل كل ولاة العراق على شغل أهلها بالجهاد فى -سبيل الله-
لاستغلال طاقاتهم الثورية فى خدمة الإسلام ونشر الدعوة
لذلك كانت أرض العراق هي قاعدة الانطلاق للحملات الجهادية على الجبهة الشرقية للدولة الإسلامية
وقد اشترك قتيبة فى هذه الحملات منذ شبابه المبكر، وأبدى شجاعة فائقة وموهبة قيادية فذة
لفتت إليه الأنظار خاصة من القائد العظيم المهلب بن أبي صفرة وكان خبيراً فى معرفة الأبطال ومعادن الرجال
فتفرس فيه أنه سيكون من أعظم أبطال الإسلام، فأوصى به لوالي العراق الشهير (الحجاج بن يوسف الثقفي)
الذى كان يحب الأبطال والشجعان، فانتدبه لبعض المهام
ليختبره بها ويعلم مدى صحة ترشيح (المهلب) له، وهل سيصلح للمهمة العظيمة التى سيؤهله إليها بعد ذلك أم لا؟
بعد أن أخضعه الحجاج لعدة اختبارات، تيقن الحجاج -وكان من دواهي الزمان في معرفة الرجال خاصة القادة والأبطال منهم
صحة وجهة نظر (ابن أبي صفرة) في حنكة ومهارة (قتيبة)، وأنه أمام بطل من طراز خاص، وقائد من النوعية التي يفضلها الحجاج
فعينه والياً على مدينة الري (طهران اليوم)
فأبلى فيها بلاءً حسنًا، فما كان من (الحجاج) إلا أن انتدبه لما هو أعظم وأكبر من مدينة الري
حيث جعله واليًا على إقليم خراسان في العام 86 هجرية
ويرجع السبب في أن ولاية خراسان الشاسعة (تشمل معظم أجزاء من إيران وأفغانستان اليوم)
كانت المنطلق الرئيسي في رحلة الفتوحات، وأن هذه الولاية لم تكن مستقرة
ولم تكن قد دانت كلها بالسيطرة للمسلمين، وقامت بها العديد من الحركات الانفصالية
وبالتالي كانت في حاجة إلى الكثير من الجهد إما لاستكمال الفتوحات أو تأمين المناطق التي تم فتحها بالفعل.
كان المهلب بن أبي صفرة والياً على خراسان من عام 78 حتى 86 هجرية
وقد رأى الحجاج أن يدفع بدماء شابة جديدة في قيادة المجاهدين هناك، فلم يجد أفضل من قتيبة بن مسلم لهذه المهمة.
استراتيجية الفاتح العظيم
سار قتيبة بن مسلم على نفس الخطة التي سار عليها آل المهلب، وهي خطة الضربات السريعة القوية المتلاحقة على الأعداء
فلا يترك لهم وقت للتجمع أو التخطيط لرد الهجوم على المسلمين
ولكنه امتاز عن آل المهلب بأنه كان يضع لكل حملة خطة ثابتة لها هدف ووجهة محددة
ثم يوجه كل قوته للوصول إلى هدفه، غير عابىء بالمصاعب أو الأهوال التى ستواجهه
معتمداً على بسالته النادرة وروح القيادة التى امتاز بها وإيمانه العميق بالإسلام.
قام قتيبة بن مسلم بتقسيم أعماله لأربع مراحل
حقق فى كل واحدة منها فتح ناحية واسعة فتحاً نهائياً ثبت فيه أقدام المسلمين لفترة طويلة
المرحلة الأولى
قام فيها قتيبة بحملته على (طخارستان السفلى) فاستعادها وثبت أقدام المسلمين وذلك سنة 86 هجرية
وطخارستان السفلى هي الآن جزء من أفغانستان وباكستان
المرحلة الثانية
قاد فيها حملته الكبرى على بخارى فيما بين 87 –90 هجرية وخلالها أتم فتح بخارى وما حولها من القرى والحصون
وكانت أهم مدن بلاد ما وراء النهر وأكثفها سكاناً وأمنعها حصوناً.
المرحلة الثالثة
وقد استمرت من سنة 91-93 هجرية، وفيها تمكن قتيبة من نشر الإسلام وتثبيته فى وادي نهر جيحون كله
وأتم فتح إقليم سجستان فى إيران الآن
وإقليم خوارزم -يوجد الآن بين دول إيران وباكستان وأفغانستان
ووصلت فتوحاته إلى مدينة سمرقند فى قلب آسيا وضمها إلى دولة الإسلام نهائياً
المرحلة الرابعة
وامتدت من سنة 94-96 هجرية، وفيها أتم قتيبة فتح حوض نهر سيحون بما فيه من مدن، ثم دخل أرض الصين وأوغل فيها
ووصل مدينة (كاشغر) وجعلها قاعدة إسلامية وكان هذا آخر ما وصلت إليه جيوش الإسلام فى آسيا شرقاً ولم يصل أحد من المسلمين أبعد من ذلك قط.
البطل قتيبة وملك الصين
استمرت فتوحات (قتيبة بن مسلم الباهلي) في بلاد ما وراء النهر جيحون وسيحون، حتى استقر المقام للمسلمين هناك
ومن البلدات والمدن التي فتحها الطالقان والصغانيان وشومان وكفتان وسمرقند
وقد بلغ عظم فتوحاته مستوى جعل ملك الصين، مهاب الجانب في منطقته، يتوجس منه خيفة
ويرسل إليه يطلب إرسال سفارة لمعرفة ماذا يريده قتيبة من أرض الصين
انتخب قتيبة عشرة من خاصة رجاله، لهم جمال وألسن وبأس وعقل وصلاح
فأمر لهم بعدة حسنة، ومتاع حسن من الخز والوشي وغير ذلك، وخيول حسنة
وأمّر عليهم هبيرة بن مشمرج الكلابي فقال لهم:
"إذا دخلتم عليه فأعلموه أني قد حلفت أني لا أنصرف حتى أطأ بلادهم وأختم ملوكهم وأجبي خراجهم"
حقيقة لا يعرفها اكثر المسلمين
الدولة الأموية هي أعظم دولة إسلامية ظهرت في التاريخ الإسلامي بعد دولة الخلافة الراشدة
لا ينكر فضلها وإنجازاتها إلا جاحد كاره
على الرغم من تعرضها لفتن ومؤمرات داخلية كثيرة إلا أنها كانت دولة فتح وجهاد من مبتداها إلى منتهاها
فقد ظلت رايات الفتح الإسلامي خافقة طوال عهدهم، وعجلة الجهاد في -سبيل الله- تدور بكل قوة في الجهات الأصلية الأربع
والعجيب أن هذه الدولة لم تظهر بمظهر الضعف أو الانكسار أبداً أمام أعدائها
ولم تمر بالمراحل المعتادة؛ لسقوط الدول
بل سقطت كما تموت الأشجار وهي واقفة على قدميها، شامخة رغم كثرة الأعداء
بل إن الحقيقة التاريخية التي لا يستطيع أحد إنكارها حتى من أعدى أعداء الأمويين
أن ما حققه الأمويون من فتوحات لم تستطع أي دولة تحقيقه حتى اليوم.