العلوم العسكرية في الحضارة الإسلامية

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
23,817
التفاعل
19,642 126 0

العلوم العسكرية في الحضارة الإسلامية


مقدمة


وضع العالم قبل النهضة الإسلامية:

لم يكن وضع العرب يخفي على أحد قبل مجيء الإسلام على المستوى العسكري، حيث كانوا قبائل متناحرة لا تفكر كل قبيلة إلا في مصالحها، ولا يسعي كل نفر إلا من أجل أنسابه وأصله، فالكل على أُهْبَة الاستعداد للقتال من أجل ناقة أو شاة.
وكان أسلوب الكَرِّ والفَرِّ هو المعتمَد لديهم في الحرب، فلم يكن للجيش شكل منظم أو هيكل يوزع الأدوار، هذا فيما يخص العرب أما على مستوى العالم فكان هناك قوتان عظيمتان لا يستهين بهما أحد ولا يجهلهما أحدٌ هما: قوة الفرس وقوة الروم، اللذان كانا يسيطران على كثير من الدول والبلدان، إلا أن جيوشهما لم تكن على مستوى عالٍ من التنظيم أيضاً، اللهم إلا أنهم كانوا يعرفون المنجنيق، أما باقي نظمهم التسليحية فكانت مألوفة ومعروفة، إلا أن اعتمادهم على القوة وحكمة التخطيط كان عالياً.
ولكنها كانت جيوشاً جُرِّدَتْ من كل معاني الإنسانية، حتى إن شعوبها كانت تنتظر اليوم الذي يأتي فيه مخلص لهم من قهر هذه الجيوش وأنظمتها.
لقد وصل العالم قبل مجيء الإسلام في ظل القسوة وضراوة جيوش الروم إلى مستوى متدنٍّ من هَدْرٍ للجانب الإنساني، وعدم مراعاة الحدود، وظلمٍ حتى للجنود أنفسهم من قِبَلِ قادتهم جعل العالم يعيش مرحلة يتمنى الجميع في ظلها الموت قبل الحياة.
وعلى الجانب الآخر وهو الجانب الفارسي الذي كان يشاطر الروم حكم العالم كان الوضع لا يختلف كثيراً حيث تقديس الجيوش للأكاسرة، ودعمها للتفاوت بين الطبقات، وتمجيد القومية الفارسية، حتى إن الجيش كان يعلم جنوده ازدراء وامتهان باقي الشعوب والجيوش من غير الفارسيين، وأن الله قد خَصَّ أهل فارس بمواهب ومنح لم يشرك فيها أحداً غيرهم هذه هي المبادئ التي كانت تقوم عليها الجيوش قبل الإسلام..

بداية النهضة في مجال العلوم العسكرية وتطويره

(( الإسلام وتنظيم شئون الحرب:

الواقع أن الإسلام باعتباره حضارة كاملة، وأنه نظم كافة أمور الحياة ديناً ودنيا، قد عالج أمور الحرب باعتبارها ظاهرة اجتماعية، ووضع خير المناهج والمباديء بكل ما يتصل بها من حيث أهدافها وقوانينها وآدابها. والباحث المحقق لا يجد في الإسلام كل ما تحتويه النظريات العسكرية المعمول بها في الشرق أو الغرب فحسب، بل إنه ليكتشف بالتحليل والمقارنة أن نظريات الإسلام الحربية تتجاوز تلك النظريات وتتفوق عليها سواء من الناحية الفنية البحتة أو من حيث نبل المقاصد والأهداف.
وقد نشأت في المدينة بعد الهجرة أول مدرسة عسكرية في تاريخ العرب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قائدها ومعلمها الأول، وعلى أساس مباديء القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة القولية والعملية والتقريرية قامت نظريات العسكرية الإسلامية في مختلف شؤون الحرب والقتال، مثل: أسباب الحرب وأهدافها –آداب الحرب- بناء الجيش القوي – بناء المقاتل – إعداد القادة – التدريب على القتال – الحرب النفسية – المخابرات والأمن ومقاومة الجاسوسية – الانضباط والجندية وتقاليدها – بناء الروح المعنوية وإرادة القتال – إعداد الأمة للحرب – الصناعة الحربية واقتصاديات الحرب... الخ
* وهكذا تكوَّن أول جيش في تاريخ الإسلام والمسلمين، وتعلم رجاله في المدرسة العسكرية الإسلامية على يد قائدها ومعلمها الأول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أذِنَ اللهُ لهم بالقتال طبّقوا ما تعلموه في المعركة؛ فكانوا مضرب الأمثال في الكفاية القتالية والشجاعة والعبقرية الحربية، وكانوا دائماً منصورين على أعدائهم بإذن الله، وجملة القول أن تنظيم الإسلام لأمور الحرب قامت عليه وعلى نظرياته المدرسةُ العسكرية الإسلامية كما قام أيضاً جيش الإسلام بقادته ورجاله، ودخل الجيش الإسلامي بوتقة الحرب....)) اللواء الركن محمد جمال الدين محفوظ.

وقد فرض الله عز وجل فريضة الجهاد في سبيله، وأمر المسلمين بحمل كره القتال واحتماله في سبيله، وهو في غنى عن قوة المسلمين فهو القوي العزيز، ولكن هذا التكليف لخير أمة أخرجت للناس إنما كان لصلاح الدنيا، ولهداية الناس لما فيه خيرهم وصلاح أمرهم في الدارين، ولم يترك الله عز وجل فريضة الجهاد حرة ولا محرومة من الضوابط الناظمة للفريضة والموجهة لها. فالحرب في الإسلام حتمية، والقتال من طبيعة الحياة على أرض الله، حتى ينتصر الحق على الباطل، وحتى تظهر الفضيلة على الرذيلة، ويعلو الخير على الشر، كما في قوله تعالى: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولاتعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين، فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم، وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهو فلا عدوان إلا على الظالمين"..
* هذه الآيات وغيرها تحدد منهجاً أو مذهباً إسلامياً عسكرياً واضح المعالم، فالقتال هو في سبيل الله، ولكن ليس عدواناً، وإنما هو فعل فالقتل هو العقاب العادل، وهو القصاص الحق، وإخراج المسلمين من ديارهم هو عدوان يفرض عليهم القتال حتى يتم لهم إخراج عدوهم من حيث أخرجهم.
ونظراً لارتباط هذه المبادئ بالإسلام كدين يشمل كل مظاهر الحياة نستطيع أن نقول إن بداية النهضة الإسلامية في مجال الحروب العسكرية بدأت مع اطلاق المشروع الإسلامي في النشر والدعوة، وفرض الجهاد على المسلمين من خلال الضوابط المذكورة في الوحي.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه المحاربين بألا يقتلوا طفلاً ولا امرأة وألا يقطعوا شجراً وأن يخلُّو بين الراهب وعبادته..
فكان ذلك إضافة للإنسانية وضَوْءًا جديدًا في الطريق العسكري الذي لا يرتبط في أذهان الناس سوى بالقتل العشوائي والهمجي، ولم يكن ثمة تقنين لدى العرب أو غيرهم قبل الإسلام يحد من عشوائية القتل والتخريب أثناء الحروب فكان الإسلام ـ بحق ـ تطبيقاً عملياً لكل ماتحلم به الإنسانية وتتمناه في هذه المضمار..
وحدد الله عز وجل موقف المسلمين من الذين يعتدون عليهم ويخرجونهم من ديارهم بقوله:
" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون "
فإخراج المسلم من دياره من موجبات القتال؟ إذ إنه لولا اعتناقه للإسلام ما تعرض للعدوان وما تعرض للطرد..
وكذلك حَثَّ الله المسلمين أن يكون ردهم على نفس المستوى من العدوان فقال عز وجل:
"وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين"..
كذلك فقد أمر عز وجل بقتال فئة مسلمة انحرفت عن إجماع المسلمين، واعتبر ذلك إصلاحاً للمسلمين وذلك في قوله تعالى:
"وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم تُرحمون"..
هكذا دشن الفكر الإسلامي لمبادئ جديدة على حياة الناس مثلت بداية حضارة عسكرية تأخذ مساراً إيجابياً في الدفاع عن المجتمع وأرواح الأفراد.
ولا تعرف العدوان ( إن الله لا يحب المعتدين)، تلك الحضارة التي تجعل القتال في سبيل الله، وتجرد المحاربين من نزعاتهم الشخصية والطائفية، وتقدم للعالم أنموذجاً حياً للإنسانية الشاملة، والرحمة المفقودة، والمساواة الغائبة، والعدل المنشود..
هذا على المستوى التنظيري أو تقنين مسائل الحرب فكانت بحق نهضة المبادئ العسكرية في العالم.
أما على المستوى التطبيقي أو العملي فقد حارب المسلمون في بداية معاركهم بطريقة لا تختلف كثيراً عما عهده العرب، إلا أنهم نظموا الجيوش فبعد أن كان العرب قد اعتادوا على طريقة الكرِّ والفرِّ في الحروب، نظم الإسلام شأن الجيش، وعبأه بشكل إيجابي، فكانت المقدمة والوسط والجناحان والساقة، ويُعَدُّ استخدامُ الرسول صلى الله عليه وسلم للمنجنيق والدبابات في مطاردة فلول ثقيف تغيراً نوعياً في سياسة الحروب في ذلك العهد، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من استخدم المنجنيق في الإسلام، فكان المحاربون المسلمون يدخلون في جوف الدبابات ويزحفون بها إلى الحصن لينقبوه. كذلك كان خالد بن الوليد رضي الله عنه أول من استخدم حرب الأعصاب ضد الأعداء، ذلك أن المسلمين حين حاصروا قنسرين تحصن أهلها منهم، فأرسل إليهم خالد يقول: "لو كنتم في السحاب لحملنا الله إليكم أو لأنزلكم إلينا".. فألقوا السلم وفتحوا مدينتهم للمسلمين، كذلك كان استخدام النبي صلى الله عليه وسلم للحَسك (وهو شوك مدحرج لا يكاد أحد يمشي عليه إذا يبس ) نقلة جديدة في عالم الحروب، حيث أحاط به عسكره ليمنع العدو من جنده ولعلها لا تختلف كثيراً عن فكرة الأسلاك الشائكة..
كانت هذه مؤشرات بنهوض قام به المسلمون بوسائل وأسلحة جديدة -إلى جانب أفكارهم الحربية الجديدة- يؤذن بظهور طور جديد أو حقبة متطورة في عالم الحرب، وبالفعل تطور وضع المسلمين عسكرياً أيما تطوير...

عن موقع قصة الإسلام
 
عودة
أعلى