سُنة الاستبدال الإلهية في بلاد الشام في عصر الحروب الصليبية
قال تعالى:
{ ... وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم (38)} [محمد]
وقعت هذه السنة الإلهية في تأريخ هذه الأمة مرات كثيرة على المستوى العام وعلى المستوى الاقليمي
ومن الامثلة على المستوى الاقليمي ، في بلاد الشام
كان في حلب أسرة رضوان السلجوقية الذي لم يشارك في جهاد الصليبيين وتخاذل ظانا ان بقاءه في تقاعسه عن الجهاد وطمع الصليبيون في حلب وانتزعوا منها كل البلاد التابعة لها في غربها وجنوبها مثل المعرة وحارم وكفر طاب وبزاعا وتل أغدي ومعرة مصرين وغيرها كثير ورابط الصليبيون غربي اسوار حلب واهانوا المسلمين فيها اهانات بالغة وقاسموهم دخل طاحونة تقع بجوار اسوار حلب كما تهكموا عليهم وعلى دينهم ونبش الصليبيون قبور المسلمين عند حلب وأخرجوا جثمان ميت وربطوه بحبل وسحبوه وهم يصرخون في اهل حلب هذا نبيكم يا مسلمين ويكررون تلك العبارة واخذ احد فرسان الصليبيين مصحفا من احد الاضرحة في غربي حلب وربطه في ذيل حصانه والحصان يتغوط عليه والصليبيون يصرخون هذا كتابكم المقدس يا مسلمين وإزاء هذه الإهانات الصليبية للمسلمين في حلب تشاور المخلصون من اهل حلب وراسلوا عماد الدين زنكي وطلبوا منه ان يأتي ليسلموه حلب سنة 522 هجرية وتسلم زنكي حلب وضمها الى إمارته في الموصل وانقض على الصليبيين المرابطين عند حلب ومزقهم واسترد المعرة وكفر طاب وتل اغدي وغيرها من بلاد حلب. وجرت سنة الاستبدال واصبحت حلب مركز المقاومة الرئيس زمن عماد الدين وابنه نور الدين وكان ضم حلب هو الاساس لقيام الجبهة الاسلامية المتحدة وبدأ المجاهد العظيم عماد الدين زنكي يعمل على مستويين في وقت واحد مستوى توسيع الجبهة الإسلامية المتحدة ومستوى مجاهدة الصليبيين المعتدين وواجه عماد الدين خطرا لم يتوقعه من جانب ملك الروم يوحنا كومنين الذي جاء على رأس 40 ألف جندي بهدف انتزاع انطاكية من الصليبيين وقيليقية من الارمن وهرع الامراء الصليبيون لمقابلة يوحنا واتفقوا معه على القيام بحملة مشتركة لاحتلال حلب وحمص ودمشق وتسلم للصليبيين ويسلمون له انطاكية.
وتقدمت الحملة الصليبية الرومية المشتركة وحاصرت حلب سنة 532 هجرية وكان عدد جنود تلك الحملة يتفوق على جيش عماد الدين بأكثر من عشرة اضعاف عدده ولذلك لم يغامر عماد الدين في الدخول مع ذلك الجيش في مواجهة حاسمة وعمد الى أسلوب الكر والفر وشن هجمات خاطفة على اطرافه ثم الانسحاب السريع وتمكن عماد الدين بتلك الخطة من انزال خسائر كبيرة بالروم والصليبيين الامر الذي اجبر ملك الروم على فك حصار حلب والاتجاه الى حصار شيزر.
وتقع شيزر على مرتفعات تشرف على نهر العاصي ورابط عماد الدين بقواته في السهل الشرقي بعيدا عن شيزر وكان في شيزر امارة عربية لبني منقذ وكان عماد الدين قد انشأ جهاز استخبارات بديعة واستطاع ان يزرع جواسيسه داخل المعسكر النصراني فأوقعوا الشك والريبة بين ملك الروم والصليبيين واشاع جواسيس عماد الدين بين الصليبيين ان ملك الروم لو امتلك بلدا في الشام لطمع في اماراتهم وطردهم منها ولما بقي لهم فيها مقام او وجود وأشاع الجواسيس في معسكر الروم ان الصليبيين يتصفون بالغدر بدليل أنهم اقسموا لوالد الامبراطور من قبل برد انطاكية اليه ولم يوفوا بقسمهم وزرع جواسيس زنكي بين عسكر الروم قناعة بانه لو حدثت لهم هزيمة فسيكون الصليبيون أول من ينهبهم ويستولي على اسلحتهم وتجهيزاتهم ومؤنهم.
وبعد ان أكمل الجواسيس مهمتهم أرسل زنكي الى ملك الروم يقول لقد تحصنتم بهذه الجبال فتعالوا الى السهل اما ان تهزموني او اهزمكم ويستريح المنتصر وطالب الصليبيون من ملك الروم قتال زنكي لانهم يدركون قلة جيشه فرفض طلبهم واكتفى بقبول العرض الذي قدمه أمير شيزر برفع اعلامه على اسوار شيزر وانسحب ملك الروم الى بلاده فواصل زنكي خططه بتوسيع الجبهة الاسلامية المتحدة وجهاد الصليبيين فاستولى على حمص وحماه واخذ يتطلع الى ضم دمشق وكانت دمشق تخضع للأسرة البورية التي لم تسهم بجهد يذكر في جهاد الصليبيين ويسيطر عليها حينذاك أنر الذي لم يجد غضاضة في التحالف مع الصليبيين.
وفي سنة 539 هجرية اسقط عماد الدين زنكي الرها وهي أول دولة اقامها الصليبيون في اقليم الجزيرة الفراتية وكسب عماد الدين بذلك الفتح مجدا لا يمحى ابد الدهر
واستشهد عماد الدين زنكي سنة 541 هجرية وخلفه في جهاد الصليبيين ابنه نور الدين محمود الذي اقام الجبهة الاسلامية المتحدة وعلى يديه تم الاستبدال الالهي وتولى الملك في دمشق اخر ملوك الأسرة البورية وهو مجير الدين آبق الذي دفع الجزية للصليبيين واصبحت دمشق في عهده تحت الحماية الصليبية
وهنا تحل سنة الاستبدال الإلهية للأسرة البورية ، فدبّر نور الدين محمد أمر الاستيلاء على دمشق ، ووقعت في قبضته سنة 549 هجرية ، وكان ضم دمشق هو الخطوة ما قبل الأخيرة لتطويق الصليبيين ، ووضعهم بين شقي الرحى بضم مصر وإزالة الدولة العبيدية وعودة الوحدة الدينية لقلب الأمة المسلمة.
وكانت الدولة العبيدية في مصر قد دخلت في طور الضعف والاضمحلال منذ زمن بعيد ، وطمع الصليبيون في الاستيلاء على مصر وضمها لمملكة بيت المقدس الصليبية.
وتنازع اثنان من رجال الدولة العبيدية على منصب الوزارة وهرب أحدهما الى الشام واستنجد بنور الدين ليساعده في نيل الوزارة مقابل ان يصبح تابعا له . وظل نور الدين يستخير الله شهرا كاملا خشية ان تقع مصر بيد الصليبيين فأرسل جيشا الى مصر بقيادة اسد الدين شيركوه سنة 559 هجرية ودارت حروب دموية بين نور الدين والصليبيين استمرت ست سنوات تمكن نور الدين في نهايتها من الفوز بمصر بعد ان وقعت تحت الحماية الصليبية الفعلية.
ويعلق ابن الاثير على فشل الصليبين في الاستيلاء على مصر رغم انهم الاقرب جغرافيا منها فيشبههم بالنعامة التي خرجت تبحث عن قرنين فعادت بلا أذنين.
وتولى الوزارة في مصر اسد الدين شيركوه ولكنه مات بعد شهرين فتولاها ابن أخيه صلاح الدين وبدأ في القضاء على العقيدة الباطنية التي كانت سائدة هناك، كما ضم صلاح الدين النوبة وليبيا والحجاز واليمن الى الجبهة الاسلامية المتحدة . فكان ذلك المقتل الحقيقي للدول الصليبية في بلاد الشام.
وفي أول جمعة من محرم 567 هجرية اسقط صلاح الدين (تنفيذا لاوامر نور الدين) اسم الخليفة العبيدي العاضد من خطبة الجمعة ودعي للخليفة العباسي بمصر
وتوفي نور الدين فجأة بالذبحة الصدرية في شوال سنة 569 ومع ذلك أجمعت كل المصادر الأسلامية على تسميته ب نور الدين الشهيد لصدق جهاده وعدله وتقواه
ولم يخلف نور الدين الا طفلا صغيرا هو الصالح اسماعيل فتسلط عليه كمشتكين الخادم ونقله الى قلعة حلب واراد ان يسيطر على الدولة باسمه ونافسه اخرون واستقل أولئك الاخرون بدمشق وأوشكت الجبهة الاسلامية ان تتصدع لكن صلاح الدين لم يرض بذلك بعد ان ساهم في بنائها مع عمه شيركوه ووالده أيوب.
وذهب صلاح الدين الى الشام وضمها الى مصر وحل محل سيده نور الدين وازال أولئك المتسلطين ( سنة الاستبدال الالهية) وجاهد في سبيل الله حق جهاده.
ومرض صلاح الدين وتوفي وهو في 56 من عمره وكانت نفسه لاتزال تجيش بالآمال والطموحات لنصرة دين الاسلام وحدث النزاع بين ابنائه نحو 8 سنوات متتالية وتجري سنة الاستبدال على ابناء صلاح الدين المتناحرين ويسيطر عمهم أبو بكر العادل شقيق صلاح الدين على الدولة ويعيد الوحدة للجبهة الإسلامية
وتوفي العادل سنة 615 هجرية وتعاون ابناؤه من بعده حينا من الدهر واستطاعوا هزيمة الحملة الصليبية الخامسة رغم ان عددها زاد على 150 ألف مقاتل
وبعد بضع سنين اختلف ابناء العادل وتنازعوا وفشلت ريحهم وتحالف بعضهم ضد بعض مع قوى اسلامية وغير اسلامية حتى ان الكامل محمد استدعى ملك المانيا .
وجاء ملك المانيا فردريك الثاني لعون الكامل وكان اخوه عيسى قد مات ولم يعد في حاجة ملك الالمان وسلمه القدس صفوا عفوا بدون قتال (إنه التفريط).
وزادت الخلافات والمنازعات بين بني ايوب حتى تحولت الى حروب اهلية استمرت زهاء عشر سنوات وخلال تلك الحروب اشترى الصالح ايوب الاف الاطفال الترك وكان اولئك الاطفال من الذين قتل المغول قبائلهم واهلهم وباعهم تجار الرقيق فاشتراهم الصالح أيوب ورباهم تربية اسلامية ودربهم واصبحوا عماد جيشه. وهم المماليك الذين استبدل الله الدولة الايوبية بهم بعد ان فقدت مبرر وجودها وشرعيتها فقاموا بواجب الجهاد وهزموا المغول وأزالوا الصليبيين.
وظلت دولة المماليك قائمة اكثر من قرنين ونصف من الزمان بفضل الله ثم قيامها بهزيمة المغول في عدة معارك كبرى وسحق الصليبيين وبث الفزع في قلوب الغرب.
وكان أخر اعمال دولة المماليك الجليلة فتح المملكة الصليبية في قبرص سنة 828 هجرية ولما عجزت في اخر عهدها عن جهاد الغرب حلت محلها الدولة العثمانية
كتبه. أ . د / علي بن محمد عودة الغامدي
{ ... وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم (38)} [محمد]
وقعت هذه السنة الإلهية في تأريخ هذه الأمة مرات كثيرة على المستوى العام وعلى المستوى الاقليمي
ومن الامثلة على المستوى الاقليمي ، في بلاد الشام
كان في حلب أسرة رضوان السلجوقية الذي لم يشارك في جهاد الصليبيين وتخاذل ظانا ان بقاءه في تقاعسه عن الجهاد وطمع الصليبيون في حلب وانتزعوا منها كل البلاد التابعة لها في غربها وجنوبها مثل المعرة وحارم وكفر طاب وبزاعا وتل أغدي ومعرة مصرين وغيرها كثير ورابط الصليبيون غربي اسوار حلب واهانوا المسلمين فيها اهانات بالغة وقاسموهم دخل طاحونة تقع بجوار اسوار حلب كما تهكموا عليهم وعلى دينهم ونبش الصليبيون قبور المسلمين عند حلب وأخرجوا جثمان ميت وربطوه بحبل وسحبوه وهم يصرخون في اهل حلب هذا نبيكم يا مسلمين ويكررون تلك العبارة واخذ احد فرسان الصليبيين مصحفا من احد الاضرحة في غربي حلب وربطه في ذيل حصانه والحصان يتغوط عليه والصليبيون يصرخون هذا كتابكم المقدس يا مسلمين وإزاء هذه الإهانات الصليبية للمسلمين في حلب تشاور المخلصون من اهل حلب وراسلوا عماد الدين زنكي وطلبوا منه ان يأتي ليسلموه حلب سنة 522 هجرية وتسلم زنكي حلب وضمها الى إمارته في الموصل وانقض على الصليبيين المرابطين عند حلب ومزقهم واسترد المعرة وكفر طاب وتل اغدي وغيرها من بلاد حلب. وجرت سنة الاستبدال واصبحت حلب مركز المقاومة الرئيس زمن عماد الدين وابنه نور الدين وكان ضم حلب هو الاساس لقيام الجبهة الاسلامية المتحدة وبدأ المجاهد العظيم عماد الدين زنكي يعمل على مستويين في وقت واحد مستوى توسيع الجبهة الإسلامية المتحدة ومستوى مجاهدة الصليبيين المعتدين وواجه عماد الدين خطرا لم يتوقعه من جانب ملك الروم يوحنا كومنين الذي جاء على رأس 40 ألف جندي بهدف انتزاع انطاكية من الصليبيين وقيليقية من الارمن وهرع الامراء الصليبيون لمقابلة يوحنا واتفقوا معه على القيام بحملة مشتركة لاحتلال حلب وحمص ودمشق وتسلم للصليبيين ويسلمون له انطاكية.
وتقدمت الحملة الصليبية الرومية المشتركة وحاصرت حلب سنة 532 هجرية وكان عدد جنود تلك الحملة يتفوق على جيش عماد الدين بأكثر من عشرة اضعاف عدده ولذلك لم يغامر عماد الدين في الدخول مع ذلك الجيش في مواجهة حاسمة وعمد الى أسلوب الكر والفر وشن هجمات خاطفة على اطرافه ثم الانسحاب السريع وتمكن عماد الدين بتلك الخطة من انزال خسائر كبيرة بالروم والصليبيين الامر الذي اجبر ملك الروم على فك حصار حلب والاتجاه الى حصار شيزر.
وتقع شيزر على مرتفعات تشرف على نهر العاصي ورابط عماد الدين بقواته في السهل الشرقي بعيدا عن شيزر وكان في شيزر امارة عربية لبني منقذ وكان عماد الدين قد انشأ جهاز استخبارات بديعة واستطاع ان يزرع جواسيسه داخل المعسكر النصراني فأوقعوا الشك والريبة بين ملك الروم والصليبيين واشاع جواسيس عماد الدين بين الصليبيين ان ملك الروم لو امتلك بلدا في الشام لطمع في اماراتهم وطردهم منها ولما بقي لهم فيها مقام او وجود وأشاع الجواسيس في معسكر الروم ان الصليبيين يتصفون بالغدر بدليل أنهم اقسموا لوالد الامبراطور من قبل برد انطاكية اليه ولم يوفوا بقسمهم وزرع جواسيس زنكي بين عسكر الروم قناعة بانه لو حدثت لهم هزيمة فسيكون الصليبيون أول من ينهبهم ويستولي على اسلحتهم وتجهيزاتهم ومؤنهم.
وبعد ان أكمل الجواسيس مهمتهم أرسل زنكي الى ملك الروم يقول لقد تحصنتم بهذه الجبال فتعالوا الى السهل اما ان تهزموني او اهزمكم ويستريح المنتصر وطالب الصليبيون من ملك الروم قتال زنكي لانهم يدركون قلة جيشه فرفض طلبهم واكتفى بقبول العرض الذي قدمه أمير شيزر برفع اعلامه على اسوار شيزر وانسحب ملك الروم الى بلاده فواصل زنكي خططه بتوسيع الجبهة الاسلامية المتحدة وجهاد الصليبيين فاستولى على حمص وحماه واخذ يتطلع الى ضم دمشق وكانت دمشق تخضع للأسرة البورية التي لم تسهم بجهد يذكر في جهاد الصليبيين ويسيطر عليها حينذاك أنر الذي لم يجد غضاضة في التحالف مع الصليبيين.
وفي سنة 539 هجرية اسقط عماد الدين زنكي الرها وهي أول دولة اقامها الصليبيون في اقليم الجزيرة الفراتية وكسب عماد الدين بذلك الفتح مجدا لا يمحى ابد الدهر
واستشهد عماد الدين زنكي سنة 541 هجرية وخلفه في جهاد الصليبيين ابنه نور الدين محمود الذي اقام الجبهة الاسلامية المتحدة وعلى يديه تم الاستبدال الالهي وتولى الملك في دمشق اخر ملوك الأسرة البورية وهو مجير الدين آبق الذي دفع الجزية للصليبيين واصبحت دمشق في عهده تحت الحماية الصليبية
وهنا تحل سنة الاستبدال الإلهية للأسرة البورية ، فدبّر نور الدين محمد أمر الاستيلاء على دمشق ، ووقعت في قبضته سنة 549 هجرية ، وكان ضم دمشق هو الخطوة ما قبل الأخيرة لتطويق الصليبيين ، ووضعهم بين شقي الرحى بضم مصر وإزالة الدولة العبيدية وعودة الوحدة الدينية لقلب الأمة المسلمة.
وكانت الدولة العبيدية في مصر قد دخلت في طور الضعف والاضمحلال منذ زمن بعيد ، وطمع الصليبيون في الاستيلاء على مصر وضمها لمملكة بيت المقدس الصليبية.
وتنازع اثنان من رجال الدولة العبيدية على منصب الوزارة وهرب أحدهما الى الشام واستنجد بنور الدين ليساعده في نيل الوزارة مقابل ان يصبح تابعا له . وظل نور الدين يستخير الله شهرا كاملا خشية ان تقع مصر بيد الصليبيين فأرسل جيشا الى مصر بقيادة اسد الدين شيركوه سنة 559 هجرية ودارت حروب دموية بين نور الدين والصليبيين استمرت ست سنوات تمكن نور الدين في نهايتها من الفوز بمصر بعد ان وقعت تحت الحماية الصليبية الفعلية.
ويعلق ابن الاثير على فشل الصليبين في الاستيلاء على مصر رغم انهم الاقرب جغرافيا منها فيشبههم بالنعامة التي خرجت تبحث عن قرنين فعادت بلا أذنين.
وتولى الوزارة في مصر اسد الدين شيركوه ولكنه مات بعد شهرين فتولاها ابن أخيه صلاح الدين وبدأ في القضاء على العقيدة الباطنية التي كانت سائدة هناك، كما ضم صلاح الدين النوبة وليبيا والحجاز واليمن الى الجبهة الاسلامية المتحدة . فكان ذلك المقتل الحقيقي للدول الصليبية في بلاد الشام.
وفي أول جمعة من محرم 567 هجرية اسقط صلاح الدين (تنفيذا لاوامر نور الدين) اسم الخليفة العبيدي العاضد من خطبة الجمعة ودعي للخليفة العباسي بمصر
وتوفي نور الدين فجأة بالذبحة الصدرية في شوال سنة 569 ومع ذلك أجمعت كل المصادر الأسلامية على تسميته ب نور الدين الشهيد لصدق جهاده وعدله وتقواه
ولم يخلف نور الدين الا طفلا صغيرا هو الصالح اسماعيل فتسلط عليه كمشتكين الخادم ونقله الى قلعة حلب واراد ان يسيطر على الدولة باسمه ونافسه اخرون واستقل أولئك الاخرون بدمشق وأوشكت الجبهة الاسلامية ان تتصدع لكن صلاح الدين لم يرض بذلك بعد ان ساهم في بنائها مع عمه شيركوه ووالده أيوب.
وذهب صلاح الدين الى الشام وضمها الى مصر وحل محل سيده نور الدين وازال أولئك المتسلطين ( سنة الاستبدال الالهية) وجاهد في سبيل الله حق جهاده.
ومرض صلاح الدين وتوفي وهو في 56 من عمره وكانت نفسه لاتزال تجيش بالآمال والطموحات لنصرة دين الاسلام وحدث النزاع بين ابنائه نحو 8 سنوات متتالية وتجري سنة الاستبدال على ابناء صلاح الدين المتناحرين ويسيطر عمهم أبو بكر العادل شقيق صلاح الدين على الدولة ويعيد الوحدة للجبهة الإسلامية
وتوفي العادل سنة 615 هجرية وتعاون ابناؤه من بعده حينا من الدهر واستطاعوا هزيمة الحملة الصليبية الخامسة رغم ان عددها زاد على 150 ألف مقاتل
وبعد بضع سنين اختلف ابناء العادل وتنازعوا وفشلت ريحهم وتحالف بعضهم ضد بعض مع قوى اسلامية وغير اسلامية حتى ان الكامل محمد استدعى ملك المانيا .
وجاء ملك المانيا فردريك الثاني لعون الكامل وكان اخوه عيسى قد مات ولم يعد في حاجة ملك الالمان وسلمه القدس صفوا عفوا بدون قتال (إنه التفريط).
وزادت الخلافات والمنازعات بين بني ايوب حتى تحولت الى حروب اهلية استمرت زهاء عشر سنوات وخلال تلك الحروب اشترى الصالح ايوب الاف الاطفال الترك وكان اولئك الاطفال من الذين قتل المغول قبائلهم واهلهم وباعهم تجار الرقيق فاشتراهم الصالح أيوب ورباهم تربية اسلامية ودربهم واصبحوا عماد جيشه. وهم المماليك الذين استبدل الله الدولة الايوبية بهم بعد ان فقدت مبرر وجودها وشرعيتها فقاموا بواجب الجهاد وهزموا المغول وأزالوا الصليبيين.
وظلت دولة المماليك قائمة اكثر من قرنين ونصف من الزمان بفضل الله ثم قيامها بهزيمة المغول في عدة معارك كبرى وسحق الصليبيين وبث الفزع في قلوب الغرب.
وكان أخر اعمال دولة المماليك الجليلة فتح المملكة الصليبية في قبرص سنة 828 هجرية ولما عجزت في اخر عهدها عن جهاد الغرب حلت محلها الدولة العثمانية
كتبه. أ . د / علي بن محمد عودة الغامدي