لو تصالح كل العرب مع إسرائيل فلن أكون أنا ضمن القائمة بالتأكيد، لأنني ألعنهم وألعن الأرض التي يمشون عليها، وأكره منظرهم ولون علمهم ولغتهم. أنا من جيل أوشك أن ينقرض تعلم أن يكره إسرائيل بحق .. أطفال بحر البقر الذين ماتوا بالقنابل كانوا في سني وقتها بالضبط، وكان يمكن أن أكون أنا لو فضلت الطائرات محافظة الغربية على الشرقية ..
كنت أتابع في شغف برنامج (ماما سلوى حجازي) في التلفزيون، وعرفت ذات صباح أن الإسرائيليين اسقطوا طائرتها .. لماذا ؟.. لأنهم أولاد كلب طبعًا .. أنا من جيل عرف في المدرسة قصة دير ياسين وكفر قاسم ورأى أباه يبكي يوم استشهاد (عبد المنعم رياض)..
أنا من جيل تعلم أن يكره كل ما هو إسرائيلي وما زال منظر حروفهم العبرية يجعل الشعر ينتصب اشمئزازًا على ساعدي لأنه يذكرني بمنظر أقدام العنكبوت. كان هذا قبل أن يعم السلام الأرض، ويبحث منافق ما في مكتبة الإذاعة عن أغنية أم كلثوم (بالسلام احنا بدينا بالسلام) ويقوم بإعادة إحيائها مع لقطات من أغلفة مجلة أكتوبر للسادات وبيجين وهما ينظران لبعضهما في شوق وحنان، وبيجين يضحك في رقة الملائكة لأننا (مهما كنا ومهما كنتم من حقوقنا ومن حقوقكم .. الحياة والسلام .. ياسلاااااام !). وكانت الأغنية تدوي بينما الطائرات الإسرائيلية تقصف المفاعل العراقي، وبينما جثث صابرا وشاتيلا تملأ الشوارع فيقيء المراسل الفرنسي الذي رأى المشهد برغم أنه سد أنفه بمنديل.
ربما أنا متأخر عن عصري وربما عفا الزمن علي، لكن هل تغير الإسرائيليون حقًا بما يكفي لجعلي متخلفًا ؟..
جثة إيمان حجو الرضيعة التي لم يعد لها ظهر – حرفيًا – تؤكد أنهم لم يتغيروا ..
صرخات أبي محمد الدرة تؤكد أنهم لم يتغيروا ..
هدى الطفلة التي تهز جثة أبيها محاولة جعله يفيق بمعجزة ما تؤكد أنهم لم يتغيروا ..
جثث الأطفال التي تتناثر ليلاً نهارًا على شاشة الجزيرة تؤكد أنهم لم يتغيروا ..
الطفلة المصرية التي قتلت على أرضنا وبين أهلها تؤكد أنهم لم يتغيروا ..
لا سبيل للتعامل مع هؤلاء ولا لغة يفهمونها سوى لغة الصواريخ التي تهوي على رءوسهم.
الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق