بعد حرب ٢٠١٤، التقيت مع بعض نخب حركة فتح، وهم رغم كرههم الشديد لحماس كانوا متفاجئين تمامًا من مقدرة قوة فلسطينية على الصمود على بقعة جغرافية وتحمل حرب ضروس كتلك الحرب، وكان الأمر مستغربًا كثيرًا لدي، منذ تلك اللحظة تعززت عندي قناعات متشائمة حول الكثير من نخب السلطة، هم مقتنعين تمامًا "بحتمية الهزيمة" ويرتعبون من كل خطوة اسرائيلية، الأمر ليس متعلقًا بكره متجذر لحماس فقط، بل بقناعات راسخة ومسلم بها حول "قدرية" اسرائيل وأنها تفعل ما تشاء إلى الأبد، وبالتالي المطلوب هو أن نعيش اللحظة حتى تجيء لحظة الهزيمة النهائية والخروج من البلاد، كما يحصل في الضفة الغربية حاليًا.
من هذه النظرية يمكنك تفهم ضعف هذه النفسية وخوارها الشديد خلال يوميات الحرب، فمثلًا هم يتعاملون مع "اجراءات حربية" هي جزء من أدوات ضغط الحرب، وليست قدرًا نهائيًا، كشيء نهائي ومسلم به، مثل التواجد بمحور الشهداء -نتساريم سابقًا-، وشكل التواجد العسكري الإسرائيلي في غزة، هم من هذه اللحظة يعتبرون "احتلال غزة" أمرًا مسلمًا به، وسيبقى للأبد، ويلعنون من كان السبب، وعقلهم عاجز عن استيعاب أن هذا أمر مؤقت، ولن يستمر، وحتى جيش الاحتلال يدرك استحالته وأنه سيتحول لورطة استراتيجية لا يمكن الخلاص منها، كما كان عقلهم عاجز عن استيعاب تحرير غزة في ٢٠٠٥، وأنها مجرد مؤامرة من العدو لا أكثر.
لذلك من الجيد الإدراك بأن "تيار الانهزام" ليس تيارًا عقلانيًا ومنطقيًا يمكن نقاشه بموضوعية، فالعقلانية تعلمك متى "تحجم" ومتى "تقدم"، ولا تعلمك متى تحجم فقط. وهو تيار مكوناته نفسية بحتة، بعضها متعلق بالخوف، وبعضها بالكره المتجذر للخصم السياسي، والحل هو بتركه لمصيره بالتحلل الذاتي أمام الوقائع الضخمة التي يصنعها المقاتلون في ميادين القتال.
حسن الشهيد