ما فعله هذا الانسان النبيل يطاردني في كل وقت..في ليلي وصحوي و منامي.. و أدعو أن يقبضني الموت على مثل ما مات عليه. المقال لكاتب أحسبه من اجمل كتاب مصر في جيل الشباب، حسام الدين السيد، احد معدين حلقة فلسطين- حكاية الارض
فضلًا ترحموا على روح الطبيب الشهيد همام اللوح استشاري امراض الكلى في مستشفى الشفاء بغرة
————
في الكتابة السينمائية والروائية توجد لحظة بعينها تُدرك الشخصية فيها الغرض الذي خُلقت لأجله، وأن تراتيب القدر تواطأت كلها لتوصل الشخصية لبقعة بعينها، لغرض بعينه.
مثل لحظة «هودور» الشهيرة في «لعبة العروش» عندما أدرك العملاق الطيب أن حياته بأكملها كانت تمهيد للحظة بعينها مُستقبلية يحميفيها بجسده باب مُغلق ليُنقذ صديقه. عندها تفكك إسم هودور إلى جُملة
HOLD THE DOOR
كان قدره مقرونًا بلفظه طوال حياته لكنه مخبوء، وأفصح عن ذاته في لحظة بعينها، ليتحول شخص هامشي عابر في ملحمة حزينة إلى أبرز أبطالها.
كل مرة يُستعاد فيها مقطع مُكالمة الطبيب الشهيد «همام» أبكي وأتذكر تلك الفكرة، تُخبره المذيعة أن يُنفذ تعليمات الإخلاء من مستشفى الشفاء، ويُغادر مع عائلته نحو الجنوب
ويُخبرها:
««لو غادرت من يُعالج مرضاي، هم ليسوا حيوانات، بل بشر يستحقوا الرعاية حتى اللحظة الأخيرة، لم أدرس الطب أربعة عشر عامًا ،لأغادرهم في لحظة مثل هذه، لأفكر في النجاة بحياتي وليس بحياة مرضاي. هل درست الطب حياتي بأكملها لأنجو بحياتي في لحظة كتلك؟!. لم أصبح طبيبًا لأنجو بحياتي.»»
يقول الطبيب الكندي من أصل فلسطيني والصديق الشخصي لهمام «طارق اللوباني» أن همام كان يمتلك خططًا مُستقبلية واسعة بشأن الرعاية الصحية في القطاع، منذ قابله عام 2012، و قبل الأحداث كان يقود مُنشأة جديدة لأمراض الكُلي.
كان همام يُسخر حياته لأجل مُستقبل لا يُلام على الإطلاق لو فر لأجله إلى الجنوب، لو نجا بحياته، لأن حياة الطبيب تحمل في طياتها حياة آلاف المرضى المُستقبليين الذين سيعالجهم، لكن همام أدرك أن قدره صنعه لأجل تلك اللحظة، لأجل مرضى بين يديه، تخلى عنهم العالم، ولم يعد أمامهم سوى رجل بمعطف أبيض. لو تركهم سيُقر أنهم كما رآهم العالم… حيوانات لا أكثر.
قايض همام مرضاه المُستقبليين بمرضى لحظة لن تتكرر لفرط الفجور فيها، يصعب أن يتخيل لحظة مُستقبلية يتواطأ فيها العالم بأكمله تحت البث المُباشر لحصار مشفى.
يقول «اللوباني»: الطبيب الذي يموت في غزة، لا يُحتسب وحده، إنما يُحتسب معه جزء كامل من الرعاية الصحية، يُحتسب معه أرواح المرضى الذين عالجهم، والذين كان مُقدرًا له استقبالهم لو عاش يومًا آخر.
___
في السينما والرواية، عندما تُدرك الشخصية أن قدرها لم يكن خبط عشواء وأن كل خطوة قادتها بعناية لمشهدية لا تكتمل سوى بحضورها، تتقبل قدرها، وتُكلل القدر باكتماله.
ما يحدث في شهر من بطولات، يفوق قُدرة المرء على تحليله سينمائيًا أو جماليًا أو أخلاقيًا، غزة تُقيم حُجتها الأخلاقية والجمالية على الجنس البشري بأكمله، في بث مُباشر على الهواء لم ينتهي بعد. ولا يسعنا جمع شتاته و حفظ بطولاته في اللحظة الراهنة، نحتاج وقتًا طويلًا لحفظ كل بطل في حكاية تليق به