لاتفتي في ماليس لك فيه علم..
الخروج على الحاكم الظالم مسألة خلافية وليس فيها إجماع بين العلماء
نهى الله تعالى عن الطاعة في المنكر، فقال تعالى: ﴿ وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ﴾، ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾
كما نهى النبي صراحةً عن طاعة الحاكم إن أمر بمنكر، فروى مسلم أن رسول الله بعث جيشًا وأمَّر عليهم رجلًا، فأوقد نارًا، وقال: ادخلوها. فأراد ناس أن يدخلوها، وقال الآخرون: إنا قد فررنا منها. فذُكر ذلك لرسول الله، فقال للذين أرادوا أن يدخلوها: “لو دخلتموها، لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة”. وقال للآخرين قولًا حسنًا، وقال: “لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف”
وقال النبي: “السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بالمعصية، فإذا أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة”
وقال النبي: “سيليكم أمراء بعدي يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فمن أدرك ذلك منكم فلا طاعة لمن عصى الله”
وأباح النبي الاعتراض على الحاكم الظالم، بل شجع على ذلك وأمر به، فقال: “سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه، فقتله”
وقال: “إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعُمَّهم الله بعقاب”
وقال: “إذا رأيت أمتي تهاب، فلا تقول للظالم: يا ظالم، فقد تودع منهم”
وقال: “سيكون أمراء يظلمون ويكذبون، فمن أعانهم على ظلمهم وصدَّقهم بكذبهم، فليس مني ولا أنا منه، ومن لم يصدِّقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فأنا منه وهو مني”
وقال: “ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون، وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل”
إن دعت الأحاديث إلى الصبر على الظلم، فالصبر نتيجة العجز عن التغيير شيء، والرضا به شيء آخر؛ فالأحاديث تعتبر الصبر على الظلم لجوء اضطراري وقهري ومؤقت، ولا يمكن بأي حال اعتباره رضا وموافقة وتأييد وتعاون مع الظالمين، فهذا الرضا بالظلم لا نقول مخالف للدين، بل هو ضد الدين وهدم لمبادئه بالكلية.
يقول سفيان الثوري: “من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يُعصَى الله”
وقد صرَّح الخلفاء الراشدون على أحقية الشعب في تقويم الخليفة ونقده ومعارضته إن أخطأ.
قال أبو بكر في خطبة البيعة: “إن أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأتُ فقوموني، أطيعوني ما أطعتُ الله ورسوله، فإذا عصيتُ الله ورسوله، فلا طاعة لي عليكم”
وقال عمر بن الخطاب: “أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمر، ما كنتم فاعلين؟” فقال بشير بن سعد: “لو فعلت، قومناك تقويم القدح”. فقال عمر: “أنتم إذن أنتم”
لم يكتفِ القرآن بإباحة معارضة الظالمين، والجهر بفضائحهم، بل حصَّن المظلومين والمعارضين إن جهروا بالسوء، فقال تعالى: ﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ﴾
إذن فمعارضة الحاكم إن أخطأ، وإنكار خطأه، ونهيه عن المنكر، لم تنهَ عنه الأحاديث، بل هو واجب طبقًا للاستطاعة.