نشرت مجلة إيكونوميست البريطانية في 26 يناير 2023 مقالاً بعنوان: “لإنقاذ الاقتصاد المصري لابد من إخراج الجيش منه”، تؤكد فيه بأنه على الدول المانحة ألا تستمر في محاولة إنقاذ دولة تعمل فقط على إثراء من يرتدون الزي العسكري “الكاكي”.
يمكنك الآن أن تُضيف الاقتصاد المصري إلى قائمة الحطام المنتشرة في ربوع البلاد، والتي لا يمكن أن تُخطئها العين، بعد أن فقد الجنيه المصري نصف قيمته خلال العام الماضي (2022) وأصبح أسوأ العملات أداءً في العالم في عام 2023. ففي الخامس من يناير 2023، خفّضت الحكومة من قيمة عملتها المحلية للمرة الثالثة في غضون أقل من عام واحد. ويذهب ما يقرب من نصف إيرادات الدولة لخدمة الديون المتراكمة عليها، والتي تصل إلى 90% من الناتج المحلي الإجمالي. وبحسب الأرقام الرسمية، فقد بلغ معدل التضخم 21% (بينما يرى محللون اقتصاديون أن معدل التضخم بلغ ١٠٢% على أساس سنوي). وفي نفس الووقت، فإن أسعار المواد الغذائية آخذة في الارتفاع بوتيرة أسرع عن ذي قبل. لكن باعتبار أن الأرقام الرسمية التي تصدر عن الحكومة لا تكون عادة مواكبة لمظاهر التدهور الاقتصادي الحاصل في مصر، لذلك فمن شبه المؤكد أن الواقع أسوأ من ذلك بكثير.
وقد جلب هذا الوضع الاقتصادي الصعب البؤس للشعب المصري. حيث يعيش حوالي ثلث السكان على أقل من دولارين في اليوم. وهناك ثلث آخر على وشك الانضمام إليهم قريباً. فقد تم خُذلانهم من قِبل المسؤولين الذين وضعوا مصالحهم الخاصة فوق مصالح مواطنيهم.
ومع أن العوامل التي أدت إلى خلق هذه الأزمة الاقتصادية في مصر موجودة منذ فترة طويلة، إلا أن تفاقمها يرجع جزئياً إلى قوى خارجة عن سيطرة الدولة. فقد أضر الغزو الروسي لأوكرانيا كثيراً بمصر، كونها أكبر مستورد للقمح في العالم، وأن أكبر موردي هذه السلعة الاستراتيجية لها هما روسيا وأوكرانيا. حيث أدى ارتفاع أسعار القمح إلى كُلفة عالية ومدمرة لتوفير الخبز المدعوم منخفض السعر جداً الذي ينتظره المصريون من الحكومة (حيث قد يؤدي عدم توفره إلى اندلاع أعمال شغب في البلاد). كما أدت الحرب الروسية-الأوكرانية أيضاً إلى إعاقة السياحة التي كانت تساهم، قبل جائحة كورونا، بحوالي 5% من الناتج المحلي الإجمالي. وتسبب ارتفاع أسعار الحبوب وغياب السياح الروس ألى الضغط على احتياطيات مصر من العملات الأجنبية والجنيه. فقد تخلص المستثمرون الأجانب من السندات المصرية بمجرد اندلاع الحرب. ويكابد المصريون الآن للحصول على العملة الصعبة.
لكن المشكلة الأساسية والرئيسية في البلاد هي القبضة الخانقة التي تمارسها الدولة، وتحديداً الجيش، على الاقتصاد. حيث يحجم خبراء وأجهزة الإحصاء الرسمية بشكل غريب عن تقديم تقديرات لهذا الوضع. وبينما قالت الحكومة إن الجيش يسيطر فقط على 1.5-2% من الاقتصاد، إلا أن المدى الحقيقي لنفوذ المؤسسة العسكرية، المباشر وغير المباشر، أكبر من ذلك بكثير. حيث توسع هذا النفوذ كثيراً تحت حكم عبد الفتاح السيسي (الذي كان يشغل منصب القائد العام للقوات المسلحة سابقاً).
وتشمل إمبراطورية الجيش الآن كل شيء، بدءاً من محطات الوقود إلى المياه المعدنية وحتى الزيتون. ووصل أيضاً إلى سوق تربية الأسماك وعمل على السيطرة على صناعة السيارات.
واشترت الأجهزة الأمنية أجزاء كبيرة من وسائل الإعلام المصرية. وقام الجيش ببناء مصنع جديد ضخم لإنتاج الأسمنت، مما نتج عن ذلك تخمة في الإمدادات أدت إلى تدمير الشركات الخاصة. وفي الصناعة تلو الأخرى، يضغط الجيش على المنافسين أو يخيفهم، مما يشكل رادعاً كبيراً للاستثمارات الخاصة. حيث لا يمكن لأي شركة عادية أن تتنافس مع مؤسسة لا تدفع ضرائب أو رسوم جمركية، بل ويمكنها أن تُلقي بمنافسيها في غياهب السجون. وبالنسبة لعموم المصريين، فإن سحق الجيش لأي فرصة للمنافسة يعني تباطؤ النمو وارتفاع الأسعار وتقليل الفرص.