الجدوى الحقيقية للهجوم المضاد الأوكراني على القوات الروسية
مقدمة:
الروس يمثلون اليوم ثاني قوة تقليدية على مستوى العالم، إلا أنهم القوة الأولى بلا منازع كقوة برية دفاعية بالدرجة الأولى وهجومية مدرعة اقتحاميه.
ففي نهاية الحقبة السوفيتية تم تجهيز جيش التعبئة العامة الهجومية المصممة لاقتحام أراضي الناتو الغربية بأكثر من ثلاثة أضعاف عدد ما يجهز عموم القوات الروسية من الدبابات في المرحلة الحالية!
لتنفيذ عملية اختراق عميق للجبهات الغربية، مع فكرة إنزال أكثر من ثلث هذه الدبابات بطريقة مظلية، وذلك لتشكيل الصدمة الصاعقة الهجومية.
لذلك فكر الناتو منذ ذلك الحين بطريقة توقف هذا الزحف الكمي الرهيب للقوات السوفيتية، نحو الأرضي الأوربية، دون الدخول السريع بالحرب النووية، أو حتى اللجوء للقنابل النووية والنايترونية التكتيكية!
لذلك سارعوا لوضع عدة سيناريوهات عسكرية تكتيكية وتسليحية تقهر هذه الهجمات السوفيتية وذلك بجعل المدن حصون حضرية منيعة شهدنا مشهد منها ضد الروس في معركة كييف في هذه الحرب في مرحلتها الأولية، وكذلك استخدام أسلحة مباعدة تكتيكية ذات ذخائر فرعية فائقة الذكاء الصناعي تستهدف الدروع الروسية من نقاط ضعفها الأساسية، لتحيد نقاط القوة الروسية، ويبدو أنها كان لها استخدام سري أو غير معلن في حرب استعادة خاركييف أثناء استعادتها من الأيدي الروسية، وعام 2003 جُربت بالعراق بطريقة جوية ضد تجمعات مدرعة وميكانيكية للحرس الجمهوري العام والخاص العراقي.
واليوم وبعد أن فشلت قيادات الناتو بجر الروس إلى حرب الشتاء الهجومية، على ما يبدو لجئت لحرب الربيع أو الصيف الهجومية الأوكرانية، لجر الروس لنفس المخطط الأول ولكن بطريقة هذه المرة قصرية، كردة فعل دفاعية بطريقة مضادة دفاعية.
والفكرة الأساسية لهذا الهجوم هو تجديد تجربة استعادة الأوكران لما سلبه الروس بالقوة من إقليم أو مقاطعة خاركييف، من أيدي القوات الأوكرانية، ولكن بطريقة أكبر وأوسع وأكثر حشد للقوات والعتاد التي ستكون لدى القوات الهجومية الأوكرانية، بعد تحيد أكثر المدرعات الروسية بطريقة مباعدة بالصواريخ ذات الذخائر المضادة الفرعية الذكية.
ولكن الجديد أن روسيا أصبحت اليوم تملك عدد أكبر من ذي قبل من القوات المتخصصة الدفاعية ومتعددة المهام الدفاعية والهجومية بحشود وتجهيزات غير مسبوقة من ناحية الحداثة والقدرات التقنية، مع تطوير مبادئ الاخفاء والتقنيع المضللة السلبية، وتطوير الوسائط المضادة الإيجابية التشويشية والتضليلية الإلكترونية، إضافة إلى طبقات الحماية الصاروخية المضادة لكافة الأخطار الجوية.
ففي مقاطعة خاركييف كان الروس يحشدون ربع القوات التي تحشدها روسيا اليوم في كل مقاطعة من مقاطعتها الحالية، كما أنها سحبت قبل أن تتعرض للهجوم الأوكران من خاركييف قوام فرقة معززة قتالية لدعم مقاطعة خيرسون قبل بدء الهجوم الأوكراني الكبير الذي كان من الممكن أن يمتد إلى مقاطعة لوهانسك التابعة لإقليم الدونباس لولا دخول أول جيش قوات احتياطية دفاعية كان ضمن المناطق الحدودية ليصبح حاجز منيع للامتداد الهجومي الأوكراني الكبير حينئذ.
وهذا النجاح كان بداية فكرة التعبئة الاحتياطية الجزئية التي تتكون اليوم من خمسة جيوش دفاعية، إضافة إلى خمسة جيوش هجومية ليرتفع الحشد الروسي في أوكرانيا من 115 ألف إلى أكثر من 600 ألف، مع وجود قوات احتياطية سرية متعددة الأدوار تقدر بنحو 200 ألف محارب في إقليم الدونباس.
فهل سوف تتمكن القوات الأوكرانية بقيادة الناتو في هكذا ظروف معقدة، من إنجاح الهجوم لمرة ثانية؟!
الحقيقة أن النصر السابق للأوكران في خاركييف لم يكن سببه بالدرجة الأولى الحشود الأوكرانية الكبيرة المتتابعة المهاجمة للجبهات الروسية الدفاعية، إنما السر كان في تحييد عتاد القوات الاحتياطية الثقيل الهجومية الروسية الارتدادية، والذي غالباً أمطرت دروعهاـ بأطباق سكيت الباحثة الذكية التي تستهدف الأجزاء العلوية من الدروع الروسية، والتي حمل بها صواريخ جملرس المضاعفة المدى ER حتى مدى 160 كم، إضافة للإمكانية تجربة الألمان لصاروخ جوال تسكعي باحث يتفصل عن قذائف راجمات مارس الألمانية الموازية لراجمات ملرس المجنزرة الأمريكية، ونتج عنه عدم حدوث هجمات ارتدادية لمساندة وتقوية الخطوط الأولى الدفاعية الروسية، بل وتم بهذا التكتيك اسكت أكثر نيران الدعم المباعد الروسية، وهو ما أدى إلى سرعة انهيار تلك الحواجز الأولى الدفاعية.
فهل سوف تكرر أوكرانيا هذا السيناريو بمساعدة الناتو ضد الخطوط الدفاعية الحالية الأكثر مناعة وعمق دفاعي؟!
طبعاً هذا إذا ما التزمت روسيا أوضاع دفاعية ضد الهجوم الأوكراني الجديد، إلا أن الروس أدخلوا 1800 دبابة حديثة إلى الجبهة منها أكثر من 800 دبابة بروريف (الاختراق) الثورية T-90M وأكثر من 100 دبابة أرماتا المستقبلية T-14 وهي دبابات هجومية متطورة، واعتقد أن روسيا سوف تختار هذه المرة الحالة الوسطية أي الدفاع النشط الذي سوف يجمع بين الدفاع والهجوم لكن الهجوم القريب من أجل إعادة ترتيب الأوضاع الدفاعية.
ومن هنا نرى أن المخابرات المركزية الأمريكية لما تشكك بنجاح الهجوم الأوكراني على الجبهات الروسية وذلك لثلاثة أسباب وفق هذا الجهاز الأمني، أولها باختصار عمق وقوة الدفاعات الروسية وثانيها تعاظم القدرة الروسية على دوام المراقبة والاستطلاع اللحظي بالوسائط الجوية بالدرجة الأولى وخاصة بالدرونات، ثم الفضائية وأخيراً الأرضية، وثالثها التفوق الجوي الكمي والنوعي وزيادة استخدام الطائرات لذخائر مباعدة ذكية منها القنابل الانزلاقية لتجعلها بمنأى عن خطر الدفاعات الجوية هي وتلك الذخائر الذكية الصاروخية والانزلاقية.
وهذا الكلام ليس بروباغندا إنما وصف دقيق لحالة التفوق بالجبهة الروسية، خاصة وأن وزير الدفاع الروسي صرح بتفوق القوات الروسية بالناحية النوعية التسليحية والعددية وآفاق الدعم اللوجستي اللامحدود، مقارنة مع الأوضاع الأولية السابقة.
ومن هنا يجدر السؤال الآن، ما دام الهجوم الأوكراني سوف يكون خاسر بنسبة مئوية كبيرة، فلما يغامر الناتو بهذه المغامرة الخاسرة؟!
وللجواب على ذلك نقول الغالب أنها سوف تزيد اعتمادها على سلاح الصدمة القاهر للاحتراقات المدرعة الروسية.
ولكن بوسائط تطلقها من العمق للنجاة من براثن الضربات الجوية المضادة الروسية، واعني من راجمات هيمارس الأمريكية حتى مدى 150 كم على مبدئ اضرب واهرب، بعد اطلاق قذائف تطيل مدى قنابل الأقطار الصغيرة، والتي مرجح أن تطلق منها 6 قذائف صاروخية، ومرجح أن تشارك أيضاً طائرات ثاندربولت A-10 الأمريكية التي عرضتها أمريكا من قبل على أوكرانيا ولكن ليست للمهمات المباعدة بإطلاق 12 قنبلة قطر صغير لمدى يتجاوز 100 كم كما هو الحال في الأوضاع الحالية، وهذه القنبلة وأعني قنبلة القطر الصغير SDB بتعدد وسائط اطلاقها سوف تستهدف أهداف انتقائية ثابتة ومتحركة، أما أطباق سكيت التي تتفرع من عصيات أفكوسيكت BLU-108B فلا بد من أطلاقها من صواريخ أتاكمس الأمريكية التي يمكن اطلاقها من راجمات هيمارس الأمريكية حتى مدى 300 كم وبسرعة فوق صوتية لتنشر 24 عصية أفكوسيكت، إلا أن هذه الصواريخ هناك اتفاق روسي أمريكي بأنها لن تدخل الحرب الأوكرانية.
لذلك على ما يبدو تقوم أمريكا بالعملية الهجينة، وتعيد تصنيع صواريخ غروم تو التكتيكية الأوكرانية لتصبح بالمضمون صواريخ أتاكمس الأمريكية من حيث المدى والسرعة (3 ماخ) ووزن الراس الحربية (1000 كغ)، وأكثر ما يرجح ذلك التسريبات التي صرحت بها مجلة "ميلتري واتش" العسكرية الأمريكية حول تمكن الروس من ضرب مخازن لصواريخ غروم تو ووسائط إطلاقها داخل الأراضي الأوكرانية.
لذلك نجد روسيا تحاول احباط أو تثبيط الهجوم بطريقة استباقية وقائية باستهداف الأركان الأساسية لمكونات الهجوم وفق المعلومات الاستخباراتية الموثقة بطريقة مرئية، وتقوم بنشر منصات ميدانية مجنزرة مضادة للجو إما من نوع تور الصاروخية المحدثة تقنياً وبرمجياً، للتعامل حتى مع القذائف المدفعية الذكية عيار 155 ملم وعلى مجنزرات تنغوسكا المهجنة المدفعية الصاروخية ذات الأبراج القتالية المماثلة لأبراج منظومة بانتسير المركزية، ورغم نجاح الروس بإسقاط صاروخ غروم تو وحتى قنابل القطر الصغير، إلا أن هذا لن يجدي في حالة اتباع الأوكران للطريقة الإغراقية، لذلك غالباً روسيا قد تلغي الهجمات المضادة المحدودة وتستبدل ذلك ببدء استخدام أسلحة السوبر التدميرية التي تعتبر البدائل الاستراتيجية للقنابل النووية التكتيكية، وذلك بذريعة التصعيد كردة فعل ضد ضرب الكرملين بالدونات الكميكازية!
ورغم أن رئيسية المخابرات القومية الأمريكية أكدت أن روسيا لن تستخدم كردة فعل عن ضرب الكرملين للسلاح النووي التكتيكي، إلا أنها لم تشير بالنفي حول البدائل التدميرية الخارقة الروسية.
والخلاصة المفيدة هي أن الاستراتيجية المنشودة بالهجوم الربيعي الأوكراني تكمن بتحييد مواضع القوة الروسية بالذخائر الذكية المباعدة الأمريكية بطريقة إغراقيه، تغيير موازين التفوق القتالي لصالح الأوكران مع تأمين تغطية مناسبة دفاعية ضد الأخطار الجوية الروسية.
وفي النهاية قد لا يثمر الهجوم الأوكراني عن إلحاق هزيمة ساحقة بالروس وهذا ما أرجحه، ولكن ربما هزيمة جزئية، إلا أن هذا الإنجاز الجزئي قد تكون أوكرانيا قد كسبت به ورقة رابحة إيجابية، تسهل المفاوضات الدبلوماسية مع الروس بإنهاء الحرب بطريقة ترضي الجميع ولو لفترة محدودة زمنية، كما حدث عام 1991 في عاصفة الصحراء في العراق بعد أن تعرض الجيش السابع الهجومي الأمريكي لكمين كيس الموت المحكم الذي حيد بوقت قياسي أكثر من 500 دبابة ومدرعة وآلية أمريكية، ونفذه فرقتين مدرعات وواحدة ميكانيكية من فرق الحرس الجمهوري العراقي العام.
أما إن فشل الهجوم الأوكراني، فنتيجته هنا إما أن تذعن أوكرانيا للإملاءات الروسية، على طاولة المفاوضات الدبلوماسية، أو تفتح الطريق للقوات الروسية للمضي باحتلال كامل الأراضي الأوكرانية، أو على الأقل أوكرانيا الشرقية حتى كييف، بسبب انهيار التشكيلات الأوكرانية القتالية الاحترافية، إلا أن تدخل قوات الناتو بمواجهة مباشرة مع الروس وفي طليعة هذه التشكيلات القوات البولندية، وأنا العبد لله أستبعد حدوث ذلك لعدة أسباب منها: تبين أنه ليس للروس ند بالمواجهات البرية المباشرة وشبه المباشرة مثل النخبة الأوكرانية، وكذلك هذه المواجهة تعجل استخدام الروس للقنابل النووية التكتيكية وبدء الحرب العالمية النووية التي سوف تنتهي بفناء الجميع.
وفي حالة حصلت المعجزة وكانت الهزيمة ساحقة للقوات الروسية، فحينها الحرب النووية تصبح أيضاً حتمية!
لذلك الحالة الوسطية بالهزيمة الجزئية للروس أن مكنهم الروس من ذلك! هي الحل الأمثل والظفر الأكبر لحلف الناتو في هذه الحرب، وفي طليعتهم الولايات المتحدة الأمريكية.