الصواريــخ المضــادة للــدروع خــلال حــرب أكتوبــر 1973
خلال حرب أكتوبر العام 1973، عمل كلاً من طرفي الصراع العربي والإسرائيلي على تحقيق استخدام مكثف وموسع للدبابات والعربات المدرعة الأخرى armored vehicles وظهر جلياً أن عمل الدبابات بعيداً عن دعم المشاة سيترتب عليه نتائج سلبية وإخفاقات حاسمه. في تلك الحرب التي أسماها العدو "حرب يوم الغفران" Yom Kippur War، حرص الإسرائيليون على تطبيق النظرية الإستراتيجية العسكرية لمنظر الحرب المدرعة الحديثة الجنرال البريطاني "جون شارلز فولر" John Charles Fuller. هذه الإستراتيجية التي أطلق عليها "tank à l'outrance" وتعني الدبابات لأقصى حد أو للنهاية، عمل قادة الوحدات المدرعة الإسرائيلية على تنفيذها بدقة خلال حرب أكتوبر نتيجة خبرتهم في الحروب السابقة 1956 و1967 مع جيرانهم العرب.
فأثناء تلك الحروب، كانت الأرتال المدرعة الإسرائيلية تتقدم سريعاً في مناطق العمليات لمواجهة الوحدات العربية بطيئة الحركة نسبياً (خصوصاً في حرب 1967) حتى أن العديد من وحدات المشاة الإسرائيلية لم تشترك فعلياً في المعركة نتيجة تجاوز الدبابات للعربات نصف المجنزرة half-tracks المرافقة لها والتي كانت تضطلع بمهمة نقل المشاة الإسرائيلي. بالنتيجة، الاهتمام الإسرائيلي بسلاح الدروع الثقيل واعتباره مصدر القوة الرئيس للوحدات البرية، دفع الطرف الآخر في أواخر الستينات وأوائل السبعينات للبحث في مقتنيات الشرق من مضادات الدبابات. مع هذه الخطوة، معايير التدريب training standards في كلاً من الجيش المصري والجيش السوري بدأت في التصاعد والارتقاء.
هكذا، خلال حرب أكتوبر 1973 ومع غياب شبه كامل للمشاة الإسرائيلي عن ساحة المعركة ومحدودية قطع المدفعية الإسرائيلية ذاتية الحركة (وجودها يعرض انتشاراً سريعاً وفي الوقت المناسب لدعم الوحدات المدرعة المتقدمة)، ما كانت هناك وسيلة ناجعة لإلهاء وتشتيت انتباه المشغلين العرب للأسلحة المضادة للدبابات.
في الحقيقة، قادة الجيش الإسرائيلي أخفقوا في إدراك أهمية الصواريخ الموجهة المضادة للدروع التي جرى إقحامها في المعركة بأعداد كبيرة. آلاف الصواريخ المحمولة من قبل الأفراد من طراز AT-3 Sagger قام الإتحاد السوفييتي بتوفيرها لكل من الجيش المصري والجيش السوري. هذه الصواريخ كان يمكن تشغيلها من قبل جنود المشاة العاديين دون الحاجة لإخضاعهم لتدريبات مكثفة extensive training.
لقد كان على الدبابات الإسرائيلية التي عملت لوحدها ودون دعم الوحدات الأخرى، تلقي دروساً وخسائر قاسية heavy losses وجرى تدمير المئات منها من طراز Centurions وM48، خصوصاً على الجبهة المصرية من قبل أفراد المشاة المصريين المسلحين بمقذوفات كتفية وصواريخ موجهة مضادة للدروع. وتذكر مصادر مستقلة أن الجانب الإسرائيلي خسر في الثلاثة أيام الأولى من بدأ القتال نحو 400 دبابة وعربة مدرعة على رمال سيناء وحدها بواسطة الأسلحة المصرية المضادة للدروع، منها 77 دبابة جرى تدميرها خلال 16 ساعة فقط. لحد أنه في يوم 8 أكتوبر لم يتبق في مسرح القتال سوى 90 دبابة إسرائيلية فقط.
لقد أطلقت فرق الجيش المصري آلاف الصواريخ الموجهة من طراز Sagger خلال تلك الحرب (في المعدل، كل فريق صواريخ مصري أنفق نحو 20 مقذوف حيث تم توزيع حوالي 2000 صاروخ لكل فرقة مشاة أثناء الحرب). المصادر السوفييتية ادعت آنذاك أن نحو 800 دبابة تم الإضرار بها في الجانب الإسرائيلي نتيجة استخدام هذه الصواريخ (مصادر أخرى تتحدث عن 1063 إصابة، لكن هذا الرقم ربما شمل أيضاً الدبابات المعطلة أو خارج العمليات out-of-action لأقل من 24 ساعة وليس فقط المدمرة بالكامل).
لقد كانت المفاجأة المصرية في الاستخدام التكتيكي المميز للأسلحة المضادة للدروع المحمولة من قبل المشاة، خصوصاً خلال معركة العبور لقناة السويس Suez Canal واقتحام خط بارليف Bar-Lev وما تبع ذلك من معارك (استعد المصريين لتقبل نحو 10000 إصابة خلال تخطيطهم لعملية العبور، لكنهم في الحقيقة لم يفقدوا سوى 208 شهيد). هذه الأسلحة كانت تطلق بغزارة على كل دبابة أو هدف مدرع إسرائيلي يدخل نطاق مرمى نيرانها. واستطاعت تكتيكات فرق قتل الدبابات المصرية التي عملت بدعم من نيران مدافع الدبابات وأسلحة المدفعية، تحييد الدبابات الإسرائيلية وإجهاض تقدمها لأبعد الحدود.
وتؤكد العديد من المصادر الغربية أن ما معدله 3-4 قذائف RPG ونحو ثلاثة صواريخ Sagger كانت تطلق على كل دبابة إسرائيلية (أما الصاروخ Snapper المتقادم، فقد كانت الأعطال الفنية تفسد إطلاق واحداً من كل أربعة صواريخ). لقد دفعت هذه الصورة وزير الدفاع السوفييتي آنذاك الجنرال "أندريه غريشكو" Andrei Grechko للاعتراف بأن "معارك الشرق الأوسط وضعت من ثانية مسألة علاقة الهجوم بالدفاع.. الدبابات أصبحت أكثر ضعفاً واستخدامها في ساحة المعركة أصبح أكثر تعقيداً".
أما بالنسبة للقوات السورية التي تزامن هجومها مع الهجوم المصري (تقدمت قواتها بدعم نحو 800 دبابة زائداً 28000 جندي في ثلاثة فرق مشاة آلية مع غطاء مدفعي وجوي قريب لمواجهة 176 دبابة إسرائيلية) فقد كان أداء فرقهم المسلحة بصواريخ Sagger وقواذف RPG الكتفية مميزاً وعلى درجة كبيرة من النجاح. ويذكر الصحفيون الذين زاروا جبهة الجولان آنذاك، أنهم رأوا الكثير من دبابات Centurion المحترقة وبها ثقب صغير حفره الصاروخ في برجها، كما التفت عليها أسلاك توجيه الصاروخ..
الإسرائيليون تعلموا لاحقاً جلب مدفعيتهم ومشاتهم لدعم تقدم دباباتهم ووحداتهم المدرعة. فتكتيكات تقدم الدبابات بمرافقة المشاة التي أهملها الجانب الإسرائيلي، وثقت في الحقيقة والى حد كبير خلال معارك الحرب العالمية الثانية، حيث تبين أن عمل الدبابات والمشاة مع بعضهم البعض واستغلال كل طرف لقدرات الطرف الآخر يزيد من طاقة الهجوم. لذا، كان من المألوف مشاهدة أفراد المشاة وهم يعتلون ظهر الدبابات المتقدمة، جاهزين للقفز عند الحاجة وتزويد دباباتهم بالدعم المطلوب.
شهدت حرب أكتوبر أيضاً حضور الصاروخ الأمريكي الموجه المضاد للدروع نوع TOW والذي يبلغ مداه الأقصى 3750 م. في الحقيقة ومع بداية الحرب، جرى تزويد جيش الاحتلال الإسرائيلي بعدد 81 قاذفة مع 2010 صاروخ TOW. هذه الصواريخ جرى تعجيل وصولها ضمن مشروع Project 9DD لاستخدامها في الحرب وتحديدا على الجبهة السورية أولا ثم جبهة سيناء المصرية بعد ذلك. طار رجال القوات الخاصة الإسرائيلية خلال ساعات إلى حصن بيننغ Fort Benning للتدرب على عمل المنظومات الجديدة (أحد أكبر المواقع العسكرية الأمريكية الذي يمتد على جانبي حدود ولايتي ألاباما وجورجيا) وجرى إعادة أفراد هذه القوات بسرعة لاختبار الصواريخ في المعركة الحاسمة على جبهة الجولان Golan Heights، مع متوسط فترة تدريب لم تتجاوز أربع ساعات.
هذه الصواريخ أظهرت قدرة فائقة نسبياً مع بداية صباح يوم 14 أكتوبر عندما أمر الرئيس المصري أنور السادات قواته القيام بهجوم على جبهة سيناء (المصادر العسكرية الغربية أطلقت عليها اسم معركة سيناء Battle of the Sinai وتسببت بكارثة للجيش المصري). الأهداف المصرية من العملية كانت ثلاثة ممرات جبلية إستراتيجية، حيث تحددت خطة الهجوم المصرية باستخدام أربعة ألوية مدرعة ولواء مشاة ميكانيكي والتقدم ضمن أربعة محاور مختلفة.
في صباح ذلك اليوم، ما بين 400 إلى 500 دبابة مصرية بمساندة 5000 من أفراد المشاة الآلي mechanized infantry وعبر تضاريس مفتوحة وأشعة الشمس في عيونهم، تقدموا بحذر وتأني مع استخدام محدود لعنصري السرعة والمناورة. في المقابل، حشد الإسرائيليون ما يقارب 700 إلى 800 دبابة التي نصفها كان على خط المعركة والنصف الآخر وضع في الاحتياط. هذه القوة كانت مدعومة بآلاف المشاة الذين جرى تسليح العديد منهم بمنصات إطلاق صواريخ TOW المضادة للدروع.
هذه الصواريخ جرى وضعها في مواقع دفاعية مسبقة التحضير prepared positions ومرتفعة نسبيا، لتتحقق بعد ذلك أكبر معركة دبابات عرفها التاريخ منذ الحرب العالمية الثانية. إذ وكما توقعت العديد من القيادات العسكرية المصرية، الهجوم فشل في تحقيق أياً من أهدافه وتكبد المصريين خسائر جسيمة heavy losses تجاوزت خسائرهم في الأيام السابقة لبدء الحرب مجتمعة (الفرقة المدرعة المصرية الثالثة دمرت تقريباً بالكامل، و120 أسير مصري أخذوا في المعركة. فقد المصريون أيضاً دعم قائد جيشهم الثاني، اللواء سعد مأمون، الذي أصيب بسكتة قلبية صباح يوم الهجوم بعد سماع أخبار هزيمة قواته) وتراجعت القوات المصرية ظهرا إلى خطوط انطلاقها عند شرق قناة السويس.
لقد تمكنت نيران مدافع الدبابات الإسرائيلية وضربات سلاح الجو والصواريخ الموجهة نوع TOW أن توقف الهجوم وتوقع خسائر شديدة في سلاح الدروع المصري الذي كان عليه أن يتحرك بشكل مكشوف وبعيداً عن مظلة دفاعه الجوي air defense umbrella، في حين قامت المدفعية الإسرائيلية بتحييد فرق صيد الدبابات المصرية المسلحة بصواريخ Sagger ومنعتها من استخدام أسلحتها. ومع منتصف النهار، فقد المصريين نحو 250 دبابة مع 200 عربة مدرعة أخرى وبعض قطع المدفعية خلال أقل من ساعتين، مقابل خسارة الإسرائيليون 50 دبابة ونحو 60 عربة مدرعة أو أكثر بقليل (في اليوم التالي، أطلق الإسرائيليين عملية Abirey-Lev وبدأوا بعبور قناة السويس باتجاه الغرب لتنطلق سلسلة من العمليات الهادفة لقطع خطوط إمدادات الجيش المصري الثالث وصولا لتطويقه بالكامل).
الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية أثناء حرب أكتوبر تحدث في مذكراته عن هذه الواقعة وذكر بالنص: لقد نجح العدو في استدراج ألويتنا المهاجمة إلى مناطق قتال مختارة بعناية ونجح في تدمير معظم قواتنا.. لقد فقدنا في هذا اليوم الأسود 250 دبابة وهو رقم يزيد عن مجموع خسائرنا في الأيام الثمانية الأولى للحرب. وعند ظهر يوم 14، اضطرت قواتنا مرة أخرى للانسحاب إلى داخل رؤوس الكباري شرق القناة.