مقال يوضح لغير المطلع على الشان السوداني الحرب الحالية هي حرب المتأسلمين المتشبثين بالسلطة و لو على حساب اشلاء السودانيين
" من البشير إلى البرهان.. ماذا يريد الإسلاميون من الجيش السوداني؟
فائز السليك
قبل أن يرفع كثيرون حواجب الدهشة من كشف الوزيرة السابقة والقيادية الإسلامية سناء حمد، عن إجرائها لتحقيق مع بعض قادة اللجنة الأمنية لنظام الإنقاذ حول سيناريو سقوط المشير عمر البشير، علينا العودة إلى الوراء قليلاً وقراءة الأحداث السياسية والعسكرية منذ مصالحة الإسلاميين بقيادة الدكتور حسن عبد الله الترابي، مع الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري، في عام 1977؛ انتهاءً بسيناريو تقلد الفريق عبد الفتاح البرهان قيادة المجلس العسكري الانتقالي ثم رئاسة مجلس السيادة في عام 2019.
في هذا السياق لم استغرب شخصياً إجراء تحقيقات مع قيادات الجيش من قبل الحركة الإسلامية؛ سواءً كان من قادة مهمة التحقيق “سناء”، أم أمين حسن عمر. لقد سبق السيف العذل قبل سنوات، وكشف الترابي بنفسه، عبر حوار قناة الجزيرة الشهير معه عن مؤامرته الكبرى الرامية إلى تأسيس نظام عقائدي، وبدأ في نسج خيوط المؤامرة تلك في عام 1977، عندما قرر الدخول في مصالحة النميري، وكان علي عثمان محمد طه، نائب الترابي، قد شبه تلك المصالحة بأنها” ليلة قدر الإسلاميين”، راجع المحبوب عبد السلام، كتاب “الحركة الإسلامية دائرة الضوء. خيوط الظلام.”
أقرَّ الترابي بإيمانه الذي لا يتزعزع في مقولة “إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”، وانطلاقاً من هذه المقولة نصب التنظيم الإسلامي شباكه حول قواعد وثكنات الجيش، وخصص مكاتب خاصة، وفرغ جنوداً ومدنيون للمشاركة في اصطياد من يرونه مناسباً لتوجههم، ولم تنته المهمة بالاستقطاب، بل تشمل المهام عمليات لتصنيف الضباط على حسب ميولهم الفكرية والدينية، وأمزجتهم الشخصية، تمهيداً للتخلص من عشرات الآلاف من الضباط غير الإسلاميين في أكبر مجزرة شهدتها الخدمة العسكرية في تاريخ البلاد. لقد استخدم التنظيم كل الحيل الماكرة لتحقيق غايته، والغاية لدى قادته تبرر الوسيلة، فتسلل إلى الثكنات تحت غطاء حملات المساندة للقوات المسلحة في أثناء حرب الجنوب في عهد حكم الصادق المهدي، كان ظاهر تلك الحملات الدعم المادي والمعنوي، وباطنها إزالة الألغام والحواجز والموانع من الطريق للتحرك بسهولة، والتواصل المباشر مع خلايا التنظيم السرية وسط الجيش. وعندما حدد التنظيم الإسلامي ساعة الصفر لتحركه العسكري في عام 1989 اختار أربعة ضباط مرشحين لقيادة الانقلاب، وكان البشير رابعهم، ضمَّت قائمة المرشحين لقيادة الانقلاب كل من العميد طيار مختار محمدين، الذي أسقط الجيش الشعبي لتحرير السودان طائرته الحربية في عام 1988، فاحترقت فوق غابات جنوب السودان، واللواء مهندس محمد الهادي مأمون المرضي، الذي استبعد عن الترشيح؛ لأنه كان ضابطاً خارج الخدمة العسكرية، حيث يعتبره البعض من أوائل ركائز الحركة الإسلامية في الجيش، حيث كان من الدفعة رقم (12) في الكلية الحربية، التي تخرج منها سنة 1960، وتدرج الرجل في الجيش حتى صار مستشاراً للمشير جعفر نميري. تجاوز الترشيح اللواء المرضي، غير أنه تولى منصب وزارة الأشغال في أول حكومة شكلها عمر البشير، بعد انقلابه، وتوفي المرضى، بعد يومٍ واحد من قدومه من أمستردام في العاشر من مايو 1990. اشترط الإسلاميون للالتحاق بالكلية الحربية بعد نجاح انقلابهم الحصول على تزكية من التنظيم الإسلامي الطلابي، أو الشبابي، أو لجان الأحياء، ومثلت الدفعة (40) من طلاب الكلية الحربية رأس الرمح في الفتح الجديد باعتبار أنها أول دفعة التحقت بالكلية بعد استيلائهم على السلطة، وأطلقوا عليها اسم “الدفعة أربعين حماة الدين”؛ تأكيداً لغرس بذرةٍ جديدة. ثم تلت دفعة ” حماة الدين” بضعة دفوع أخرى من طلاب الكلية الحربية تحمل ذات الملامح والشبه، وسيماهم في وجوههم من إطلاق اللحى، والتخلي عن مظاهر الانضباط العسكري، وانكسار سلسلة تراتبية التعليمات والأوامر العسكرية، وتقديم الولاء للتنظيم قبل الولاء للوطن، وبالطبع يمكن استثناء نسبةٍ من الضباط الذين تسللوا إلى الجيش بعيداً عن الرافعة الإسلامية، لا سيما بعد اشتداد ضراوة القتال في جنوب السودان وشرقه، ففضل كثير من كوادر الإسلاميين الالتحاق بوزارة الخارجية بحثاً عن بهرجة العمل الدبلوماسي وأسفاره وعوائده، والصحف والإذاعة والتلفاز، والعمل في مجال شركات النفط؛ هرباً من مناطق الهلاك في الجنوب، وتفادياً لنيرانها المستعرة حينها، وبحثاً عن السلطة والجاه رغم أنف الهتافات الحماسية ” هي لله هي لله، لا للسلطة وللجاه”.
" من البشير إلى البرهان.. ماذا يريد الإسلاميون من الجيش السوداني؟
فائز السليك
قبل أن يرفع كثيرون حواجب الدهشة من كشف الوزيرة السابقة والقيادية الإسلامية سناء حمد، عن إجرائها لتحقيق مع بعض قادة اللجنة الأمنية لنظام الإنقاذ حول سيناريو سقوط المشير عمر البشير، علينا العودة إلى الوراء قليلاً وقراءة الأحداث السياسية والعسكرية منذ مصالحة الإسلاميين بقيادة الدكتور حسن عبد الله الترابي، مع الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري، في عام 1977؛ انتهاءً بسيناريو تقلد الفريق عبد الفتاح البرهان قيادة المجلس العسكري الانتقالي ثم رئاسة مجلس السيادة في عام 2019.
في هذا السياق لم استغرب شخصياً إجراء تحقيقات مع قيادات الجيش من قبل الحركة الإسلامية؛ سواءً كان من قادة مهمة التحقيق “سناء”، أم أمين حسن عمر. لقد سبق السيف العذل قبل سنوات، وكشف الترابي بنفسه، عبر حوار قناة الجزيرة الشهير معه عن مؤامرته الكبرى الرامية إلى تأسيس نظام عقائدي، وبدأ في نسج خيوط المؤامرة تلك في عام 1977، عندما قرر الدخول في مصالحة النميري، وكان علي عثمان محمد طه، نائب الترابي، قد شبه تلك المصالحة بأنها” ليلة قدر الإسلاميين”، راجع المحبوب عبد السلام، كتاب “الحركة الإسلامية دائرة الضوء. خيوط الظلام.”
أقرَّ الترابي بإيمانه الذي لا يتزعزع في مقولة “إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”، وانطلاقاً من هذه المقولة نصب التنظيم الإسلامي شباكه حول قواعد وثكنات الجيش، وخصص مكاتب خاصة، وفرغ جنوداً ومدنيون للمشاركة في اصطياد من يرونه مناسباً لتوجههم، ولم تنته المهمة بالاستقطاب، بل تشمل المهام عمليات لتصنيف الضباط على حسب ميولهم الفكرية والدينية، وأمزجتهم الشخصية، تمهيداً للتخلص من عشرات الآلاف من الضباط غير الإسلاميين في أكبر مجزرة شهدتها الخدمة العسكرية في تاريخ البلاد. لقد استخدم التنظيم كل الحيل الماكرة لتحقيق غايته، والغاية لدى قادته تبرر الوسيلة، فتسلل إلى الثكنات تحت غطاء حملات المساندة للقوات المسلحة في أثناء حرب الجنوب في عهد حكم الصادق المهدي، كان ظاهر تلك الحملات الدعم المادي والمعنوي، وباطنها إزالة الألغام والحواجز والموانع من الطريق للتحرك بسهولة، والتواصل المباشر مع خلايا التنظيم السرية وسط الجيش. وعندما حدد التنظيم الإسلامي ساعة الصفر لتحركه العسكري في عام 1989 اختار أربعة ضباط مرشحين لقيادة الانقلاب، وكان البشير رابعهم، ضمَّت قائمة المرشحين لقيادة الانقلاب كل من العميد طيار مختار محمدين، الذي أسقط الجيش الشعبي لتحرير السودان طائرته الحربية في عام 1988، فاحترقت فوق غابات جنوب السودان، واللواء مهندس محمد الهادي مأمون المرضي، الذي استبعد عن الترشيح؛ لأنه كان ضابطاً خارج الخدمة العسكرية، حيث يعتبره البعض من أوائل ركائز الحركة الإسلامية في الجيش، حيث كان من الدفعة رقم (12) في الكلية الحربية، التي تخرج منها سنة 1960، وتدرج الرجل في الجيش حتى صار مستشاراً للمشير جعفر نميري. تجاوز الترشيح اللواء المرضي، غير أنه تولى منصب وزارة الأشغال في أول حكومة شكلها عمر البشير، بعد انقلابه، وتوفي المرضى، بعد يومٍ واحد من قدومه من أمستردام في العاشر من مايو 1990. اشترط الإسلاميون للالتحاق بالكلية الحربية بعد نجاح انقلابهم الحصول على تزكية من التنظيم الإسلامي الطلابي، أو الشبابي، أو لجان الأحياء، ومثلت الدفعة (40) من طلاب الكلية الحربية رأس الرمح في الفتح الجديد باعتبار أنها أول دفعة التحقت بالكلية بعد استيلائهم على السلطة، وأطلقوا عليها اسم “الدفعة أربعين حماة الدين”؛ تأكيداً لغرس بذرةٍ جديدة. ثم تلت دفعة ” حماة الدين” بضعة دفوع أخرى من طلاب الكلية الحربية تحمل ذات الملامح والشبه، وسيماهم في وجوههم من إطلاق اللحى، والتخلي عن مظاهر الانضباط العسكري، وانكسار سلسلة تراتبية التعليمات والأوامر العسكرية، وتقديم الولاء للتنظيم قبل الولاء للوطن، وبالطبع يمكن استثناء نسبةٍ من الضباط الذين تسللوا إلى الجيش بعيداً عن الرافعة الإسلامية، لا سيما بعد اشتداد ضراوة القتال في جنوب السودان وشرقه، ففضل كثير من كوادر الإسلاميين الالتحاق بوزارة الخارجية بحثاً عن بهرجة العمل الدبلوماسي وأسفاره وعوائده، والصحف والإذاعة والتلفاز، والعمل في مجال شركات النفط؛ هرباً من مناطق الهلاك في الجنوب، وتفادياً لنيرانها المستعرة حينها، وبحثاً عن السلطة والجاه رغم أنف الهتافات الحماسية ” هي لله هي لله، لا للسلطة وللجاه”.