تكنولوجيا
كيف فعلوها؟.. صورة "اعتقال ترامب" والمستقبل الخطير للتزييف العميق
الحرة / ترجمات - واشنطن
27 مارس 2023
صورة اعتقال ترامب المزيفة أثارت جدلا بشأن ما بلغته قدرات الذكاء الاصطناعي
تعددت في الآونة الآخيرة البرامج التي تعتمد الذكاء الاصطناعي لإنتاج صور بناء على تعليمات نصية مكتوبة، كما تزايدت شعبيتها وتوسع استخدامها، مما أثار تساؤلات عدة بشأن التطور الذي قد يحدث مستقبلا في هذا المجال، لاسيما مع انتشار صور مزيفة أظهرت الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب "قيد الاعتقال"، الأسبوع الماضي.
ورغم الاستخدامات الواسعة لتلك البرامج، التي تتلقى طلبات متباينة، تبدأ من رسوم عادية على غرار "سانتا كلوز"، أو حتى غير منطقية مثل "كلب في الفضاء"، إلا أنها تستطيع في النهاية إنتاج صور تشبه لقطات احترافية، وبدرجة قريبة جدا من الواقعية.
بيد أن هذه التقنية استمرت تواجه مشكلات عدة، بينها على سبيل المثال، العجز عن إنتاج صور لأجزاء محددة بالجسم تنبض بالحياة، على غرار الأيدي، واقتصر إنتاجها، لفترة طويلة، على لقطات لأياد منتفخة، أو بمعصمين غير طبيعيين، أو حتى بأكثر من 5 أصابع، وهي علامات لطالما فضحت زيف هذه الصور، وكشفت أنه تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي.
وفي منتصف الشهر الجاري، أصدرت شركة "ميد جيرني"، وهي شركة شهيرة عاملة بهذا المجال، تحديثا مهما لبرنامجها، أكد مختصون عاملون في المجال إنه بات قادرا على إنتاج صور خالية من العيوب.
وتم استخدام التحديث الأخير الأسبوع الماضي، لإنتاج صور مزيفة لإلقاء القبض على ترامب، وقد بدت حقيقية إلى حد كبير، وانتشرت بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، مما أثار جدلا كبيرا بشأن "القوة التدميرية لهذه التكنولوجيا"، على حد وصف صحيفة "واشنطن بوست".
وأطلق هذا التحديث تساؤلات بشأن "خطر المحتوى" الذي يتم إنشاؤه من قبل الذكاء الاصطناعي المفرط الواقعية، الذي يصعِّب عملية اكتشاف الصور المزيفة.
وبعدما كان يتعين على الشخص العادي أن يمعن النظر بأصابع اليد مثلا في الصورة، أو لتأمل تفاصيلها بتركيز كبير، حتى يكتشف زيفها أو واقعيتها، فإن "التفاصيل الدقيقة التي بات الذكاء الاصطناعي قادرا على تضمينها في الصور، باتت تصعب ذلك الأمر تماما"، وذلك بحسب أستاذ الطب الشرعي الرقمي بجامعة كاليفورنيا، هاني فريد.
وعلى مدار العام الماضي، شهدت تقنيات تحويل النص إلى صورة ما يمكن اعتباره ثورة تقنية حقيقية، بالتزامن مع زيادة ملفتة في برامج "الذكاء الاصطناعي التوليدي"، الذي بات قادرا على التفاعل مع المستخدمين، وإنتاج محتوى مكتوب ومسموع ومرئي، سواء كان صورة أو حتى مقاطع فيديو.
ومن أشهر هذه البرامج "دال إي 2"، الذي ابتكرته شركة "أوبن آي"، وقد أحدث هزة كبيرة في عالم الإنترنت، حين تم إطلاقه في يوليو الماضي.
والمعروف أن هذه الشركة الناشئة ذاتها، أطلقت برنامج الدردشة القائم على الذكاء الاصطناعي "تشات جي بي تي" في نوفمبر الماضي، الذي حقق رواجا كبيرا وأطلق منافسة محتدمة بين شركات التكنولوجيا الراسخة، مثل مايكروسوفت، وألفابيت المالكة لغوغل.
وفي أغسطس الماضي، أصدرت "ستيبل ديفيوجن"، وهي شركة ناشئة أخرى، برنامجها لإنتاج الصور بواسطة الذكاء الاصطناعي، وقد نافس "دال إي 2"، بالنظر إلى أنه قلل من قيود الاستخدام.
وخلال الصيف الماضي أيضا، أطلقت "ميد جيرني" نسختها الخاصة التي جذبت الانتباه، بعدما فازت صورة من صنع برنامجها للذكاء الاصطناعي بمعرض ولاية كولورادو.
وبشكل عام، تعمل تقنية الذكاء الاصطناعي تلك عن طريق استيعاب مليارات الصور المأخوذة من الإنترنت، وإدراك الأنماط والاختلافات بينها، وتحديد الكلمات النصية المصاحبة لها.
وعلى سبيل المثال، يتعلم البرنامج أنه حين يكتب أحدهم كلمة "أرنب"، فإنه يتم ربطها بصورة الحيوان الأليف ذي الفرو، وينتجها على الفور.
وقد ظل مصطلح "يد" يثير مشكلة لبرامج الذكاء الاصطناعي، التي لم تستطع تنفيذها بشكل جيد، "لأن الأيدي تأتي بأشكال وأحجام وأشكال عدة، وغالبا ما تكون الصور في البيانات التي تدرب عليها البرنامج أكثر تركيزا على الوجوه، وإذا ما تم تصوير الأيدي، فغالبا ما تكون مطوية أو تشير لإيماءات محددة"، بحسب أستاذة الذكاء الاصطناعي والفنون بجامعة فلوريدا، أميليا بيرسكين لـ"واشنطن بوست".
لكن بيرسكين عادت فأكدت أن برنامج "ميد جيرني" عالج المشكلة جزئيا، وإن لم يصل الأمر بعد إلى الدرجة المثالية.
وتشير مصممة الغرافيك الألمانية، جولي ويلاند، التي تستخدم برنامج "ميد جيرني" في مجال الإعلانات المرئية، إلى أن التحديث الجديد يوفر لها وقتا طويلا كانت تقضيه في "إصلاح" الأيدي البشرية، خلال عملها.
تحذير
ويحذر أستاذ الطب الشرعي الرقمي، هاني فريد، من قدرة برامج مثل "ميد جيرني" على إنتاج صور يصعب على عقل الإنسان العادي اكتشاف زيفها، مما يفتح مجالات عدة لإساءة استخدامها، سياسيا على سبيل المثال، مثلما حدث مع صور اعتقال ترامب الأسبوع الماضي.ويقول: "رغم أنه لا تزال هناك أدلة على أن الصورة مزيفة، إذا أمعنا النظر مثلا في خلفية الصورة، فإنه من السهل إقناع البعض بأنها صورة حقيقية".
ويحث فريد، شركات الذكاء الاصطناعي، على دراسة "الأضرار" التي قد تسببها تقنياتها المتطورة، ويقترح حظر إنتاج صور بعينها، أو إضافة علامة مائية مميزة للصور غير الحقيقية، ومنع الحسابات المجهولة من استخدام برامج الذكاء الاصطناعي المتطورة.
لكن فريد يرى أنه من غير المرجح أن تأخذ شركات التقنية هذه المحاذير، أو التوصيات، بعين الاعتبار، بالنظر إلى السباق المحتدم بينها، وسعيها إلى تحقيق أكبر عوائد ممكنة.