الصوفي
(روى) أبو موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ هَكَذَا». وَعَقَدَ تِسْعِينَ. أي لم يكن فيها موضع. وكره قوم صوم الدهر.
وقد ورد في ذلك ما رواه أبو قتادة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف بمن صام الدهر؟ قال: «لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ». وأَوَّل قوم أن صوم الدهر هو ألَّا يفطر العيدين، وأيام التشريق. فهو الذي يُكْره. وإذا أفطر هذه الأيام فليس هو الصوم الذي كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنهم من كان يصوم يومًا ويفطر يومًا.
وقد ورد: «أَفْضَلُ الصَّيام صَوْمُ أَخِي دَاوُدَ —؛ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا». واستحسن ذلك قوم من الصالحين؛ ليكون بين حال الصبر وحال الشكر.
ومنهم من كان يصوم يومين ويفطر يومًا، أو يصوم يومًا ويفطر يومين، ومنهم من كان يصوم يوم الإثنين والخميس والجمعة.
(وقيل): كان سهل بن عبد الله يأكل في كل خمسة عشر يومًا مرة، وفي رمضان يأكل أكلة واحدة، وكان يُفْطِر بالماء القراح للسنة.
(وحكي) عن الجنيد أنه كان يصوم على الدوام، فإذا دخل عليه إخوانه أفطر معهم، ويقول: ليس فضل المساعدة مع الإخوان بأقل من فضل الصوم. غير أن هذا الإفطار يحتاج إلى علم، فقد يكون الداعي إلى ذلك شَرَهُ النفس لا نية الموافقة، وتخليص النية لمحض الموافقة مع وجود شره النفس صعب. وسمعت شيخنا يقول: لي سنين ما أكلت شيئًا بشهوة نفس ابتداءً واستدعاءً بل يقدم إلي الشيء فأراه من فضل الله ونعمته وفعله، فأوافق الحق في فعله.
(وذكر) أنه في ذات يوم اشتهى الطعام ولم يحضر، ومن عادته تقديم الطعام إليه قال: ففتحت باب البيت الذي فيه الطعام وأخذت رمانة لآكلها فدخلت السنور، وأخذت دجاجة كانت هناك فقلت: هذا عقوبة لي على تصرفي في أخذ الرمانة.
(ورأيت) الشيخ أبا السعود -رحمه الله- يتناول الطعام في اليوم مرات، أي وقت أحضر الطعام أكل منه، ويرى أن تناوله للطعام موافقة الحق ؛لأن حاله مع الله كان ترك الاختيار في مأكوله وملبوسه، وجميع تصاريفه، وكان حاله الوقوف مع فعل الحق، وقد كان له في ذلك بداية يعز مثلها حتى نقل أنه كان يبقى أيامًا لا يأكل ولا يعلم أحد بحاله ولا يتصرف هو لنفسه، ولا يتسبب إلى تناول شيء، وينتظر فعل الحق لسياقة الرزق إليه، ولم يشعر أحد بحاله مدة من الزمان ثم إن الله تعالى أظهر حاله، وأقام له الأصحاب والتلامذة، وكانوا يتكلفون الأطعمة ويأتون بها إليه، وهو يرى في ذلك فضل الحق والموافقة. سمعته يقول: أصبح كل يوم وأحب ما إلي الصوم، وينقض الحق على محبتي الصوم بفعله فأوافق الحق في فعله.
(وحكي) عن بعض الصادقين من أهل واسط أنه صام سنين كثيرة، وكان يفطر كل يوم قبل غروب الشمس إلا في رمضان.
(وقال) أبو نصر السراج: أنكر قوم هذا المخالفة، وإن كان الصوم تطوعًا واستحسنه آخرون؛ لأن صاحبه كان يريد بذلك تأديب النفس بالجوع، وألَّا يتمتع برؤية الصوم.
ووقع لي أن هذا إن قصد ألَّا يتمتع برؤية الصوم فقد تمتع برؤية عدم التمتع برؤية الصوم، وهذا يتسلل، والأليق بموافقة العلم إمضاء الصوم. قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: 33]. ولكن أهل الصدق لهم نيات فيما يفعلون، فلا يعارضون، والصدق محمود لِعَيْنِهِ كيف كان، والصادق في خفارة صدقه كيف تقلب.
وقال بعضهم: إذا رأيت الصوفي يصوم صوم التطوع فاتهمه؛ فإنه قد اجتمع معه شيء من الدنيا. وقيل: إذا كان جماعة متوافقين أشكالًا، وفيهم مريد يحثونه على الصيام فإن لم يساعدوه يهتموا لإفطاره، ويتكلفوا له رفقًا به، ولا يحملوا حاله على حالهم، وإن كانوا جماعة مع شيخ يصومون لصومه، ويفطرون لإفطاره، إلا من يأمره الشيخ بغير ذلك.
وقيل: إن بعضهم صام سنين بسبب شاب كان يصحبه حتى ينظر الشاب إليه فيتأدب به ويصوم بصيامه.
وحكي عن أبي الحسن المكي أنه كان يصوم الدهر، وكان مقيمًا بالبصرة، وكان لا يأكل الخبز إلا ليلة الجمعة، وكان قوته في كل شهر أربع دوانيق، يعمل بيده حِبَالَ الليف ويبيعها.
وكان الشيخ أبو الحسن بن سالم يقول: لا أسلم عليه إلا أن يفطر ويأكل، وكان ابن سالم اتهمه بشهوة خفية له في ذلك؛ لأنه كان مشهورا بين الناس. وقال بعضهم: ما أخلص لله عبد قط إلا أحب أن يكون في جب لا يعرف، ومن أكل فضلًا من الطعام أخرج فضلًا من الكلام، وقيل: أقام أبو الحسن التنيسي بالحرم مع أصحابه سبعة أيام لم يأكلوا، فخرج بعض أصحابه ليتطهر، فرأى قشر بطيخ فأخذه وأكله، فرآه إنسان فاتبع أثره، وجاء برفق فوضعه بين يدي القوم، فقال الشيخ: من جنى منكم هذه الجناية؟ فقال الرجل: أنا وجدت قشر بطيخ فأكلته. فقال: كن أنت مع جنايتك ورفقك. فقال: أنا تائب من جنايتي. فقال: لا كلام بعد التوبة.
وكانوا يستحبون صيام أيام البيض وهي: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.
روي أن آدم عليه السلام لما أهبط إلى الأرض اسود جسده من أثر المعصية، فلما تاب الله عليه أمره أن يصوم أيام البيض، فابيض ثلث جسده بكل يوم صامه حتى ابيض جميع جسده بصيام أيام البيض، ويستحبون صوم النصف الأول من شعبان وإفطار نصفه الأخير، وإن واصل بين شعبان ورمضان فلا بأس به، ولكن إن لم يكن صام فلا يستقبل رمضان بيوم أو يومين.
وكان يكره بعضهم أن يصام رجب جميعه كراهة المضاهاة برمضان، ويستحب صوم العشر من ذي الحجة، والعشر من المحرم، ويستحب الخميس والجمعة والسبت أن يصام من الأشهر الحرم.
وورد في الخبر: «مَنْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ شَهْرٍ حرام؛ الخميس والجمعة والسبت بَعُدَ من النار سبعمئة عام».
(الباب الأربعون في اختلاف أحوال الصوفية بالصوم والإفطار)
جمع من المشايخ الصوفية كانوا يديمون الصوم في السفر والحضر على الدوام حتى لحقوا بالله تعالى. وكان أبو عبد الله بن جابار قد صام نيفًا وخمسين سنة، لا يفطر في السفر والحضر، فجهد به أصحابه يوما فأفطر فاعتل من ذلك أيامًا، فإذا رأى المريد صلاح قلبه في دوام الصوم فليصم دائمًا، ويدع للإفطار جانبًا، فهو عون حسن له على ما يريد.(روى) أبو موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ هَكَذَا». وَعَقَدَ تِسْعِينَ. أي لم يكن فيها موضع. وكره قوم صوم الدهر.
وقد ورد في ذلك ما رواه أبو قتادة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف بمن صام الدهر؟ قال: «لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ». وأَوَّل قوم أن صوم الدهر هو ألَّا يفطر العيدين، وأيام التشريق. فهو الذي يُكْره. وإذا أفطر هذه الأيام فليس هو الصوم الذي كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنهم من كان يصوم يومًا ويفطر يومًا.
وقد ورد: «أَفْضَلُ الصَّيام صَوْمُ أَخِي دَاوُدَ —؛ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا». واستحسن ذلك قوم من الصالحين؛ ليكون بين حال الصبر وحال الشكر.
ومنهم من كان يصوم يومين ويفطر يومًا، أو يصوم يومًا ويفطر يومين، ومنهم من كان يصوم يوم الإثنين والخميس والجمعة.
(وقيل): كان سهل بن عبد الله يأكل في كل خمسة عشر يومًا مرة، وفي رمضان يأكل أكلة واحدة، وكان يُفْطِر بالماء القراح للسنة.
(وحكي) عن الجنيد أنه كان يصوم على الدوام، فإذا دخل عليه إخوانه أفطر معهم، ويقول: ليس فضل المساعدة مع الإخوان بأقل من فضل الصوم. غير أن هذا الإفطار يحتاج إلى علم، فقد يكون الداعي إلى ذلك شَرَهُ النفس لا نية الموافقة، وتخليص النية لمحض الموافقة مع وجود شره النفس صعب. وسمعت شيخنا يقول: لي سنين ما أكلت شيئًا بشهوة نفس ابتداءً واستدعاءً بل يقدم إلي الشيء فأراه من فضل الله ونعمته وفعله، فأوافق الحق في فعله.
(وذكر) أنه في ذات يوم اشتهى الطعام ولم يحضر، ومن عادته تقديم الطعام إليه قال: ففتحت باب البيت الذي فيه الطعام وأخذت رمانة لآكلها فدخلت السنور، وأخذت دجاجة كانت هناك فقلت: هذا عقوبة لي على تصرفي في أخذ الرمانة.
(ورأيت) الشيخ أبا السعود -رحمه الله- يتناول الطعام في اليوم مرات، أي وقت أحضر الطعام أكل منه، ويرى أن تناوله للطعام موافقة الحق ؛لأن حاله مع الله كان ترك الاختيار في مأكوله وملبوسه، وجميع تصاريفه، وكان حاله الوقوف مع فعل الحق، وقد كان له في ذلك بداية يعز مثلها حتى نقل أنه كان يبقى أيامًا لا يأكل ولا يعلم أحد بحاله ولا يتصرف هو لنفسه، ولا يتسبب إلى تناول شيء، وينتظر فعل الحق لسياقة الرزق إليه، ولم يشعر أحد بحاله مدة من الزمان ثم إن الله تعالى أظهر حاله، وأقام له الأصحاب والتلامذة، وكانوا يتكلفون الأطعمة ويأتون بها إليه، وهو يرى في ذلك فضل الحق والموافقة. سمعته يقول: أصبح كل يوم وأحب ما إلي الصوم، وينقض الحق على محبتي الصوم بفعله فأوافق الحق في فعله.
(وحكي) عن بعض الصادقين من أهل واسط أنه صام سنين كثيرة، وكان يفطر كل يوم قبل غروب الشمس إلا في رمضان.
(وقال) أبو نصر السراج: أنكر قوم هذا المخالفة، وإن كان الصوم تطوعًا واستحسنه آخرون؛ لأن صاحبه كان يريد بذلك تأديب النفس بالجوع، وألَّا يتمتع برؤية الصوم.
ووقع لي أن هذا إن قصد ألَّا يتمتع برؤية الصوم فقد تمتع برؤية عدم التمتع برؤية الصوم، وهذا يتسلل، والأليق بموافقة العلم إمضاء الصوم. قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: 33]. ولكن أهل الصدق لهم نيات فيما يفعلون، فلا يعارضون، والصدق محمود لِعَيْنِهِ كيف كان، والصادق في خفارة صدقه كيف تقلب.
وقال بعضهم: إذا رأيت الصوفي يصوم صوم التطوع فاتهمه؛ فإنه قد اجتمع معه شيء من الدنيا. وقيل: إذا كان جماعة متوافقين أشكالًا، وفيهم مريد يحثونه على الصيام فإن لم يساعدوه يهتموا لإفطاره، ويتكلفوا له رفقًا به، ولا يحملوا حاله على حالهم، وإن كانوا جماعة مع شيخ يصومون لصومه، ويفطرون لإفطاره، إلا من يأمره الشيخ بغير ذلك.
وقيل: إن بعضهم صام سنين بسبب شاب كان يصحبه حتى ينظر الشاب إليه فيتأدب به ويصوم بصيامه.
وحكي عن أبي الحسن المكي أنه كان يصوم الدهر، وكان مقيمًا بالبصرة، وكان لا يأكل الخبز إلا ليلة الجمعة، وكان قوته في كل شهر أربع دوانيق، يعمل بيده حِبَالَ الليف ويبيعها.
وكان الشيخ أبو الحسن بن سالم يقول: لا أسلم عليه إلا أن يفطر ويأكل، وكان ابن سالم اتهمه بشهوة خفية له في ذلك؛ لأنه كان مشهورا بين الناس. وقال بعضهم: ما أخلص لله عبد قط إلا أحب أن يكون في جب لا يعرف، ومن أكل فضلًا من الطعام أخرج فضلًا من الكلام، وقيل: أقام أبو الحسن التنيسي بالحرم مع أصحابه سبعة أيام لم يأكلوا، فخرج بعض أصحابه ليتطهر، فرأى قشر بطيخ فأخذه وأكله، فرآه إنسان فاتبع أثره، وجاء برفق فوضعه بين يدي القوم، فقال الشيخ: من جنى منكم هذه الجناية؟ فقال الرجل: أنا وجدت قشر بطيخ فأكلته. فقال: كن أنت مع جنايتك ورفقك. فقال: أنا تائب من جنايتي. فقال: لا كلام بعد التوبة.
وكانوا يستحبون صيام أيام البيض وهي: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.
روي أن آدم عليه السلام لما أهبط إلى الأرض اسود جسده من أثر المعصية، فلما تاب الله عليه أمره أن يصوم أيام البيض، فابيض ثلث جسده بكل يوم صامه حتى ابيض جميع جسده بصيام أيام البيض، ويستحبون صوم النصف الأول من شعبان وإفطار نصفه الأخير، وإن واصل بين شعبان ورمضان فلا بأس به، ولكن إن لم يكن صام فلا يستقبل رمضان بيوم أو يومين.
وكان يكره بعضهم أن يصام رجب جميعه كراهة المضاهاة برمضان، ويستحب صوم العشر من ذي الحجة، والعشر من المحرم، ويستحب الخميس والجمعة والسبت أن يصام من الأشهر الحرم.
وورد في الخبر: «مَنْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ شَهْرٍ حرام؛ الخميس والجمعة والسبت بَعُدَ من النار سبعمئة عام».