منح الدول حق الخروج كان خطأ كبيراً.. هل يسعى بوتين لإعادة الاتحاد السوفيتي إلى العالم ؟
أوكرانيا جزء لا يتجزأ من تاريخنا.. "لينين" هو الذي خلق دولة أوكرانيا التي نراها حاليا.. "ستالين" هو الذي حرر أوكرانيا ومنحها بعض الأراضي لتشكيل دولتها .. بهذه العبارات يتحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن إحياء أوكرانيا التي عرفها ضابطاً في جهاز استخبارات (KGB) إبان العصر السوفيتي، وليس من منطلق رئيس لدولة جارة كانت في يوم ما ضمن ما يسمى بالاتحاد السوفيتي ..
فهل يسعى بوتين لإعادة عصر الاتحاد السوفيتي ؟
سؤال راود الكثيرون من الملتفين حول الشاشات بالملايين في أنحاء العالم يستمعون إلى قيصر روسيا ويقرأون ما بين السطور من رائحة الحرب العالمية الثالثة إزاء الصراع بين موسكو والغرب .
لكن قيصر روسيا كان أكثر واضحاً من مخيالات البعض، حين قال إن انهيار الاتحاد السوفيتي سببه الضعف الذي كان يعتري قيادة الحزب الشيوعي، ومنح دول الاتحاد السوفيتي حق الخروج من الاتحاد كان خطأ كبيراً.
ولم يغب عن الكثيرين يوماً ما أن ضابط الـ KGB السابق مازال يترحم على القوة الثانية في العالم والإمبراطورية الشرقية (الاتحاد السوفيتي) فهو صاحب مقولات:
- "من لا يراوده الأسى لغياب الدولة السوفيتية.. إنسانٌ بلا قلب، ومن يعاوده التفكير في إمكانية إعادة مثل هذه الدولة.. إنسانٌ بلا عقل" ..
- "كانت هناك مأساة بالنسبة للغالبية العظمى من مواطني البلاد. ما الذي يعنيه انهيار الاتحاد السوفييتي؟ إنه انهيار روسيا التاريخية تحت اسم الاتحاد السوفييتي"...
- "أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين".
ولا يمكن أن تصدر هذه العبارات إلا عن مسؤول أفنى حياته في خدمة هذا الكيان السوفيتي كما تقول وسائل إعلام روسية .
ووصف بوتين في – فيلم وثائقي بحسب وكالة نوفوستي - كيف تأثر شخصيا بالأوقات الاقتصادية الصعبة التي أعقبت الانهيار، عندما عانت روسيا من التضخم، كاشفا أنه عمل أحيانا سائق تاكسي لتعزيز دخله.
وقال: "كان يتوجب علي أحيانا كسب مال إضافي. أعني كسب مال إضافي بواسطة السيارة، بالعمل سائقا خاصا. وصدقا، الحديث عن هذا الأمر لا يسر، لكن لسوء الحظ كان هذا هو الحال".
تأسس الاتحاد السوفيتي (1917-1991) بثورة اشتراكية في روسيا القيصرية، توسعت بضم 15 جمهورية فصارت أكبر دولة في القرن العشرين.
وقاد الاتحاد السوفيتي القطب الثاني في تقاسم الهيمنة الدولية مع الولايات المتحدة ما بين 1945-1991، ولكن في 25 ديسمبر 1991، أعلن ميخائيل جورباتشوف رئيس الاتحاد السوفييتي استقالته، وكان ذلك إيذاناً بتفكُّك هذا الاتحاد، وانتهى وجود الاتحاد السوفيتي رسميا كدولة في 26 ديسمبر عام 1991.
ونتيجة لذلك تقلصت مساحة روسيا (الدولة الوريثة للاتحاد السوفيتي) بنسبة 24 بالمائة (من 22,4 إلى 17 مليون كيلومتر مربع)، وانخفض عدد السكان بنسبة 49 بالمائة (من 290 إلى 148 مليون نسمة).
وبدأ تاريخ روسيا الحديث من يوم 12 يونيو عام 1991، حيث أعلنت روسيا في هذا اليوم استقلالها على غرار ما أعلنته الجمهوريات السوفيتية الأخرى.
انتخب بوريس يلتسين كأول رئيس لروسيا، حيث بقي في هذا المنصب لغاية تنازله عنه في شهر ديسمبر عام 1999، وبعد تنازل يلتسين، أصبح فلاديمير بوتين يمارس مهام رئيس الدولة مؤقتا إلى أن انتخب في شهر مارس 2000 رئيسا لروسيا رسمياً.
ولم يخفي بوتين حلمه بإحياء مجد الاتحاد السوفيتي السابق في نظر مؤيديه، بينما هو في نظر معارضيه مجرد زعيم يقود روسيا مستغلا الثروة النفطية لتحقيق إنجازات يرون معظمها مجرد دعاية سوفيتية قديمة، لكن الأرقام لا تكذب وحقق بوتين أهدافا حقيقية.
على الساحة الدولية، عمل بوتين الذي وصف تفكك الاتحاد السوفيتي بأنه "أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين"، على ترميم هيبة روسيا في العالم بعدما تدهورت مع سقوط الاتحاد السوفيتي وسنوات الفوضى في عهد يلتسين، بحسب وكالة "فرانس 24".
ولدى الرئيس الروسي حساسية حيال طموحات الغرب العسكرية في دول الاتحاد السوفييتي السابقة، وقد طالبت موسكو هذا الأسبوع حلف شمال الأطلسي بإلغاء رسمي لقراره فتح باب الانضمام أمام جورجيا وأوكرانيا.
ويقول خبراء إن بوتين لم يقبل أبدا بتفكك الاتحاد السوفيتي، كما أن أوكرانيا تحتل مكانة خاصة في تاريخ روسيا.
وفي مقال نشر في يوليو الماضي، وصف أوكرانيا بأنها معقل تاريخي للشعب السلافي وحذر الغرب من محاولة قلبها ضد روسيا.
وكتب في المقال: "لن نسمح أبدا باستخدام أراضينا التاريخية والأشخاص القريبين منا الذين يعيشون فيها ضد روسيا.. وللذين سيشرعون في محاولة مماثلة، أقول لهم إنهم بهذه الطريقة سيدمرون بلادهم".
المؤشرات تقول إن الرئيس الحالي وضابط الاستخبارات السابق لن يدع الناتو قريباً من حدود بلاده .. لكن هل يفتح له هذا الباب لحلمه الذي لم يفارقه وهو إعادة الاتحاد السوفيتي إلى الحياة .