محاولات مستمرة للتحكم بالمناخ.. ماذا لو نجحت ؟
قدم العالم وود مجموعة من الأفكار لضبط مناخ الأرض، منها إقامة «بحر قطبي جليدي» يكون بمنزلة «مكيف هواء» لكوكب الأرض، يمتّص سخونتها باستخدام مدافع ثقيلة تطلق ملايين الأطنان من «كبريتات الهباء الجوي» ذات العاكسية العالية، أو جزيئات بالغة الدقة مصممة خصيصاً لتعكس أشعة الشمس، وبما أن إطلاق هذه الكمية الكبيرة المواد العاكسة يتطلب رمايات متواصلة بالمدفعية تصل حدّ إعلان حرب على الغلاف الجوي، كان لا بد من خيارات بديلة، أحدها يعتمد عمن «كبريتات الهباء الجوي» ذات العاكسية العالية، أو جزيئات بالغة الدقة مصممة خصيصاً لتعكس أشعة الشمس، وبما أن إطلاق هذه الكمية الكبيرة المواد العاكسة يتطلب رمايات متواصلة بالمدفعية تصل حدّ إعلان حرب على الغلاف الجوي، كان لا بد من خيارات بديلة، أحدها يعتمد على أسطول من الطائرات العملاقة «بي 747» التي تطلق الجزيئات العاكسة خلال طيرانها المستمر على طول الدائرة القطبية، أو أنفي مكان مرتفع عن سطح الأرض لضخ الجزيئات العاكسة في الغلاف الجوي.
وثمة خيارات أخرى طرحها العلماء في المؤتمر، منها ما اقترحه عالم الفضاء روجر أنجل، ومفاده وضع عدد كبير من المرايا في مدار فضائي لتحويل مسار الإشعاع الشمسي المنبعث إلى الأرض، أما العالمان جون لاثام وستيف سالتر فقد حاولا إثبات فكرتهما بإنشاء سحب بحرية أكثر كثافة وعاكسية عن طريق تحريك مياه المحيط بقوة كبيرة تنتجها مضخات وخلاطات عملاقة ينتج عنها زبد ورغوة، بدوره اقترح عالم الفضاء جورجي بينفورد خطة تقضي بحقن غبار حجري يشبه مسحوق الطباشير في الغلاف الجوي للقطب الشمالي، لكن بينفورد لم يتطرق إلى العواقب المتوقعة لخطته .
وفي المقابل برزت آراء مغايرة حذرت من التلاعب بمنظومة المناخ، فإذا أمكن تطبيق خطة العالم وود لجعل غطاء القطب الشمالي الجليدي أكثر سماكة، لنجم عن ذلك شتاءات أشد قساوة في ألاسكا وسيبيريا وغرينلاند وأماكن أخرى قريبة، كما يمكن أن يولد ذلك عواصف عاتية في الغلاف الجوي، كذلك أثارت الخطة سؤالاً جدياً عمن سيتحكم في القطب الجليدي ويتّخذ تالياً قرارات مصيرية تتعلق بالمليارات من سكان الأرض.
أسلحة مضادة للأحوال الجوية
منذ عقود عدّة مضت، فكّر قادة عسكريون في الولايات المتحدة ودول كبرى أخرى ملياً في إمكان التحكم في الأحوال الجوية باستخدام الأسلحة، وكان لويل وود نفسه يؤكد صوابية هذه الفكرة، إذ يرى أن ثمة تداخلاً حقيقياً بين المصالح العسكرية والمدنية، خصوصاً أنه كان يعمل تحت إشراف إدوارد تيلر عالم الأسلحة الذي ارتبط اسمه بتطوير القنبلة الهيدروجينية ومهندس منظومة الرئيس رونالد ريغان للدفاع الصاروخي المسماة «حرب النجوم»، والتي عمل وود فيها أيضاً، وكان تيلر معروفاً بدعوته لإيجاد حلول عسكرية ومدنية مثيرة للجدل للقضايا المعقدة، منها برنامج «الاستخدامات السلمية للأسلحة النووية «، وكانت خطته لإنشاء ميناء اصطناعي في ألاسكا باستخدام متفجرات حرارية نووية على وشك الحصول على دعم حكومي، وقبل وفاته في العام 2003 كان تيلر يسوّق لبرنامج سيطرة على المناخ شبيه بما يدعو إليه وود اليوم.
هندسة المناخ
تناقش هندسة المناخ اليوم على نطاق واسع في المجتمع العلمي، وتؤخذ دراساتها على محمل الجد، خصوصاً من قبل الحكومة الأمريكية التي اقترحت أخيراً إضافة هذه «الاستراتيجيا المهمة» إلى تقرير التغيّر المناخي الصادر عن اللجنة الحكومية المشتركة المدعومة من الأمم المتحدة، وفي مقدمة المنادين بهندسة المناخ بول جي كروتزن كيميائي الأحوال الجوية الحائزعلى جائزة نوبل والذي اقترح خطة مماثلة لخطة وود، كذلك أُعدّت دراسات شاملة عن تعديل المناخ والأحوال الجوية أجرتها وزارة الدفاع الأمريكية ومؤسسات حكومية أخرى.
وهندسة المناخ ليست ابتكاراً حديثاً، فهناك سوابق تاريخية من محاولات السيطرة على الحالة الجوية والمناخ، منها مقترحات قدمها في القرن التاسع عشر أول راصد جوي تعينه الحكومة الأمريكية لديها، كما قدم اقتراحات مماثلة وقتئذٍ عدد من «البيئيين»، بهدف استحداث مطر اصطناعي للحد من الجفاف الذي كان يسود منطقة الغرب الأمريكي .
كذلك يسجّل التاريخ سابقة أخرى في العام 1946، تمثّلت وقتها باكتشافات واعدة في مجال «تلقيح السحب»، التي تحولت بشكل سريع إلى إدعاءات مضخمة ومحاولات من قبل بعضهم لعسكرة هذه التقنية واستخدامها في أدغال فيتنام.
مبتكر الأمطار الاصطناعية
يعـــــــدّ جيمـــــــس بــــــــــــــولارد إسبـــــــي «1785 – 1860» أول عالم أرصاد جوية متفرغ تعيّنه حكومة الولايات المتحدة، وقد أجرى عدداً من الأبحاث المناخية من خلال «الجمعية الفلسفية الأمريكية» و«مؤسسة فرانكلين»، كما حصل على دعم برلمان بنسلفانيا لتزويد المراقبين الجويين في كل مقاطعات الولاية بمعدات قياس الضغط الجوي ومعدات قياسية أخرى من أجل تقديم صورة موسعة وشاملة للحالة الجوية، وخصوصاً خطوط مرور العواصف.
صوّر إسبي الغلاف الجوي مثل محرك توليد حرارة ضخم، وطبقاً لنظريته الحرارية للعواصف، فإن الاضطرابات الجوية، بما فيها العواصف الرعدية والأعاصير والعواصف الشتوية، تنشأ جميعاً بفعل «قوة بخارية» تتشكل عن طريق تسخين عمود من الهواء بواسطة حرارة الشمس، ثم يصعد العمود الساخن، سامحاً للهواء المحيط به بالاندفاع إليه، وما إن يصعد الهواء المسخّن إلى أعلى حتى يبرد ويتكثف محتواه، فيطلق حرارته الكامنة، مشكّلاً البخار الذي ينتج المطر والبرد والثلج، وهذه النظرية الحرارية ما زالت مقبولة حتى اليوم، وبفعل اكتشافه هذا، برز اسم إسبي في تاريخ العلوم المناخية، لكن مكانته تأثرت سلباً بسبب حماسته المفرطة لمسألة المطر الاصطناعي، فقد اقترح ذات مرة قطع وحرق مساحات كبيرة من الغابات من أجل إطلاق أعمدة هائلة من الهواء المسخّن، معتقداً أن ذلك سيشكّل سحباً ويدفع إلى تكثيف البخار، إلا أن تقييماً علمياً معاصراً وصف خطته تلك بأنها «خدعة عظيمة»، ثم صار إسبي يعرف باسم «ملك العواصف».
وفي إطار بحثه عن مجال أوسع لدراسته عن العواصف وعن وسائط المطر الاصطناعي، انتقل إسبي العام 1842 إلى واشنطن، حيث لاقى دعماً مادياً من قبل البحرية الأمريكية، ووظّفه الجيش راصداً عاماً، ووفّرت له هذه الوظيفة حرية الوصول إلى سجلات أرصاد الجيش في أنحاء الولايات المتحدة، كما تعاون مع جوزيف هنري من مؤسسة “سمثسونيان” لتأليف شبكة من المراقبين الجويين المتطوعين تعمل بشكل مستمر.
قصف السحب
في العام 1871 نادى جنرال الحرب الأهلية المتقاعد جون بورز بنظرية أطلق عليها اسم “قصف السحب” في كتابه “الحرب وحالة الجو” الذي تحدث فيه عن إنتاج المطر الاصطناعي، وبعد انقضاء عقدين، تزامن نشر الطبعة الثانية من الكتاب مع حدوث جفاف شديد طال أمده في المناطق الغربية من أمريكا، ما دفع الكونغرس إلى تخصيص 10 آلاف دولار لإجراء سلسلة دراسات ميدانية، واختار وزير الزراعة آنذاك روبرت درينفورث محققاً رئيساً للمشروع، وكان أيضاً رئيساً لمكتب الأرصاد، وهو محام لا يملك خلفية علمية أو عسكرية.
وصل درينفورث إلى تكساس خلال موسم جفاف عظيم، وأحضر معه ترسانة من المتفجرات تشمل مدافع وقنابل وبالونات هيدروجين يمكن تتبعها على ارتفاعات مختلفة، واستمر يقوم بما وصفه أحد المراقبين بأنه “تقليد رائع للمعركة”، وبعد عدة أشهر من “الهجمات” على السماء هطلت الأمطار بالفعل، وادعى درينفورث تحقيق نصر، مستنتجاً أن خبرته العملية، مقرونة باستخدام متفجرات خاصة تبقي الجو في حال اضطراب، يمكن أن تعزز مرحلة ما قبل التكثيف عندما تكون الظروف مواتية، لكنه حذر من أن قصف السماء في الجو الجاف سيكون غير مثمر، لأن هذه التقنية ستحفز السحب وتزيد التكثيف، لكنها لن تبعث المطر.
تعديل مناخي للاستخدام العسكري
في 14 نوفمبر 1946 استأجر فنسنت شافر، أحد فنيي مختبر “جنرال إلكتريك” طائرة وألقى منها ستة أرطال من الكرات الثلجية الجافة في جوف سحابة باردة فوق “جبل غريلوك”، ما أدى إلى تكوّن بلورات ثلجية وأثر متصل للثلج على امتداد ثلاثة أميال، وكتب شافر في دفتر ملاحظاته: “بدا وكأن الغيمة كادت تنفجر، وكان التأثير واسع الانتشار والسرعة”، وشاهد تجربة شافر من برج مراقبة في المطار الكيميائي الحائزعلى جائزة نوبل أفرنغ لانغموير، الذي سارع إلى الاتصال بوسائل الإعلام قبل أن يحط شافر بطائرته .
وفسر لانغموير لوسائل الإعلام وعلماء الأرصاد رؤيته للسيطرة على الأجواء، التي تشمل التقليل من الأعاصير وتحويل أرض جنوب غرب أمريكا من حالتها المجدبة الجافة إلى أرض قابلة للزراعة، وأول أوراقه عن هذا الموضوع جاء فيها تعبيرات عسكرية مألوفة، إذ فسّر كيف يمكن لتجمع نوىً (nucleating) في منتهى الصغر، مثل الثلج الجاف أو “اليوديد الفضي” أو حتى الماء، أن يسبب تفاعلاً متعاقباً في ركام من السحب يمكن أن يطلق طاقة تماثل طاقة قنبلة نووية، لكن من دون انبعاث إشعاعات، بدورها تبلغت وزارة الدفاع تقريراً يشرح التجربة، الأمر لاقى اهتماماً مكثفاً في السنوات التالية، في سياق العمل على إمكان تعديل حالة الجو لخدمة الاستخدامات العسكرية.
استخدام الظروف الجوية كسلاح في الحرب
في العام 1954 نشرت مجلة Collier’s عدداً من السيناريوهات لاستخدام الظروف الجوية كسلاح في الحرب، مثل أن ترمي الطائرات مئات البالونات المحتوية على “بلورات تخصيب السحب” في مجرى الهواء الجوي، وعندما تنفجر الفتائل في البالونات تسقط البلورات في جوف السحب مسببة أمطاراً وبالتالي إرباكاً لعمليات العدو، حينذاك كانت قوة سلاح المدفعية في الجيش تبحث في تقنية أخرى تقوم على تعبئة “اليوديد الفضي” وثاني أكسيد الكربون في ذخيرة خطّاطة flares من عيار 50 مم يطلقها الطيارون على السحب، أما التقنية الأكثر إثارة فهي ضرب خطوط إمدادات العدو عن طريق تخصيب السحب ومنعها من الرطوبة قبل وصولها إلى مناطق العدو الزراعية، إن مثل هذه الأفكار المفرطة في التفاؤل، والتي تولت الترويج لها آنذاك مصادر رسمية، مرتبطة في شكل ما بالخشية من الاتحاد السوفياتي الذي كان يسعى جاهداً إلى السيطرة على الأنواء، وهذا ما نشرته في حينه مجلة “نيوزويك” الأمريكية تحت عنوان “سباق الأنواء مع الاتحاد السوفياتي”، الأمر الذي ساعد على تغذية التوسع السريع في أبحاث الأرصاد الجوية، ومنها إنشاء مركز وطني لأبحاث الأحوال الجوية في العام 1960.
حرب الأنواء
أخذت حرب التحكّم بالأحوال الجوية منعطفاً بالغ التعقيد ما بين العامين 1967 و 1972، وتجلّى ذلك بوضوح فوق أدغال شمال وجنوب فيتنام ولاوس وكمبوديا، إذ استخدم الجيش الأمريكي تقنية مطوّرة لتخصيب السحب بواسطة طلقات خطاطة معبأة بـ”يوديد الفضة”، وبدعم غير محدود من الرئيسين ليندون جونسون وريتشارد نيكسون، نُفّذت أكثر من 2600 طلعة تخصيب جوية، أطلق فيها أكثر من 47 ألفا من إطلاقات يوديد الفضة خلال حوالي خمس سنوات وبتكلفة سنوية بلغت 6.3مليون دولار، وكان لتلك العملية السرية أكثر من اسم، أشهرها “العين الشاخصة” التي تم الإعلان عنها في نهاية عهد نيكسون، ووصفت في حينها بـ«ووترغيت حرب الأنواء».
ودافع البعض عن استخدام الأسلحة البيئية، باعتبارها “أكثر إنسانية” من الأسلحة النووية، ورأى آخرون أن استمطار السحب لإرباك حركة المواصلات أفضل من استخدام قنابل “النابالم”، وفي تقرير قدم إلى مجلس الشيوخ العام 1974 قلل مسؤولون عسكريون من تأثيرات عملية “العين الشاخصة”، معتبرين أن كل ما يمكن تحقيقه هو زيادة في معدلات المطر بنسبة 10%، وحتى هذه النتيجة لا يمكن التحقق منها.
وفيما كانت الولايات المتحدة مشغولة بأزمة “ووترغيت”، طرح الاتحاد السوفياتي في الأمم المتحدة قضية تعديل حالة الجو كسلاح في الحروب، ما سبب حرجاً بالغاً لإدارة الرئيس جيرالد فورد، وبعد مداولات مطولة أبرمت معاهدة دولية تحرم الاستخدام العسكري لتقنيات تعديل البيئة (ENMOD)، ووقعت على المعاهدة 70 دولة منها الولايات المتحدة.
قوات تدخل سريع للسيطرة على الأعاصير
بالتزامن مع ظهور الكمبيوتر، نشأ أسلوب تنبؤ جوي متكامل، قاد إلى عمليات السيطرة على الجو والمناخ، وسبق ذلك بكثير تجارب أجرتها شركة “جنرال إلكتريك” لتخصيب السحب في العام 1945، حيث أطلق فلاديمير زوركن، وهو مهندس مرموق عرف بإسهاماته الأولى في تقنية التلفزيون، فكرة الكمبيوتر الإلكتروني الذي يستخدم لإجراء عمليات وتحليل كم هائل من معلومات الأرصاد الجوية، وتقديم تنبؤات عالية الدقة في الأوقات المحددة ودراسة حساسية النظم الجوية للتغيرات في الظروف السطحية ومعطيات الطاقة، والتدخل تالياً للسيطرة على المناخ، افترض زوركن أن عمليات تنبؤ جوي آلي قد توفر يوماً ما إمكان تعطيل العواصف قبل تشكلها وتحويل مسارها عن المناطق المكتظة؛ أي أنها يمكنها السيطرة على الجو، إذا ما اقترنت بقوات تدخل سريع يمكنها أن تصب الزيوت فوق محيطات هائجة أو تشعل حرائق أو تفجّر قنابل.
سباق تسلح جيوفيزيائي
آراء زوركن هذه أيدها عالم الرياضيات جون فون نيومان، إذ رأى أنه باستخدام التنبؤات الإلكترونية يمكن السيطرة على منظومات الجو والمناخ، أو تغيير مسارها على الأقل عن طريق إطلاق مقادير محددة من الطاقة، أو بواسطة تغيير خصائص الامتصاص والانعكاس للبحر أو اليابسة أو الغلاف الجوي.
وفي العام 1962 أطلع رئيس قسم أبحاث الحالة الجوية في إدارة الأرصاد الجوية الأمريكية هاري ويكسلر خبراء حضروا مؤتمراً بحث في “إمكان التحكم في الأنواء” على تحليلاته لنماذج حاسوبية مبكرة عن المناخ، والإمكانات الإضافية التي أتاحها عصر الفضاء، وأشار ويكسلر إلى أن البشر يقومون بتعديل الجو والمناخ عن طريق تغيير تركيبة الغلاف الجوي للأرض، موضحاً أنه بات في إمكان الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي أن يغيرا مناخ الأرض بطرق عدة، حيث تستطيع أي من الدولتين أن تبرد حرارة الجو درجات عدة باستخدام “حزام غباري” يطلق في مدار جوي معين، أو أن تسخّن الجو باستخدام بلورات جليدية تطلق إلى أعلى الغلاف الجوي للقطب الشمالي عن طريق تفجير قنبلة هيدروجينية.
وفي الوقت الذي يعتقد فيه معظم خبراء الغلاف الجوي اليوم بأن اكتشاف التفاعلات التي تعمل على تدمير طبقة الأوزون تعود إلى بداية االسبعينيات من القرن الماضي، يتّضح أن ويكسلر رسم منذ العام 1962 سيناريو لطريقة تدمير الأوزون، إذ أكد أن “التحكم في الجو والمناخ صار الآن من الموضوعات ذات الشأن التي يمكن الحديث عنها”، ومن الواضح أن ويكسلر كان يأمل في التقليل من احتمالات حدوث سباق تسلح جيوفيزيائي .
المناخ والأمن القومي
فسّر تقرير أعدته وزارة الدفاع الأمريكية بعنوان “سيناريو التغير المناخي الحاد وعلاقته بالأمن القومي للولايات المتحدة”، كيف يمكن أن يقود “التسخين الكوني” إلى “تبريد كوني” كارثي حاد، عبر آليات معينة مثل إبطاء دورة المياه العميقة في المحيط المتجمد الشمالي،واقترح التقرير على الحكومة الأمريكية البحث عن خيارات هندسية آمنة للسيطرة على المناخ، موضحاً أن تسخين المناخ أسهل من تبريده، وأن هناك إمكانية لإضافة بعض الغازات مثل “هيدروفلوريد الكربون” إلى الغلاف الجوي لموازنة تأثيرات التبريد.
وفي العام 2003 أصدر المركز الوطني الأمريكي للأبحاث دراسة بعنوان “قضايا حرجة تتعلق بأبحاث تعديل الأجواء”، واستشهد بتحديات بيئية واجتماعية ملحّة مثل الجفاف وشح المياه والخسائر البشرية والمادية التي تنجم عن الأعاصير، وعلى الرغم من أن الدراسة أقرت بأنه “لا يوجد دليل علمي مقنع على فاعلية الجهود المبذولة للتعديل القصدي للأجواء”، إلا أنها أكدت ضرورة وجود التزام جدّي بإجراء أبحاث في مجال تعديل الأجواء القصدي وغير القصدي.
عدم التوصل إلى إثبات علمي لفاعلية جهود تعديل المناخ لم يردع بعض الجهات عن القيام بعدد من الإجراءات غير المدروسة في هذا المجال، «فـمعهد ناسا للأفكار المتطورة” على سبيل المثال خصص مبلغ 475 ألف دولار لأبحاث يقوم بها عالم الأجواء روس هوفمان بتوجيه حزم من الموجات السنتيميترية من الأقمار الاصطناعية نحو الأعاصير بقصد تغيير مسارها، وفي العام 2005 قدم السيناتور عن ولاية تكساس كاي ما هتشيسون مشروع قرار يدعو إلى تطوير وتطبيق سياسة وطنية منسقة بين الولايات الأمريكية لأبحاث تعديل الأجواء، وتقدم وزارة الزراعة في ولاية تكساس الدعم لبرامج تعديل الأجواء التي تغطي خمس مساحة الولاية.
أخيراً، وبعد هذه النبذة التاريخية عن محاولات التحكم بالمناخ، لا بد من التساؤل: إذا توفرت فعلياً إمكانية فنية فاعلة للتحكم في الطبيعة والمناخ، فمن سيمتلك السلطة لإدارة هذه الإمكانية، ومن سيمتلك الحكمة لمنع تعرض العالم لكوارث بيئية، كحالات الجفاف المزمنة أو الشتاءات الطويلة المصحوبة بأعاصير مدمّرة ؟!
قدم العالم وود مجموعة من الأفكار لضبط مناخ الأرض، منها إقامة «بحر قطبي جليدي» يكون بمنزلة «مكيف هواء» لكوكب الأرض، يمتّص سخونتها باستخدام مدافع ثقيلة تطلق ملايين الأطنان من «كبريتات الهباء الجوي» ذات العاكسية العالية، أو جزيئات بالغة الدقة مصممة خصيصاً لتعكس أشعة الشمس، وبما أن إطلاق هذه الكمية الكبيرة المواد العاكسة يتطلب رمايات متواصلة بالمدفعية تصل حدّ إعلان حرب على الغلاف الجوي، كان لا بد من خيارات بديلة، أحدها يعتمد عمن «كبريتات الهباء الجوي» ذات العاكسية العالية، أو جزيئات بالغة الدقة مصممة خصيصاً لتعكس أشعة الشمس، وبما أن إطلاق هذه الكمية الكبيرة المواد العاكسة يتطلب رمايات متواصلة بالمدفعية تصل حدّ إعلان حرب على الغلاف الجوي، كان لا بد من خيارات بديلة، أحدها يعتمد على أسطول من الطائرات العملاقة «بي 747» التي تطلق الجزيئات العاكسة خلال طيرانها المستمر على طول الدائرة القطبية، أو أنفي مكان مرتفع عن سطح الأرض لضخ الجزيئات العاكسة في الغلاف الجوي.
وثمة خيارات أخرى طرحها العلماء في المؤتمر، منها ما اقترحه عالم الفضاء روجر أنجل، ومفاده وضع عدد كبير من المرايا في مدار فضائي لتحويل مسار الإشعاع الشمسي المنبعث إلى الأرض، أما العالمان جون لاثام وستيف سالتر فقد حاولا إثبات فكرتهما بإنشاء سحب بحرية أكثر كثافة وعاكسية عن طريق تحريك مياه المحيط بقوة كبيرة تنتجها مضخات وخلاطات عملاقة ينتج عنها زبد ورغوة، بدوره اقترح عالم الفضاء جورجي بينفورد خطة تقضي بحقن غبار حجري يشبه مسحوق الطباشير في الغلاف الجوي للقطب الشمالي، لكن بينفورد لم يتطرق إلى العواقب المتوقعة لخطته .
وفي المقابل برزت آراء مغايرة حذرت من التلاعب بمنظومة المناخ، فإذا أمكن تطبيق خطة العالم وود لجعل غطاء القطب الشمالي الجليدي أكثر سماكة، لنجم عن ذلك شتاءات أشد قساوة في ألاسكا وسيبيريا وغرينلاند وأماكن أخرى قريبة، كما يمكن أن يولد ذلك عواصف عاتية في الغلاف الجوي، كذلك أثارت الخطة سؤالاً جدياً عمن سيتحكم في القطب الجليدي ويتّخذ تالياً قرارات مصيرية تتعلق بالمليارات من سكان الأرض.
أسلحة مضادة للأحوال الجوية
منذ عقود عدّة مضت، فكّر قادة عسكريون في الولايات المتحدة ودول كبرى أخرى ملياً في إمكان التحكم في الأحوال الجوية باستخدام الأسلحة، وكان لويل وود نفسه يؤكد صوابية هذه الفكرة، إذ يرى أن ثمة تداخلاً حقيقياً بين المصالح العسكرية والمدنية، خصوصاً أنه كان يعمل تحت إشراف إدوارد تيلر عالم الأسلحة الذي ارتبط اسمه بتطوير القنبلة الهيدروجينية ومهندس منظومة الرئيس رونالد ريغان للدفاع الصاروخي المسماة «حرب النجوم»، والتي عمل وود فيها أيضاً، وكان تيلر معروفاً بدعوته لإيجاد حلول عسكرية ومدنية مثيرة للجدل للقضايا المعقدة، منها برنامج «الاستخدامات السلمية للأسلحة النووية «، وكانت خطته لإنشاء ميناء اصطناعي في ألاسكا باستخدام متفجرات حرارية نووية على وشك الحصول على دعم حكومي، وقبل وفاته في العام 2003 كان تيلر يسوّق لبرنامج سيطرة على المناخ شبيه بما يدعو إليه وود اليوم.
هندسة المناخ
تناقش هندسة المناخ اليوم على نطاق واسع في المجتمع العلمي، وتؤخذ دراساتها على محمل الجد، خصوصاً من قبل الحكومة الأمريكية التي اقترحت أخيراً إضافة هذه «الاستراتيجيا المهمة» إلى تقرير التغيّر المناخي الصادر عن اللجنة الحكومية المشتركة المدعومة من الأمم المتحدة، وفي مقدمة المنادين بهندسة المناخ بول جي كروتزن كيميائي الأحوال الجوية الحائزعلى جائزة نوبل والذي اقترح خطة مماثلة لخطة وود، كذلك أُعدّت دراسات شاملة عن تعديل المناخ والأحوال الجوية أجرتها وزارة الدفاع الأمريكية ومؤسسات حكومية أخرى.
وهندسة المناخ ليست ابتكاراً حديثاً، فهناك سوابق تاريخية من محاولات السيطرة على الحالة الجوية والمناخ، منها مقترحات قدمها في القرن التاسع عشر أول راصد جوي تعينه الحكومة الأمريكية لديها، كما قدم اقتراحات مماثلة وقتئذٍ عدد من «البيئيين»، بهدف استحداث مطر اصطناعي للحد من الجفاف الذي كان يسود منطقة الغرب الأمريكي .
كذلك يسجّل التاريخ سابقة أخرى في العام 1946، تمثّلت وقتها باكتشافات واعدة في مجال «تلقيح السحب»، التي تحولت بشكل سريع إلى إدعاءات مضخمة ومحاولات من قبل بعضهم لعسكرة هذه التقنية واستخدامها في أدغال فيتنام.
مبتكر الأمطار الاصطناعية
يعـــــــدّ جيمـــــــس بــــــــــــــولارد إسبـــــــي «1785 – 1860» أول عالم أرصاد جوية متفرغ تعيّنه حكومة الولايات المتحدة، وقد أجرى عدداً من الأبحاث المناخية من خلال «الجمعية الفلسفية الأمريكية» و«مؤسسة فرانكلين»، كما حصل على دعم برلمان بنسلفانيا لتزويد المراقبين الجويين في كل مقاطعات الولاية بمعدات قياس الضغط الجوي ومعدات قياسية أخرى من أجل تقديم صورة موسعة وشاملة للحالة الجوية، وخصوصاً خطوط مرور العواصف.
صوّر إسبي الغلاف الجوي مثل محرك توليد حرارة ضخم، وطبقاً لنظريته الحرارية للعواصف، فإن الاضطرابات الجوية، بما فيها العواصف الرعدية والأعاصير والعواصف الشتوية، تنشأ جميعاً بفعل «قوة بخارية» تتشكل عن طريق تسخين عمود من الهواء بواسطة حرارة الشمس، ثم يصعد العمود الساخن، سامحاً للهواء المحيط به بالاندفاع إليه، وما إن يصعد الهواء المسخّن إلى أعلى حتى يبرد ويتكثف محتواه، فيطلق حرارته الكامنة، مشكّلاً البخار الذي ينتج المطر والبرد والثلج، وهذه النظرية الحرارية ما زالت مقبولة حتى اليوم، وبفعل اكتشافه هذا، برز اسم إسبي في تاريخ العلوم المناخية، لكن مكانته تأثرت سلباً بسبب حماسته المفرطة لمسألة المطر الاصطناعي، فقد اقترح ذات مرة قطع وحرق مساحات كبيرة من الغابات من أجل إطلاق أعمدة هائلة من الهواء المسخّن، معتقداً أن ذلك سيشكّل سحباً ويدفع إلى تكثيف البخار، إلا أن تقييماً علمياً معاصراً وصف خطته تلك بأنها «خدعة عظيمة»، ثم صار إسبي يعرف باسم «ملك العواصف».
وفي إطار بحثه عن مجال أوسع لدراسته عن العواصف وعن وسائط المطر الاصطناعي، انتقل إسبي العام 1842 إلى واشنطن، حيث لاقى دعماً مادياً من قبل البحرية الأمريكية، ووظّفه الجيش راصداً عاماً، ووفّرت له هذه الوظيفة حرية الوصول إلى سجلات أرصاد الجيش في أنحاء الولايات المتحدة، كما تعاون مع جوزيف هنري من مؤسسة “سمثسونيان” لتأليف شبكة من المراقبين الجويين المتطوعين تعمل بشكل مستمر.
قصف السحب
في العام 1871 نادى جنرال الحرب الأهلية المتقاعد جون بورز بنظرية أطلق عليها اسم “قصف السحب” في كتابه “الحرب وحالة الجو” الذي تحدث فيه عن إنتاج المطر الاصطناعي، وبعد انقضاء عقدين، تزامن نشر الطبعة الثانية من الكتاب مع حدوث جفاف شديد طال أمده في المناطق الغربية من أمريكا، ما دفع الكونغرس إلى تخصيص 10 آلاف دولار لإجراء سلسلة دراسات ميدانية، واختار وزير الزراعة آنذاك روبرت درينفورث محققاً رئيساً للمشروع، وكان أيضاً رئيساً لمكتب الأرصاد، وهو محام لا يملك خلفية علمية أو عسكرية.
وصل درينفورث إلى تكساس خلال موسم جفاف عظيم، وأحضر معه ترسانة من المتفجرات تشمل مدافع وقنابل وبالونات هيدروجين يمكن تتبعها على ارتفاعات مختلفة، واستمر يقوم بما وصفه أحد المراقبين بأنه “تقليد رائع للمعركة”، وبعد عدة أشهر من “الهجمات” على السماء هطلت الأمطار بالفعل، وادعى درينفورث تحقيق نصر، مستنتجاً أن خبرته العملية، مقرونة باستخدام متفجرات خاصة تبقي الجو في حال اضطراب، يمكن أن تعزز مرحلة ما قبل التكثيف عندما تكون الظروف مواتية، لكنه حذر من أن قصف السماء في الجو الجاف سيكون غير مثمر، لأن هذه التقنية ستحفز السحب وتزيد التكثيف، لكنها لن تبعث المطر.
تعديل مناخي للاستخدام العسكري
في 14 نوفمبر 1946 استأجر فنسنت شافر، أحد فنيي مختبر “جنرال إلكتريك” طائرة وألقى منها ستة أرطال من الكرات الثلجية الجافة في جوف سحابة باردة فوق “جبل غريلوك”، ما أدى إلى تكوّن بلورات ثلجية وأثر متصل للثلج على امتداد ثلاثة أميال، وكتب شافر في دفتر ملاحظاته: “بدا وكأن الغيمة كادت تنفجر، وكان التأثير واسع الانتشار والسرعة”، وشاهد تجربة شافر من برج مراقبة في المطار الكيميائي الحائزعلى جائزة نوبل أفرنغ لانغموير، الذي سارع إلى الاتصال بوسائل الإعلام قبل أن يحط شافر بطائرته .
وفسر لانغموير لوسائل الإعلام وعلماء الأرصاد رؤيته للسيطرة على الأجواء، التي تشمل التقليل من الأعاصير وتحويل أرض جنوب غرب أمريكا من حالتها المجدبة الجافة إلى أرض قابلة للزراعة، وأول أوراقه عن هذا الموضوع جاء فيها تعبيرات عسكرية مألوفة، إذ فسّر كيف يمكن لتجمع نوىً (nucleating) في منتهى الصغر، مثل الثلج الجاف أو “اليوديد الفضي” أو حتى الماء، أن يسبب تفاعلاً متعاقباً في ركام من السحب يمكن أن يطلق طاقة تماثل طاقة قنبلة نووية، لكن من دون انبعاث إشعاعات، بدورها تبلغت وزارة الدفاع تقريراً يشرح التجربة، الأمر لاقى اهتماماً مكثفاً في السنوات التالية، في سياق العمل على إمكان تعديل حالة الجو لخدمة الاستخدامات العسكرية.
استخدام الظروف الجوية كسلاح في الحرب
في العام 1954 نشرت مجلة Collier’s عدداً من السيناريوهات لاستخدام الظروف الجوية كسلاح في الحرب، مثل أن ترمي الطائرات مئات البالونات المحتوية على “بلورات تخصيب السحب” في مجرى الهواء الجوي، وعندما تنفجر الفتائل في البالونات تسقط البلورات في جوف السحب مسببة أمطاراً وبالتالي إرباكاً لعمليات العدو، حينذاك كانت قوة سلاح المدفعية في الجيش تبحث في تقنية أخرى تقوم على تعبئة “اليوديد الفضي” وثاني أكسيد الكربون في ذخيرة خطّاطة flares من عيار 50 مم يطلقها الطيارون على السحب، أما التقنية الأكثر إثارة فهي ضرب خطوط إمدادات العدو عن طريق تخصيب السحب ومنعها من الرطوبة قبل وصولها إلى مناطق العدو الزراعية، إن مثل هذه الأفكار المفرطة في التفاؤل، والتي تولت الترويج لها آنذاك مصادر رسمية، مرتبطة في شكل ما بالخشية من الاتحاد السوفياتي الذي كان يسعى جاهداً إلى السيطرة على الأنواء، وهذا ما نشرته في حينه مجلة “نيوزويك” الأمريكية تحت عنوان “سباق الأنواء مع الاتحاد السوفياتي”، الأمر الذي ساعد على تغذية التوسع السريع في أبحاث الأرصاد الجوية، ومنها إنشاء مركز وطني لأبحاث الأحوال الجوية في العام 1960.
حرب الأنواء
أخذت حرب التحكّم بالأحوال الجوية منعطفاً بالغ التعقيد ما بين العامين 1967 و 1972، وتجلّى ذلك بوضوح فوق أدغال شمال وجنوب فيتنام ولاوس وكمبوديا، إذ استخدم الجيش الأمريكي تقنية مطوّرة لتخصيب السحب بواسطة طلقات خطاطة معبأة بـ”يوديد الفضة”، وبدعم غير محدود من الرئيسين ليندون جونسون وريتشارد نيكسون، نُفّذت أكثر من 2600 طلعة تخصيب جوية، أطلق فيها أكثر من 47 ألفا من إطلاقات يوديد الفضة خلال حوالي خمس سنوات وبتكلفة سنوية بلغت 6.3مليون دولار، وكان لتلك العملية السرية أكثر من اسم، أشهرها “العين الشاخصة” التي تم الإعلان عنها في نهاية عهد نيكسون، ووصفت في حينها بـ«ووترغيت حرب الأنواء».
ودافع البعض عن استخدام الأسلحة البيئية، باعتبارها “أكثر إنسانية” من الأسلحة النووية، ورأى آخرون أن استمطار السحب لإرباك حركة المواصلات أفضل من استخدام قنابل “النابالم”، وفي تقرير قدم إلى مجلس الشيوخ العام 1974 قلل مسؤولون عسكريون من تأثيرات عملية “العين الشاخصة”، معتبرين أن كل ما يمكن تحقيقه هو زيادة في معدلات المطر بنسبة 10%، وحتى هذه النتيجة لا يمكن التحقق منها.
وفيما كانت الولايات المتحدة مشغولة بأزمة “ووترغيت”، طرح الاتحاد السوفياتي في الأمم المتحدة قضية تعديل حالة الجو كسلاح في الحروب، ما سبب حرجاً بالغاً لإدارة الرئيس جيرالد فورد، وبعد مداولات مطولة أبرمت معاهدة دولية تحرم الاستخدام العسكري لتقنيات تعديل البيئة (ENMOD)، ووقعت على المعاهدة 70 دولة منها الولايات المتحدة.
قوات تدخل سريع للسيطرة على الأعاصير
بالتزامن مع ظهور الكمبيوتر، نشأ أسلوب تنبؤ جوي متكامل، قاد إلى عمليات السيطرة على الجو والمناخ، وسبق ذلك بكثير تجارب أجرتها شركة “جنرال إلكتريك” لتخصيب السحب في العام 1945، حيث أطلق فلاديمير زوركن، وهو مهندس مرموق عرف بإسهاماته الأولى في تقنية التلفزيون، فكرة الكمبيوتر الإلكتروني الذي يستخدم لإجراء عمليات وتحليل كم هائل من معلومات الأرصاد الجوية، وتقديم تنبؤات عالية الدقة في الأوقات المحددة ودراسة حساسية النظم الجوية للتغيرات في الظروف السطحية ومعطيات الطاقة، والتدخل تالياً للسيطرة على المناخ، افترض زوركن أن عمليات تنبؤ جوي آلي قد توفر يوماً ما إمكان تعطيل العواصف قبل تشكلها وتحويل مسارها عن المناطق المكتظة؛ أي أنها يمكنها السيطرة على الجو، إذا ما اقترنت بقوات تدخل سريع يمكنها أن تصب الزيوت فوق محيطات هائجة أو تشعل حرائق أو تفجّر قنابل.
سباق تسلح جيوفيزيائي
آراء زوركن هذه أيدها عالم الرياضيات جون فون نيومان، إذ رأى أنه باستخدام التنبؤات الإلكترونية يمكن السيطرة على منظومات الجو والمناخ، أو تغيير مسارها على الأقل عن طريق إطلاق مقادير محددة من الطاقة، أو بواسطة تغيير خصائص الامتصاص والانعكاس للبحر أو اليابسة أو الغلاف الجوي.
وفي العام 1962 أطلع رئيس قسم أبحاث الحالة الجوية في إدارة الأرصاد الجوية الأمريكية هاري ويكسلر خبراء حضروا مؤتمراً بحث في “إمكان التحكم في الأنواء” على تحليلاته لنماذج حاسوبية مبكرة عن المناخ، والإمكانات الإضافية التي أتاحها عصر الفضاء، وأشار ويكسلر إلى أن البشر يقومون بتعديل الجو والمناخ عن طريق تغيير تركيبة الغلاف الجوي للأرض، موضحاً أنه بات في إمكان الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي أن يغيرا مناخ الأرض بطرق عدة، حيث تستطيع أي من الدولتين أن تبرد حرارة الجو درجات عدة باستخدام “حزام غباري” يطلق في مدار جوي معين، أو أن تسخّن الجو باستخدام بلورات جليدية تطلق إلى أعلى الغلاف الجوي للقطب الشمالي عن طريق تفجير قنبلة هيدروجينية.
وفي الوقت الذي يعتقد فيه معظم خبراء الغلاف الجوي اليوم بأن اكتشاف التفاعلات التي تعمل على تدمير طبقة الأوزون تعود إلى بداية االسبعينيات من القرن الماضي، يتّضح أن ويكسلر رسم منذ العام 1962 سيناريو لطريقة تدمير الأوزون، إذ أكد أن “التحكم في الجو والمناخ صار الآن من الموضوعات ذات الشأن التي يمكن الحديث عنها”، ومن الواضح أن ويكسلر كان يأمل في التقليل من احتمالات حدوث سباق تسلح جيوفيزيائي .
المناخ والأمن القومي
فسّر تقرير أعدته وزارة الدفاع الأمريكية بعنوان “سيناريو التغير المناخي الحاد وعلاقته بالأمن القومي للولايات المتحدة”، كيف يمكن أن يقود “التسخين الكوني” إلى “تبريد كوني” كارثي حاد، عبر آليات معينة مثل إبطاء دورة المياه العميقة في المحيط المتجمد الشمالي،واقترح التقرير على الحكومة الأمريكية البحث عن خيارات هندسية آمنة للسيطرة على المناخ، موضحاً أن تسخين المناخ أسهل من تبريده، وأن هناك إمكانية لإضافة بعض الغازات مثل “هيدروفلوريد الكربون” إلى الغلاف الجوي لموازنة تأثيرات التبريد.
وفي العام 2003 أصدر المركز الوطني الأمريكي للأبحاث دراسة بعنوان “قضايا حرجة تتعلق بأبحاث تعديل الأجواء”، واستشهد بتحديات بيئية واجتماعية ملحّة مثل الجفاف وشح المياه والخسائر البشرية والمادية التي تنجم عن الأعاصير، وعلى الرغم من أن الدراسة أقرت بأنه “لا يوجد دليل علمي مقنع على فاعلية الجهود المبذولة للتعديل القصدي للأجواء”، إلا أنها أكدت ضرورة وجود التزام جدّي بإجراء أبحاث في مجال تعديل الأجواء القصدي وغير القصدي.
عدم التوصل إلى إثبات علمي لفاعلية جهود تعديل المناخ لم يردع بعض الجهات عن القيام بعدد من الإجراءات غير المدروسة في هذا المجال، «فـمعهد ناسا للأفكار المتطورة” على سبيل المثال خصص مبلغ 475 ألف دولار لأبحاث يقوم بها عالم الأجواء روس هوفمان بتوجيه حزم من الموجات السنتيميترية من الأقمار الاصطناعية نحو الأعاصير بقصد تغيير مسارها، وفي العام 2005 قدم السيناتور عن ولاية تكساس كاي ما هتشيسون مشروع قرار يدعو إلى تطوير وتطبيق سياسة وطنية منسقة بين الولايات الأمريكية لأبحاث تعديل الأجواء، وتقدم وزارة الزراعة في ولاية تكساس الدعم لبرامج تعديل الأجواء التي تغطي خمس مساحة الولاية.
أخيراً، وبعد هذه النبذة التاريخية عن محاولات التحكم بالمناخ، لا بد من التساؤل: إذا توفرت فعلياً إمكانية فنية فاعلة للتحكم في الطبيعة والمناخ، فمن سيمتلك السلطة لإدارة هذه الإمكانية، ومن سيمتلك الحكمة لمنع تعرض العالم لكوارث بيئية، كحالات الجفاف المزمنة أو الشتاءات الطويلة المصحوبة بأعاصير مدمّرة ؟!