أسباب صمود باخموت أمام نخبة المحاربين والأسلحة الروسية
مقدمة هامة:
عندما وصل الألمان النازيين في الحرب العالمية الثانية إلى ستالين غراد كانت القوات الروسية قد وصلت إلى حافة الانهيار من الناحية التنظيمية والتسليحية بالعتاد الهجومي الثقيل، وكان من المهم جداً تحويل تلك المدينة الاستراتيجية إلى قلعة صمود ثورية، بإدارة دعم أنجلو أميركية للروس السوفييت للاستنزاف القوات النازية وليتثنى لهم بدعم غربي بناء نواة قوة روسية هجومية كانت حينها مكونة من 900 ألف روسي مزودة بأكثر من 3000 دبابة T-34 التي كانت حينها رمز القوة المدرعة السوفيتية، وهنا حولت معركة ستالين غراد اتجاه الحرب العالمية الثانية، وتم فيها القضاء على أقوى جنود النخبة النازية، وإدخال الألمان في الشتاء الجيش الأقوى عند السوفييت!
وكما يقال التاريخ يعيد نفسه بمدينة أرتيوموفسك وفق التسمية الروسية أو باخموت الأوكرانية، لكن المفارقة أن الناتو أرادوا تأخير التقدم الروسي في الشتاء ليتثنى لهم وأعني الأوكران تنفيذ هجوم مرتد ضد الروس في الربيع الأوكراني!
رغم ضخامة الحشود الروسية التي وصلت اليوم وفق تصريحات وزارة الدفاع البريطانية، إلى أكثر من 90 % من القوى العاملة المقاتلة الروسية، لتشمل كافة القوات الهجومية بما فيها القوات الاحتياطية أي 600 ألف محارب موزعين على 100 لواء مقاتل هجومي وفق احصائيات مؤسسة راند التحليلية الأمريكية، إضافة لقوات التعبئة الاحتياطية الدفاعية، وجزء من هذه القوات بدأت تتحرك من مقاطعة لوهانسك في اتجاه إقليم خاركييف على أن يتم الاجتياح بعد تخطي جبهة كوبيانسك واستعادة كراسني ليمان والاستيلاء على كامل الخط المائي الفاضل بين مقاطعة لوهانسك ( أي نهر أوسكال ونهر دونسيك ) وإقليم خاركوف، وبالفعل تقدمت الحشود الروسية في هذا المحور، ولكن بدأت بالبطؤ بالتقدم بعد تخطي الخطوط الدفاعية الأوكرانية، نتيجة استخدام الأوكران دانات هاون عيار 120 ملم غربية تنشر ألغام متعدد الأغراض خبيثة وذكية، إضافة لجملة متنوعة من دانات هذا العيار فيها نوعية ذكية ذاتية التوجيه وأخرى عنقودية تراكمية ونوع تقاربي التفجير انشطاري بطريقة مخروطية من الأعلى إلى الأسفل بكريات معدنية.
لذلك زادت أهمية باخموت للجبهة الروسية بسرعة الحسم بإقليم الدونباس، فهناك أهميتين اعتباريتين لبلدة باخموت الحصينة، هما أهمية جغرافية حيث تقع باخموت على طريق رئيسي يؤدي إلى مدينتي سلوفينسك وكراماتورسك، أي أنها بوابة المدينين اللتان إن سقطتا سقطت كأحجار الدومينو باقي مقاطعة دونيتسك في إقليم الدونباس الصناعي ذي الأهمية الاستراتيجية من الناحية الاقتصادية، وحينها تشكل جبهة من دونيتسك تجاه خاركييف لتشكل حولها نصف طوق مع الجبهة الروسية بالأراضي الروسية المحيطة بها تقريباً من الشمال.
بل وأن سقوط باخموت سوف يسهل سقوط العاصمة كييف!
والسبب أن فيها نخبة قتال مختارة من خيار النخبة الأوكرانية بل ومن نخبة النخبة التي تشمل حراس الرئاسة الأوكرانية، فتحيدهم بمن فيها من قوات النخبة الأساسية، سوف يضعف موقف الجبهات الدفاعية الأوكرانية بشكل يسرع عملية انهيار نلك الجبهات من الناحية التجهيزية وحتى المعنوية، وعدم قطع خطوط الإمداد الداعمة القتالية واللوجستية غرب باخموت له سببين هو لإبقاء تلك الإمدادات تحت مرأى القوات الروسية فاستهداف أكثرها بالنيران الأرضية والجوية، وذلك كوسيلة كما أشرنا سابقاً لاستنزاف الموارد البشرية الداعمة وكذلك الإمدادات اللوجستية، لأنه أيضاً في حالة قطع تلك الخطوط المتبقية سوف يسعى الأوكران إلى خلق أنفاق سرية تحت الأرض قد تكون أقل إمداد وربما أبطئ، لكنها تحافظ على استمراريته وتحفظ به دفاعات المدينة الأساسية.
ومن ناحية أخرى وبعد تمكن الروس من توجيه ضربة وقائية ضد تجمعات هجومية ارتدادية ومخازن لوجستية داعمة لهذا الهجوم الذي كان معد لدعم جبهة زبوروجيا وأوغليدار التي تمكن الروس اليوم من تطويقها من الناحية الشرق بعد أن تمكنوا من تطويقها من قبل من جهة الغرب بعد استقطاب دفاعاتها نحو الغرب، من خلال طعم الكتيبة المدرعة الاستطلاعية الروسية التي تم استخلاصها بالدعم المباعد الذكي الذي كان مدار وموجه من طرف الدرونات الضاربة الاستطلاعية، مع مؤازرة عدة كتائب مدرعة تكتيكية إضافية اختراقية!
لذلك أصبح هاجز الهجوم الأوكراني هو محور باخموت وفك الحصار عنها لأنها تعتبر أقوى حصون الدفاع الأوكراني ومفتاح انهياره، لذلك تقوم ألمانيا اليوم ببدء دفع 178 دبابة "ليوبارد ون" المتقادمة وبولندا بدفع 250 دبابة T-72 سوفيتية مع عدد مضاعف من المدرعات الهجومية المجنزرة والدولابية الأمريكية والألمانية والفرنسية والبريطانية والبولندية، وذلك لقلب ميزان الحرب كما ادعت أوكرانيا!
وروسيا اليوم رغم ضخامة حشودها فقدت زمام المبادرة بالهجوم الضخم بالبيئة الشتوية، وتحولت أكثر جبهاتها إلى تكتيك الهجوم المحبط لهجوم الربيع للقوات الأوكرانية.
ووفق وزارة الدفاع البريطانية بتصريح رأس الهرم فيها بأن الروس لن يهجموا بوقت واحد من كافة الجبهات وإنما بشكل غير متزامن وفق ضرورات وتقديرات الروس أي الاستمرار بتكتيك الهجمات الغير منتظمة على كافة الجبهات القتالية وأن أكبر عمق هجومي سوف يكون حينئذ هو صد وإحباط هجوم الربيع الأوكراني.
وهذا يجعل الروس أكثر حظ بالنصر بهذه الحرب من الهجوم الشتوي ذي البيئة المثالية المتفوقة للهجمات الروسية، لأن الهجوم العميق كما قال الزعيم النازي هتلر هو كالدخول على غرفة مظلمة لا تعرف ما فيها من مفاجئات مخفية، أما الهجوم العكسي المحبط لهجوم كبير معادي، سوف يكون مبني على حيثيات وتقديرات مرئية، والذي سوف تكون نتائجه مرضية لصاحب الهجوم العكسي إذا ما تفوق من الناحية التكتيكية والتجهيزية والتدريبية.
مراحل تطورات جبهة باخموت الاستراتيجية:
بدأت العملية ضد باخموت منذ بضعة أشهر بطريقة الهجمات الصاعقة الاختراقية بمجموعات الكتائب التكتيكية BTGs المستقلة المدرعة التي عدلت عن مرحلة المدن في أول الحرب بتعديلها لتصبح جميعها مدرعة قوام الكتيبة الواحدة من المحاربين المحترفين المتعاقدين 1000 محارب بدل 800 بالكتيبة المدرعة السابقة و600 محارب في الكتيبة الميكانيكية، أي تم زيادة قوات الحماية ووحدات الاستطلاع 200 محارب عن تعداد الكتائب المدرعة على أن يتم الاختراق السهمي السريع في البيئة الحضرية تحت غطاء ناري كثيف مباعد أرضي وجوي يسهل تنفيذ هذه الاختراقات الصاعقة.
وبالفعل تثنى لهذه الكتائب تنفيذ أكثر الاختراقات الأساسية بعد أن فتحت المعدات الحربية المخصصة الروسية ممرات آمنة في الألغام بطرق التفجير المساحي المضاد، ولكن دون أي تقدمات ثانوية، بسبب قوة المقاومة المضادة الأوكرانية المجهزة بغابة من مضادات الدروع الفردية كانت أكثرها متطورة غربية، أطلق الكثير منها ضد تلك التشكيلات المدرعة الروسية القوية لذلك تم تكبيد الروس خلال أسبوع عشرات الدبابات القتالية وعدد مضاف من الآليات المرافقة لها، وعلى ما يبدو كانت واحدة من تلك الدبابات من فئة دبابة الاختراق المتطورة الروسية، التي تمكن الأوكران بطريقة ما من تعطيل بنيتها الحركية بعد أن فشلوا من تدمير هيكلها المدرع!
ليغادرها طاقمها ويتم تدميرها بالنيران المدمرة الروسية، حتى لا يتم كشف أسرارها من طرف حلف الناتو.
وتحول الروس إلى القتال بواسطة الأنساق الراجلة والميكانيكية الاقتحامية ولكن ليست المتكدسة وفق النظام السوفيتي، كما أراد أن يرجح الغرب، وإنما بطريقة تبادلية وفق تكتيكات قوات النخبة العراقية البعثية، إلا أن قوة التجهيزات للنخبة الأوكرانية أفشلت هذا التكتيك الناجح، بسبب قوة الكشف والاستطلاع بطريقة شبه فورية فتكبد الروس المهاجمين بسبب ذلك مئات القتلى خلال يومين فقط!
وذلك بسبب كثرة وخفاء القناصين الأوكران وسرعة ودقة نيران المدافع من فئة الهاون إضافة للمدفعية الميدانية بسبب كثرة المراقبين والمستكشفين المتقدمين الذين يدرون ويصححون دانات وقذائف المدفعية، يضاف إلى ذلك كثافة نيران المدفعية الصاروخية الأوكرانية وهذا عدا القذائف الصاروخية العالية الدقة والشديدة القوة التدميرية، المعروفة ببندقية القناص التي تطلقها قاذفات هيمارس الصاروخية الأمريكية.
كما تبين حينها أن حجم القوات المنتخبة الأوكرانية المسؤولة عن الدفاع عن باخموت وضواحيها بلغ 16000 مدافع يشكلون 40 كتيبة قتالية أو ثمانية ألوية أوكرانية هذا عدا القوات الأجنبية، موزعين على 500 خط دفاعي محيط بمدينة باخموت يتم التنقل بينها بأنفاق وسراديب سرية.
أي أن تحت باخموت مدينة من التحصينات الخفية!
وهو ما يجعلها نموذجية لحرب الشوارع والعصابات في البيئات الحضرية.
هنا تحول الروس إلى أسلوب الدفاع الأوكراني الغربي ولكن بطريقة عكسية هجومية!
وخصصوا لذلك قوات متخصصة بالبيئات الحضرية تمثلت بثلاثة كتائب فاغنر تسللية قوام كل كتيبة معززة 1500 محارب موزعة على شكل مجموعات قتالية، ولواء سبتسناز مظلي وكلها كانت قوات تسللية ظليه خفية، وليس قوات اقتحاميه اعتيادية!
كانت مهمتها الأساسية إدارة النيران الأرضية والجوية ضد النقاط المضاءة والمستكشفة وتحريك عمليات الاقتحام الجوي لقوات الاقتحام من وحدات فيلق فاغنر الأول والقوات المجوقلة الروسية التي كان يغطي هجومها الحوامات الناقلة القتالية والحوامات الهجومية ثم النيران المدارة من قبل قوات الاستكشاف المقدمة الظلية الأرضية والجوية.
وأصبح مجموع القوات المتظافرة الروسية تعادل خمسة ألوية روسية هجومية، ضد عشرة ألوية أوكرانية معززة بفوج مدفعي ضمن باخموت.
وبعد تجربة الكتيبة الاستطلاعية المدرعة المستقلة شرق أوغليدار عززت قوة الهجوم الروسية بما يعادل لواءين مشاة ميكانيكية لتسريع عملية الاقتحام التي تنفذها القوات المجوقلة الروسية مع قوات فاغنر التخصصية، ولكن استعصاء باخموت رغم انسحاب كافة القوات الأجنبية منها تقريباً بما في ذلك البولندية، سببه هو ارتفاع عدد الألوية الأوكرانية المدافعة إلى 24 لواء أوكراني أي إلى 120 كتيبة قتال مدافعة لم يبقى منها من ناحية التشكيلات العملية إلا نحو 90 كتيبة قتالية وفق تصريح مؤسس مجموعات فاغنر التخصصية، وآخر لواء دخل المعركة، كان لواء الاقتحام الجوي الأوكراني 24 الذي أفشل عملية التطويق لغرب باخموت من طرف الروس، وكما أسلفنا فقد دعم هذه الحقيقة الكمية المدافعة من القوات الأوكرانية، بروكوزين مؤسس مجموعات فاغنر PMC حين قال أن من يتواجد في باخموت وضواحيها من الأوكران والأجانب أكثر من 50 ألف مدافع موزعين اليوم على نحو 80 إلى 90 كتيبة قتالية.
وظهر تكيتيك أوكراني غير مسبوق تمثل بزيادة مفرطة بعدد الدرونات الفردية الاستكشافية والمُراقبة والمتسكعة الضاربة والكميكازية، أربك التقدمات الروسية وأبطؤه بشكل ملحوظ مع زيادة الكمون الحركي للمدافعين الأوكران وزيادة نيرانهم المباشرة التسديد وغير المباشرة المدفعية، والاجراء الناجح الأخير الذي قام به الروس داخل المدينة المحصنة الشبه محاصرة هو الاستيلاء على الأبنية المرتفعة نسبياً التي نجت من التدمير إضافة إلى كافة المرتفعات الأرضية المحيطة بمدينة باخموت ومحاولة الاستيلاء على مناطق امتداد المرتفعات الشمالية الموازية لخطوط الإمدادات الرئيسي وكشف للمدافعين الأوكران هناك حتى عمق كبير.
هذا التطور الميداني الأخير في قلعة الصمود الأوكراني باخموت، قوى الروح المعنوية نوعاً ما بباقي الجبهات الدفاعية الأوكرانية، مقابل الهجمات الروسية وأخر انهيارها ربما حتى يتم إتمام تجهيز الهجوم الأوكراني في الربيع، وجعل الروس يلغون هجومهم الشتوي الثلجي الذي لم يعلنوا عنه أساساً، ويتحولون من الفعل الهجومي الشامل، إلى رد الفعل بصد الهجوم الأوكراني الكبير في الربيع.
وبعملية تضليلية لا تنطلي إلا على المتلهفين الأوكران على أي انتصار على الروس، تمكنت مجموعات من قوات فاغنر الاحترافية من خلال بينات مصورة تضليلية، فيها استغاثة موجه لوزارة الدفاع الروسية بسرعة امدادهم بالذخائر الفردية والمدفعية، ولتكتمل اللعبة نقد أحد الضباط الروس هذه الحركة الغبية التي ما هي بمجملها إلا بروباغندا روسية، مما فتح شراه الأوكران لتنفيذ هجمات ارتدادية كبيرة من شمال غرب باخموت شارك بها قوات بحجم ثلاثة أضعاف القوات المدافعة الروسية مكونة من لواء هجوم مدرع أوكراني من أصل لواءين مدرعين موجودين في باخموت، ولواءين مشاة ميكانيكية من أصل خمسة ألوية تدافع عن باخموت، إضافة للواءين بنادق راجلة من أصل عشرة ألوية مدافعة عن باخموت أيضاً، وتم ذلك بمساعدة مجموعات خاصة من لواء الاقتحام الجوي 24 وهو لواء من أصل ثلاثة ألوية اقتحام جوية قوات خاصة ولواء مظلي موجودة في جبهة باخموت، والتكتيك والخدعة الروسية الغاية منه تخفيف ضغط الدفاع الأوكراني على جبهة شمال غرب باخموت من أجل منع الروس من الاستيلاء على المرتفعات هناك، وقد قام الروس مع بدء الهجوم الكبير الأوكراني بتوجيه كتائب مجوقله اقتحاميه بالحوامات تابعة لفرقة الثيران الروسية السابعة التي قامت حواماتها الهجومية بتوجيه ضربات عكسية مجدية من الشمال الغربي، بعد أن تم إخراج بهذا الهجوم القوات الكامنة الدفاعية الأوكرانية وتحويلها لقوة مكشوفة هجومية، مع سرعة إخماد المدفعية الداعمة الأوكرانية التي تشكل في مجملها ثلاثة ألوية في باخموت، وتقليل نشاط إطلاق النخبة المجوقلة الأوكرانية للدرونات المتسكعة الكميكازية التي تمكنت من تدمير وإعطاب العديد من الآليات الروسية كان منها عمليتي إعطاب أو تحيد لراجمتين مدرعتين من فئة لهيب الشمس توس، والتي تمكنت سرايا منها من إخماد الهجوم الأوكراني فيما بعد بقذائفها الفراغية الموجهة والمسددة بالليزر التقاربية التفجير والتلامسية، وهو ما اتاح للروس بالكتائب التكتيكية المدرعة وقوات فاغنر الاستطلاعية تنفيذ هجوم مضاد تحت غطاء النيران المدفعية الدقيقة والذكية وضربات الدرونات القتالية التي كانت تطلق قذائف كراسنبول وتوجه بالليزر أيضاً منها القذائف المدفعية إضافة لدانات الهاون غراند عيار 120 ملم الذكية، واستطاع الروس على إثر ذلك استعادة مناطقها الأساسية جنوب غرب باخموت، ولكن على ما يبدو لم تتمكن من الاستيلاء على المرتفعات شمال غرب باخموت وكان تقدمها هناك جزئي ومحدود وغير مجدي بالوقت الحالي على يد وحدات الاقتحامات الجوية الصاعقة الروسية، ولكنه واعد على يد مجموعات فاغنر الاقتحامية، فتحول الروس إلى أسلوب العزل العميق شمال غرب باخموت ومحاولة التطويق والعزل لمدينة سفرسك التي تأخذ موقع استراتيجي بالنسبة لإمدادات باخموت من الناحية الشمالية الغربية.
ودعوات المسؤولين الأوكران الكبار المدنيين أو سكان أرتيوموفسك (باخموت) لمغادرة المدينة بأسرع وقت له ثلاث مؤشرات الأول أن المدافعين الأوكران سوف ينسحبون من باخموت بطريقة تكتيكة مرحلية أو سرية، وهو أمر ممكن لدعم جبهة هجوم الربيع الأوكراني المرتد، مع أنه الأفضل الصمود في باخموت لحين إتمام تجهيزات هجوم الربيع هذا الذي تعده الدول الغربية، والثاني أن الأوكران متخوفين من العملاء السريين الموالين للروس داخل باخموت بين المدنيين المرشدين لأماكن تمركز المدافعين الأوكران ونشاطاتهم التكتيكية والدفاعية، والثالث أن الروس سوف يستخدمون أسلحة غير تقليدية محدودة إما نووية أو كيميائية أو بيولوجية، وهذا أستبعده، أو سلاح غير اعتيادي التأثير المساحي يؤثر على السطح والمخابئ والتحصينات الأرضية بوقت واحد وبشكل عالي الفعالية، من فئة المستودع الجوي أبو القنابل الروسي، ولكن نموذج خاص ثنائي التأثير وأوسع مساحة تدميرية وأقوى قدرة تأثيرية، وقد تم بالفعل وربما كتمهيد زيادة قصف المدية بقذائف مدافع هاوتزر الذاتي الحركة من نوع مالكا عيار 203 ملم التي يصل وزن قذيفتها قرابة 150 كغ والمدفع الأثقل الهاون (ماوتزر) عيار 240 ملم التي يصل وزن قذيفتها ربع طن، بل أن الطائرات النفاثة الفوق صوتية بدأت باستخدام فردي وليس مساحي لقنابل فاب 500 العمياء التي تزن نصف طن بطريقة القصف الرقمي الذي يجعلها دقيقة التهديف رغم أنها ليست بقنبلة موجهة ذكية.
وأخيراً بتقديري أن الهجوم الأوكراني المضاد في الربيع ليس لاستعادة ما أخذه الروس من الأراضي الأوكرانية، إنما لإعادة تهيئة وتقوية الخطوط الدفاعية الحالية أو ما سوف يتبقى منها، للمواجهة للقوات الروسية، وسبب ذلك هو كسب الوقت لتشكيل الجيش الأوكراني البولندي المدعوم بالمرتزقة الأجنبية المعارة، وبعناصر داعش الإرهابية، وبأحدث الأسلحة والعتاد الثقيل الغربي، لتنفيذ المعركة النهائية في هذه الحرب العالمية، في حالة لم يتمكن الغرب من الجلوس على طاولة المفاوضات لتقسيم أوكرانيا إلى شرقية للروس وغربية للناتو بالوكالة لاتباعها لبولندا ورومانيا، لفرض أمر واقع أنها أصبحت أرض تابعة للناتو، وأتوقع حينها أن روسيا قد تقبل في حالة اعتراف الغرب بانضمام كامل المقاطعات والأقاليم المنضمة لروسيا إضافة لإقليم خاركييف وميناء أوديسا ومنطقة عازلة بين القسم الشرقي والغربي الأوكراني.