مع سيل الأخبار التي تناولت خلال الأيام الأخيرة، وفاة الملكة إليزابيث الثانية، التي توفيت، الخميس الماضي، عن عمر 96 عاماً، والإشادة بتاريخها ومناقبها، أضاء نشطاء على جانب مظلم من هذا التاريخ.
وهي المذبحة العظمى المعروفة في التاريخ بلقب “أندلس إفريقيا“، حيث أُبيدَ العرب المسلمون في زنجبار، بعد سلسلة مريرة من الأحداث التي رعاها الاستعمار الإنجليزي، بتحريض مباشر ممن الملكة إليزابيث.
حكم العرب العمانيون الجزيرة لأكثر من 1000 سنة
و”سلطنة زنجبار” هو الاسم الذي يطلق على سلطنةٍ قامت ما بين 1856م-1964م، بعد وفاة السلطان سعيد بن سلطان، والذي كان يحكم عمان وزنجبار باسم سلطان عمان، ثم استلم حكم زنجبار الفرع الأصغر من سلالة البوسعيدي العمانية.
وهي مجموعة جزر تقع في المحيط الهندي شرق أفريقيا، وتبتعد عن الساحل المسمى تنجانيقا 35 كلم 25 ميلاً. وحكم العرب العمانيون الجزيرة والساحل الشرقي لأفريقيا لأكثر من 1000 سنة، بل تحوّلت زنجبار إلى عاصمة للمملكة العمانية سنة 1828.
وبدأت فصول المجزرة بحقّ العرب والآسيويين عام 1964، على يد أتباع حزب “افرواشيرازي”، كانوا من سكان زنجبار الأصليين، وذلك بتحريض من الاستعمار البريطاني الذي أشعل الفتنة بين العرب والأفارقة في الجزيرة، وأيضًا وفَّر الإمكانيات للحزب لإبادة العرب.
وسكان زنجبار مزيج من الأفارقة والإيرانيين، والعرب من أصول عمانية، يمنية، وكذلك آسيويين من الهند وباكستان، ومن جزر القمر ومدغشقر وسيشيل في المحيط الهندي. ومعظم السكان مسلمون ويشكلون نسبة 98 في المئة.
ووثّقت مقاطع فيديو، قام بتصويرها فريق إيطالي على مروحية، مشاهدَ حقيقية من هذه المذبحة، حيث قتل حوالي 20 ألف عربي خلال سويعات، وسيق الآلاف إلى الموت، وتم دفنهم في مقابر جماعية، بعد مطاردتهم إلى السواحل العمانية.
وداع إفريقيا
وجاءت هذه المقاطع كجزء من فيلم بعنوان “Africa Addio – وداع أفريقيا”، عرض عام 1966 عن نهاية الحقبة الاستعمارية في أفريقيا.
وتظهر المقاطع عشرات الزنجباريين، وهم يقفون خلف بعضهم البعض في طوابير طويلة، مقيدي الأيدي في أرض قاحلة، فيما بدا عناصر من الاستعمار البريطاني، وهم يقفون جانبهم ويشهرون أسلحتهم.
وأظهر مشهد تالٍ العشراتِ من الزنجباريين، وهم يرتدون ثياباً بيضاء، أشبه بالأشباح داخل حظيرة مسيجة.
مقابر المسلمين مسرح للمجزرة
وأشارت معلومات مرفقة بالفيديو، إلى أنه تمّ تحويل مقابر المسلمين إلى مسرح للمجزرة، ويبدو نساء وأطفال يرتجفون من الخوف تحت تهديد السلاح. وفي مشهد تال تظهر مقابر جماعية كبيرة وهائلة نصف مليئة بجثث الضحايا.
فيما بدا في مشهد آخر العشراتُ من الضحايا، وهم مكدسون في حفرة كبيرة، وربما كانت عملية إطلاق النار الجماعي هي الجزء المرعب في المجزرة، وثمة عشرات الجثث التي قتل أصحابها بإطلاق الرصاص خارج الحفرة.
قرى كاملة نزحت باتجاه البحر
وبدا أهالي قرى كاملة وهم ينزحون باتجاه البحر؛ هرباً من المجزرة، ولكن الموت كان بانتظارهم عند وصولهم إلى السواحل.
وحاولت أعداد كبيرة يائسة الركوبَ والهروبَ بقوارب عالقة بالرمال، بسبب انخفاض مد البحر.
وأظهرت مشاهد من اليوم الأول بعد بدء المجزرة، عشراتِ الزنجباريين وهم يركضون؛ محاولين الفرار بأرواحهم، غير أنهم باتوا جثثاً هامدة على أطراف بحيرات مجفّفة، كما يظهر في الفيديو الصادم.
تصفية وجود العرق العربي
وروى أستاذ التاريخ الأفريقي والإسلامي بجامعة “ميزوري” الأميركية عبد الله علي إبراهيم، في مقال سابق له، قصصاً مؤلمة من مقتلة العرب في زنجبار. معتبراً أنها لم تكن ثورة ضد سلطان العرب، بل قصدت تصفية وجود العرق العربي.
ووصف ما جرى بأنّه تطهير عرقي، ملقياً باللائمة على الحركة القومية الأفريقية المتطرفة، التي ترى القارة للسود حصراً، وتنظر للعرب كغزاة.
أندلس إفريقيا
وأثارت مقاطع الفيديو المستعادة أشجانَ الكثير من المغردين العمانيين، الذين لطالما اعتبروا زنجبار بمثابة الأندلس الضائعة من العرب.
وقال “بن ناجي عبد العلي” في هذا السياق: “سؤال لم أجد له أجابة، لهذه الدرجة المسلم هين و روحه هينة، ألا يدافع ألا يحارب، ألا يحمل سكين مطبخ يخدش بها يد عدوه”، وأضاف معلّقاً على الفيديو: “يساقون إلى الموت زرافات ووحدانا ويمدون أعناقهم للموت بكل طواعية؟”.
وفي السياق ذاته عقّب”ناصر”: “رغم العدد الأكثر للضحايا، ولكن هناك فقط جندي واحد بينه وبين زميله مسافة بعيدة وبندقية واحدة محدودة الرصاص”.
وأضاف: لو قام عليه اثنان أو ثلاثة لتخلصوا منه، وقد يموت منهم اثنان وينجوا البقية، أو على الأقل مقاومة وشهادة وليست موتة ذل”.
وردّ “ضرغام” : “في زنجبار تمّ نزع السلاح من أيدي العرب قبل اسبوعين من المجزرة والانقلاب؛ بحجة أن الدولة لها جيش، وهي مَن تقوم بحماية الأفراد”.
وعبّر “حسام الدين” عن اعتقاده، بأن هذه نتائج الاستعمار منذ سقوط الخلافة الإسلامية إلى الآن، وأضاف: “أصبح من يفكر بحمل السلاح ليدافع عن نفسه إرهابياً بنظر المسلمين، أكثر منه بنظر الغرب، وتولى أمور المسلمين عملاء، هدفهم تدجين الشعوب للذبح”.
وقال “أبو عبد الرحمن”: إن “العمانيين عرب ورجال، لكن واضح أنهم عُزّل مدنيون تجار أو ملاك مزارع، وعدوهم مسلح”.