من يحب ويكره أمريكا
في الوقت نفسه ينظر العرب ومن ضمنهم السعوديون إلى الساسة الأمريكيين نظرة مختلفة قوامها الغطرسة والعنجهية وعدم الموثوقية، وإلى السياسة المنافقة المزدوجة في كل شيء، فهي منافقة في سياستها الداخلية أمام الناخب الأمريكي مختلفة عن وجهها في السياسة الخارجية، فما يصرح به الرئيس الأمريكي علنا يقوم أركان حكومته من دفاع وخارجية وأمن قومي واستخبارات بزيارات خارجية يقولون فيها سرا خلاف ما أعلنه، ومنافقة من حيث مبادئها التي تقدم نفسها على أنها دولة سلام ديموقراطية تدعم الحرية واستقلالية الدول وسيادتها وعدم التدخل في شؤونها وفقا لمبدأ مونرو، نراها في الواقع تمارس دورا استعماريا وتتدخل في شؤون الدول.
القصور في الخيارات الحالية
مع كون الانفصال غير مرغوب فيه والمصالحة الواقعية غير موثوقة، حان الوقت للنظر في إعادة صياغة مفاهيم أكثر جوهرية للتفاهم الأمريكي السعودي، فإدارة بايدن تحت الضغط للتخلي عن خطاب الرئيس حول وضع القيم في قلب السياسة الخارجية الأمريكية والتوصل إلى تفاهم "واقعي" مع ولي العهد، لتأمين التزام محمد بن سلمان باستئناف الدور التقليدي للسعودية "المنتج المرجّح"، وضخ المزيد من النفط بأسعار معتدلة، وقد يتطلب كذلك جهدًا لإقناع الكونجرس بالموافقة على مبيعات الأسلحة الجديدة وتقديم الدعم الدبلوماسي والعسكري للسعوديين في اليمن فيما يواصل الحوثيون مقاومة الحل السياسي للصراع.
فوائد مثل هذه المصالحة الواقعية بديهية، إذ تعني لبايدن المزيد من النفط في السوق العالمية أي الراحة في ضخ الغاز للأمريكيين، أسعار الطاقة الرخيصة نسبيًا هي الأفضل دائمًا كقضية سياسية في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى ذلك ستتضاءل رغبة الحكومة السعودية في توسيع علاقاتها مع روسيا والصين على حساب الولايات المتحدة، ولكن ستبقى مسألة الموثوقية الأمريكية مسألة أساسية وتعيد المعضلة الأمنية تأكيد نفسها.
سيكون جوهر هذا الاتفاق الاستراتيجي الجديد هو الاتفاق على مواجهة التهديد من إيران، وبالنسبة للولايات المتحدة تظل إيران المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وجهودها للحصول على الأسلحة النووية ودعمها للقوات التخريبية في جميع أنحاء المنطقة، وطموحاتها في الهيمنة والطائفية تشكل تحديا مستمرا لمصالح الولايات المتحدة في وقت تكون فيه الولايات المتحدة منشغلة بتهديدات أكبر في أماكن أخرى، لذلك تحتاج واشنطن إلى شركاء إقليميين موثوقين قادرين على تحقيق التوازن ومواجهة طهران، ويمكن للسعودية أن تلعب دورًا مهمًا في هذا الصدد.
بالنسبة للسعودية تمثل إيران أيضًا التهديد الرئيسي لمصالحها ولا سيما الدفاع عن وطنها والاستقرار الداخلي لأصدقائها في الجوار، وهم قلقون من أن الولايات المتحدة تفضل استيعاب أطماع إيران الإقليمية بدلاً من مواجهتها، وينظرون إلى خطة العمل الشاملة المشتركة على أنها تمكين سياسات إيران العدوانية في المنطقة، ويرون أن العودة إلى تلك الصفقة ستكون لها نتيجة مماثلة، وفي الواقع مع اقتراب إيران من عتبة الأسلحة النووية فإن السعوديين يركزون على الكيفية التي يمكن أن تتحملها القدرات النووية، وهذا يفسر سبب طرح محمد بن سلمان الفكرة مع مسؤولي إدارة بايدن الذين التقوا به مؤخرا بضمان أمني مماثل لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) ، حيث أي هجوم على المملكة العربية السعودية سيعامل على أنه هجوم على الولايات المتحدة.
إعادة تصور العلاقة الأمريكية السعودية
سيتطلب هذا الاتفاق الجديد من الولايات المتحدة الاعتراف بالأهمية المتزايدة للسعودية بالنسبة لأمريكا في الشرق الأوسط، وستحتاج السعودية إلى الاعتراف بـالمسؤوليات التي تتولاها باعتبارها ركيزة الاستقرار في نظام شرق أوسطي تدعمه الولايات المتحدة، وعلى هذا الأساس سيحتاج الجانبان إلى التفاوض على حزمة من الخطوات المتبادلة يلتزم فيها كلا الجانبين بالتزامات متوازية، تتطلب المحتويات الدقيقة لهذه الحزمة تفاصيل التفاوض، ولكن يمكن تحديد العناصر الأساسية نظرا لعدم وجود الثقة الآن في العلاقة، ولصعوبة بعض الخطوات سيكون من الضروري اعتماد نهج تدريجي، ووضع اللبنات الأساسية أولاً وبناء هيكل أكثر تفصيلاً، ومع مرور الوقت يظهر كل جانب التزامه وموثوقيته، مع ذلك سيكون من المهم الاتفاق على خارطة طريق منذ البداية.
ستحتاج الولايات المتحدة للتعامل مع فجوة الموثوقية إلى الاستعداد لتقديم ضمانات أمنية للسعودية يمكن أن تأتي بأشكال متنوعة. التزام معاهدة شبيهة بحلف الناتو بأن الهجوم على السعودية كالهجوم على الولايات المتحدة يتطلب ضمانة رسمية يوافق عليها ثلثا أعضاء مجلس الشيوخ، ويمكن للولايات المتحدة إعادة التأكيد على عقيدة كارتر بمنع أي قوة معادية للسيطرة على منطقة الخليج، ويمكن بعد ذلك الاتفاق مع السعودية كما فعلت مع سنغافورة من أجل الدخول في إطار عمل استراتيجي.
نحن وأمريكا... من أي زاوية أتحدثنحو صياغة ميثاق استراتيجي للقرن الحادي والعشرين
تختلف الأحكام في علاقة المملكة العربية السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية كما تتنوع المواقف من أمريكا بالنسبة للسعوديين ومن السعودية بالنسبة للأمريكان، وتتفاوت المواقف الرسمية بناء...
www.alwatan.com.sa