الشيخ بوعمامة.. المقاوم الجزائري الذي خانه ملك المغرب
قُبيل أيّام ظهر مقالٌ بتاريخ 7 جويلية 2022م، بموقع “TRT العربي” بعنوان “مجاهدٌ مغربي قاد مقاومة الجزائر المبكرة.. من يكون الشيخ بوعمامة؟” قبل أن يضطر الموقع إلى تعديل العنوان بكتابة “مجاهد قاد مقاومة الجزائر المبكرة”، وذلك بعد أن تفاعل الجزائريون بقوّة ضدّ هذا العنوان الكاذب الذي يبدو أنّ كاتبَه فهِم أنّه ليس من السّهل تزوير تاريخٍ مكتوب وأنّ الأمجاد تُبنى بسواعد الرّجال ولا تُكتسبُ بالسّرقات والاستغفال.
وما دام المخزن لا يتوقّف عن هكذا محاولاتٍ بائسة لادّعاء أمجاد زائفة، فلا بأس أن نذكّره بخيانة ملوكه للشيخ بوعمامة، وذكّر فإنّ الذكرى تنفعُ الخائنين، وكما يقال “على نفسها جنت مرّاكش.. عفوا براقش”.
ينتمي الشيخ بوعمامة إلى أسرة أولاد سيدي الشيخ الجزائريّة التي شملت مجالاتها مناطق فكيك وتوات وبشار والبيض وعين الصفراء، وقد ثارت ضد فرنسا منذ أفريل 1864م، وشهد الجنوب الجزائري بداية من 1869 وإلى غاية 1876م عدّة عمليات عسكرية قادها شيخهم قدور بن حمزة ضدّ الفرنسيين.
وقد وُلد بوعمامة بقصر الحمام الفوقاني بفكيك سنة 1838م وكانت فكيك في تلك الفترة لا تزال ضمن النفوذ الجزائري وتابعة لإقليم الصّحراء قبل معاهدة لالّة مغنية سنة 1845م.
وحتّى بعد معاهدة “لالّة مغنية” ظلّ أولاد سيدي الشيخ غير مكترثين ببنود هذه المعاهدة ولا يخضعون لأي سلطة، فكان الشّيخ إبراهيم بن التّاج جدّ الشيخ بوعمامة سيّدا مستقلا، وقد تمكّن من هزيمة سلطان الأسرة الفلالية مولاي الرشيد الذي حاول أن يُخضعه بالقوّة.
وفي سنة 1875م غادر الشيخ بوعمامة وعائلته فيكيك نهائيا عام 1875م، ربّما بسبب مضايقة جيش المخزن لأسرته، لذلك انتقل إلى مغرار التحتاني بجنوب الجزائر الغربي، وهناك مُنحت له قطعة أرض أسس عليها مسكنا، وأسس بها زاوية وتبنّى الطَّريقة الشيخية.
بدأ الشيخ بوعمامة من زاويته الجديدة يشحن أتباعه ويجهّزهم للثورة على الفرنسيين ومواصلة الجهاد ضدّهم، وفي سنة 1881م قُتل الملازم وانبرينر (WEINBRENNER) عندما حاول أن يعتقل الشيخ الطيب الجرماني من أولاد سيدي الشيخ ليُعلن بعدها الشيخ بوعمامة الثّورة ويرفع علم الجهاد.
إنّ ثورة الشيخ بوعمامة التي قادها جزائريٌّ ينتمي إلى أسرة جزائرية دفاعا عن قريبه الجزائري “الطيب الجرماني” سرعان ما انضمّت إليها عدّة قبائل جزائرية مثل الرزاينة وأولاد خليفة وحميان والطرافي وأولاد التومي وأولاد أحمد وقبائل عمور والشعانبة لتتسع الثورة في سائر القطر الجزائري، وينقل الشيخ بوعمامة معاركه إلى التلّ الجزائري.
وكان المغرب يرى أنّ الفرنسيين بدأوا يُوسّعون نفوذهم في الصحراء وأدرك أن معاهدة لالة مغنية ما هي إلا حبر على ورق، فسرعان ما صارت مراكزهم العسكرية تُقلِّص نفوذه، لذلك حاول أن يبتزَّ الفرنسيين مجدّدا ويضغط عليهم وذلك بالتواصل مع بوعمامة من أجل استغلال نشاطه لغرض التحكم في الصحراء وتحقيق بعض المصالح التوسعية، ورغم إدراك الشيخ بوعمامة لخيانة المخزن إلا إنّه فضّل التعامل معه لأنه يمثّل حينها أقرب سلطة شرعية إسلاميّة يمكن التعامل معها.
وتؤكد إحدى الرسائل التي وصلت من سلطان القسطنطينية حينها وأيضا من سلطان المغرب مولاي عبد العزيز ومن حاكم تافيلالت مولاي الرشيد أنّ بوعمامة كان مستقلّا لا يخضع لأي سلطة فقد اعترفوا له فيها بأنّه شيخ الشيوخ للمنطقة الصحراوية.
وبعد ضغط السلطات الفرنسية على ملك المغرب وتقديمهم لبعض العروض لصالحه، تمّ إبرام اتفاقية في 20 جويلية 1901م بباريس بين كل من عبد الكريم بن سليمان وزير خارجية مولاي عبد العزيز وديلكاسي وزير خارجية فرنسا. وبعدها بسنة جاءت اتفاقية أخرى والتي صادق عليها من الجانب المغربي وزيرُ الدفاع الجباص.
بموجب هذه الاتفاقيات غيّر سلطان المغرب موقفه المساند ظاهريا للشيخ بوعمامة وبدأ يكتب له يدعوه لمغادرة فكيك، كما راسل على إثر ذلك سكان البلدة يطلب منهم عدم التعاون معه، وللأسف وجد الشيخ بوعمامة نفسه يتعرّض لهجمات من طرف جيش المخزن المغربي المتحالف مع الجيش الفرنسي، وهو ما يُذكرنا بما كتبه الأمير عبد القادر الجزائري إلى علماء الأزهر الشريف من أسئلة يشتكي فيها بكل مرارة خيانة ملك المغرب وتحالفه مع الفرنسيين.
رأى الشيخ بوعمامة ضرورة قتال هذا الملك الخائن، لذلك انضم إلى ثورة الجيلالي الزرهوني المدعو بالروقي بوحمارة وذلك سنة 1903م.
لم يكتف ملك المغرب بقتال الشيخ بوعمامة بل أمر حاكم وجدة بأن يتنازل عن “رأس العين” لصالح الفرنسيين وذلك من أجل القضاء على ثورة بوعمامة فاضطرّ هذا الأخير إلى الانسحاب جنوبا.
وللأسف فإنّ حاكم وجدةلم يجد حرجا في طلب المساعدة من الفرنسيين لأجل ضرب معاقل الشيخ بوعمامة والمجاهدين الجزائريين فقد أرسل أحمد ركينة سنة 1904م إلى حاكم عين الصفراء الفرنسي يطلب منه المساعدة للتخلص من بوعمامة ورجاله والقضاء عليه. وتُعتبر معركة سماسير من أشهر المعارك التي استشهد فيها شقيق بوعمامة محمد بلحاج ضد الجيش المخزني.
وحين فشل المخزن المغربي في تحقيق مراميه الساعية للضغط على بوعمامة أو القضاء عليه، لجأ إلى أسلوب رخيص وهو أسْر ولَدِ الشيخ بوعمامة سي الطيب سنة 1905م فتمّ الزجّ به في أحد سجون فاس بيْد أنّ الشيخ بوعمامة لم يزدد إلا إصرارا.
إنّ الشيخ بوعمامة قال يوما لابن عمه أحمد بن المنتور: “لن أستسلم ما بقيت حيا لا للفرنسيين ولا للسلطان مولاي عبد العزيز، وأنا على أتم الاستعداد للالتجاء إلى الجنوب مجددا بحثا عن الاستقلال والحرية”.
ومؤخّرا كشف المخزن المغربي عن رسالة من عبد السلام الوزاني زعيم الزاوية الطيبية بالمغرب الأقصى إلى الحاكم العام تتضمن إعلامهم بأخبار عن الشيخ بوعمامة وذلك بتاريخ 18 أفريل 1888م وهي الفترة التي كان يدّعي فيها الملك المغربي تحالفه مع الشيخ بوعمامة.
وبعد هذه الأدلة التي تؤكّد خيانة ملوك المغرب للشيخ بوعمامة، نطالب أي مغربي شريف أن يعتذر نيابة عن ملوكه المتخاذلين عن هذه الخيانات المتكررة للثوّار الجزائريّين وكذا عن السّرقات المتعمّدة لأعلام الجزائر وأبطالها.